حين طالعت مسودة الدستور المصرى استوقفتنى مادة لا أحفظ نصها تماما ولكنها تتحدث عن حظر الإساءة للرموز الوطنية , أخذت أفكر فى معنى الرمز الوطنى , ومن الذى يمكن أن ينطبق عليه ذلك , ثم من الذى يحدد المعايير والصفات التى تؤهل الإنسان أن يكون رمزا وطنيا , وهل سيقتصر معنى الرمز الوطنى على رجال السياسة فقط أم سيتناول رجال الأدب والفكر والإعلام والفن والرياضة ولا شك أن فيهم من قدم خدمات لوطنه أو أسعد شعبه , أو رفع راية بلده فى المحافل الدولية ؟ هل الرمز الوطنى ينطبق على عبد الناصر أم السادات أم مبارك , أم الطنطاوى , أم مرسى ؟ وفى هذه الحالة ألا ينطبق على أمثال نجيب محفوظ , وأم كلثوم وهم بالقطع كانوا أكثر إسعادا لشعبهم أو على الأقل لم يسببوا له من الهزائم والنكبات مثلما فعل رموز السياسة والعسكر . المهم أنه لم يمر سوى ثلاثة أيام على قراءتى لهذه المادة الرموزية فى مسودة الدستور حتى حدثت فى مصر أزمة دخل فيها مصطلح الرموز مرة أخرى , فقد نشرت جريدة الجمهورية خبرا عن منع الطنطاوى وزير الدفاع السابق من السفر وكذلك رئيس أركانه سامى عنان بسبب مانسب إليهما من كسب غير مشروع بالإضافة إلى مسئوليتهما عن قتل المتظاهرين بعد تنحى مبارك عن الحكم , وبسبب هذا الخبر تم تغيير رئيس تحرير الجمهورية وتزامن مع ذلك بيان منسوب إلى مصدر مسؤول فى القوات المسلحة يتحدث عن شعور أفراد الجيش المصرى بالأسف بسبب الإساءة لرموز القوات المسلحة , وأخيرا وفى حضور الرئيس مرسى لإحدى مناورات الجيش ألقى تصريحا من تصريحاته الخطابية المرتجلة التى يسبق فيها لسانه فكره وأكد نفس المعنى أنه لا يقبل الإساءة إلى رموز الجيش المصرى , ولكى يدلل على ذلك قال إنه قد تم تغيير رئيس تحرير جريدة الجمهورية . نحن إذن أمام مشاهد خطيرة وغير مسبوقة , أولا أن تغيير رئيس تحرير جريدة أمر خارج اختصاصات أى رئيس جمهورية ثانيا أنه قد سبق النشر فى كل وسائل الإعلام ان هناك عدة بلاغات قد قدمت ضد طنطاوى وعنان تتهمهما بالمسئولية عن قتل المتظاهرين , ثالثا المعروف أن نشر خبر غير صحيح لا يستلزم سوى نشر تكذيب له والاعتذار عنه وهو ما فعله رئيس تحرير الجمهورية , رابعا على فرض حدوث مخالفة كبيرة تستدعى تغيير رئيس التحرير فهذا يتم عادة عن طريق المجلس الأعلى للصحافة بعد التشاور مع نقابة الصحفيين , ولم يحدث أن أقيل رئيس تحرير صحيفة بهذه الطريقة وبقرار فوقى مصحوب بهذا الدوى الذى أسهم فيه رئيس الجمهورية حتى فى العصر الناصرى الذى يقال إنه كان شموليا استبداديا . إننى أقرأ المشهد كالتالى -1- مسألة الرموز الوطنية تعبير يريد به الإخوان تكميم أفواه المعارضة تمهيدا لأخونة الدولة , وهم لم يستخدموا كلمة الرموز الدينية من باب سد الذرائع ولكن من الواضح أن كل رمز وطنى فى المستقبل هو بطبيعته رمز دينى -2- كل هذه الضجة انتصارا للعسكر تشى بأن الرئاسة وتنظيم الإخون يعلمون جيدا أنهم لم يكونوا ليصلوا إلى حكم مصر لولا تمهيد المجلس العسكرى الطريق أمامهم بقراراته وخاصة إجراء انتخابات برلمانية ورئاسيةارتجالية ومتسرعة قبل وضع الدستور -3- أحب أن أسأل سؤالا هو ماذا سيحدث لو قدم المحامون ورجال القانون بلاغات بها أدلة على تورط المشير والفريق فى قتل المتظاهرين , هل سيتم تجاهل ذلك لأنهما من أهل الرموز ؟ ! . إننى لا أجد فى كل حكام مصر من العسكر الذين أهانوها وأفقروها وهزموها ابتداء من عام 52 ما يستحق أن يطلق عليه لقب -رموز وطنية - إن الرموز الحقيقية هم الضباط والجنود الذين تحملوا نتائج قرارات قادتهم العشوائية , وبذلوا الدم فى معارك لم يؤخذ رأيهم فيها , الرموز هم أفراد الشعب البسطاء الذين تحملوا بؤس العيش وهوان الحياة ومع ذلك ظلوا مخلصين لوطنهم معتزين بشرف الانتماء له , الرموز هم هؤلاء الشباب الذين حملوا أرواحهم على أكفهم يوم 25 يناير طالبين الحرية والعيش والكرامة الإنسانية وخضبوا ميادين مصر بزكى دمائهم فى الوقت الذى كان فيه الذين يتحدثون عن الرموز يجتمعون بأركان حكم مبارك الذى طالما وظفهم للبقاء فى السلطة , هذه السلطة التى قفزوا عليها بتسهيل العسكر فيما يشبه مؤامرة تاريخية , ومن هنا فهم يردون لهم الجميل ويجعلون منهم رموزا لوطن لم يهزمه ويرهق بنيه إلا أدعياء البطولة وأصحاب الرموز
التعليقات (0)