مواضيع اليوم

الوردي.. الخارج عن النص!!

علي جبار عطية

2009-10-27 06:52:37

0

علي جبار عطية

ـــــــــــــــــــــــــ


الدكتور علي الوردي (( رحمه الله ))

 

التقيت د. علي الوردي وجهاً لوجه في ظهيرة يوم دافىء وافق الاربعاء 27/1/1988في منطقة الاعظمية في سيارة الكوستر الذاهبة الى الكاظمية.
لم تصدق عيناي ما رأيت اذ اني عكفتُ على قراءة كتبه قبل لقائي إياه بسنتين في المكتبة الوطنية، كنتُ آيباً من كلية الادارة والاقتصاد في الوزيرية وما ان صعدت السيارة حتى رأيته بمعطفه الأسود وسدارته البغدادية وروح دعابته التي كان يلاطف بها طفلاً جوار أمه التي تبدو عليها السعادة وهي تجلس قرب ابرز علماء الاجتماع.
وما ان وصلت السيارة الى الكاظمية حتى هرعت الى الوردي منتهزاً الفرصة ملخصاً في دقائق اعجابي الشديد به ورغبتي في تتويج هذا الاعجاب بتضييف الدكتور في منتدى الأدباء الشباب فرحب بذلك فوراً وسط دهشتي ثم سرنا سوية ومررنا بأصحاب المكتبات والوردي مستمر بقفشاته.. قلتُ له: أين سكرتيرك؟ أين سائقك؟
قالي لي: ياسكرتير، ياسائق، لقد أمضيتُ وقتاً غير يسير بانتظار السيارة، لقد قلتُ لأحد المسؤولين كلمة ً وأقولها لك ثانية وانقلها الى من تريد: اني علي الوردي، عمري 75 سنة، لو سئلت عن أسوأ مدة عوملتُ فيها فهي هذه المدة! لا ادري ماذا فعلتُ للحكومة حتى تعتبرني مواطناً من الدرجة الثانية!
وواصلنا خطواتنا.. كان الوردي يسأل أصحاب المكتبات عن آخر كتاب عنه أصدره الباحث حميد المطبعي وعنوانه (علي الوردي يدافع عن نفسه) وكان أحد أصحاب المكتبات مصرياً ولما سأله الوردي عن حركة بيع هذا الكتاب تعجب المصري وقال: تبقه انت! وضحكنا.
واتفقت مع الوردي على عنوان المحاضرة (الطبيعة البشرية) واعطاني رقم هاتفه وأخذ اسمي على أن اتصل به قبل موعد القاء المحاضرة بثلاثة أيام.
وسألني: متى قرأت كتبي؟
قلت: سنة 1984.
فقال: كتبي صدرت سنة 1954 وانت قرأتها بعد ثلاثين سنة!! وتركته ليجلس مع احد الصاغة في الكاظمية.
في مساء السبت 6/2/1988 كنا ننتظر في قاعة ابن النديم في الباب المعظم حضور الوردي الا انه لم يحضر واتصلتُ به هاتفياً مستفسراً فقال انه متضايق لأن الاعلان عن المحاضرة لم يكن كافياً اذ ظهر مرة واحدة في جريدة القادسية وبعنوان خاطىء هو (المجتمع العراقي) ولم يذكر الوقت بدقة اذ كان الاعلان (مساء السبت) والححت عليه فوافق على الحضور فجاءنا الساعة السادسة مساءً مع ابنه.
لكنه كان متضايقاً من عدم وجود مايكروفون ثم طلب تأجيل المحاضرة وبعد الحاح الحاضرين الذين يربو عددهم على السبعين طلب ان يجلس الحاضرون في مكان واحد وقدمه الشاعر علي الشلاه ثم انفتحت قريحته فالقى محاضرة (الطبيعة البشرية) وهي خلاصة تجربته في البحث والتعليم وقد قال انه عمل معلماً (33) سنة وتوصل الى ان الانسان تتحكم فيه مسألتان: الأنوية وتحيز العقل البشري والانوية هي غير الانانية.
وقال ان الانسان خير وشرير ومتعاون ومتنازع في الوقت نفسه ولولا التعاون ما ظهر المجتمع البشري ولولا التنازع ما تطور المجتمع البشري فمجتمع النحل متعاون لكنه لم يتطور منذ ملايين السنين وأكد الوردي ان الانسان كالكلب اعرف طبيعته تستفيد منه (وهي الفكرة نفسها التي طرحها في كتابة لمحات اجتماعية من تأريخ العراق الحديث ـ الجزء السادس ص 364 اذ قال: طبيعة الانسان لم تتغير حيث بقي هو ذلك الحيوان المتعصب الذي عرفناه منذ قديم الزمان) وقال ايضاً (ان العقل البشري متحيز محدود بطبيعته).
واردف الوردي في بيان خبرته تجاه الانسان: لا تقل له الحقيقة عندما تصير معلماً استفد من خبرتي التي زادت على الثلاث والثلاثين سنة فلا تتساهل مع المشاغب، الانسان مسير والتخيير فيه قليل الا من رحم ربك، ان الله خلق الأنوية في الانسان لحكمة ارتآها سبحانه وتعالى كما يقول المتصوفة.
لقد منعتُ من السفر مع الأسف الشديد وتوقفت عن تكملة كتابي عن الطبيعة البشرية لعدم وجود علم جديد.
استمرت المحاضرة مع النقاش ساعة ونصف.. التقيت الوردي بعدها في فترات متباعدة ولدقائق حتى رحيله في 12/7/1995 لكنه كان يشكو تشديد الرقابة عليه ومنعه من السفر وفي احد المرات قال لي لقد حذفوا من مقالي في جريدة الجمهورية الآية الكريمة (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً) فلماذا لا يحذفونها من القرآن!
لماذا؟ لأنه خارج عن النص.. نص المجتمع والسلطة والأفكار الجاهزة وهو خارج على نص المنطق التقليدي وحسبه انه القى حجراً في بركة المألوف!

كاتب وصحفي عراقي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !