لا أريد أن أكرر ما تردد كثيرا من أن رد فعل السعودية تجاه ما حدث أمام سفارتها فى مصر لا يتناسب مع الحدث , وأن سفارة السعودية لم يتم اقتحامها , ولا إلقاء الطوب على مبناها , ولا الإعتداء على أحد موظفيها , مجرد بعض الشباب الذى أزعجه ما حدث لمواطن مصرى من النشطاء فى مجال حقوق الإنسان من احتجاز فى المملكة بتهمة يرى الكثيرون أنها ملفقة , هؤلاء قد هتفوا هتافات وكتبوا بعض اللافتات التى ربما يكون بعضها قد حمل عبارات حادة , ولكن يبقى أن هذا قد تم فى إطار الاحتجاج السلمى , وأنا أعرف أن بعض الدول قد قامت بينها حروب ولم يتم سحب السفراء لتظل قنوات التفاهم مفتوحة . إن سحب السفير السعودى له قراءة واضحة هى أنكم أيها المصريون فى حاجة إلى السعودية وأن هذه الحاجة تتركز فى أمرين هما اولا . حجم العمالة المصرية الموجودة بالسعودية وأنه فى حال إبعادها ستمثل مشكلة اقتصادية واجتماعية لمصر . ثانيا حجم المساعدات التى وعدت السعودية بتقديمها لينهض الاقتصاد المصرى من عثرته . مصر مأزومة إذن ومن ثم لا يحق لشعب محتاج أن يرفع صوته ضد ما يتصوره ظلما قد حل بأحد أفراده , . وقد تصرف المسئولون المصريون وفق هذا المفهوم المهين وفى مقدمتهم السفير المصرى فى السعودية الذى أدان أحد رعايا سفارته قبل أن يدينه القضاء السعودى فى تصرف غريب ومعيب لم تتم مساءلته عليه ! والسبب واضح أنه لا كرامة لمحتاج , وفى نفس السياق تم اعتذار القيادة المصرية ممثلة فى مجلس مبار ك العسكرى , كما تم اعتذار سعد الكتاتنى رئيس مجلس الإخوان المسلمين . . هناك قول مأثور يقول ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) . لست أدرى أهو قول مأثور أم حديث شريف ؟ . فى كل الأحوال فقد تم إدارة الأزمة بين البلدين من هذا المفهوم , وهو أن الذى يعطى هو الأعلى شأنا , هو صاحب الفضل والمنة , من هنا لا يجوز لصاحب اليد السفلى أن يرتفع له صوت أو أن يطلب المعاملة بمبادئ حقوقية ومعايير دولية , عليه أن يلتزم الأدب وأن يعرف مكانه ومكانته , عليه أن يعمل بالمثل الشعبى ( اطعم الفم تستحى العين ) ومصر قد تعاملت بلا حياء لأنها لم تجمع المتظاهرين حول السفارة السعودية وتزج بهم فى السجون , بل لماذا لم تطلق حكومتها عليهم الرصاص الحي أو تدهسهم بالدبابات وهى لن تستطيع الادعاء بأنها حريصة على أرواح مواطنيها ,فقد فعلت ذلك فى مناسبات أقل شأنا مع المتظاهرين أمام ماسبيرو , وفى شارع محمد محمود . إن للسعودية منطقها إذن فى رد فعلها الشديد تجاه أصحاب اليد السفلى , وبصدق وصراحة أنا لا ألوم السعوديين فى موقفهم , فلكل دولة أن تتصرف وفق مصالحها تبعا لرؤيتها لموازين القوى أمامها , ولكن اللوم كله يتوجه لنظام الحكم العسكرى فى مصر الذى أفقر شعبها والذى سيطر على مقدراتها من أكثر من ستين عاما , ولا زال هذا النظام قائما بكل سلبياته بل وعجزه , وافتقاره للهدف والقدرة على توظيف طاقة الشعب المصرى وإمكاناته العظيمة وثروات بلده المنوعة التى شاءت المقادير أن تضعها فى يد مجموعة من القادة هم الأقل ذكاء وحكمة والأبعد عن أن يكونوا أهلا لإدارة وطن مثل مصر ابتداء من عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وانتهاء بطنطاوى والكتاتنى
التعليقات (0)