ردا على طرد المغرب لمبشرين هولنديين الأسبوع الفائت متهمين بالتبشير بالمسيحية في منطقة الأطلس المتوسط من المغرب، استدعت وزارة الخارجية الهولندية سفير المملكة المغرب في لاهاي للاحتجاج ضد إقدام الرباط على طرد 7 مسيحيين من أصل هولندي من المغرب.
وقال وزير الخارجية الهولندي ماكسيم فرهاخن إن هذا العمل مرفوض بالنسبة لبلاده، وإن المغرب لم يتح الفرصة للهولنديين السبعة للدفاع عن أنفسهم حيث كانوا يقومون برعاية الأطفال اليتامى، وكان يجب عرض المشكلة على القضاء لإظهار الحقيقة قبل اتخاذ قرار الطرد على هذا النحو المؤسف.
وأكد فرهاخن أنه قام باستدعاء السفير المغربي لدى هولندا مساء أول من أمس وأبلغه غضب واستياء الحكومة الهولندية، كما طالبه بتوضيحات "تتسم بالشفافية حول هذه القضية".
وقالت الخارجية الهولندية أن المسيحيين السبعة موظفون لدى منظمة دولية تنشط في إحدى دور الأيتام في منطقة عين اللوح الأطلسية، في حين تتهمهم السلطات المغربية بالقيام بأعمال تبشيرية وهو أمر مخالف لقوانين البلاد.
ويأتي هذا التصعيد الدبلوماسي الهولندي بناء على دعوة للأحزاب الهولندية ذات المرجعية المسيحية "الحزب المسيحي الديمقراطي" و"الاتحاد المسيحي" الاتحاد الأوربي إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية مع المغرب إذا واصل هذا الأخير نهج سياسة متشددة ضد المسيحيين الأوربيين.
والحق أن المغرب بعد قمة غرناطة قد التزم بالعديد من التعهدات منها احترام حقوق الانسان، وتطبيق القانون، وهو ما ترى فيه وزارة الخارجية الهولندية أنه اخترق، لأن المطرودين لم يتم في حقهم اتخاذ ذلك القرار دون إحالتهم إلى العدالة للدفاع عن أننفسهم، وتوفير محاكمة عادلة في حقهم قبل اتخاذ قرار الطرد، وهي أحد القضايا التي لم تستطع السلطات الرسمية المغربية تبريرها، إلى حدود الآن، مكتفية بالقول أن المغرب يضمن حرية التدين والاعتقاد ويمنع التبشير المخالف لقوانين البلاد، ولكن هذه المبررات لم تجب عن وفق أي سند قانوني تم طرد المسيحيين 17.
وكان بلاغ الوزارة الداخلية المغربية، أكد أن المطرودين كانوا "يستغلون فقر بعض العائلات ويستهدفون أطفالهم ويهتمون بهم منتهكين الإجراءات السارية في مجال كفالة الأطفال اليتامى". وتابع البلاغ أن الإجراء يندرج في إطار "مكافحة محاولات نشر عقيدة المبشرين الرامية إلى زعزعة عقيدة المسلمين"، وأضاف أن المغرب تحرك "طبقا للقوانين المعمول بها من اجل صيانة القيم الدينية والعقائدية في المملكة".
وكانت الرباط قد طردت ما مجموعه 16 مسيحيا نهاية الأسبوع بتهمة نشر الديانة المسيحية بين صفوف الأطفال المغاربة المسلمين، حين كانوا مقيمين في مؤسسة تعنى باليتامى في بلدية عين اللوح بمدينة إفران.
وأضاف أنه في إطار الأبحاث التي أمرت بها النيابة العامة تم حجز مئات المنشورات التبشيرية وأقراص مدمجة مخصصة لنفس الغاية".
وأعلن بلاغ وزارة الداخلية أن مسيحيو المغرب ويهودها يتمتعون بحرية في ممارسة شعائرهم الدينية في الكنائس والمعابد، إلا أن تحويل المسلمين عن دينهم يعتبر غير قانوني، وفقا لتشريعات المملكة.
وبعد استدعاء وزارة الخارجية الهولندية السفير المغرب للاستفسار، بادر التلفزيون الرسمي المغربي بعرض صور للكتب والأشرطة والأقراط التي استعملت للتبشير، ويستفاد فعلا وبناء على ما تظهر الصور، وجود نية مبيتة لأن طبيعة الكتب تعليمية تستهدف الأطفال، وتضمن صورا نصوص بيداغوجية، كانت معدة بغرض التبشير.
وفي سياق الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وهولندا أوردت وكالة الأنباء المغربية تصريحات رجال الدين المعتمدين بالمملكة المغربية، وأكدوا جميعا أن العاهل المغربي والسلطات المغربية ترعى بديمقراطية حرية المعتقد، وأن الكنائس في المغرب مفتوحة في وجه المسيحيين الأجانب حيث يمكنهم ممارسة ديانتهم دون أدنى تضييق.
وفي هذا السياق أكد الحاخام جوزيف إسرائيل، رئيس الغرفة العبرية بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء أن المملكة المغربية بلد تسامح تمارس به كافة الديانات السماوية دون قيد أو شرط.
وأضاف أن "المغرب يعرف، منذ قرون، بل وحتى قبل العصر الوسيط، تعايشا سلميا بين المسلمين واليهود في احترام تام للقواعد القانونية للمملكة". وشدد على أن اليهود المغاربة عاشوا دائما بالمملكة "في جو من الطمأنينة، والسلام والاحترام المتبادل، وهم محفوفون بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، كما كانوا كذلك على الدوام في ظل الدولة العلوية".
وقال أسقف الكنيسة الكاثوليكية بالرباط "فانسان لانديل" أن "التبشير المتمثل في إكراه فئات تعاني من الهشاشة على تغيير ديانتها يعتبر عملا مدانا".
وأكد أن الأشخاص الذين تم طردهم من طرف السلطات المغربية مؤخرا لقيامهم بأعمال تبشير "لا يتصرفون وفق قوانين الكنيسة الكاثوليكية ولا تربطهم أية صلة بالأسقفية الكاثوليكية".
ومن جهة أخرى، أكد رئيس الكنسية الإنجيلية بالمغرب القس "جان لوك بلان: "أننا مارسنا على الدوام مسؤولياتنا في إطار حرية المعتقد المكفولة للأجانب من المسيحيين"، موضحين أن هذه المسؤولية "تتمثل في تقديم المساعدة لإخواننا المسيحيين للالتقاء بإخوانهم المسلمين، والتعرف عليهم، واحترامهم وحبهم دون أدنى انشغال بخصوص التبشير".
وأكد ممثل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بالمغرب القس "ديميتري أوريكوف" من جهته أن المملكة بلد للحرية والانفتاح الديني، وتحترم جميع الديانات، كأي بلد ديمقراطي يضمن دستوره حرية التعبير والتدين. وأضاف أن "الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بالمغرب تعارض جميع أشكال التبشير"، وأن التبشير لا يدخل ضمن المهام الموكولة لكنيسته.
من جهة أخرى، ذكر القس ديميتري أوريكوف بأن الكنيسة الأرثوذكسية تشارك بدينامية في مجلس الكنائس الخمس المعترف بها في المغرب (الكاثوليكية، الأرثوذكسية اليونانية والروسية، والإنجيلية والأنغليكانية"، وتحضر كذلك جميع اللقاءات والصلوات المشتركة.
وتأتي هذه الواقعة بعد شهر من واقعة أخرى مماثلة طردت فيها السلطات المغربية منصِّرا في دائرة أمزيز بإقليم الحوز "متلبسًا بنشر الديانة المسيحية"، حيث كان يستهدف بنشاطه التنصيري مجموعة تتكون من 14 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال بهدف نشر تعاليم المسيحية بالمملكة واستقطاب معتنقين جدد (للمسيحية) من المغاربة.
وكانت تقارير صحافية حذرت من استهداف بعض الأجانب لأطفال مغاربة قاصرين يتامى أو تعيش عائلاتهم وضعية صعبة، بحيث يقومون بالتكفل بهم ونقلهم فيما بعد خارج المغرب في إطار عمل منظم يرمي إلى تنصير هؤلاء الأطفال المغاربة.
ويرى متتبعون للشأن الديني بالمغرب أن وثيرة التنصير بالمغرب قد تزايد بشكل كبير، وأرجعوا ذلك إلى أن ذلك يعد ضريبة للوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوربي، وذهبوا إلى أن الشراكة المغربية الأوربية لن تنتهي عند هذا الحد، بحيث أبدى عدد من الدارسين بأن التنصير في السنين القادمة قد يصبح علانية، في إطار التعريف بقيم التسامح في الدين المسيحي أو على الأقل في إطار التعامل بالمثل، وأن المغرب حينها سيكون مطالبا إلى حذف النصوص القانونية التي تجرم نشر التعاليم المسيحية، من منطلق حق المواطنين في الانتماء الديني والعقدي.
واستدلوا على صواب رأيهم، أن المغرب اليوم وبعد حصوله على صفة الوضع المتقدم، ظهرت عدة أصوات بين الفينة الأخرى تحمل في وجهه ورقة سحب صفة الوضع المتقدم من قبل عدد من الأحزاب الصغيرة والعنصرية، التي لم تستوعب الشراكة مع دولة من جنوب الاتحاد الأوربي، ولذلك تعمل على أن تجعل من صفة الوضع المتقدم بالنسبة للمغرب سياسة العصا والجزرة.
ولقد كُتِب لإرساليات التنصير في المغرب أن تتوسع بشكل لافت، مستغلة فاقة المادية للمغاربة في كثير من الأحيان، أوتماهيا مع رغباتهم في الحصول على أوراق الإقامة بالدول الأوربية، وهو ما عزز التحاق عدد كبير بالبعثات التبشيرية على غير عادة المغاربة. إذ تبث أن هناك من يتنصَّر لقاء مبلغ من المال أو وعود بالرعاية الصحية المختلفة أو تأشيرة دخول إلى بعض الدول الأوروبية.
ويفسر الانتشار المتزايد لنشاطات المبشرين بعدد الحالات الكثيرة التي ضبطت فيها السلطات الأمنية المغربية مبشرين في حالة تلبس، يحملون الآلاف من نسخ الإنجيل، كانوا يهمون بالتوجه نحو مناطق محددة بكل دقة، خاصة القرى والمداشر البعيدة والفقيرة لتوزيعها هناك بالمجان.
وكان المغرب كذلك قد قام بطرد مبشر أجنبي "أميركي" وفي الخامس من شهر فبراير الماضي، وأعلنت حينها أنه "ضبط وهو يركب مخالفة التبشير بالمسيحية".
وفي ديسمبر 2009 طرد المغرب أيضا خمسة أجانب "اثنان من جنوب إفريقيا واثنان من سويسرا وواحد من غواتيمالا" لنفس المبررات.
وفي مارس 2009، تم اعتقال وطرد أربعة أسبان وامرأة ألمانية من المغرب، بعد عقدهم "اجتماعًا تبشيريًّا" مع مجموعة من المواطنين المغاربة، بحسب بيان صدر في حينه عن وزارة الداخلية المغربية.
ويعاقب القانون الجنائي المغربي بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام لكل من "استعمل وسائل إغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال فقره وضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو العلاج".
ومعلوم أن تشنجا دبلوماسيا قرأه عدد من المتتبعين أنه كان متوقعا من الجانب الهولندي لأنها قد تكون أنه رد فعل مغربي على رفض البرلمان الهولندي شهر رمضان الماضي لطلب كانت تقدّمت به الحكومة المغربية لإرسال 7 أئمة منهم سيدة إلى هولندا؛ من أجل توعية المسلمين المغاربة خلال شهر رمضان المقبل، وقال على المغرب عدم فرض الوصاية على رعاياه في هولندا.
وعلى الرغم من أن العلاقات التاريخية متجذرة وقوية، حيث كان المغرب قد أرسل أو سفير له إلى هولندا في سنة 1609، كما كان المغرب أول دولة في العالم اعترفت بالمناطق السبع لصالح هولندا. إلا أنه كانت تثار بين الفينة والأخرى تشنجات قوية في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بأسباب عدة، حيث سبق للمغرب أن سحب اثنين من دبلوماسييه العاملين في السفارة المغربية في هولندا بطلب من الحكومة الهولندية، وسط أجواء من التوتر بين الرباط ولاهاي على خلفية اتهام ضابط هولندي مغربي الأصل، في عملية تجسس لصالح الاستخبارات المغربية، وقيامه بنقل معلومات تمس الأمن الوطني الهولندي. إلا أن وزير العدل الهولندي عاد ليصرح بأن "الضابط لن يخضع لأي متابعة لعدم كفاية الأدلة، وبفعل ضغوط سياسية وإعلامية تراجع تصريحه، وتمت إحالة القضية على التحقيق الذي أكد حصول تسريب معلومات أمنية سرية لأجهزة الاستخبارات المغربية.
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)