مواضيع اليوم

الوسواس الخناس فيما بين فتح وحماس

انور محمد

2009-06-08 18:26:56

0

                      الوسواس الخنـاس
                   فيـما بين فتــح وحـمـاس
سئلت منذ عشرة أعوام فى إحدى المحاضرات التى ألقيتها فى مسجد أصحاب الطريقة الدندراوية ، وهو إحدى الطرق الصوفية المنتشرة على مستوى العالم ولها مقار فى معظم الدول بالسؤال التالى : لماذا تقدم المال على النفس فى آيات الجهاد حيث نجد دائما النص الحكيم يقول : ( جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ) فالجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس مع أن التضحية بالنفس أقوى وأعمق من التضحية بالمال ، ولها حق الصدارة ، فكيف يقدم الأقل شأنا ؟
وأجبت حينئذ بإجابة هى فى رأيي صحيحة ، ولازلت مقتنعا بصحتها حتى الآن ، وإن تغيرت مفاهيم عديدة لدينا ، فقلت : إن الذى يجاهد بنفسه يقدم فردا واحدا للأمة ، أما الذى يجاهد بماله فهو يقدم مائة فرد أو ألف فرد أو يزيد إلى ما شاء الله ، لذلك حرص الشارع الحكيم على تقديم صاحب الجهاد بالمال على صاحب الجهاد بالنفس لأن حديث الجهاد هو حديث عن مصلحة الأمة الإسلامية كلها ليس عن مصلحة فردية أو طائفية محدودة ، وهذه هى كبد الحقيقة .
تذكرت هذا السؤال عندما رأيت من يتحدث كثيرا عن الجهاد وما نشاهده من الملثمين من أبناء حماس على الشاشات ، وهم يخفون وجوههم بقناع أسود ، وهذا القناع الأسود ظهر فى منتصف القرن الماضى فى أمريكا الجنوبية عند الجماعات المتطرفة ، وانتقل لأوروبا ثم آسيا ، فشاهدناه فى إيران ثم هو الآن فى الجماعات الإسلامية فى العراق وفلسطين لكنه أصبح لصيقا بالمسلمين نتيجة لهذا المشهد المتكرر منهم ، حيث اعتقد الشباب المنخدع بالمفاهيم السياسية الأيدولوجية أنه الجهاد الحق ، لذلك وجب علينا تصحيح ذلك المفهوم .
الجهاد الذى يتحدث عنه القرآن ليس معناه المطلق هو حمل السلاح ، والمجاهد فى سبيل الله له صور عديدة ، لعل آخرها أن يحمل سلاحا فى وجه عدوه ، وإذا حمله فليس للقتل بل للردع والدفاع عن النفس ، تلك حقيقة تضافر على إخفائها تاريخ طويل من العادات والتقاليد بالإضافة لأهواء نفسية وظروف سياسية وعسكرية أحيانا ، من أجل ذلك سيظل الطريق مسدودا أمام الحوار إذا لم يتم التصحيح والتصريح ، سيقول الأذكياء من الناس إنهم مظلومون ، يدفعون عن أنفسهم ويريدون استعادة أرضهم ، نقول : هذا حق لا مرية فيه ، ويجب أن يقتنع الشباب بأنهم حين يفكرون فى حقهم ، يفكرون أيضا بالوسيلة المناسبة لأخذ هذا الحق ، فالوسيلة شيء والهدف شيء آخر ، ولعلهم حين يندفعون وراء وسيلة ما يضيع الهدف الأصلى ، فهل نضيع الهدف من أجل الوسيلة ، اعتقد أن السفهاء الذين يفعلون ذلك لا الأذكياء .
إن من يفعلون ذلك هم مدفوعون من سلطة سياسية أو عسكرية أو اجتماعية ، لكنها ليست دينية بكل تأكيد . نحن هنا نضع الأمور فى نصابها الصحيح لا نقلل ولا نهون ، بل نحدد ، فالسياسة لها حق ومنطق ، والعسكرية لها ذلك والمجتمع له ذلك ، لكن الدين ينبغى ألا يتستر وراءه أحد مهما تكن نواياه ، نحن لا ننكر أن الدولة لها حق الحرب والدفاع وغير ذلك ، ولا ننكر على أى حزب حقه فى أن يثبت نفسه فى موقعه بالحوار الصادق الصحيح ، وعلى أساس سياسي سليم ، لكن اللعب بعقول الجماهير واستخدام الدين حصنا نختفى خلفه لنفعل ما نريد ، ونصبح نحن فقط أصحاب الحقوق أما غيرنا فليس له الحق ، كما قال عمرو بن كلثوم :
ونشرب إن وردنا الماء صفوا            ويشرب غيرنا كدرا وطينا
إذا كان الحوار بين فريقين يظن أحدهما أو كلاهما أنه صاحب الحق المطلق الذى لا شبهة فيه فلا سبيل للحوار ، ذلك هو الحال فى الحوارات الدائرة بين فتح وحماس ، أو ما شابهها مع الجماعات التى تظن أنها تحتكر الحقيقة وحدها ؛ حيث يتردد المحاور من الحديث خوفا من تكفيره ، فالمعارض هو كافر خارج عن الشرع ، وليس له الحق فى أي شيء ، هذا المفهوم ليس مفهوما دينيا كذلك ، فالدين يترك لكل إنسان حرية الاعتقاد : لكم دينكم ولى دين ، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فالدين هنا أداة مستخدمة لغرض ذاتى ، بل إن المسألة تتطور لتصل إلى دكتاتورية سياسية لا تعرف دينا ولا شريعة فليس ثمة دين .
التاريخ يحدثنا عن تستر الحكام وراء الدين خداعا للشعوب وقمعا لأعدائهم فالسلطان الذى يريد القضاء على من يريد من شعبه ، فعليه بفتوى من الفقهاء حتى ينام راضيا عن نفسه بعد قتلهم ، وعندما وصلت حماس للحكم لم تفلح فى تسيير أمور الدولة ، لكنها رأت فى نفسها صاحبة الحق الوحيد الدائم فى الحكم ، ولن تتخلى عنه مع أن تداول السلطة مبدأ دينى إن كان الحديث من ناحية الدين ، أما السياسة فمن لا يستطيع تسيير الأمور فعليه بالتنازل لمن بعده ، ولا ينخدع البعض فى بعض الصور هنا وهناك ، فكثير من الحق يضيع بين الكلمات والحوارات المضللة .
عندما خرجت إسرائيل من غزة ، فيما سماه شارون فك الارتباط كانت الهدف البعيد ضم غزة لمصر ، وتفكيك الوحدة الفلسطينية وضياع القضية ، ولم يتحقق ذلك بيدهم بل بأيدينا نحن ، فسمعنا من يقول افتحوا المعابر مع مصر ، ولو استجابت مصر لذلك لكانت اليوم فلسطين أثرا بعد عين ، إن المدافع عن حقه كما يجب أن يتمكن بالقوة ، فعليه أيضا أن يتحلى بالذكاء ، هذا الذكاء الذى يفصل بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة ، فالساعون للمجد الشخصى يضيعون مصلحة العامة من الضعفاء والجماهير التى تنخدع بمعسول الكلام وتحسن الظن فى من يتقدم الصفوف دائما ، ولا تجد من يعبر عنهم . فإذا أصابهم خير كان الخير لهذه القلة المتقدمة ، وظلت الجماهير العريضة محرومة فى البدء والختام ، وإذا أصابهم شر كانوا أول المطحونين بنار الحرب واختفي الأشواس الملثمون فى جحورهم ، وليس يوم غزة ببعيد ، كما قال المثل العربى : ما يوم حليمة بسر .
                                  والله من وراء القصد
                                                    بقلم : 
                                                  أنور محمد أنور

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !