مواضيع اليوم

الوطن الثانـي !

عبدالسلام كرزيكة

2011-07-10 14:19:40

0

حين تقوم بدعوة أحد الأصدقاء من دولة أخرى لزيارة دولتك، فإنك على الأرجح ستقول له (أهلا وسهلا بك في بلدك الثاني)، لأن الجملة التي بين قوسين، تنساب من بين الشفاه أو تنفلت من بين الكلمات والتعابير بسلاسة وطلاقة وبتلقائية، لأن الدّاعي يعتبر المدعو أخاه في الإنسانية حتى ولو كان ملحدا، كما أنه يعتبر دولته وطنا ثانيا لصديقه، وطنا قد لايكون على نفس القارة، وقد لايكون بنفس الهوية الحضارية، وقد يُمنع حتى من دخول أراضيه دون تأشيرة، لكنه وطنه في الإنسانية التي لاتقيم وزنا للإختلافات الطبيعية بين البشر في الأفكار والشخصيات والمعتقدات، بل وتنظر إلى الإختلاف نظرة إيجابية، على اعتباره سبيلا للتكامل بين البشر وتواصلهم دون عقد أو حواجز !.. كما أن الإنسانية تذيب الحدود الوضعية التي تعمل بعض الحكومات على ترسيخها، وتسييجها بالأسلاك الشائكة والمُكهربة لو وجدت إلى ذلك سبيلا !..

ففي منطقتنا العربية، حاولت الحكومات القائمة توسيع هوة الخلافات بينها على المستويات الرسمية، رغم ضآلة حجم الإختلاف بينها في بيئة عربية واحدة، وفي ظل الإسلام الذي تنص عليه أغلبها دينا أوحدا في دساتيرها !.. فكانت القطيعة وتبادل الإتهامات وحتى كيل الشتائم، أهم ما ميّز ويميز العلاقة بين دولتين بنفس الإمتداد التاريخي والجغرافي والعقائدي كالجزائر والمغرب على سبيل المثال لا الحصر ؟!..

ورغم أن القطيعة بين البلدين الشقيقين ظلت على مستوى الحكومات، وأن إغلاقهما للحدود لم يُغلق قلوب الشعبين عن ودّ بعضهما البعض، عبر تشاركهما في الفعاليات الثقافية والفكرية والفنية والإجتماعية !.. إلا أن تأثيرات تلك الأزمة السياسية (المزمنة) بدأت بالظهور على الشعبين، عبر نفس الفعاليات التي كانت ملاذا لهما من صداع النزاعات الحكومية، كمباريات كرة القدم، والمهرجانات الثقافية، والملتقيات والتجمعات الإلكترونية على الفيس بوك وتويتر وغيرهما من شبكات التواصل، بعدما كانت تلك الفضاءات متنفسا لمشاعر الأخوة والجوار والعطف والمواساة، أضحت فضاءات لزرع الفرقة والعداوة وتوسيع هوة الشقاق !.. وفي هذا السياق قرأت في إحدى الصحف عنوانا ناريا، وحتى لو كان كاتبه صحفيا معارضا للنظام في المغرب، فقد كان على الجزائر ـ وليس على الحكومة الجزائرية ـ أشد قسوة من الحكومة المغربية، إذ عنون مقاله : (ترسيم الأمازيغية هزيمة أخرى للجزائر بعد فضيحة مراكش) ؟!.. مراكش الحمراء، رمز الأصالة والعراقة، يربطها الكاتب بفضيحة في كرة قدم ؟!.. مراكش صوّرها عاهرا دون أن يدري أو أنه يدري ويتعمّد تشويه صورتها في ذهنية الجزائري الذي لايراها سوى لؤلؤة ليس للمغرب وحده بل للمغرب العربي برمّته !.. كما أنه أظهر تنافسية شرسة بين البلدين وعلى جميع المستويات وفي كل المجالات، وكأن الجزائر لاتفعل شيئا إلا لإغاظة المغرب والعكس .. وحتى لو سلمنا بأن ذلك حاصل فهو على المستوى الرسمي !.. المثقف الذي تجرّد من مفهوم الثقافة ـ في عنوانه الذي لم أنزل تحته شخصيا لأنه أشعرني بالتقزز ـ يبدوا غارقا في التبعية الفكرية لحكومته، ويبدوا معارضا سياسيا أكثر منه مثقفا يؤثر أكثر مما يتأثر بمواقف سلبية، كمواقف الحكومة المغربية والجزائرية على حد سواء !.. 

لاأعرف من يجب أن يؤثر على الآخر في عصر تويتر والفيس بوك، الشعب المثقف أم الحكومة ؟!.. ولا أعرف رأي الشعبين في نظاميهما وحكوماتيهما .. لكنني أعرف التالي : لو قامت ثورتين في البلدين تحت أي مطلب ومسمى وتحت أي ظرف، فستنسفان الحدود بين البلدين، لأنها حدود من حدود ورموز كثيرة لامعنى لها عند الشعوب، تعيق تقدمها وتواصلها الإنساني لكنها مفروضة عليها، وفي الغالب لأسباب تافهة، وتغذية لكبرياء وتعالي أتفه !..

10 . 07 . 2011

 

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات