مع الإحترام الشديد للمناضل الكبير " محمد بن سعيد آيت إيدر "، الذي لا يختلف اثنان حول مواقفه الثابتة و مساره النضالي النظيف، فإن موقفه ورفاقه في حزب " اليسار الإشتراكي الموحد " الرافض للمشاركة في المشاورات المتعلقة بالتعديلات الدستورية، والتي يجريها المستشار " محمد معتصم " مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية، يبدو متسرعا و غير مدروس. بل إنه لا ينسجم مع المنهجية الديموقراطية التي ينادي بها هذا الحزب.
قال المناضل اليساري الكبير محمد بن سعيد آيت يدر في معرض تبريره لهذا الموقف: إن حزبه لا يمكن أن يجلس إلى جانب " أحزاب إدارية هي المسؤولة عن الفساد السياسي في البلاد". و الحقيقة أن هذا الكلام لا يعبر عن واقع الحال، فهذه الأحزاب السياسية التي يرفض الحزب اليساري الجلوس إلى جانبها هي ذاتها الأحزاب التي دخل غمار المنافسة ضدها في الإستحقاق الإنتخابي سنة 2007، والتي فاز فيها تحالف اليسار الإشتراكي الموحد و الطليعة و المؤتمر الإتحادي بستة مقاعد. و هذا يعني أن ممثليه في البرلمان يجلسون باستمرار مع ممثلي نفس الأحزاب التي يرفض اليوم مجالستها في الإستشارات الدستورية. و عندما قرر الحزب المشاركة في الإنتخابات الأخيرة من منطلق ضرورة التغيير من الداخل، كان يعرف جيدا طبيعة التركيبة السياسية في البلاد و نوعية الأحزاب التي تتنافس في هذه الإنتخابات. وهذا يعني أن هذا الموقف لا ينسجم مع الإختيارات السابقة للحزب، لأن المشاركة في اللعبة السياسية تقتضي أن يتحمل الحزب اختياراته، ويحاول فرض تصوره و الدفاع عن رأيه بخصوص التعديلات المرتقبة في إطار الحوار المفتوح حول الدستور. و ليس كل من جلس مع من يخالفه في التوجهات متناقضا مع مبادئه... أما مقاطعة الإستشارات حول الموضوع فهي تليق بمن رفض منذ البداية الإنخراط في المشاركة السياسية و فق القواعد المعمول بها. لذلك فإن هذا القرار يليق بحزب " النهج الديموقراطي" مثلا لأن عدم مشاركته في المشاورات يأتي في سياق موقف واضح و معبر عنه من طبيعة الممارسة السياسية في المغرب.
لو كان قادة " اليسار الإشتراكي الموحد " قد طلبوا مهلة لاستشارة القواعد الحزبية في الموضوع، لكان ذلك أفضل بكثير من هذا الرفض المباشر. و هذا يجعلنا نتساءل عن طبيعة الخطابات و الشعارات الديموقراطية التي ترفعها كل الأحزاب المغربية دون أن تظهر في سلوكها ما يثبت إيمانها و تشبثها بالديموقراطية. فأغلب القرارات تصدر من أعلى دون العودة إلى القواعد. و كل المواقف التي أعلنتها الأحزاب عندما تم استدعاؤها للقاء مع المستشار الملكي تمت بدون استشارات داخل هياكل الأحزاب. لذلك فإن التصحيح الحقيقي ينبغي أن يبدأ من العمل الحزبي الذي فقد تأثيره إلى حد بعيد. و لأن حزب " اليسار الإشتراكي الموحد " يستند إلى مرجعية فكرية واضحة، و يحمل مشروعا سياسيا طموحا فإنه مطالب بأن يجعل نفسه واحدا من الأحزاب التي يمكن التعويل عليها في المستقبل، نظرا لأنه ظل حتى الآن بعيدا عن صنع القرار، لكن هذا الطموح لا يمكن بلورته إلا من خلال الوفاء الحقيقي للديموقراطية كممارسة و سلوك، وليس كشعارات فارغة المحتوى... ثم إن واقع اليسار "غير الحكومي " في المغرب يعيش حالة من الضبابية تؤثثها المواقف المتضاربة بين أقطابه. و لا يبدو أن فرقاءه السياسيين يتواصلون فيما بينهم. إذ لاحظ الجميع كيف أن النقاش الدستوري قد أبرز التناقضات بين أطياف هذا اليسار. و بغض النظر عن المواقف المعروفة لحزب " النهج الديموقراطي " الذي ظل وفيا لخط يساري جذري، فإن تحالف الأحزاب الأخرى التي شاركت في الإنتخابات التشريعية السابقة ( الإشتراكي الموحد و المؤتمر الإتحادي و الطليعة ) يدعونا إلى طرح كثير من علامات الإستفهام بشأنه. فإذا كان " اليسار الإشتراكي الموحد " قد رفض دعوة الحوار لأنه لا يريد الجلوس مع أحزاب فاسدة، فإن حزب " الطليعة " قد وافق على المشاركة في الحوار، و هو ما برره النقيب " عبد الرحمان بن عمرو " الذي حضر اللقاء مع المستشار الملكي، و هو نفس الموقف الذي اتخذته قيادة حزب " المؤتمر الإتحادي ".
هكذا إذن تبدو مواقف اليسار المغربي " غير الحكومي " متذبذبة و غير واضحة. و بالرغم من الإتفاق حول الثوابت المرجعية التي تتأسس عليها ، فإن الواقع يثبت أن " الجمعية المغربية لحقوق الإنسان " تجمع مكونات اليسار أكثر من أن تجمعها أفكار و برامج سياسية مشتركة. محمد مغوتي.
التعليقات (0)