شنكاو هشام باحت في العلاقات الدولية
يعتبر استخدام القوة في العلاقات الدولية والقوة المسلحة عموما من بين الأساليب التي كانت تستخدمها الدولة لحماية وجودها ضد الأخطار الخارجية، كما اتخذتها الدولة وسيلة لفرض وجهة نظرها على الدول الأخرى وتوضح السوابق الدولية أن القوة قد استخدمت لتغيير أوضاع غير مقبولة أو ضارة أو لاحترام حق يخشى من تجاهله أو عدم الاعتراف به كما لجئ إلى القوة أيضا كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية ولقد كان من مبررات استخدام القوة اعتبار القوة كمظهر من مظاهر السيادة الكاملة نظرا لما أحاط استخدام القوة من أخطار جسيمة بحيث اتجه الفقه وسايرته في ذلك دول منذ وقت بعيد نحو الحد منها وتجنبها وقد تم ذلك عن طريق تعهدات متبادلة تضمنت تنظيمات وقيود متشعبة، ومنذ ذلك الحين بدأت الدعوة الملحة نحو إداعة الحرب على أساس من اعتبارات تجد مصدرها في الوحدة الأساسية والمعنوية والإحيوائية للجنس البشري كالحرب، لا تنتج سوى الدمار في الأنفس والأموال دون أن تؤدي إلى حل المنازعات أو استقرار الأوضاع. ومن هنا كان حظر استخدام القوة أحد أهم المبادئ التي تقوم عليها المنظمات الدولية التي تهدف إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين، كما أن عهد عصبة الأمم المتحدة لم يغفل على تقنين هذا الاستخدام وجاء ميثاق الأمم المتحدة بعد ذلك لكي يؤكد على منع استعمال القوة في العلاقات الدولية أو التهديد بها وبالرغم من هذا المنع فإن الواقع الدولي لا يبرهن سوى عن مظاهر خرق السلم والأمن الدولي وبذلك لم تعد الدول تتقيد بمبدأ تحريم القوة وأصبحت تستند في أفعالها إلى حقها في الدفاع عن النفس، وبذلك استطاعت القوى العظمى أن تتحكم في واقع القوة على مستوى العلاقات الدولية وتوظفها من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والجغرافية والاقتصادية وبالتالي أصبحت لعبة القوة من صميم اختصاص هذه الدول ولا ينازعها في ذلك أحد بحيث استطاعت أن تفرد قاعدة الانتصار الكامل مع إلغاء الطرف المفاوضة وهذه قاعدة تزعمتها الولايات المتحدة وحلفائها من خلال ممارستهما لمجموعة من الأفعال التي تخالف قواعد القانون الدولي، بحيث نجد أن هذا القانون لم يستطع ضبط سلوك الدول في مجال استخدام القوة بحيث مازالت هناك فجوة بين النظرية والممارسة الفعلية للدول في هذا المجال والمسلم به أن فعالية أي قانون لا تتم إلا بعد نزول الدول تحت طاعة الخطاب القانوني الموجه إليهم، فالدول قد تلجأ أحيانا إلى خرق قاعدة تحريم استخدام القوة أو تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى إلا عن إدراك ووعي كاملين وهو ما يكرس مجموعة من النتائج السياسية والقانونية، من المفترض أن تترتب على الأطراف التي ترتكب مثل هذا العمل فالدول عندما تحكم بتدخل عسكري وبعدم قانونية تدخل الآخر فإنها لا تنطلق سوى من قواعد القانون الدولي ومبادئه على اعتبار أنه يمثل حدا أدنى مشترك بين الدول في الحياة الدولية.
وهناك أيضا دول تسعى حثيثا إلى ظهور بمظهر من يحترم القانون الدولي ويمتثل لأحكامه وهي تعمل في مجال تحريم استخدام القوة على تبرير سلوكها وإضفاء الشرعية عليه ولم يصدف أن تبجحت دولة من دول أنها لا تعبأ بأحكام القانون الدولي الناظمة لاستخدام القوة وحتى عندما يعلن الساسة في بعض المناسبات أن دولهم لن تتحرى بعد الآن القيود التي يفرضها القانون الدولي على استخدام القوة في العلاقات الدولية فإن هذه الدول التي يمثلونها تكون حريصة على تقديم حجج داخل الأمم المتحدة تدعم موقفها من الناحية القانونية لكن تعطي التبرير المنطقي على أفعال المخالفة لقواعد القانون، وهذا ما يفسر أن القانون الدولي لم يتم وضعه إلا لخدمة الدول العظمى حتى تحافظ على وجودها وبقاء مصالحها على امتداد الكرة الأرضية وهذا ما يظهر أن المعركة لن تنتهي والصراع قائم ذلك أن الإكثار من استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية لن تكون له سوى نتائج متصلة بعدم الاستقرار ولا توازن وهي الحالة التي أصبح المجتمع الدولي يعايشها في ظل المتغيرات الدولية التي استطاعت أن تنعكس على واقع الفعل الدولي الذي أصبح يعاني من كثرة اللجوء إلى القوة العسكرية والتعسف في استعمالها على مستوى العلاقات بين الدول. هذا الأمر سوف يساهم في خلق مجموعة من التغيرات التي من خلالها سوف يعتاد المجتمع الدولي أن ينصت لخطاب التهديد والوعيد الأمريكي الموجه للدول بعينها إذا لم تمتثل لأمور معينة، ومن هنا تطعن الخطورة في الخطاب الأمريكي الذي يهدف إلى خرق السيادة الوطنية للدول وذلك من أجل السيطرة على مقدرات العالم والإمساك بزمام الأمور فيه حتى لا يقف مبدأ السيادة الوطنية عقبة أمام الهيمنة الأمريكية وتوجهاتها وهذا مما سوف يجعل الولايات المتحدة تركز على مبدأ التدخل بدعوى حماية حقوق الإنسان كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي ظل هذه الأزمات التي تعصف بالمجتمع الدولي نجد الأمم المتحدة تعيش تهديدا يشبه انقلابا عميقا في المركز والدور، وحتى في مجال التدخل. ومن المؤكد أن جوهر الأزمة التي تعاني منها الأمم ومن خلالها القانون الدولي والشرعية الدولية هي طبيعة العلاقات التي شرعت الولايات المتحدة في تشكيلها غداة انفرادها بقيادة العالم دون منافس أو رادع مما يؤشر لبداية تاريخ جديد للإنسانية إحدى مقوماته سيادة قانون الأقوى واستبعاد القانون الدولي التقليدي وفرض الهيمنة على الأسرة الدولية، فالولايات المتحدة استطاعت أن تحول الأمم المتحدة إلى هيئة أشبه بحكومة ديكتاتورية غير مسؤولة وغير شرعية ومعرضة لإصدار قرارات لا تخضع لرقابة سياسية وقضائية، وأما الشوكة التي قسمت ظهر الأمم المتحدة وهو العدوان الأمريكي على العراق وهذا العدوان هو الذي كرس النظام الأحادي القطبية وأكد بأن لا معارضة حقيقية تشكل تحديا للقوة الأمريكية.
وبهذا فإن الأزمات التي تعصف بالأمم المتحدة أضعفت من مصداقيتها وبدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين وهذا مما ساعد في ارتفاع الأصوات التي تدعو إلى النظر في هذه الهيئة وجهازها التنفيذي حتى تكون المنظمة في مستوى التحديات المطروحة على مستوى العلاقات الدولية، وذلك من أجل تجاوز عجز مجلس الأمن عن النهوض بالواجبات الأساسية الملقاة على عاتقه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين.
فالإصلاح يجب أن ينطلق من مجلس الأمن في الأمم المتحدة حيث تنطلق دعوى من حقيقة مفادها أنه في حالة عدم وجود نظام دولي فاعل ومتطور فإنه من الصعب القيام في ظله بأعمال أحادية وبالعكس في ظل نظام دولي جامد ومعرقل باستمرار لا يتحرك إلا في الأزمات فإن ذلك يبرر بشكل واقعي الفعل الأحادي.
إن المشكلة لا تتعلق بصلاحية ووجاهة إصلاح الميثاق لمقابلة والحد من الأعمال الانفرادية ولكن المشكلة تقع في عدم الاستجابة للإصلاح وأما على مستوى الإصلاح فمن المهم أن يتضمن الإصلاح توسيع عضوية مجلس الأمن ثم إيجاد نوع من الضبط المعياري لاستخدام حق الاعتراض المعرقل داخل مجلس الأمن.
ومن خلال هذا السياق، يمكن القول أن العلاقات الدولية أصبحت تعبر عن الجانب المتأزم من الوضع الدولي والناتج عن مجموعة من الخلافات وصراعات ومواجهات بين الدول من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية من أجل الاستفراد بالمرتبة الأولى بين الدول المتسابقة. فالحروب والنزاعات أصبحت تشكل عائقا أمام تقدم المجتمع الدولي الذي أصبح يواجه تأويلا مغلوطا وغير صحيح وذلك من خلال قراراته العسكرية التي تكون لها في غالب الأحيان عواقب وخيمة وتساهم في تغذية الصراعات وتشجيع سياسة التسلح والتسابق نحو إمتلاك الأسلحة وذلك غالبا ما يتم من أجل السيطرة على مقدرات الآخرين ثم رسم مشهدا دوليا يتوافق مع مصالح الدول القوية دون الاهتمام بمصير السلام والأمن الدوليين.
والمتأمل اليوم في الوضع الدولي يلاحظ أن القانون الدولي في حاجة إلى من يتقمص دور المحامي من أجل الدفاع عنه وخصوصا أن هناك عدة دول تحاول أن تظهر بمظهر من يحترم القانون والحقيقة أن هناك دول لا تعبأ لأحكام هذا القانون ولكنها في نفس الوقت فإنها تعمل على تبرير سلوكها إنطلاقا من أحكام هذا القانون، فالقانون الدولي مازال يشكل قاسما مشتركا بين هذه الدول في الحياة الدولية.
إن الواقع الدولي اليوم في حاجة إلى شركاء وأطراف يؤمنون بحتمية ضرورة توفير مناخ الاستقرار والسلام العالمي وذلك من أجل تحقيق التنمية البشرية وتعزيز فعالية القانون الدولي مع احترام الحريات وحقوق الإنسان وذلك من أجل صون السلم والأمن الدوليين على مستوى العالم بأسره دون اللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية.
التعليقات (0)