الوحدة تقتضي الاختلاف
أ . عبدالرزاق العمودي
الاسلام هو الحل عبارة استهلاكية كثيرا ما نسمعها من دعاة الصلاح في نقاشات المثقفين وفي الدواوين والميادين يرددها الصغير والكبير ولا تكاد تخلوا مبادرة او اطروحة من بند الالتزام بالدين وللدين ايمانا من الجميع انه النهج السليم , الا ان المحاولات القائمة والقادمة تواجه واقع عسير تختلط فيه المفاهيم والتنظير من جهة بالتطبيق والتعميم من جهة اخرى فنصل الى سوء التقدير , اما بالافراط في التحجير والوقوع في هاوية الوصاية دونما سابق تدبير او التفريط والخروج عن الطريق القويم فنحارب الدين والمتدينين .
حقاً المحاولات بائسة واغلبها عاجزه , والمتأمل لا يرى من دعاة مذهب او طائفه في ما يدعون اليه انهم يمتلكون ادواة تقييم ومعايير تقاس بها نجاعة فكرهم , والحق يقال وضع المعايير امر مستحيل خصوصا فيما يتعلق بامور الدين لان الفيصل فيها من الغيبيات وبيد العلي القدير .
اولا نحن بحاجة لوحدة الدين , فأي اسلام سنلتزم وأي طريق سنسلك ؟ واي شريعة سنطبق ؟ والمتأمل من حولنا كم من الطرائق والمذاهب والعقائد .
وهذا امر ليس بالغريب فاختلاف امتي رحمة مما يجعل من مهمة توحيد المسلمين تحت راية واحدة واتباعهم لمنهج واحد امر اشبه بالمستحيل , فهل نقف عاجزين ؟ يعبث بنا الشياطين ونخوض في غياهب التمزيق غير مبالين , ام نسعى الى وحدة بمفهومها الشامل القابل للتطبيق والتعميم دونما اختلاط في المفاهيم .
يجب ادراك ان الوحدة لا تكون بين امرين متطابقين وهذا ما يجعلنا نصل الى نتيجه ان وحدة الامه تقتضي اختلافها , الا ان البعض يرى انه ربان سفينة النجاة وبأسم الخوف على سلامة العباد ولضمان النجاة يجب ان يحمل على عاتقيه محاربة مخالفيه ويدعوا الى طريقه الهادي الى باب الجنة رغم ان للجنة ثمانية ابواب . وكأني بهم فراعنة الأمة اعلنوا انهم الوصاة فكلفوا انفسهم مالا يطاق .
ومما يسهل من مهمة وحدة الصف تعزيز ثقافة قبول الآخر كما هو . التي تقتضي وتستوجب احترامه وتلزمنا عدم الاعتراض على افعاله وعباداته مالم تخالف الثابت او الثوابت عند (كل) المسلمين .
ويحضرني قول عبدالمطلب جد رسول الله لابرهة " للبيت رب يحميه " وانا اقول للمسلمين واخص العلماء والخطباء ومن كلفوا انفسهم العناء " للمسلم ( والانسان ) رب يهديه " , ومن يطلب الهداية ليس بحتاج الى سراج من الخارج والله نور , والانسان فيه من روح الله اذا النور في داخل كل انسان هو طريق نجاته , دعني استمتع بالبحث عن النور في داخلي ولا تلزمني ماليس مني .
قد يظن البعض انها دعوة الى تحجيم دور العلماء وتعطيل لأمر الله القائل }ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ{ بل على العكس هذه دعوة لأن نحدد سبيل الله بما يُجمع عليه المسلمين ( كل المسلمين ).
نحدد ثوابت للدين ليس كما تراه طائفة او مذهب بل كما يراه القرآن , اذا الدعوة الى ايجاد ارضية مشتركة لكل المسلمين تكون اساس للمسلمين وهي موجودة اصلا في حديث المصطفى «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ. شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَإِقَامِ الصَّلاَةِ. وَإِيتَاءِ الزَّكاةِ. وَحَجِّ الْبَيْتِ. وَصَوْمِ رَمَضَانَ» , وانما الاعمال بالنيات والدين المعاملة .
فتارك الصلاة يجب ان ندعوه للصلاة , اما كيفية الصلاة فتندرج ضمن لكم دينكم ولي دين , عندها بالتأكيد نستطيع ان نتحاور ونتواصل .
لا تنكر علي اني صوفي ولا انكر عليك انك سلفي , ولكن ادعوا لي بقبول عملي وادعوا لك بقبول عملك , فانت مستطيع بي وانا مستطيع بغيري .
لا تحرمني حق الاستشعار والبحث عن الراحة من الاعمال فليس الكل صوام وقوام فالهمة تختلف من انسان لانسان والارادة نسبية .
المهم اننا متفقون على الثابت في الاسلام والمظاهر والمشارب تختلف باختلاف الطالب , واعلم ان الله اوجب على نفسه الرحمة . والتزم بانه الهادي لمن يطلب الهدايه لا من يُدعى الى هدايه بالوصاية قال تعالى {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }, والجاهل يعتقد ان المشيئة هنا عشوائيه , وهو ما ننزه عنه الله عز وجل فهو العادل وما الله بظلام للعبيد فكل من يطلب الهداية لطريق الله حق على الله ان يهديه وهو العالم بما تخفي الصدور وما كان وما سيكون , وقد يطلب الهداية انسان فلا يهديه الله فلا يقنط من رحمة الله القائل {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
قد يسأل احدهم ما هو دور العلماء ؟ ان العلماء يقع على عاتقهم العبء الاكبر في الاخذ بيد الامه الى طريق الوحده بتعزيز ثقافة الحوار وقبول الآخر اياً كان , واستئصال الثقافة السائده ان لم تكن معي انت ضدي واستبدالها بثقافة اختلافنا رحمة فهل تقبلني . ونبذ الوصاية بجميع اشكالها والتاكيد على حرية الاختيار وان الحشد والتعبئه لا تخدم الدين بل تخدم اهواء الطامعين او الباحثين عن اثبات انهم على الطريق المستقيم .
وحث الناس على التفكير , والبحث في انفسهم عن السراج المنير ونبذ روح الاستكانة والخمول والاعتماد على الغير , وتغيير المفاهييم حول ادوار البطوله , صلاح الدين وغيره من القادة المسلمين ما كان لهم ان يبلغوا مجدهم الا لأن الواقع من حولهم كان يدفعهم نحوه .انتهى
التعليقات (0)