مواضيع اليوم

الولي الفقيه يأكل ابنائه...

جمال الهنداوي

2009-06-21 20:39:10

0

كلوحة من احدى مدارس الفن الحديث..لا يكفي لتلمسها مجرد الاستحسان او الامتعاض..تبدو لنا الصورة المعقدة التي آلت لها الاحداث المريرة التي اعقبت الانتخابات الرئاسية  في ايران..فكما نضطر ان نفرد للفردية والتأثر الوجداني الجانب الاكبر من تقييمنا للعمل الفني على حساب التحليل العلمي الموضوعي..نجد ان موقعنا الافتراضي من الاحداث يقسر علينا حدود الآليات المتبعة واللازمة لاي مقاربة منطقية للازمة التي تعصف بالجمهورية الاسلامية..فتداخلنا جغرافيا وسياسيا وامنيا مع الجارة الشرقية يزيد من تشابك الصورة واستعصائها على ذهن المتلقي الذي يعاني من كثافة التحميل الباطني لمواقف جميع الاطراف المتصارعة..فمن غير المتيسر للمراقب العادي ان يتكهن الهدف النهائي لاي من المعسكرين المتنافرين -ان صحت هذه التسمية- وماذا يريد والى اي مدى سيصل..

وعلى محدودية الفضاءات التي يمكن ان نطل من خلالها على الموضوع ...نستطيع ان نقول –وبلا كثير تردد-ان ما حدث في الثاني عشر من يونيو 2009 كان اقرارا لواقع حاول الكثير تعميته والقفز من فوقه ..فالغالبية العظمى من المهتمين بالشأن الإيراني، على كثرتهم، كحلفاء او أصدقاء..او مناهضين اوأعداء، كانوا على قدر ما من التوقع لحتمية الانقسام والتشظي للثورة الاسلامية ما بين فطرة المثالية الثورية وجليد الممارسة السياسية الموحش ..فالغالب عادة هو ان تتحول القيم السامية لاي من حركات التحرر الوطنية الى شكل من شعارات التكسب السياسي لطبقة نخبوية محدودة جداً ومحمية جيداً ..

و كدول اقليم...فللنظام السياسي الشرق اوسطي الكلمة الفصل في تكوين وصيرورة اتجاهات المجتمع وتحديد خياراته المستقبلية..وكل كلام عدا هذا يكون نوع من العبث اللفظي الممل الذي لا طائل من وراءه.. فالنظام هنا يمتلك مفاتيح المجتمع ومفاصله..ويسيطر على موارد حياته..ومعيشته..ومصادر معلوماته ..وقوانينه الضابطة لايقاع ايامه.. وفي حالة جمهورية الثورة الاسلامية في ايران..فالنظام هنا يملك ايضاً دين ودنيا وآخرة وبرزخ المجتمع.. والحق في تعيين من يحق له اجتياز الصراط المستقيم ومن سوف يهوى –غير مأسوف عليه – الى  جهنم وبئس المصير..

وهذا الهوس الشبقي الاستحواذي للسلطة هو العامل الرئيس الذي دفع بالولي الفقيه آية الله العظمى السيد علي خامنئي الى الوقوف الى جانب الشق الديكتاتوري المتسلط من المفهوم السياسي العجيب المراد له ان يبدو ديمقراطياً في ايران..من خلال الترويج لفسحة التصويت"المتنفس" الممنوحة للمواطن الايراني تحت حراسة عسس مجلس تشخيص مصلحة النظام وسلطة الفقيه العليا..

لقد حسم الولي الفقيه خياره.. ما بين المواطن التعاقدي المقنن دستورياً والمشاغب والذي قد يسأل عن صوته بين الحين والحين.. وبين المواطن المؤدلج المقولب الذي لا يحتاج الا الى خطبة مؤثرة مصحوبة بنشيج مفتعل تم التدرب عليه طويلا..  خياره ما بين من يرى أن الجمهورية الإسلامية التي أسسها آية الله السيد  الخميني قد وصلت الى اواخر عمرها الافتراضي وبين من يبشر بعصر الحاكمية المؤيدة من السماء وبركات المرشد الاعلى..

لقد تخلى الولي الفقيه-بقصدية تامة- عن مظلة  ابوته المفترضة للمجتمع ..وعن تموقعه على مسافة متساوية من جميع الاطراف.. ومن موقع اكثر ارتفاعا..واختار ان يتقزم الى دور رئيس الحزب الحاكم في صورة تتماهى مع احط اساليب  النظم الديكتاتورية المتصخرة والمتدنية..وكنموذج صارخ لفشل انظمة الاسلام السياسي في منطقة الشرق الاوسط..

ولم يجد السيد علي خامنئي اي مبرر يردعه عن وصف مواطنيه وابنائه المتظاهرين المدافعين عن آخر بصيص للديمقراطية في غياهب ولاية الفقيه.. بالعملاء واعداء الثورة.. مخيرا الشعب الايراني اما بالقبول بما هو مطروح او باستمراء القمع ..القمع المعزز هذه المرة بالميوعة الامريكية الممثلة بالموقف الهش للرئيس اوباما.. الذي يبدو انه حسم امره هو الآخر تجاه الحوار مع ايران بغض النظر عن كمية الدماء التي تمر من تحت طاولة المفاوضات...

فدولة الفقيه الآن لها مخالب وانياب و قوات أمن، وحرس ثورة، وباسيج، ولديها الكثير الكثير الذي يمكنها به أن تقمع من تشاء، وتسجن من تشاء،وتقصي من تشاء بغير حساب...  تقول وزارة المخابرات الإيرانية أنها اكتشفت يوم الانتخابات مخططا لزرع قنابل في الأماكن المزدحمة ومراكز الاقتراع. وأن هناك جماعات عديدة متورطة في هذا المخطط مدعومة من قبل جهات أجنبية من ضمنها إسرائيل..ركز هنا على كلمة اسرائيل..اي ان الامر لا يحتاج الا الى الخاتمة الشرق اوسطية التقليدية المتمثلة بالاعترافات المتلفزة,لتطلق حملة اعتقالات شرسة تطال الاخضر فالاخضر فالاقل اخضراراً..

في رواية (الدوّامة) لجان بول سارتر، يقرر مجلس قيادة الثورة البدء بحملة اغتيالات منظمة دفاعا عن المكتسبات الثورية للنظام ولجما للمعارضة المتنامية، ولكن عضو المجلس الفنان المرهف المليء بالاحاسيس والمشاعر الانسانية ( دانيال) ، يرفض القرار جملة وتفصيلاً، فما كان من الزعيم (جان) إلا القول: أتفهمك ياصديقي.. لاتكن إلا كما أنت شفيفاً نقياً، فنحن بحاجة إلى (ضمير) يعصمنا من الوقوع في الخطأ ، ويؤنبنا إذا ما وقعنا فيه...ودور الضمير هذا هو ما فشل السيد الولي الفقيه ان يتقمصه..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !