ما اكثرها الاشياء الصغيرة التي تتحصل على القدرة في بث الآمال الكبيرة في النفس ان كانت في الوقت والمكان المناسبين..وما اكثر السحر الذي تبثه بعض المناسبات التي قد تبدو للناس كتوافه الامور ولكنها من الممكن ان تشكل اندفاعات حماسية مؤملة للبعض الآخر..ففنجان من القهوة قد لا يشكل حدثا تاريخيا لاي كان..ولكنه لو كان اثناء البحث عن مخرج لازمة اختيار رئيس الوزراء في العراق ..وان كان في مكتب رئيس المخابرات المصرية فانها ستقود المرء الى اطلاق التصريحات النارية فورا..
وتتدخل في هذه المسألة ايضا امكانيات و وروحية وكرم صانع القهوة ومدى احترافه للطريقة والاسلوب الامثل لتقديمها..فان كانت قهوة المقرن الفخمة والمعطرة بالهيل قد حدت ببعض الفرقاء الى اعلاء الخطاب بالتمسك بحق القائمة العراقية القانوني والدستوري بتشكيل الحكومة العراقية فان قهوة عمر سليمان السادة قد دفعت بالسيد صالح المطلك مباشرة الى اعلان امكانية التنازل عن منصب رئيس الوزراء لأي شخصية وطنية باستثناء زعيم ائتلاف دولة القانون ومرشح التحالف الوطني نوري المالكي،شاهرا سيف الدعم المصري لتوجهات القائمة العراقية العروبية.
فما اشبهه ببيان البيانات..وما اقربه الى اعلانات الرقم واحد العتيدة.. ذلك التصريح المؤثر والحماسي والذي لا تنقصه الا موسيقى المارشات العسكرية المصاحبة..الذي اجهر به السيد صالح المطلك ..النائب السابق ورئيس جبهة الحوار الوطني..اثناء زيارته الى القاهرة.. والذي جاء استكمالا لبيانه الاكثر انفعالية الذي اعقب اعلان السيد حيدر الملا.. الناطق الشخصي للسيد المطلك واحد المتحدثين الكثر باسم العراقية..والذي جاء كرد لا يخلو من بعض الانفعال والهستيرية الاستباقية على التسريبات التي تحدثت عن اتفاق التحالف الوطني على اختيار السيد نوري المالكي ليكون مرشحه لمنصب رئاسة الوزراء..الذي هدد فيه باسم جميع اعضاء القائمة الفائزين بالانتخابات وباسم زعيم تجمعه-والذي هو ليس منهم- بالانسحاب من العملية السياسية برمتها في حالة تشكيل الحكومة من قبل مرشح التحالف الوطني اللهم الا من يحوز رضا السيد المطلك..
ونحن هنا لا نجد الا ان نشد على ايدي المطلك ونهنئه على هذا القرار الشجاع بالانسحاب من عملية مجتث منها اصلا..وليس لنا الا ان نقول بانه خيرا فعل..فان السيد المطلك وما يمثله من توجه كان ولفترة طويلة من الاضرار الجانبية للعملية السياسية..وكانت لخلفيته المؤيدة للتيارات المعادية لتطلعات الشعب العراقي دورا بالغ السوء في احباط اي تفاهم ممكن ان يفضي الى تشكيل حكومة ذات جبهة عريضة قد تكون ضرورية لادارة البلاد في المرحلة الراهنة مستخدما في سبيل ذلك الهدف كل الوسائل المتاحة بغض النظر عن شرعيتها..وذاكرة الشعب ما زالت تختزن ادعائاته المضخمة بانهيال العروض عليه باعلى المناصب او تبنيه لخطاب استحواذي اقصائي اعقب اعلان نتائج الانتخابات-التي لم يشارك بها-..مطالبته بمنصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء للقائمة العراقية واستخفافه بقرارات المحكمة الاتحادية والتبشير بتغييرالدستور وتعليق قوانين وقرارات المسائلة والعدالة..
لقد كان على السيد المطلك وهو العضو البارز في مجلس النواب السابق ان يدرك بان التاريخ لا يكتب مرتين..وان المفروض بمن يدعي ريادته لمشروع وطني ان ينظر بعين منصفة الى حقائق الحياة وان يدرس عبرها وان يستخلص من تجاربها الرؤية التي تضع الوطن والانسان في مقدمة امالها..وان يستوعب ان المرحلة لا تتحمل التقافز المربك ما بين حبال المصطلحات المنتحلة الزائفة المراد بها اخفاء توجه شوفيني مغلق مختل عفا عليه الدهر والزمان وارادة الشعب العراقي العظيم..
ان التلبس المزمن لدى التوجه الذي يمثله السيد المطلك للاستعارات الايديولوجية المتماشية مع الظرف الآني اللحظوي الانتهازي كان له الاثر الطويل والمتقادم على تشويه واستلاب الانتماء الوطني الاصيل الحر للشعب العراقي وتغريب علاقته بهويته الوطنية من خلال بودقتها في مفاهيم تتراقص ما بين فكر شوفيني غير محدد المعالم ..الى تلفع برداء ديني فضفاض يعيد تسمية الاشياء وتزييف وقائعها وربطها بولاء قسري بفكر وعقيدة الدولة الشمولية المنتحلة لفكرة ان لا عراق بلا استبداد ولا مستقبل بلا ديكتاتورية وان الامور لن تصل الى غاياتها الا بربط العراق الى نير القمع والالحاق بركب الارهاب والزج به في قائمة جديدة متطاولة من النزاعات الارتزاقية او الحروب العبثية المهلكة..
نشد على يد الزعيم القومي الكبير..ونجرؤ ان نهمس باذنه انه سيكون للتحالف الوطني مرشحا..وانه لن يطمع برضاك على وجه التأكيد ..فنرجو ان تكون على قدر المسؤولية وان تحاول التلاقح البناء مع الواقع العراقي الجديد او ان تتنكب تماما طريق المسيرة الديمقراطية العراقية..وان تجنب عمليتنا السياسية النصائح القادمة من ملفات عتيقة متربة مرمية في احد الادراج المنسية في بعض المكاتب المنشغلة بملفات التوريث او المأزومة بذهان اللاشرعية والتي تعض علينا الانامل من غيظ تجربتنا الديمقراطية الوليدة..فلا حاجة لنا بتلك الرؤى ولا الافكار..ولا حاجة لنا بك ايضا..او لست مجتثا من العملية السياسية يا سيدي..
نحن نتطلع الى القوى العقلانية في القائمة العراقية والتي تحمل فكرا وطنيا ومشروعا سياسيا نثق بنواياه واهدافه ونتطلع الى دعمها لامال وتطلعات الشعب العراقي العظيم والعمل على قيادته مع القوى السياسية الشريكة في درب البناء والتقدم والازدهار..والتي نؤمن بقدرتها على استنباط العبر والطروحات من عظمة وسمو التضحيات التي قدمتها الجماهير المؤمنة بالتحرر والانعتاق والاستقلال وبناء التجربة الديمقراطية الحرة..والتي ننتظر منها صدق الوعود بالعمل لخير الشعب وعزة الوطن ووحدة الارض..ومن حقك ومن حق اي عراقي شريف يؤمن بهذه المبادئ ويتحلى بهذه الصفات الانسانية ان يجد ايادي الوطن والشعب مشرعة لاحتضانه ورفعه على الاكف ووضع مقدمة الركب في يمينه ليقوده نحو طريق الخير والعزة والسلام.
ونحن نتأمل منكم ان تدعموا هذه التوجهات الوطنية ضمن القائمة العراقية من خلال ممثلي جبهتكم..اما اذا كنت يا سيدي تحاول ان تعلي من مشروع ربط العراق بمشاريع اقليمية منتهية الصلاحية مع انظمة فاقدة للشرعية والتأثير الحقيقي الخير والمثمر على حركة الاحداث..مرة باسم العروبية ومرة باسم الاسلام الطائفي المغلق ومرة باسم الاخوانية او مرة تحت شعار البعثي للبعثي كالبنيان المرصوص..او لو كنت والفكر الذي تمثله لستم مستعدين ذهنيا ولا عمليا من التطهر من اليات وممارسات ورواسب الحكم الديكتاتوري السابق..فيجب ان تعرف انك والفكر الذي تمثله –ومع كل الاحترام الواجب لشخصكم الكريم-لست مفيدا للعراق في هذه المرحلة..ولن تكون الا كحجر عثرة صغيرة لن يقوى على عرقلة مسيرة العملية السياسية .. ولا ايقافها ..ناهيك عن طموحك باعادتها الى الوراء..فاتمنى عليك يا سيدي ان لم تستطع ان تنفعنا وتساعدنا على لملمة وترميم وتنظيم بيتنا العراقي الكبير..والذي لا نملك غيره..ان تنفذ وعيدك وان تتركنا ..وفي العراق متسع لكي يعيش به للجميع ..وتستطيع ان تدعو فيه للعروبية ما شئت.. او لك ان تبقى في عمان..او ان تذهب حيث تشاء..حتى لو كان الى حيث القت رحلها..
التعليقات (0)