الجنرال (يوسوك) يهاتف (بوش الأب) متجاوزا (شوارزكوف):
الفيلق السابع الأمريكي بين فكي كماشة ودروع الحرس الجمهوري يستعد للهجوم المقابل
في الساعة 800 من صباح يوم 28 شباط 1991 أعلن العدوانيون عن وقف إطلاق النار بأمر الرئيس الأمريكي آنذاك (بوش الأب).. وقد تلقى القسم الأكبر من حلفائه هذا الأمر عبر الأثير من خلال خطابه المعروف الذي أعلن فيه عن وقف إطلاق النار من طرف واحد.
فلماذا أوقفت واشنطن إطلاق النار من جانب واحد في قرار مباغت ومن غير شروط، ولماذا أجلت الحرب البرية اكثر من مرة قبل ذلك، وما أسباب سحب قطعات الفليق السابع الأمريكي، وكيف فاجأ العراقيون القوات المتحالفة؟!! هذا ما سنتعرف عليه.. بعد عمليات 2 آب بشهرين وتحديدا في شهر تشرين الأول 1990 حددت إدارة الشر الأمريكية القائد قوات العدوان (شوارزكوف) الأهداف الحقيقية لقواته، وقد ورد في إحدى الفقرات العبارة التالية "تدمير قوات الحرس الجمهوري تدميرا كاملا" لقد ترجم قائد قوات العدوان نص التوجيه إلى عبارة مهمة حددها في اجتماع مهم مع قائد الفيلق المدرع السابع الأمريكي ومجموعة من هيئة الركن في قيادته "لا أريد تقارير عن الاشتباك مع قوات الحرس الجمهوري أو أن تقولوا أننا أحطانهم أو طوقناهم أريد أن تدمروهم.. أريد تدمير الحرس الجمهوري"، وعلى هذا الأساس كانت قوات التحالف العدواني قد وضعت خطة نارية مكثفة بحيث يكون نصيب كل هدف من أهداف الحرس الجمهوري (42) طنا من المتفجرات تقوم بقذفها طائرات الشبح وطائرات B52 الستراتيجية ونفذت تلك الستراتيجية على مدى (38) يوما من القصف الجوي والصاروخي والمدفعي ونظرا لكون القوة العسكرية العراقية ظلت مبهمة بشكل شبه كامل للقوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها فقد أجلت الحرب البرية اكثر من مرة بسبب شحة المعلومات عن القوات العراقية فبعد أسبوع واحد من بدء العمليات الجوية الأمريكية الأطلسية ضد العراق قال (ديك تشيني) وزير الدفاع الأمريكي حينذاك لإذاعة (صوت أمريكا) "إن الصفحة الأولى في طريقها إلى الاكتمال وبعد يوم أو يومين سوف تبدأ الصفحة البرية" وبعد يومين وبدلا من الشروع بالصفحة البرية اعترف مسؤول عسكري أمريكي لإذاعة لندن "إن كل المواقع التي دمرت بما فيها مواقع الصواريخ خادعة" وأعقبه مسؤول عسكري أمريكي آخر بتصريح أكد فيه "إن العراق خدعنا لقد خربنا الخشب والورق في طلعاتنا" وهكذا استطاع جندنا الميامين امتصاص زخم الهجمة الجوية الأولى وبالمقابل كانوا يخططون لجر القوات الأمريكية الأطلسية المتحالفة إلى حرب برية حتى جاءت اللحظة التي اعتقد فيها العدوانيون أنها المناسبة لتحقيق أهدافهم، ففي يوم 24 شباط 1991 اندلعت المعركة البرية بين قوات الطرفين حيث شن التحالف العدواني بقيادة أمريكا هجوما بريا على قواتنا المسلحة الباسلة فقد وضعت خطة تعرضية هدفها السيطرة على طريق الناصرية ـ البصرة أولا، ومن ثم التقدم نحو البصرة (الهدف السوقي) من عدة اتجاهات أهمها (خط اللحيس، الزبير) و(خط الرميلة الشمالية) حيث تتواجد أهم آبار النفط العراقية وخاصة بئر (نجمة) المكتشف عام 1987، ثم السيطرة على آبار النفط في جنوب العراق ولتعزيز هذا الهجوم انطلقت (400) طائرة مروحية مرة واحدة من القاعدة الستراتيجية التي سميت (هدف الأفعى) وكانت غايتها خلق حالة من الهلع في نفوس رجال الحرس الجمهوري.
لقد أسندت مهمة الهجوم البري إلى الجنرال (لاك) حيث وضعت تحت أمرته ثلاثة فيالق أمريكية هي السابع والثالث والثامن عشر المحمول جوا إضافة إلى فرقة مدرعة مع لواء مدرع بريطاني وفرقة مدرعة فرنسية وقوات أخرى، في المقابل كانت القوات العراقية المدافعة قد شيدت مواقع بديلة سرية لقيادات الألوية والفرق والفيالق ومواقع أخرى للقوات المقاتلة في الميدان حيث تخللت فترة القصف انتقالات واسعة للقوات العراقية للمواقع البديلة وبطريقة في غاية السرية والتمويه، وفي هذه الحركة استطاعت قواتنا المسلحة تبديد جهود شهور كاملة من الرصد والاستطلاع والمراقبة من قبل القوات المتحالفة، وفي الوقت ذاته بددت جهود العدو في القصف الجوي والصاروخي الذي ظل يستهدف المواقع الأولى التي رصدت من قبله إبان التحضير للحرب، ولم تكتف قواتنا بالمواقع البديلة كإجراء أساسي لتضليل العدو بل اتخذت إجراءات هائلة للحد من تأثير الأسلحة الأمريكية والأطلسية على القطعات العراقية، هذا فضلا عن إنشاء مواقع وهمية ووضع دمى تشبه الدبابات والمدفعية وأجهزة الاتصال وغيرها من التجهيزات والأسلحة، وما أن اصطدمت قوات التحالف (الفيلق السابع الأمريكي) بوحدات الحرس الجمهوري وبالذات قوات (المدينة المنورة) وقوات (توكلنا على الله) حتى اكتشفت أن هذه القوات لا تزال بكامل عددها وعدتها، حتى أن قائد الفيلق السابع وبسبب المعلومات والتقديرات الخاطئة ارتكب خطأ فادحا في إرسال قواته المدرعة باندفاع شديد إلى الأمام مما عرضها إلى الإحاطة والتطويق وعلى ضوء الموقف المعقد والمبهم والخطير من وجهة النظر الأمريكية قررت الإدارة الأمريكية التدخل حتى أن الجنرال (يوسوك) قائد الفيلق الأمريكي السابع المدرع أوضح في مكالمة هاتفية مباشرة مع كولن باول متجاوزا فيها شوارزكوف بأن قطعاته قد أصبحت بين فكي كماشة لدروع الحرس الجمهوري، كان ذلك مساء يوم 27 شباط 1991 وتوقع في مكالمته أن يكون الهجوم المقابل للانقضاض وإبادة فيلقه هو يوم 28 شباط 1991 حتى أن (جرذان الصحراء) وهو اسم يطلق على اللواء المدرع السابع البريطاني إلى جانب عدد من الدبابات الأمريكية هربت أمام اللواء المدرع الثاني حرس جمهوري واللواء المدرع العاشر حرس جمهوري واللواء المدرع السابع عشر حرس جمهوري العراقية تماما كما تهرب الجرذان وهي بهذا تستحق هذه التسمية المناسبة!!
على ضوء الموقف الذي لا يحسد عليه (يوسوك) قرر الانسحاب قبل صدور الأوامر له وطلب من بوش إيقاف القتال وهذا ما تحقق له، حيث أعلن بوش وقف القتال من جانب واحد لتلافي وصول الآلاف من الجثث الأمريكية إلى الولايات المحتدة.
إن معركة الدبابات التي جرت مساء يوم 27 شباط أكدت للقيادة الستراتيجية الأمريكية أن إمكانية حسم المعركة مع العراق لصالحها لم يعد أمرا ممكنا كما كان مرسوما ومحسوبا في الخطط وأن زمن المعارك البرية بات مفتوحا ويحمل آفاق امتداد المعركة واستمرارها وهذا يعني تقديم خسائر بشرية مفتوحة أيضا دون أن تستطيع حسمها لصالحها بزمن محدد، وتأسيسا على ما تقدم نستطيع القول بأن يوم معركة الدبابات شرق الناصرية مساء يوم 27 شباط 1991 هو يوم انكسار ودحر قوى الشر والعدوان بمعناه التاريخي والعسكري والحضاري ويستحق أن يكون يوما للدروع العراقية، وإن قرار بوش الأب بوقف إطلاق النار صبيحة يوم 28 شباط عام 1991 هو يوم ملامح النصر المبين في ملحمة أم المعارك الخالدة.
التعليقات (0)