في قصة مشهورة في مصر تروي أن أحمد لطفي السيد – باشا – رشح نفسه في انتخابات الجمعية التأسيسية – النيابية – على مبادئ الديمقراطية في محافظة الدقهلية قبل الحرب العالمية الأولى و عندما أراد خصمه أن يهدم دعايته أشاع أن الديمقراطية التي يدعو إليها الباشا فكرة غريبة تسمح للمرأة بان تتزوج أربعة لتتساوى مع الرجل في زواجه من أربع نساء, و كانت تلك المقولة كافية بإسقاط لطفي السيد في الانتخابات().
هكذا أسدل الستار على انتخابات مجلس الشعب المصري و بقي الوطن في انتظار محطة أخرى لإشاعة ثقافة الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة و التنافس على أساس البرامج و الرؤى السياسية و الاقتصادية و الخدماتية تكون مدخلا في إنقاذ وضع اجتماعي متأزم قارب حافة الانفجار و الانهيار و الاستجداء بالطوابير التي لا نهاية لها في اقتناص رغيف خبز أو قطعة لحم أو تزلف لمسؤول.
لقد شكلت عناوين البلطجة و العنف و الابتذال و المال و الولاء القبلي و استدرار العواطف و مخاطبة القلوب و الغرائز و المتاجرة بالمعاناة و الآلام طريقا للظفر بكرسي يرمز للمسؤولية و الأمانة و خدمة الناس و الذي تحول في زمننا العربي الرديء إلى سلة من الامتيازات التي تفتح أبواب السلطة و النفوذ و المجتمع المخملي, هذا باختصار ما حصل في انتخابات مجلس الشعب التي راهنت عليها الكثير من القوى لإحداث كوة في جدار الفساد المستشري و علاقات تحالف المال و السلطة و إعطاء حركية و لو بطيئة و محدودة لمشهد سياسي متكرر منذ أن تركت الدبابات وظيفتها في الثكنات العسكرية و اتجهت إلى المؤسسات الدستورية و الإعلامية, لكن يبدو أن الشعب كان له رأي أخر هو أقوى من النزول إلى الشارع و العصيان و التمرد فكانت لغة المقاطعة ابلغ رسالة موجهة ليس إلى مراكز القرار فحسب بل و بالأساس إلى تلك التي تسمي نفسها معارضة.
اشك كثيرا في نسبة التصويت التي أعلنت عنها اللجنة العليا للانتخابات فنسبة % 35 المعلن عنها تتناقض مع الأرقام التي رصدتها الهيئات المستقلة و التي تتحدث عن % 15 و التي اعتقد أنها قريبة من واقع حقيقي و جو انتخابي غابت عنه لغة الوطن فكان من اللازم و المفروض و الطبيعي إن يغيب صوت المواطن.
لمن نوجه اليوم اللوم و الفشل الذي أصاب انتخابات مجلس الشعب ؟
سؤال يتم طرحه دائما عقب كل انتخابات لا تختلف عن مثيلاتها السابقة في نتائجها و خطاباتها و عنفها و تشنجاتها و اتهاماتها المتبادلة بين الحكومة و المعارضة, حكومة تصر على نزاهتها و شفافيتها و مصداقيتها, و معارضة لاتزال تمتح من قاموسها المهترئ عن التزوير و المقاطعة كلما عجزت في استقطاب الشارع في معاركها الانتخابية و إقناعه بجدوى برامجها الإنمائية.
إننا نحتاج اليوم إلى إعادة تقييم للتجربة الديمقراطية ليس في مصر بل في وطننا العربي برمته, لان الأكيد أن الديمقراطية لا تقف عند صندوق زجاجي و تعددية حزبية و تنصيص دستوري, بل هي سلوك إنساني يؤمن بالحوار و المسؤولية و التنوع و الانفتاح وقبول الآخر تحت سقف واحد اسمه الوطن.