مواضيع اليوم

الوحدة الإسلامية في كلمات الإمام الخامنئي

الأمة الإسلامية

2011-10-31 05:36:53

0


محور الوحدة الإسلامية

كانت شخصية النبي الأكرم (ص) في القمة من عالم الخلقة، سواء في أبعادها الطبيعية التي يستطيع البشر فهمها، من قبيل المعايير الإنسانية السامية كالعقل، والتدبير، والذكاء، والكرم، والرحمة، والعفو، والحسم، أو في أبعادها المتعالية على مرتبة الذهن البشري - الأبعاد الدالة على تجليات الاسم الأعظم للحق تعالى في وجود الرسول الأكرم، والمؤشِّرة إلى مقام قربه من الله تعالى - والتي لا نسمع ولا نعلم عنها سوى اسمها ورسمها، إذ لا يعلم حقيقتها إلا الله العظيم وأولياؤه الأجلاّء. أضف إلى ذلك أن رسالة ذلك الإنسان الكبير هي الأرقى والأفضل لإسعاد الإنسان؛ إنها رسالة التوحيد؛ رسالة علو درجات الإنسان، وتكامل وجوده. صحيح أن الإنسانية لم توّفق لحد الآن لتطبيق هذه الرسالة بنحو تام في جميع أبعادها الحياتية، لكن مسيرة الرقي والتسامي البشري ستبلغ يقيناً هذه المرتبة في يوم من الأيام. هذه هي نقطة الذروة وأوج السمو المتاح أمام الإنسان. على افتراض أن فكر الإنسانية وفهمها ومداركها السامية ومعارفها وعلومها تتقدم دوماً نحو الأمام، ورسالة الإسلام بدورها لا تزال حيّة، ستجد هذه الرسالة دون أدنى ريب مكانتها في حياة المجتمع الإنساني يوماً ما. أحقية الرسالة النبوية، وأحقية التوحيد الإسلامي، ودروس الإسلام في الحياة، وطريق الإسلام لإسعاد الإنسان وتقدمه، سيبلغ به الموضع الذي يجد فيه هذا الطريق اللاحب السوي ويشرع بالسير فيه والتقدم إلى الأمام حتى يجد رفعته وتكامله.
المهم بالنسبة لنا نحن المسلمين هو أن نضاعف معرفتنا للإسلام والرسول الأكرم. من المآسي الكبرى في العالم الإسلامي اليوم مأساة التفرقة والانفصالات، ويمكن لشخصية الرسول المقدسة أن تكون محور الوحدة في العالم الإسلامي، فهو العقيدة التي يحملها الجميع والبؤرة التي تجتمع فيها عواطف الناس كافة. ليس لنا نحن المسلمين قطبٌ بهذا الوضوح و الشمولية كما هي شخصية الرسول المقدسة؛ الشخصية التي يؤمن بها المسلمون وتهفو قلوبهم ومشاعرهم نحوها بوشائج عاطفية ومعنوية. هذا هو أفضل قطب للوحدة. ليس من الصدفة ما نلاحظه في السنوات الأخيرة، وعلى غرار ما جرى في القرون الوسطى وحقبة التحليلات الاستشراقية المغرضة، من إهانات توجّه لساحة النبي الأكرم المقدسة. كان القساوسة المسيحيون خلال القرون الوسطى يهينون شخصية الرسول الأكرم في كتاباتهم، وأقوالهم، وأعمالهم الفنية؛ وكذلك فعل المستشرقون في كتاباتهم حينما شاعت بينهم الكتابة التاريخية. وفي القرن الماضي أيضاً لاحظنا المستشرقين الغربيين غير المسلمين يوجهون شكوكهم وإهاناتهم - فيما يوجهون - لشخصية النبي الأكرم المقدسة المباركة! ومضى زمن على ذلك، لكنهم عاودوا الكرة في الفترة الأخيرة، حيث يمكن للمرء ملاحظة هجوم صحفي وثقافي مشؤوم وسيئ ضد شخصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم في مختلف أكناف العالم. يمكن لهذا الأمر أن يكون مدروساً، لأنهم تفطّنوا إلى أن المسلمين بوسعهم الاجتماع حول محور الوجود المقدس للنبي الأكرم والاعتقاد به ومحبته وعشقه، وهذا ما يدفعهم للتشكيك في هذا القطب. من واجب علماء الإسلام، والمستنيرين المسلمين، والكتاب، والشعراء، والفنانين في العالم الإسلامي اليوم أن يرسموا للمسلمين وغير المسلمين شخصية النبي الأكرم وأبعاد عظمة هذه الشخصية الكبرى في حدود قدراتهم. هذا شيء سيساعد على اتحاد الأمة الإسلامية والنهضة والاندفاع نحو الإسلام الذي يشاهد اليوم لدى الأجيال الشابة من الأمة الإسلامية.
من كلمته في مدراء الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) 31/3/1379ش ( 21/6/2000م)

من الصدقات الجارية للثورة، والتي جاءت ببركة الذهن الواعي للإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه هو إعلان أيام ولادة النبي الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام أياماً للوحدة الإسلامية. هذه القضية لافتة من زاوية أن الوحدة الإسلامية تمثل أحد المطامح والآمال. البعض يحملون هذا الأمل حقاً، والبعض يذكرونه كلقلقة لسان لا أكثر. على كل حال، لابد لهذا الطموح من سبيل عملي. ما من طموح يمكن أن يتحقق بدون مساعٍ وجهود. وحينما نفكر بالسبل العملية لهذا الهدف والطموح نجد أن من أفضلها وأكبرها هو الشخصية العظيمة في عالم الخلقة، أي الكيان المبارك للرسول الكريم واستقطابه لعواطف عامة المسلمين وعقائدهم. قد لا يكون لنا بين الحقائق والمعارف الإسلامية شيء تُجمع عليه آراء كافة المسلمين وعقائدهم وعواطفهم لهذه الدرجة، أو أن مثل هذه الحقائق نادرة جداً؛ فالعواطف أيضاً لها دور كبير. ما عدا بعض الأقليات والجمعيات المنفصلة عن عامة المسلمين والتي لا تعير أهمية للعواطف ولا تكترث للمحبّة والإقبال والتوسل، يُقبل عامة المسلمين بعواطفهم على النبي الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام. إذن، يمكن لشخصية هذا الإنسان العظيم أن تكون محوراً للوحدة.
من كلمته في لقائه مدراء الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية 24/5/1374ش (15/8/1995م)

على المسلمين والمستنيرين الإسلاميين تركيز جهودهم واهتمامهم على شخصية هذا الإنسان العظيم وتعاليمه بنظرة إسلامية شاملة. من العوامل التي بوسعها أن تمثل محوراً لهذه الوحدة وشيئاً يتفق عليه جميع المسلمين هو اتباع أهل بيت الرسول. جميع المسلمين يؤمنون بأهل بيت الرسول. الشيعة طبعاً يؤمنون بإمامتهم، وغير الشيعة لا يعدونهم أئمة بالمعنى الشيعي لكلمة إمام، لكنهم يعتبرونهم من شخصيات الإسلام الكبيرة وعائلة الرسول وعلماءً بالمعارف والأحكام الإسلامية. على المسلمين أن تتفق كلمتهم عملياً على كلمات الأئمة عليهم السلام وأهل بيت الرسول. هذه من أدوات الوحدة.
من كلمته في لقائه مدراء الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية 24/5/1374ش (15/8/1995م )

ولادة النبي الأكرم محطّة تاريخية بارزة بالنسبة لكل إنسان مسلم. وقد أفضت هذه الولادة لاحقاً لتحرك عظيم في تاريخ الإنسانية. كل فضيلة في هذا العالم نابعة - وإنْ بشكل غير مباشر - من تلك البعثة المباركة وإقامة مكارم الأخلاق على يدي ذلك الرسول العظيم. يعلم كل مسلم أن استقطاب عواطف العالم الإسلامي وتجميع مشاعر الفرق الإسلامية المختلفة ليس لها من قطب ومركز أفضل من الكيان المقدس للرسول الأكرم؛ فجميع المسلمين يحبون ذلك العظيم وقد كان محور الأمة الإسلامية على طول التاريخ. إذن، هذه الولادة مهمة بالنسبة لنا.
من كلمته في لقائه مدراء الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية 4/6/1373ش (26/8/1994م )

الرسول (ص) المحور الرئيس لاجتماع المسلمين
النقطة الثانية تتعلق بشخص الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). اسم هذا الإنسان العظيم وذكراه ومحبته وحرمته وتكريمه محور رئيس لاجتماع كافة المسلمين في جميع العصور الإسلامية. ما من محور آخر في الدين الإسلامي تتقبله كل الأمة الإسلامية وكل واحد من المسلمين ويتفقون عليه ويتفاهمون بشأنه هكذا ومن جميع النواحي والجهات، سواء الجهات العقلية، أو العاطفية، أو الروحية، أو المعنوية والأخلاقية. هذه هي النقطة المركزية والمحورية. القرآن والكعبة والفرائض والعقائد مشتركة كلها، لكن كل واحدة منها تسترعي اهتمام بعد واحد من شخصية الإنسان كالعقيدة، والمحبة، والنـزعة الروحية، وحالة التقليد والتشبه والتخلّق العملي. ثم إن معظم هذه الأمور المذكورة كانت موضع اهتمام المسلمين بتفاسير ووجهات نظر مختلفة، أما الشيء المشترك بين كافة المسلمين من الناحية الفكرية والعقيدية والوحدوية - فوق قضية العاطفة والمشاعر - فهو الوجود المقدس للرسول الخاتم والنبي الأكرم سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلّم). هذه نقطة ينبغي إكبارها وإجلالها. ولابد من مضاعفة هذه المحبة يوماً بعد يوم، كما ينبغي تكريس هذه النـزعة المعنوية والروحية نحو ذلك الكيان المقدس في أذهان المسلمين وفي قلوب كل الناس. تلاحظون في سياق التآمر والغزو الثقافي ضد الإسلام أن من المواطن التي تتعرض لتآمر الأعداء بكل خبث هو هذا الكيان المقدس الجليل الذي تعرض للهجوم في ذلك الكتاب الشيطاني (كتاب الآيات الشيطانية)، وكشف هذا عن ما ترمي إليه مؤامرة العدو من أهداف في المنظومة العقيدية والعاطفية للأمة الإسلامية.
من كلمته في مقرئي أربعين بلد في العالم وعدد من المكفوفين بمناسبة بعثة الرسول 4/12/1368ش (23/2/1990م )

وجود نبي الإسلام المكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أكبر رصيد للوحدة في كافة العصور الإسلامية، وبوسعه أن يكون كذلك اليوم أيضاً، ذلك أن إيمان كل واحد من المسلمين بذلك الوجود المقدس العظيم مصحوب بالعاطفة والحب، لذلك كان هذا الإنسان الكبير محور العواطف والعقائد عند جميع المسلمين، وهذه المحورية من أسباب استئناس قلوب المسلمين وتقارب الفرق الإسلامية من بعضها. ما من إنسان بمقدوره تبيان أبعاد شخصية النبي الأكرم بشكل كامل وتقديم صورة له تكون قريبة من شخصيته الجليلة. ما عرفناه وعلمناه عن سيد الرسل في كل التاريخ والشخص الذي اصطفاه رب العالمين، إنْ هو إلا ظل وقبس طفيف من الوجود المعنوي الباطني الحقيقي لذلك الإنسان العظيم. ولكن حتى هذا القدر من المعرفة يكفي للمسلمين كي يضمن لهم أولاً حركتهم صوب الكمال ويضع نصب أعينهم قمة الإنسانية وذروة التكامل البشري، وثانياً كي يشجعهم على الوحدة الإسلامية والتجمع حول هذا المحور. وعليه فإن توصيتنا لكل مسلمي العالم أن يضاعفوا من نشاطهم حول أبعاد شخصية الرسول وحياته وسيرته وأخلاقه والتعاليم المأثورة والمنصوصة عن ذلك العظيم.
يتعين علينا الجد في تعريف الرسول الأكرم (ص). بعد حقبة القرون الوسطى حيث شنت في العالم الغربي والمسيحي هجمات دعائية واسعة ضد شخصية النبي الأكرم (ص)، وأدرك أعداء الإسلام الألداء أن من طرق محاربة الإسلام تشويه صورة نبي الإسلام المكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقد فعلوا الكثير على هذا الصعيد، إلى أن راح العدو في يومنا هذا يعمل بشكل مستمر وبأساليب مختلفة على تبديد شخصية الرسول في أذهان أحرار العالم، ثمة في العالم حالياً الكثير من الناس لو عرفوا رسول الإسلام بمقدار ما يعرفه المسلمون أو حتى أقل من ذلك - أي لو تجلّى مجرد ظل لذلك الوجة النيّر على قلوبهم - لأمكن ضمان اعتقادهم وميلهم إلى الإسلام والنـزعة المعنوية في الدين الإسلامي. لابد لنا من العمل في هذا المجال. ربما كانت الدعوة الأفضل للإسلام هي أن نعرض شخصية رسول الإسلام على المتلقّين والباحثين عن الحقيقة. ومن المناسب جداً أن يمارس الفنانون المسلمون والمطّلعون والخبراء بالأساليب المختلفة في العالم أنشطتهم العلمية والثقافية والفنية والتبليغية بشأن هذه الشخصية المعظمة المكرمة من قبل أن يبادر الأعداء والمعارضون لتشويهها في أذهان الناس غير المطّلعين في العالم بأساليبهم الثقافية والفنية المعقدة. هذه أنشطة واجبة وضرورية. لقد لاحظتم خلال الفترة الأخيرة أن الاستكبار العالمي حينما واجه التنامي المعنوي الإسلامي الحاصل بفضل الثورة الإسلامية، ولم يستطع دحر وهزيمة الثورة والجمهورية الإسلامية - وهي اليوم مظهر الإسلام العملي ومؤشره - على الصعيد العسكري والسياسي، واعتزموا شن الغزو الثقافي، كلّفوا عميلهم المرتزق بإهانة الرسول الأكرم والنبي المعظم، وبأن يكتب بنـزعته الشيطانية وبأمر من شياطين المال والسطوة في العالم ذلك الكتاب الشيطاني (كتاب الآيات الشيطانية)، وقد واجهوا بالطبع رداً حاسماً من قبل مسلمي العالم وفي طليعتهم إمامنا الجليل وقائدنا العظيم الراحل الذي حكم بإهدار دم ذلك الشيطان وإعدامه. إذن، إحدى المسائل هي أن نعمل على تعريف شخصية الرسول الأكرم، وشخصيته هنا لا تعني فقط حياته، إنما ينبغي الاهتمام أيضاً بالأبعاد المختلفة لوجوده العظيم كأخلاقه وأسلوبه في الحكم ورعايته للناس وعبادته وسياسته وجهاده وتعليماته. وليس أن نؤلف الكتب فقط، بل علينا البدء بالأعمال الفنية والدعوية بأساليب حديثة وباستخدام التقنيات المتوفرة، وليس في الجمهورية الإسلامية وحسب، بل في كل أنحاء العالم الإسلامي.
من كلمته في ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية، ورجال الدين والمسؤولين وأئمة الجمعة والأخوة السنة والشيعة في محافظتي كردستان وكرمانشاه وجماهير مدن قزوين، ومباركة، وسرخه، وخواف 24/7/1368ش (16/10/1989م)

مُنقذ الإنسانية الكبير
لاشك أن يوم ولادة الرسول الذي تنوّر فيه العالم المظلم بالنور الإلهي لهذا الوجود المقدس ينبغي أن يعد منطلق تاريخ جديد للإنسانية. وكما قال الإمام علي عليه الصلاة والسلام فقد كانت المجتمعات البشرية تفتقر يومذاك لأنوار السعادة بسبب سيادة القوانين والسلطات الظالمة؛ »والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور«. أنوار وجود الرسول أفشت منذ البداية علامات سيادة الحق ودلائل البرهان الإلهي بين الناس. العجائب التي وقعت عند ولادة الرسول الأكرم كانت في الحقيقة إنذاراً للإنسانية والتاريخ. أن يتعرض قصر كسرى للتصدع عند ولادته، أو تنطفئ النار في المعابد فلهذا معناه الرمزي. المعنى الرمزي لهذه الحقائق والحوادث هو أن ظهور هذا الوليد المبارك سيفتح أمام الإنسانية طريقاً جديداً، وعلى الإنسانية أن تنجو من ظلمات الأوهام والنظم الظالمة. أما مَن هم الذين سيختارون هذا الطريق ويسيرون فيه بقوة، ومن هم الذين سيعرضون عنه ولا ينالون خيراته، فهذا يعود إلى إرادة الأفراد واختياراهم، فهم الذين يختارون مصائرهم ومستقبلهم بأنفسهم. لكن هذا الطريق مفتوح أمام البشرية. أضف إلى ذلك أن السُّنّة الإلهية تقتضي حركة الإنسانية العامة نحو هذه الأهداف السامية. هذا هو الشيء الذي يسير المجتمع البشري نحوه حتمياً وطبيعياً، وهذا ما تدل عليه جميع أحداث التاريخ. السمو العلمي للبشرية والتقدم المعرفي للإنسان يتجه كله صوب تعاليم نبي الإسلام المكرم ونحو نهاية هذا الطريق. واليوم أيضاً يشعر البشر أكثر من أي وقت آخر بالحاجة لتعاليم الرسول النيّرة. شعبنا يفخر أولاً بأنه اختار هذا الطريق بوعيه وإرادته وقراره وصموده ومقاومته، ويفخر ثانياً بأنه أصرَّ على السير في هذا الطريق. إنه لفخر كبير للشعب الإيراني أن يحمل راية الدعوة النبوية في جميع ميادين الحياة. لم يأت الدين الإسلامي لمجرد أن يزرع عقيدة في زاوية من قلب الإنسان أو ذهنه حتى لو لم تترك تلك العقيدة أي تأثير في سلوكيات الإنسان وحياته. جاء الإسلام ليغيّر الحياة ويصحّح حياة البشرية. الاعتقاد بالإسلام ينبوع العمل الإنساني. أحكام الإسلام وقوانينه تشمل كافة صعد الحياة الإنسانية - الاجتماعية، والفردية، والسياسية، والاقتصادية - وللإسلام برامجه وإرشاداته لكل هذه الصعد والمجالات. الشعب الإيراني اليوم يفخر والحمد لله بإدراج كافة مجالات حياته ضمن تعاليم الإسلام. طبعاً لا يزال البون شاسعاً بين واقع حياتنا وما يريده الإسلام منا، غير أن مسيرة النظام الإسلامي متجهة نحو ردم هذه الهوة، وقد سرنا في هذا الاتجاه والحمد لله طوال الأعوام الماضية، وكان ذلك بفضل الثورة وإرشادات الإمام الكبير والهمة الجهادية التي تحلّى بها الشعب الإيراني، وقد ترسخت خطوات الشعب الإيراني في هذا الطريق يوماً بعد يوم.
من كلمته في مدراء الدولة بمناسبة ولادة النبي الأكرم (ص) والإمام الصادق (ع) 20/3/1380ش (10/6/2006م)
في المعايير البشرية، ترتبط بركة الوليد والولادة بالآثار المباشرة أو غير المباشرة التي تترتب عليها. إذا صح هذا المعيار - وهو صحيح - يتوجب القول إن الوليد الأكثر بركة ممن ظهروا إلى الحياة طوال التاريخ هو الكيان المقدس لنبي الإسلام المكرم صلى الله عليه وآله وسلم. تبتدئ هذه البركات منذ لحظة ولادته، وهذا ليس بالشيء العجيب. قال النبي عيسى عليه الصلاة والسلام منذ بدء ولادته: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ﴾. إنه يعلن بركاته منذ الساعات الأولى أو الأيام الأولى لولادته. وكذا الحال بالنسبة لرسولنا. ما سجلته التواريخ من تهاوي قمة قصر كسرى، أو انطفاء النار في معبد النار القديم - وغيرها من العلامات والدلائل المسجلة - هذه كلها بشائر بركات هذا الكائن العظيم. كل ما كان في هذا العالم من ظواهر قائمة على أساس سيادة الشرك والكفر والاستبداد والظلم والتفرقة بين البشر، ينبغي أن تزول تدريجياً ببركة وجود هذا الإنسان السامي، والممتاز، والمنقطع النظير. ما أخذه ذلك العظيم على عاتقه في مقام العمل والجهاد هو الجزء الأصعب من هذه المهمة. انطلاقة هذا الطريق وبداية هذه الدعوة هي الجزء الأهم من المهمة. مشكلة العالم في ذلك العصر هي أن الناس وطبقات المجتمع في كل أنحاء العالم كانوا قد اعتادوا سيادة ما سوى الله، وأدمنوا حكومة الطواغيت والظلم والتباين الطبقي. من هم الذين يجب أن يقفوا أمام هذه الظواهر؟ المظلومون كما يفترض، وحين يؤمن المظلومون أنفسهم بسيادة حكومة الظلم فسوف تتبدد آمال الإصلاح. توعية الناس وإيقاظ العالم والبشرية هو المهمة الكبرى التي اضطلع بها الرسول الأكرم في دعوته النبوية؛﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ إنها تذكرة وتذكير وتحذير وتوعية لكل البشرية. المحطة التي تولّى فيها ذلك الرجل العظيم مهمات التوعية كانت من أصعب المحطّات؛ فالعصبيات، والنـزعات القبلية، والاعتبارات الشخصية والفردية المختلفة زادت من صعوبة المهمة الملقاة على عاتقه. تحمّل(ص) جهاداً مضنياً حتى استطاع فتح هذا الطريق الإنساني المسدود وتحطيم هذه الصخرة العاتية. وكل من تحرك وعمل منذ ذلك اليوم وإلى الآن فإنما فعل ذلك تبعاً لذلك الإنسان العظيم واحتذاءً لخطاه وبمساعدة سيرته ونموذجه. ليس المسلمون وحدهم من استفادوا من التعاليم النبوية. فالعلوم، والحضارة، والمعرفة، وتقدم قافلة البشرية في عالم اليوم رهن بوجوده.
من كلمته في مدراء الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) والإمام الصادق (ع) 10/4/1378ش (1/7/1999م )

ولادة النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم جديرة باهتمامنا نحن المسلمين من عدة نواح . إنها ذكرى ذات معانٍ ومضامين جمّة. الناحية الأولى هي أن ولادته وقعت، عالمياً وتاريخياً، في زمن كان للبشرية عموماً - وليس لشعب معين أو أهل بلد بذاته، بل للبشرية ككل - خصوصيتان بارزتان. إحدى هاتين الخصوصيتين هي أنها كانت متقدمة جداً على ما كانت عليه في السابق من الناحية العلمية، والعقلانية، والفكرية. فقد ظهر في الإنسانية فلاسفة وعلماء - علماء رياضيات، وأطباء، ومهندسون كبار - وحضارات ضخمة. وما كان لهذه الحضارات أن تنهض لولا العلم! الأكاديميات في الغرب، وأمثال مدينة هغمتانه في الشرق، وحضارة الصين، وحضارة مصر، والحضارات التاريخية الكبرى، كانت جميعها قد مرت ومضت. أي إن البشرية كانت قد اكتملت. هذه إحدى الخصوصيتين، والخصوصية الثانية - والجمع بين هاتين الخصوصيتين عجيب جداً - هي أن البشرية في ذلك العصر كانت أشد انحطاطاً على الصعيد الأخلاقي من أي وقت سابق. وإذا لم نشأ أن ننعتها بهذا وجب القول إنها كانت في ذروة الانحطاط. هذه الإنسانية المتمتعة بالعلم والمعرفة كانت شديدة الخضوع لأسر العصبيات والخرافات والأنانيات والظلم والجور والحكومات اللاإنسانية المجرمة. هذا هو الواقع الذي ساد العالم آنذاك. لو طالع الإنسان التاريخ للاحظ أن الإنسانية كافة كانت أسيرة في ذلك الحين. وكما جاء في كلام الإمام علي عليه الصلاة والسلام »في فتن داستهم بأخفافها ووطأتهم بأظلافها وقامت على سنابكها«. كانوا في أوج الفتن والضغوط والمشكلات والاقتتال. البشرية كانت تعيش حياة مريرة. يقول الإمام علي في نفس الخطبة: »نومهم سهود«. أي إنهم لم يكونوا ينامون رغداً... ما ورد في الآثار والتواريخ من أن قمة قصر كسرى تحطمت وعلامات الوثنية والشرك في العالم تزلزلت، إذا صحّت هذه الآثار، فلربما كانت عرضاً للقدرات الإلهية للإعلان الرمزي عن مجيء هذه القوة التي يراد لها تحطيم جميع أركان الظلم والفساد وتطهير العلم من الخرافة، والحضارة من الجور والفساد. هذا ما فعله نبينا العظيم. واجه هذا الوليد المقدس عند بعثته الكبرى مثل هذا العالم، وأنقذ الإنسانية بجهاده المضني من الجهل والخرافة والفساد والظلم والعصبيات المدمرة وتعامل البشر فيما بينهم بمنطق القوة وظلمهم واستغلالهم لبعضهم. بل لقد قلب واقع الإنسانية رأساً على عقب، وأطلق في العالم واقعاً ووضعاً جديداً. من البديهي أن مهمة الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن إصلاح الدنيا برمتها، لا! كان عليه أن يأخذ النموذج السليم من الوحي ويعطيه للبشر ليطبقوه طوال حياتهم وفي كل لحظة من لحظاتهم. أما من الذي طبّقه ومن الذي فرّط به فهذا موضوع آخر. لقد أدى ذلك الإنسان الجليل رسالته بتمامها وأكمل مهمته والتحقق برحمة ربه.
من كلمته في مدراء الدولة وشرائح الشعب المختلفة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) والإمام الصادق (ع) 14/6/1372ش (5/9/1993م)

أمرنا الله تعالى نحن المسلمين أن نتبع الرسول. وهو اتباع يتعلق بكل شيء في الحياة. لقد كان ذلك الرجل العظيم أسوة ونموذجاً لا في أقواله فقط، بل في سلوكه وأسلوب حياته أيضاً وطريقة معاشرته للناس والعائلة والأصدقاء، وتعامله مع الأعداء والأجانب، ومع الضعفاء والأقوياء، وفي كل شيء. مجتمعنا الإسلامي لا يكون إسلامياً متكاملاً بالمعنى الحقيقي للكلمة إلا حينما يطابق سلوكه سلوك الرسول. وإذا كانت مطابقة سلوكه مائة بالمائة أمراً غير متاح عملياً - وهو غير متاح - فلا أقل من التشبه به، فلا يسود حياتنا الوضع المضاد لحياة النبي الأكرم، بل نتحرك في خط حياته.

الدعوة والجهاد المشهد الأول في حياة الرسول (ص)
سأتحدث باختصار عن ثلاثة مشاهد مهمة في حياة الرسول الأكرم. طبعاً وُضعت في هذا الباب الكثير من الكتب، والكلام أطول من أن يمكن أداء حقه في مثل هذه الكلمات، إنما ينبغي اقتطاف زهرة أو غصن من كل روضة من أجل أن تبقى ذكرى هذا الإنسان الكبير حية في أذهاننا. المشهد الأول من حياة الرسول مشهد الدعوة والجهاد. العمل المهم الذي اضطلع به رسول الله هو الدعوة للحق والحقيقة، والجهاد في سبيل هذه الدعوة. لم يعترِ الرسول الأكرم التردد والتذبذب حيال العالم الحالك في زمانه، سواء يوم كان وحيداً في مكة أو أنَّ جماعة قليلة من المسلمين كانت تحيطه ويقف حياله زعماء العرب المتغطرسون وصناديد قريش واشقياؤها بأخلاقهم العنيفة وأياديهم المقتدرة، مضافاً إلى عامة الناس ممن لم ينالوا نصيباً من الوعي والمعرفة..لم تأخذه الرهبة والخوف، وأطلق كلمة الحق، وأعادها، وبيّنها، وأوضحها، وصبر على الإهانات والمتاعب والآلام، حتى استطاع إدخال عدد كبير من الناس في الإسلام، أو يوم أقام الحكومة الإسلامية وتولّى هو زمام السلطة كرئيس لهذه الحكومة، يومذاك أيضاً كان ثمة أعداء ومعارضون من صنوف شتى يقفون بوجه الرسول، منهم جماعات العرب المسلحة - البدو المتوزّعون في صحاري الحجاز واليمامة وكل مكان وكان ينبغي لدعوة الإسلام أن تصلحهم لكنهم قاوموها - ومنهم أيضاً الملوك الكبار في العالم آنذاك - القوتان العظميان في العالم يومذاك إيران والامبراطورية الرومانية - وقد كتب الرسول الرسائل، وخاض السجالات والمحاججات، وتحدث وتكلم، وساق الجيوش، وتحمل المتاعب والعنت، وتعرض للخطر الاقتصادي، وبلغت الأمور حداً لم يكن أهل المدينة يجدون ما يأكلونه ليومين أو ثلاثة. مخاطر كثيرة أحاطت الرسول من كل صوب. بعض الناس كان يصيبهم القلق، والبعض كانوا يتزلزلون، والبعض يتململون، والبعض يحثون الرسول على اللين والاستسلام، بيد أن الرسول لم يصب بالضعف والخور في ميدان الدعوة والجهاد حتى للحظة واحدة، وسار بالمجتمع الإسلامي نحو الأمام بقوة إلى أن بلغ به ذروة العزة والاقتدار. واستطاع هذا المجتمع في السنين اللاحقة بفضل ثبات الرسول في سوح القتال والدعوة أن يتحول إلى القوة الأولى في العالم.

السلوك مع الناس المشهد الثاني في حياة الرسول (ص)
المشهد الثاني من حياة النبي (ص) مشهد سلوكه وتعامله مع الناس. لم ينس الرسول أبداً أخلاق رعاية الناس ومحبتهم والرفق بهم والسعي لتكريس العدالة بينهم. عاش كالناس وبين ظهرانيهم، وقام وقعد معهم، وصادق العبيد والطبقات المسحوقة ورافقهم، وأكل الطعام معهم، وجالسهم، وأبدى لهم المحبة والمداراة. لم تغيّره السلطة ولا الثروة الوطنية. لم يتغير سلوكه في عهد المشاق ولا في العهد الذي تبددت فيه تلك المشاق. كان مع الناس ومنهم في كل الأحوال. يرفق بالناس ويطلب لهم العدالة. في معركة الخندق حينما كان المسلمون محاصرون في المدينة من كل النواحي تقريباً، ولم يكن يصل المدينة ما تحتاجه من طعام حتى نفد قوت الناس وكان البعض منهم لا يجد ما يأكله ليومين أو ثلاثة، في مثل تلك الظروف كان الرسول يشارك الناس حفر الخندق قبال الأعداء ويذوق طعم الجوع مثلهم.

الذكر والعبادة المشهد الثالث في حياة الرسول (ص)
وبالتالي فإن المشهد الثالث في حياة الرسول هو مشهد ذكر الله وعبادته، إذ لم يكن يغفل رغم مقامه وشأنه وعظمته عن العبادة.. يبكي في منتصف الليل ويدعو ويستغفر. ذات ليلة لم تجد أم سلمة الرسول في مكانه، وبحثت عنه فوجدته يدعو ويذرف الدموع ويستغفر ويقول: »اللهم ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين«. فاختنقت بعبرتها وبكت، فانتبه لها الرسول والتفت ليسألها: ما تفعلين هنا؟ فقالت: يا رسول الله، مالك تبكي وتقول اللهم لا تكلني لنفسي مادام الله تعالى قد أعزّ قدرك وغفر ذنوبك ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾؟ فقال لها: »وما يُؤمنني؟« ما الذي سيحفظني ويبقي عليَّ إذا غفلت عن ربي؟ هذا درس لنا. في أيام العزة، وفي أيام الذلة، وفي أيام العنت والشدة، وفي أيام الرخاء، وفي أيام الحصار الذي يفرضه الأعداء على الإنسان، وفي الأيام التي يفرض فيها الأعداء أنفسهم بكل سطوتهم وجبروتهم على أعين الإنسان ووجوده، أن يتذكر الإنسان ربه في كل هذه الأحوال والآنات، ولا ينساه، ويعتمد عليه، ويطلب منه حوائجه، فهذا درس عظيم يقدمه الرسول لنا.
من خطبتي صلاة الجمعة بطهران 5/7/1370ش (27/9/1991م)

رَحْمَة للعالمين
كانت هذه الولادة طليعة الرحمة الإلهية في تاريخ الإنسانية. ذكر القرآن الكريم الرسول باعتباره ﴿ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾. إنها رحمة غير محدودة تشمل التربية، والتزكية، والتعليم، وهداية البشر للصراط المستقيم والتقدّم بالناس في مجالات حياتهم المادية والمعنوية. وهي رحمة لا تختص بالناس في ذلك الزمن، إنما تفيض على كل التاريخ: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ﴾. طريق الوصول إلى ذلك الهدف هو العمل بالمعارف والقوانين الإسلامية المرسومة للبشر.
من كلمته في مدراء الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) 29/2/1382 (19/5/2003م)

هذه الولادة الكبرى هي ولادة أرقى نماذج الرحمة الإلهية للبشرية، لأن وجود ذلك الإنسان العظيم وإرسال هذا الرسول الكبير كان رحمة الحق تعالى لعباده. إنها ولادة الرحمة. على العالم الإسلامي إدراك فكرة أن هذه الرحمة ليست رحمةً منقطعة، بل هي رحمة مستمرة. الكثير من الناس حاربوا - يومذاك - مظهر النور والهداية الإنسانية هذا بسبب جهلهم أو عصبياتهم الأنانية. مع أن الرسول (ص) جاء ليرفع الأعباء عن كاهل الإنسانية: ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾. أعباء ثقيلة كانت على عاتق كل واحد من أبناء الإنسانية يومذاك، وأغلال ثقيلة كانت تطوّق أعناقهم! والحال كذلك اليوم أيضاً. لو قال قائل إن ثمة اليوم أعباء تثقل كاهل البشرية وتفوق في ثقلها الأعباء التي كانت تثقل عاتق المجتمع الجاهلي في جزيرة العرب حينذاك، لما كان قوله هذا شططاً. الظلم الذي يمارس ضد أفراد البشر، وتضييع الحقوق الذي يسود المجتمعات الإنسانية، وتغليب النـزعة المادية على حياة البشر وإقصاء الميول المعنوية عن بيئة الحياة الإنسانية، وهو ما يفرض اليوم بالقوة وبأساليب مختلفة على أبناء البشر، هذه أعباء على أكتاف البشرية. ما تشعر به البشرية اليوم في عهد الحضارة الصناعية وتحت بريق المادية الخلابة الساحرة أصعب وأشد وأكثر مرارةً في بعض الأحيان مما كانت تشعر به ويثقل كواهلها في ظلمات الجاهلية عند ظهور الإسلام. إذا تنبّهت البشرية المعاصرة لهذه الرحمة ؛ رحمة وجود الإسلام ورحمة التعاليم النبوية، وهذا الينبوع الدفّاق للوحدة ، وتداركته وارتوت منه فسوف تعالج أكبر مشكلاتها. مع أن الحضارات العالمية اليوم استقت من تعاليم الإسلام بلا شك، وما يوجد بين البشر من صفات وأساليب حسنة ومفاهيم سامية مقتبس بلا مراء من الأدياء الإلهية وتعاليم الأنبياء والوحي السماوي، ويعود جزء كبير منه للإسلام، لكن البشرية اليوم بحاجة للمعنوية والنقاء والمعارف النيرة والحقة والشيقة في الإسلام، وهي معارف يتقبلها ويفهمها كل قلب منصف. لذلك اكتسبت الدعوة الإسلامية في العالم أنصاراً لها وتقبلها الكثيرون من غير المسلمين.
من كلمته في مدراء الدولة وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية 13/5/1375ش (13/5/1996م)

الذخر الإلهي الأكبر
أوجد هذا اليوم الكبير وهو يوم ولادة الرسول الأكرم وولادة الإمام جعفر الصادق عليه الصلاة والسلام، أوجد إحدى الحقب العظيمة في تاريخ الإنسانية. في مثل هذا اليوم أظهر الله تعالى إلى مسرح الوجود أكبر ذخر إلهي هو الكيان المقدس للرسول الكريم. وهذه طبعاً بداية حقبة مؤثرة في مصير البشرية. قالوا في آيات ولادة الرسول إنه حينما ولد تهدمت قمم قصر كسرى، وآلت للانطفاء نيران معبد آذرگشسب التي ظلت موقدة قروناً طويلةً، وجفّت بحيرة ساوه ذات المكانة المقدسة عند بعض الناس آنذاك، وتساقطت وتحطمت الأصنام المعلقة حول الكعبة. تدل هذه العلامات وهي رمزية تماماً على اتجاه الإرادة والسنة الإلهية في خلع لبوس الوجود على هذا الموجود العظيم وهذه الشخصية السامية الفذة. معنى هذه الوقائع الرمزية هو أن واقع الذل الإنساني الذي فرضه الجبابرة والمستبدون- من قبيل ما كان في إيران وبلاد الروم يومذاك - أو الذي فرضته عبادة سوى الله، يجب أن يتغيّر وينقلب. ينبغي للإنسانية أن تتحرر بواسطة هذا الوليد المبارك. ينبغي أن تتحرر من قيود الظلم المفروضة من قبل حكّام الجور على المظلومين طوال التاريخ، وأيضاً من قيود الخرافات والعقائد الخاطئة المذلِّة التي تجعل الإنسان خاضعاً ذليلاً مدّاحاً أمام من هو أدنى مرتبة منه أو أمام غيره. لذلك تقول الآية القرآنية حول بعثة النبي الأكرم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾. لم تحدد الآية الكريمة موعداً زمنياً لإظهار دين الحق على الدين كله، إنما حددت الاتجاه العام. إذ يجب على الإنسانية أن تسير بفضل هذا الحدث نحو الحرية المعنوية، والاجتماعية، والحقيقية، والعقلانية. لقد انطلق هذا المشروع، واستمراره رهن بجهودنا نحن البشر. هذه أيضاً سُنّة أخرى في عالم الخلقة. إذا أبدى الناس جهوداً ونشاطاً وهمةً أكبر فسوف يبلغون الأهداف الإلهية - وهي البرامج الإلهية المرسومة - أسرع، أما إذا لم يبدوا مثل هذه المساعي ومالوا إلى الضعف والتقاعس فسوف يتأخرون في هذا الطريق سنين طويلة على غرار بني إسرائيل ﴿ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ ﴾. لقد تاه بنو إسرائيل في الصحاري بما كسبت أيديهم. كان بوسعهم الحيلولة دون تعرضهم لكل تلك الصعاب والعراء. وكان بوسعهم تقليل تلك المدة. وكان بوسعهم كذلك إطالة المدة بنقاط ضعفهم. وكذلك هو مصيرنا. لقد بيّن الله للمسلمين اتجاه الخلقة الإنسانية، وبعثة الرسل وفلسفة إنزال الكتب، وبمقدور البشر أنفسهم تطويل هذا الطريق أو تقصيره. بمقدورهم الوصول للغاية أسرع أو أبطأ. إرادة الإنسان لها دور مصيري حسب السنة الإلهية. حين يدعو الإسلام الناس للجهاد ﴿ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ﴾ أو ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ أي ابذلوا قصارى جهدكم في العملية الجهادية، فالسبب في ذلك هو أننا إذا عملنا بهذه التوصية الإلهية سنصل للهدف الإلهي أسرع. الهدف الإلهي أمر ثابت حاسم لا يتغيّر. إنْ لم نعمل جاء الآخرون وعملوا؛ ﴿ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ جعل الله تعالى هذا السبيل وهذا المقصد وهذا المصير أمراً قاطعاً حاسماً. الأمر غير القطعي هو الزمن والأشخاص الذين سينالون هذه السعادة. هذا أمر يعود لأرادتنا أنا وأنتم. أبدى الشعب الإيراني بقيادة الإمام الكبير همته واستطاع التقدم خطوةً إلى الأمام ورفع راية الإسلام هنا. راية شريعة محمد صلى الله عليه وآله هي المرفوعة اليوم في هذا البلد. كان بالإمكان لهذا الحدث أن لا يقع أو يقع بعد عشرة أعوام أو مائة عام. ما حقّق هذه المهمة في هذا الزمن هو إرادة هذا الشعب وعزيمته على التضحية والجهاد. هذه سنة سارية وجارية في كل مكان.
من كلمته في مدراء البلاد بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) 9/3/1381ش (30/5/2002م)

السراج المنير
تعميق إيمان الناس وهدايتهم القلبية والمعنوية اول واجبات مسؤولي الأمور في المجتمع: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾. هذا هو واجب الرسول الذي يصادف اليومُ ذكرى ولادته. نريد نحن أن نسير في هذا الطريق ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾. التزكية والتعليم من واجبات النبي الرئيسية. وعلى المسؤولين في المجتمعات الإسلامية السير في نفس هذه الطريق. عليهم أن يمارسوا التعليم والتربية، وأن يرسخوا الإيمان الديني في الأذهان ويعززوه. هذه من وظائفنا، وهي شكرنا حيال هذا الشعب، وحيال الله تعالى الذي حبانا هذه النعم الكبرى ومنها المشاركة الجماهيرية. هذه القلوب أمرها بيد الله، وتوجّه الناس وإقبالهم ومشاركتهم وعزمهم وإرادتهم وشوقهم نعمٌ إلهية كبرى منَّ بها علينا، ومن واجبنا أن نشكرها، وشكرها بأن نبذل قصارى جهدنا في سبيل إصلاح أمور حياة الناس وتقوية إيمانهم الديني.
من كلمته في مسؤولي الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) 20/3/1380ش (10/6/2001م)

الرصيد المعنوي الضخم
العالم الإسلامي اليوم أحوج إلى إحياء ذكر رسول الإسلام العظيم من أي وقت آخر؛ والبشرية أيضاً بحاجة لهذا الإسم المبارك والذكر المبارك والتعاليم المباركة؛ ولكن قبل أن نخوض في إطار البشرية ككل، على العالم الإسلامي إعادة التعرف على هذا الرصيد المعنوي الضخم الذي يمتلكه، كالشعوب التي بقيت نائمةً قروناً من الزمن على مصادرها المادية المجهولة وهي تتضور جوعاً إلى أن جاء الآخرون ونهبوا مصادرهم، يكابد العالم الإسلامي اليوم مشكلات عديدة إلى جانب ذخائره المعنوية الهائلة العظيمة القادرة على إنقاذه.
من كلمته في مدراء الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) والإمام الصادق(ع) 21/4/1377ش (12/7/1998م)

الوجود الوضّاء
حول الكيان المقدس للنبي الأكرم يجب القول أولاً إن معرفته بالنورانية عملية غير متاحة لأمثالنا. حقيقة ذلك الوجود المعظم المكرّم، وذلك الموجود البشري الأرقى على مر التاريخ، والأعز في ميدان الوجود كله، هذه الحقيقة تتجاوز كل الأبعاد المادية. ما يدركه البشر بعقولهم وتجاربهم وحواسهم حول أنواع النبوغ والعقل والعلم والتجارب، فيضعون شخصاً في مرتبة عالية سامقة ويضعون غيره في مرتبة أدنى منه، وآخر في مرتبة ثالثة أدنى، هذه المدارك والمراتب كلها أدنى من ذلك الوجود العزيز. لو لم تكن هناك أية رواية، أو آية، أو أثر شرعي، لاستطاع الإنسان فهم ذلك بالقرائن والأمارات. إن هذا المعنى معنى رفيع جداً. الذين هم على معرفة بهذه المعاني يستطيعون تقدير مرتبة ذلك النور. نحن نرى ونعرف ونحس ذلك الوجود العزيز العظيم بحواسنا الظاهرية هذه وبما علينا من قيود وحدود. ضمن إطار هذه الأبعاد التي يفهمها جميع الناس لا يمكن مقارنة ذلك الوجود العظيم بأيٍّ من عظماء الإنسانية. لاحظوا مثلاً أن الوجود المقدس لعلي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام لفت انتباه الكثيرين من علماء العالم في الماضي والحاضر فاعتبروه شخصيةً عظمى وموجوداً شبه أسطوري. لكن هذه الشخصية نفسها وبكل أبعادها العظيمة كان قبال الوجود المقدس للنبي الأكرم تلميذاً وأبناً صغيراً وشخصاً لم يكن يرى لنفسه أي شأن مقابل تلك العظمة. خذوا بنظر الاعتبار أن شخصية الإمام علي ضاعت في الكيان العظيم للنبي الأكرم الذي يمتد امتداد المحيط اللامتناهي. من هنا يمكن تخمين أبعاد تلك العظمة.
من كلمته في ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية 1/5/1376ش (23/7/1997م)

المولود الكريم
يوم ولادة نبي الإسلام العظيم يوم التدبر في الخيرات اللامتناهية لهذا المولود الكريم. وربما أمكن القول إن أكبر خيرات هذه الولادة العظيمة هو إهداء التوحيد والعدالة للمجتمعات البشرية. البشر اليوم أيضاً، حتى وهم يعيشون عصر تقدم العلوم والتطورات الفكرية الهائلة، لا يزالون على مستوى العقيدة أسرى للشرك. وهذا يصدق على البشر حتى في البلدان المتطورة جداً من الناحية المادية. إذن، يتضح أن الاعتقاد بالتوحيد بكل ما له من خيرات وبركات يحتاج نوراً لا يمكن بلوغه إلا عن طريق العقل الموجَّه والمهدي من قبل الوحي الإلهي. وقد وهب نبينا ومن سبقه من الأنبياء هذه الهدية للبشرية. الاعتقاد بالتوحيد له تأثيراته المباركة في روح الإنسان وقلبه وحتى في ميادين حياته مما ينبغي التفكير فيه والسير باتجاه آثار التوحيد وخيراته. من الهدايا الإلهية الكبرى التي مُنحت للإنسانية بواسطة هذا الوليد المكرم هو العدل والعدالة؛ إهداء العدالة للإنسان الرازح في أسر اللاعدالة. منذ فجر التاريخ وإلى اليوم كانت اللاعدالة مشكلة الإنسانية الكبرى. الدين الذي أهداه ذلك الإنسان الكريم الذي ولد في مثل هذا اليوم، يدعو البشر إلى محطات مهمة من قبيل التوحيد والعدل في حياة الإنسان. إذن، بركات هذا اليوم أولاً: تختص بالإنسانية كافة، بمعنى أن بوسع أيٍّ كان الانتفاع منها. وثانياً: لا تختص بزمن معين. اليوم أيضاً تحتاج الإنسانية للعودة إلى التوحيد الخالص ودساتير العدل الإسلامي ووصفة العدالة التي قررها الإسلام للبشرية، حيث قال: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾. إنها الدعوة إلى التقوى والورع؛ دعوة إلى نبذ دوافع التفرقة بين البشر، كالقومية والعرق والدم واللون وما إلى ذلك.
من كلمته في مدراء البلاد بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) والإمام الصادق (ع) 24/6/1371ش (15/9/1992م)

أستاذ جميع المحاسن
حيث إن رسول الإسلام أستاذ جميع المحاسن ومعلم العدالة الإنسانية والوفاء والأخوة، والرشد، والتكامل، والتقدم الدائم للبشرية حتى نهاية التاريخ، أنّى يتاح للبشرية تصور زمانٍ تستغني فيه عن هذه الدروس الثمينة؟ البشرية اليوم أيضاً وكما كانت دوماً بحاجة لدروس رسول الإسلام وتعاليمه.
من كلمته في مدراء الدولة وضيوف ملتقى الوحدة 18/2/1383ش (8/5/2004م)

وحدة الأمة الإسلامية
يواجه العالم الإسلامي والأمة الإسلامية اليوم مصائب كبرى. صحيح أن كثيراً من هذه المصائب ينبع من داخلنا نحن المسلمين، حيث تقاعسنا وتكاسلنا، ولم نسلك بأنانيّاتنا وتكالبنا على الدنيا طريق الأمة الإسلامية نحو قمم التكامل الإنساني؛ وعلينا الآن أن نعود، ونتحرك، ونتوب، ولكن ما من شك أن جانب كبير جداً من هذا التخلف والمصائب والمشكلات التي واجهناها في فترات التاريخ المتأخرة ناجمة عن النظام العالمي الباطل في الماضي والحاضر. النظام العالمي نظام قوة وهيمنة؛ نظام يعتمد منطق القوة، وليس نظام حياة إنسانية؛ إنه نظام حياة الغابة. انظروا لواقع العالم الإسلامي. نتذكّر منذ سنوات قضية فلسطين كجرح عميق في الجسد الإسلامي، وقد أضيف إليه العراق حالياً. لاحظوا ماذا يفعل الجبابرة اعتماداً على ما لديهم من قوة. يطلقون الكلام غير المنطقي والخاطئ في العالم ويعملون به باعتباره كلاماً منطقياً منيعاً، وما ذلك إلا بالاعتماد على القوة ومنطق السلاح والاقتدار السياسي والمالي. يرتكبون علناً الجرائم التي تعد جرائم في عرف جميع شعوب العالم، ويطلقون لها بعض العناوين أحياناً للتمويه، والحال أنهم يعلمون أن أحداً لا يقتنع بذلك، لكنهم يفعلونها أحياناً حتى من دون هذه التمويهات والمسميات والأقنعة. الحكومة الصهيونية الغاصبة تعلن بصراحة عن اغتيالها النخب الفلسطينية، والحكومة الأمريكية تدعمها رسمياً وعلنياً. هذا هو واقع النظام العالمي اليوم. الإرهاب - الذي غدت مكافحته ذريعة لغطرسة الحكومة الأمريكية المستكبرة واستخدامها للقوة _ يُمارس صراحة كعملية مشروعة على ألسنتهم وفي ممارسات الحكام الصهاينة، وكل هذا اعتماداً على القوة واستخدام السلاح. احتلال العراق وغزوه العسكري وإذلال شعب كبير ذي ثقافة وإهانته جريمة دولية، لكنهم مارسوا هذا العمل صراحةً وتحت عناوين حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية والحرية، ولا أحد في العالم يصدق هذا الكلام ويقتنع به، لأن سلوك المحتلين داخل العراق يشير إلى عكس ادعاءاتهم تماماً، وواضح أنهم لا يأبهون أبداً لحقوق الناس بما في ذلك حقهم في تعيين حكومتهم، ولا يعيرون أية قيمة لذلك؛ هم أنفسهم ينصبون الحاكم ويعينونه، وهم يسنّون القانون، وهم يعاقبون المخالف للقانون دون أية محاكمة، والعقوبة هي المجازر الجماعية. انظروا ما الذي حدث في العراق! هذا هو واقع الأمة الإسلامية اليوم. تتعرض الأمة الإسلامية لطمع القوى الكبرى وتطاولاتها لجريمة واحدة فقط هي وقوعها في منطقة ثرية من العالم، ولأن دوران عجلة الحضارة المعاصرة في العالم منوط بالمصادر الموجودة بوفرة في هذه المنطقة. والقوى الكبرى هذه تسمح لنفسها بارتكاب أية جريمة في هذا السبيل. هذا هو واقع الأمة الإسلامية. ألا تستطيع الأمة الإسلامية الدفاع عن نفسها حيال هذا التطاول المتجبّر؟ الجواب: بلى، بوسعنا الدفاع؛ لدينا الكثير من الأدوات للدفاع عن حقنا وكياننا. عددنا كبير، وثروتنا هائلة، ولدينا شخصيات بارزة وأرصدة معنوية تمنح جماهيرنا القدرة على الصمود مقابل العتاة؛ لدينا ثقافة وحضارة عريقة نادرة النظير في العالم؛ لدينا الكثير من الإمكانات؛ إذن نستطيع مبدئياً الدفاع عن أنفسنا. ولكن لماذا لا ندافع؟! لماذا لا نستطيع عملياً فعل شيء في الساحة؟ لأننا غير متحدين، ولأنهم فصلوا بيننا لذرائع شتى. شتّتوا جيشاً منظماً عظيماً ومجهزاً اسمه الأمة الإسلامية إلى فئات ليس لها من همّ سوى مواجهة بعضها والعمل ضد بعضها والتوجّس من بعضها، والتطاول والهجوم على بعضها، ومن الواضح في مثل هذه الظروف أن لا يستطيع هذا الجيش فعل شيء. لقد حان الوقت الآن كي يعيد العالم الإسلامي النظر، ويفكر في قضية الوحدة بجد. التهديد الأمريكي في هذه المنطقة حالياً غير موجّه لبلد أو بلدين فقط، بل موجّه للجميع. خطر الرأسماليين الصهاينة الواقفين خلف الأجهزة الحاكمة في أمريكا غير مقصور على ابتلاع جزء معين من منطقتنا. يريدون ابتلاع المنطقة كلها وهذا ما يقولونه اليوم بصراحة. ليس لمشروع »الشرق الأوسط الكبير« من معنى سوى هذا. منذ ما يزيد على الخمسين عاماً حين تأسست الدولة الصهيونية الغاصبة، ومنذ نحو مائة عام حين انبثقت هذه الفكرة في الأروقة الغربية والأوروبية، كانت نيّتهم أن يبتعلوا هذه المنطقة وينهبوها لأنهم بحاجة إليها. وليس من المهم بالنسبة لهم إطلاقاً ما ينـزل بأهالي المنطقة، فهم كلهم عرضة للتهديد والخطر. وحين يكون الجميع عرضة للخطر فإن الطريق الأكثر عقلانية هو أن يفكر الجميع ويضعوا أيديهم في أيدي بعضهم. وصيتنا وطلبنا الجاد من الحكومات والشعوب الإسلامية هو أن يفكروا في هذه القضية ويعملوا لها، فهي تتطلب جهوداً ومقدمات لابد من توفيرها. والعدو طبعاً لا يبقى عاطلاً عن العمل وسيستخدم أدوات التفرقة القديمة؛ سيستخدم الحالات القومية والمذهبية والطائفية، ويضخّم القضايا التي شدد الإسلام على عدم تضخيمها. شدد الإسلام على أن القوميات ليست معياراً للهوية والتميّز؛ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾. أكد الإسلام على ضرورة أن يتعامل الإخوة المسلمون فيما بينهم بطريقة أخوية؛ لم يقل الإخوة السنة أو الشيعة أو أتباع هذ المذهب وذاك، إنما قال: المسلمون؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾. كل من يعتقد بهذا الكتاب وبهذا القرآن وبهذا الدين وبهذه القبلة فهو مؤمن؛ إنهم إخوة بعضهم؛ هذا ما قاله لنا الإسلام. لكننا نخفي الخناجر وراء ظهورنا لنطعن صدور إخوتنا! وثمة مقصّرون في كل الفئات ينبغي صدّهم ومواجهتهم. الأمة الإسلامية اليوم بحاجة للوحدة من أجل حياتها وشموخها ونجاتها ورفعها راية الإسلام. الوحدة لها الأولوية على كافة الضرورات والأمور المهمة، فهي مقدمة عليها. لماذا لا نفهم ضرورة الاتحاد بين المسلمين؟! هناك مسؤولية ثقيلة على كواهلنا والفترة فترة حساسة. إذا استطاع الأعداء احتلال هذه المنطقة بالقوة سيتأخر العالم الإسلامي مائة سنة أخرى كما حصل له في عهد الاستعمار، وسوف يزداد البون بينه وبين العالم المتحضّر الصناعي مائة سنة أخرى. نحن من يجب أن يتحمل المسؤولية؛ نحن المسؤولون اليوم. الحكومات، والنخب، والشخصيات الثقافية والدينية هي المسؤولة اليوم. كلنا مسؤولون حيال وحدة العالم الإسلامي. وحدة الأمة الإسلامية واتحاد المسلمين وعدم تضخيم الذرائع الصغيرة كان دوماً من أهم ما قاله إمامنا الكبير (رضوان الله تعالى عليه) منذ ما قبل انتصار الثورة وحتى الفترة الأخيرة من حياته ونحن نرى اليوم ونفهم أنها كانت توصية جد حكيمة وصائبة.
من كلمته في مدراء الدولة وضيوف ملتقى الوحدة 18/2/1383هـ (8/5/2004م)
تعرفت المجتمعات الإسلامية اليوم على أهمية النظام الإسلامي والحمد لله. انجذب الكثير من الكتّاب والخطباء والقلوب نحو هذا الاتجاه طوال الأعوام الماضية، وانطلقت الصحوة الإسلامية، وتعرفت المجتمعات الإسلامية على أهمية هذا الرصيد الذي تمتلكه. وبالطبع ازداد عداء أعداء الإسلام بنفس النسبة؛ ما يفتأون يبثّون الفرقة والاختلاف بين الشعوب المسلمة ليجرّوا كل جماعة لجهة معينة عن طريق إثارة النـزعات القومية والوطنية والعرقية والعصبية. هذا دليل على أن العدو فهم بأن الوعي الإسلامي والصحوة الإسلامية تفعل فعلها في البيئة الإسلامية العالمية. وهذا هو الواقع. لا شك أن هذا الشعور سيجذب الشعوب المسلمة نحو النظام الإسلامي وتشكيل أمة إسلامية واحدة؛ هذا مستقبل محتوم، ولن يكون لهذه العداوات من أثر. قوة الإسلام فوق هذه الأمور؛ وفي إيران الإسلامية أيضاً كان الشيء الذي لم يخطر على بال أحد قط هو أن تستطيع الطاقة الإسلامية العظيمة توحيد الجماهير وتقريب القلوب إلى بعضها، وجعل الإيمان الإسلامي دعامة لهذه الحركة وتأسيس نظام إسلامي في هذا الوطن. هذا هو ما حصل.
من كلمته في مدراء البلاد بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) والإمام الصادق (ع) 10/4/1378ش (1/7/1999م)

قال أحد الشخصيات الكبيرة قبل عقود من الزمن: »بُني الإسلام على دعامتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة«. هذان هما الركنان الأساسيان للإسلام: الأول كلمة التوحيد والثاني توحيد الكلمة. وهذا الثاني يرجع إلى الأول، أي وحدة الكلمة حول محور التوحيد. نحن اليوم أحوج إلى هذا الشعار من أي وقت آخر. العودة إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة... الركن الثاني هو توحيد الكلمة. على الشعوب المسلمة أن تتحد. من أعظم مصائب العالم الإسلامي اليوم هو أن أعداء الإسلام جعلوا مما كان يجب أن يكون أداةً لاتحاد المسلمين - وأقصد وجود العدو والصهاينة الغاصبين - أداةً لاختلافهم! فعلوا ما جعل بعض الحكومات المسلمة تتخذ هذه القضية وسيلة للوقوف بوجه إخوانهم، وبث الاختلاف بشكل حقيقي، والحال أن وجود مثل هذا العدو في قلب البلدان الإسلامية يجب أن يقرِّب بين المسلمين ويجعلهم جبهة ويداً واحدةً. هذا ذنب يعود إلى تدخل الاستكبار وتطاولاته. لولا دعم الاستكبار وعلى رأسه أمريكا لمحتلّّي فلسطين والإرهابيين الدوليين المتموضعين في قلب البلدان الإسلامية - أي الحكام الحاليون لدولة إسرائيل المزيفة - لما أمكنهم البقاء. وكذا هو الحال الآن أيضاً.
من كلمته في مدراء الدولة بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) والإمام الصادق(ع) 21/4/1377ش (12/7/1998م)

ما يتعلق بعالمنا اليوم والشيء الذي أُصرُّ عليه دوماً هو وجود نقطة بين الفرق الإسلامية لا يختلفون بشأنها أبداً رغم ما يعانونه اليوم من مشكلات ومآسٍ عديدة، وعليهم استخدام كل الوسائل لإنقاذ أنفسهم من هذه المعاناة. حتى داخل إطار عقيدة التوحيد المتفق عليها قد تكون للبعض تفاسير وآراء لا يرتضيها آخرون. ولكن لا يوجد أي خلاف في النقطة المومى إليها وهي محبة نبي الإسلام المكرم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. هذه نقطة اجتماع واتحاد ينبغي بذل الجهود بشأنها. لقد ذكرنا هذا سابقاً وحاول بعض أصحاب الهمم تقريب وجمع الفرق الإسلامية حول هذا المحور. واليوم أيضاً ينبغي على أصحاب الهمم توجيه المسلمين وتنبيههم إلى قطب الوحدة هذا. هناك بالدرجة الأولى قضية الوحدة بين المسلمين. على جميع الفرق الإسلامية - الشيعة والسنة والمذاهب السنية المختلفة والمذاهب الشيعية - أخذ قضية اتحاد المسلمين بعين الجد. على المسلمين أخذ الوحدة الإسلامية بعين الجد. ومعنى الوحدة الإسلامية معروف. ليس المراد منها ذوبان جميع المذاهب في مذهب واحد. البعض يرفض المذاهب من أجل بلوغ الاتحاد بين المسلمين. رفض المذاهب لا يعالج مشكلة. الاعتراف بالمذاهب يعالج المشكلات. ليمارس كل واحد من المذاهب الموجودة مهماته الطبيعية في منطقته، ولكن ليحسنوا علاقاتهم فيما بينهم. أرى رأي العين أيادٍ متآمرة بنحو خطير جداً لزرع الفُرقة بين المسلمين ومذاهبهم لا سيما في الأعوام الأخيرة، أي بعد الهجوم الذي شنّوه إثر انتصار الثورة وأُحبط بالتحرك الحاسم للثورة الإسلامية وقائدنا وإمامنا العظيم. عارضَ الأعداء اتحاد المسلمين دوماً. أما اليوم حيث ترفرف راية الإسلام الظافرة في هذه النقطة من العالم بكل عزة وعظمة، فهم يخشون الوحدة الإسلامية أكثر من أي وقت مضى.
أعزائي، إن وجود الجمهورية الإسلامية في هذا العالم الكبير، ووجود هذه الدولة القوية، وهذا النظام المقتدر المستقل، وهذا الشعب الشجاع الشامخ المتوثّب الكفوء المؤمن، وهذا البلد الكبير، وهذه الثورة التي أثبتت توفيقها إلى اليوم في معظم الميادين - سواء في انتصار الثورة، أو الانتصار على هجوم الأعداء الأجانب في الحرب المفروضة، أو على صعيد البناء - واستطاعت الحفاظ على الوحدة الوطنية بشكل كامل، كل هذه الحقائق جعلت أعداء الإسلام يسرحون في التفكير ملياً. إنهم خائفون لأنهم يرون جاذبية هذه الثورة. المسلم أينما كان من العالم حينما يرفع رأسه وتقع عينه على هذه الراية العالية الخفاقة، ينتابه الحماس وتتصاعد في نفسه المشاعر الإسلامية. لاحظوا كم تضاعفت المشاعر والحماس والتحركات الإسلامية ونجاحات الجماعات الإسلامية في المنطقة الإسلامية بعد انتصار الثورة الإسلامية! انظروا للحالة من شمال أفريقيا والجزائر إلى هنا ثم المناطق الشرقية. هذا بفضل هذه الراية الرفيعة الخفاقة. انبعث الشعور بالاستقلال والهوية الإسلامية والإحساس بالشخصية في المجتمعات الإسلامية، وعاد عدو الإسلام والمسلمين خائفاً مذعوراً. الذين بذلوا الجهود والمساعي عشرات الأعوام كي يجعلوا المسلمين ضعفاء خانعين عديمي الشخصية والهوية، لاحظوا فجأةً أن جميع مساعيهم ذهبت هباءً منثوراً، وانهارت وأحبطت جميع مخططاتهم ومؤامراتهم. قيام هذه الدولة الإسلامية بعث في المسلمين الشعور بالعزة. حاول الأعداء بشتى الطرق أن يقطعوا الصلة بين الدولة الإسلامية في إيران وبين المجتمعات والمحافل الإسلامية في أقطار العالم. إنهم يفعلون ذلك، والأسلوب المذهبي أحد أساليبهم، الحرب بين السنة والشيعة، الشجار بين السنة والشيعة، تضخيم وتعظيم التباينات المذهبية، وإشاعة أنّ هؤلاء شيعة ولا علاقة لهم بكم، والحال أننا رفعنا هنا راية حكومة الإسلام والقرآن والاسم المبارك للرسول الأكرم سيدنا محمد المصطفى. هذا شيء يعشقه ويشتاقه كل المسلمين. هذا أحد الطرق. ومن الطرق الأخرى تسقيط الجمهورية الإسلامية وهذا الشعب الكبير، وهذه الدولة المعنوية الأخلاقية القيمية في أنظار العالم بتهم من قبيل الإرهاب. حين تلاحظون تشديدهم على تهم من قبيل حقوق الإنسان، ومعارضة حقوق الإنسان، وانتهاك حقوق الإنسان، وممارسة الإرهاب والاغتيالات وما شاكل، فكل هذا بغية إثبات مزاعمهم. وهم أنفسهم يعلمون أنه كذب. هذا كله من أجل إبعاد الرأي العام العالمي عن نظام الجمهورية الإسلامية، وخلق الهوة والبون بين الطرفين. الهدف هو الحؤول دون قيام أية جاذبية واستقطاب بين هذا المقر الإسلامي القرآني الشامخ وبين المجتمعات المسلمة في كل أنحاء العالم. والله طبعاً يبطل كيدهم: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾، ﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ ﴾. أحبط الله كل ما قاموا به طوال هذه السنوات، لكن العدو على كل حال يواصل عرقلته وخلقه للمشاكل ويُمنى بالفضيحة في بعض الأحيان، لكنه لا يقلع عن محاولاته. هنا تكتسب قضية الوحدة الإسلامية والتفاهم الإسلامي معناها. لاحظوا كم هي مهمة هذه القضية. لاحظوا كم هي مهمة لمستقبل العالم الإسلامي. إنها ليست قضية يمكن تجاوزها بسهولة. على الجميع اعتبار أنفسهم معنيين بهذا الكلام. إنني أقولها للجميع، للسنة والشيعة، للكتّاب والشعراء وأصحاب المطابع، ولمن له مكانة وكلمة مسموعة بين الناس، على الجميع إدراك هذه الحقيقة ومعرفة العدو. حاذروا من أن يستقر العدو في خندق الأصدقاء. حاذروا من أن تهاجموا الأصدقاء بدل مهاجمة الأعداء. كونوا عالمين بالزمان، أي اعرفوا العدو والصديق ومجال الكفاح. هذه أمور مهمة جداً. الجميع مخاطبون بهذا الكلام دون تفريق بين الشيعة والسنة، أو بين الإيرانيين وغير الإيرانيين. لحسن الحظ ليس لدينا مشكلة مع أهل السنة في إيران. عشنا طوال 17 أو 18 سنة بعد الثورة بتصافٍ ومحبة وصميمية دائمة ونشكر الله على ذلك.أخوتنا في المناطق التي يكثر فيها أهل السنة قدموا أكبر المساعدات للحكومة والنظام الإسلامي. القضية قضية العالم الإسلامي. القضية قضية مستقبل الإسلام... الصحفيون وأصحاب النفوذ بين شرائح الجماهير، هؤلاء هم من يتحملون الواجب الأكبر. حان الأوان كي يفيق العالم الإسلامي على نفسه ويختار الإسلام صراطاً مستقيماً إلهياً وطريقاً للنجاة ويسير فيه بثقة. حان الأوان كي يحافظ العالم الإسلامي على اتحاده ويقف وقفة متحدة بوجه العدو المشترك الذي شاهدت جميع الفئات الإسلامية أخطاره - وأعني به الاستكبار والصهيونية - ويطلق شعارات واحدة ويدعو بإعلام واحد، ويسلك طريقاً واحداً. وسيحظى إن شاء الله بتأييد الخالق وحماية القوانين والسنن الإلهية ويتقدم إلى الأمام.
من كلمته في ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية 1/5/1376ش ()

منذ أن شعر الاستكبار أن هذه الحقيقة ترسخت في إيران واستقرت وتمكّنت، وأدرك أنه غير قادر على استئصالها وتحطيم هذه النهضة والحركة والصرح، بدأ مساعيه العدوانية بشكل آخر تمثّل في فصل مسلمي العالم عن هذه الثورة وهذا الشعب وهذا القائد العظيم الحكيم الذي اعترف العالم بعظمته. معنى هذا فصل الشعوب الأخرى عن شعب إيران؛ فصل الأرضيات المساعدة للحياة الإسلامية عن هذه الحركة المتحققة والموجودة بالفعل والتي كان يمكن أن تشجعهم وتحضّهم؛ فصل البلدان العربية وغير العربية؛ فصل البلدان التي تحكمها أنظمة ترتبط بعلاقات صداقة مع الاستكبار والمراكز الاستكبارية في العالم. وَضَعَ هذه الأمور في مقدمة أجندته - على المستوى السياسي والحكومي - وللأسف فإن بعض الحكومات خُدعت تماماً ووقعت في الفخ الذي نصب لها. أراد الاستكبار جعل الحكومات أعداءً لنظام الجمهورية الإسلامية. بعض الحكومات أدركت ذلك بذكاء ولم تسمح بتحقق إرادة الاستكبار. لكن حكومات أخرى تخبّطت في الفخ دون وعي. وعلى مستوى الشعوب أثاروا قضية الخلافات الفئوية واختلافات الشيعة والسنة والتباينات العقيدية وفرضوا على كثيرين، مقابل أجور معينة، تأليف كتب ضد الجمهورية الإسلامية والتشيع، أو ضد بعض معتقدات الشعب الإيراني المسلم، وظهرت كتب كثيرة. وفرضوا على البعض الرد بلغتهم على هذه الكتب والإشكالات والشتائم. وقد وقع الطرفان في الفخ للأسف.
أعزائي، هذه هي القضية في العالم الإسلامي اليوم... وثمة حالات حتى داخل إيران، لأنهم يرون الإخوة المسلمين الشيعة والسنة في إيران يقفون صفاً واحداً وتحت راية واحدة وبشعار واحد وفي جبهة واحدة جنباً إلى جنب. في حرب الثمان سنوات المفروضة لم يسأل أحد الذين توجهوا للدفاع عن وحدة أراضي البلد وحدود الإسلام: من أية طائفة أو فرقة أو مذهب أنتم؟ وما هي لهجتكم أو لغتكم؟ الكل توجهوا للجبهات ومن كل مكان. اختلطت الدماء ببعضها في إيران وخلقت الثورة اتحاداً وألفةً بين الفرق واللهجات والطوائف المختلفة بالمعنى الحقيقي للكلمة. لا يطيق الاستكبار رؤية هذا. يختلقون ذريعةً لكل فرقة من الفرق. يجدون أكثر الأفراد سذاجة وقابلية للخداع في كل فرقة فيلقّنونهم شيئاً ليكرروه كما يشاءون هم! على الجميع اتخاذ جانب الحيطة والحذر. كل من يعين على هذا الهدف الاستكباري - فصل الشعب الإيراني عن سائر الشعوب والبلدان - فإن حكمه عند الله تعالى حكمَ أعداء الإسلام والمسلمين ممن حاربوا الإسلام. سواء اليوم أو في زمن النبي. »كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله«. كل من يساعد على تحقيق أهداف الاستكبار حيال إيران الإسلامية، يكون كمن حارب الآيات الإلهية في زمان ظهورها ونـزولها. إن هذه الحركة اليوم حركة نحو إحياء الإسلام وأحكام الإسلام والقرآن وإخراجها من عزلتها. هذه حركة عظيمة وقعت هنا. يريد المسلمون القيام بمثل هذه الحركة في كل مكان. لو نظرتم للبلدان الإسلامية في شرق العالم الإسلامي وغربه للاحظتم هذه الحقيقة. لكن الاستكبار العالمي، وأمريكا، والشركات المختلفة وأصحاب المال والقوة يحولون دون ذلك. إيران الإسلامية هي النقطة التي لم ولن تستسلم للمال والقوة، وهي الموضع الذي تجتمع فيه كل القوة الوطنية في وجه الاستكبار. اعرفوا قدر أسبوع الوحدة؛ هذا الأسبوع المحترم من قبل جميع المسلمين. على الجميع اغتنام وتثمين الوحدة والاتحاد بين القوى وتوجيه طاقات المسلمين ضمن جبهة واحدة وهذا هو سر سعادة المسلمين وسبب شموخهم وأمضى أسلحة الشعوب حيال الاستكبار العالمي.
من كلمته في مدراء البلاد وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية 13/5/1375ش (4/8/1996م)

أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات المحترمات. قضية الوحدة بالنسبة للمسلمين اليوم حاجة حاسمة. لأعداء الإسلام والمسلمين اليوم خصوصيتان لم تكونا له على مر التاريخ. الأولى أنه متسلح غاية التسلّح بالمال والسياسة والإعلام وأنواع أدوات التأثير والنفوذ وتوجيه الضربات. من هو عدو الإسلام؟ إنه جبهة الاستكبار من الصهيونية إلى أمريكا، إلى الشركات النفطية،إلى الكتاب المأجورين والمثقفين الذين يعملون لها. إنها جبهة مدجّجة بالسلاح من أقصى العالم إلى أقصاه. لم تكن الجبهة المعادية للإسلام متسلّحة ومجهزة بكل المعدات والأدوات كما هي اليوم... يقف العالم الإسلامي قبال عدو الإسلام والمسلمين المتسم بهاتين الخصوصيتين: التسلّح أكثر من أي وقت مضى، والتوجّس والتحسّس من الإسلام أكثر من أي وقت مضى. ماذا سيفعل هذا العدو؟ أفضل وسيلة يمتلكها العدو هو أن يزرع الخلاف بين المسلمين، وخصوصاً بين الأجزاء التي بوسعها إلهام سائر المسلمين وتوفير النموذج لهم. لاحظوا كم تنفق اليوم في شتى البلدان الإسلامية من أموال النفط وغيرها لكي يُكتب كتاب ينسب عقائد عجيبة وغريبة للشيعة. في فترة من الفترات جمعتُ عدداً كبيراً من هذه الكتب ولاحظت أن كماً كبيراً من هذه الكتب يُؤلَّف ويُنشر. أذكى وأحذق المتخصصين الإعلاميين يبذلون جهودهم لإعداد وإصدار هذه الكتب بهدف زرع الخلافات، ولأجل فصل جزء من المجتمع الإسلامي يحمل راية الإسلام وتمثل إيران الإسلامية قمته وذروته - إضافة إلى سائر الأنحاء التي استطاعت بفضل الإسلام السير لحرب حدثان الحياة ومقارعة القوى الكبرى - عن سائر العالم الإسلامي. الأموال في العالم الإسلامي اليوم كثيرة، والأفكار كثيرة، وثمة فيه طاقات بشرية جيدة من علماء، وشعراء، وكتّاب، وفنانين، وشخصيات سياسية مميزة. والبلدان الإسلامية تمتلك قسماً كبيراً من المصادر المالية والجوفية العظيمة والمعادن الأرضية الطبيعية، وإذا تماشت هذه البلدان، أو لم تعمل ضد بعضها على الأقل، فسيقع حدث كبير في العالم! يعمل العدو لأجل توجيه كل هذه الطاقات البشرية والمالية في العالم الإسلامي ضد بعضها. دفعوا النظام العراقي وأشعلوا حرباً طاحنة في المنطقة استمرت ثمانية أعوام. ثم ظلوا يكابدون عسى أن يستطيعوا استئصال هذه الغرسة الفتية من جذورها، وهذا ما لم يتمكنوا منه طبعاً. ﴿ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾. هذه سمة مميزة للكلمة الإسلامية أنها لا تقبل الاستئصال: ﴿ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾. واليوم أيضاً يبذلون قصارى جهدهم على المستوى السياسي. لذا فإن استنتاجي وفهمي وتصوري وتوصيتي كأحد خدّام هذا الشعب، وكإنسان يرى مؤامرة العدو ويشعر بها، توصيتي للإخوة المسلمين هي أن الاتحاد بين المسلمين ضرورة حيوية للمسلمين في الوقت الراهن. إنه ليس مزاحاً أو شعاراً. ينبغي على المجتمعات الإسلامية أن تعيش مع بعضها حالة اتحاد الكلمة بحق وتتحرك وتسير بشكل متواكب. الوحدة طبعاً أمر معقد. خلق الاتحاد عملية معقدة. الاتحاد بين الشعوب الإسلامية ممكن مع اختلاف المذاهب، ومع اختلاف أساليب الحياة وتقاليدها، ومع اختلاف الآراء الفقهية. معنى الاتحاد بين الشعوب الإسلامية هو أن تتحرك باتجاه واحد في القضايا الخاصة بالعالم الإسلامي، وتتعاون فيما بينها، ولا تستخدم إمكاناتها وأرصدتها ضد بعضها.. كم هو مؤسف ومحزن أن يعمل ذهن المفكّر الإسلامي الذي ينبغي أن يكتب ويسعى لعزة المسلمين ورفع راية الإسلام، أن يعمل لصالح القضايا الخلافية وبث الفرقة والاختلاف وإشعال نيران الشجار والفصل بين المسلمين؛ يتهم شخصاً ويخرج شخصاً آخر من الدين. تقع على عاتق العلماء في هذا المضمار وظيفة كبيرة لتحقيق الوحدة وتوفير مقدماتها؛ ولا أقصد علماء أحد الطرفين فقط، بل علماء كلا الطرفين.
أيها الإخوة والأخوات، أحياناً يستخدم الأعداء أشخاصاً ليس لديهم نوايا سيئة لبث الاختلاف في صفوف الشيعة والسنة. تبرز في المجتمع الشيعي ظواهر وممارسات تثير حساسية الأخ المسلم غير الشيعي. ونظير ذلك يحدث في المجتمع السني فتبرز ظواهر تثير حساسية الشيعة ونفورهم. من الذي يفعل هذا؟! هناك اليوم عدو واحد حيالنا ، فضلاً عن أن لنا في المجتمع الإسلامي كتاب واحد، وسنّة واحدة، ونبي واحد، وقبلة واحدة، وكعبة واحدة، وحج واحد، وعبادات واحدة، وأصول عقيدية واحدة. طبعاً ثمة اختلافاتٌ أيضاً. الاختلافات العلمية قد تحصل بين أي عالمين. بالإضافة لذلك هناك عدو واحد إزاء العالم الإسلامي. قضية الاتحاد بين المسلمين قضية جدّيّة، وينبغي التعاطي معها بجد. كل يوم يتأخر فيه تحقيق هذه القضية يخسر فيه العالم الإسلامي يوماً كاملاً، وبعض هذه الأيام حسّاسة إلى درجة أنها تؤثر في عمر بكامله. يجب أن لا تسمحوا بتأخّر هذه القضية.
من كلمته في مدراء البلاد وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية 24/5/1374ش (15/8/1995م)

... النقطة الثانية أذكرها على وجه السرعة، وهي قضية الوحدة. أعزائي، بوسع المسلمين في العالم الاتحاد في ظل اسم النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم بشكل أسهل وأيسر. هذه ميزة ذلك الشخص العظيم. قلتُ مراراً إن ذلك الإنسان الكبير هو قطب عواطف المسلمين وملتقاها، فالمسلمون يعشقون نبيهم. اللهم أشهد أن قلوبنا مفعمة بمحبة الرسول، وينبغي استثمار هذه المحبة، فهي حلالة المشكلات. يحتاج المسلمون اليوم للإخوة. شعار ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ أكثر اليوم أهميةً وجدّاً من أي وقت آخر. الضعف والذل الذي يعاني منه مسلمو بعض البلدان حالياً ناجم عن التفرقة والاختلاف. لو كان المسلمون متحدين لما حلَّ بفلسطين ما حلَّ بها. ولما حلَّ بالبوسنة ما حلَّ بها؛ ولا بكشمير؛ ولا بطاجيكستان؛ ولما عاش مسلمو أوربا كل هذه المحن، ولما تعرّض مسلمو أمريكا لكل هذه الضغوط والإكراه. السبب هو أننا مختلفون فيما بيننا. نادت الجمهورية الإسلامية بالوحدة فانهالت عليها كل القوى المستكبرة. واستطاعت الجمهورية الإسلامية طبعاً التصدي لهم بمفردها. لماذا؟ لأنها نادت بالوحدة وهم أعداء الوحدة. وحدة المسلمين في ضررهم، لذلك يبغون كسرها. أقول: على علماء الشيعة والسنة أينما كانوا، بما في ذلك بلدنا العزيز، أن يحذروا ويدققوا. الوحدة في إيران كان ثمنها غالياً. نداء الوحدة لم ينتشر في العالم إلا بثمن باهض. فلا يحطّموه بسهولة، وكل من يحطّمه يرتكب خيانة، كائناً من كان، سنياً كان أم شيعياً. استطاع الإمام الكبير إعزاز الإسلام بفضل إيجاد الشعور بالوحدة بين المسلمين. المسلم في أقصى أنحاء العالم تحرك باسم الإمام، ولم يفكّر »ما هو مذهبي؟«، »أنا سني وهذا شيعي«، »هو سني وأنا شيعي«. هذه الحالة مضرّة بالعدو، لذلك يريد نسفها، فما بالك لو نسفها الصديق؟ وما بالك لو قمتُ أنا وأنت بدل القوى الاستكبارية عن طريق كلامنا وكتاباتنا بتحطيم الوحدة وفصل الشيعي عن السني، والسني عن الشيعي؟ وبعد أن ينفصل هؤلاء يأتي الدور للفرق السنية والفصل بين هذه الفرقة وتلك، وأصحاب هذه الأصول وتلك، وأصحاب هذه الفروع وتلك. ثم يحين دور الشيعة وفصل هذه الفرقة الشيعية عن تلك وهذه الجماعة عن تلك! ولن يبقوا على أحد قط. فلماذا نسير وفق إرادة العدو؟ حين كان الإمام يشدد كل ذلك التشديد على قضية الوحدة فلأنها ليست قضية عواطف بل قضية عقلانية. كل من يهين مقدسات فرقة أخرى ويتعامل معها بمنطق العنف والإهانة فسوف ينال من الوحدة بمقدار ما تكون ممارساته هذه مؤثرة، وليكن من يكون. لدي تل من كتب أشباه العلماء المعادين للشيعة - وينبغي القول إنهم معادون للإسلام والقرآن - صدرت بالدولارت النفطية ضد الشيعة وضد الإمام وضد الثورة، وحصلنا هنا على نسخة منها لنرى ما الذي يفعلونه، وما الذي ينبغي فعله بالمقابل؟
من كلمته في مدراء البلاد وشرائح الشعب المختلفة بمناسبة ولادة الرسول (ص) والإمام الصادق (ع) 14/6/1372ش (5/9/1993م)

نحن الشعب الإيراني جعلنا هذا الأسبوع »أسبوع الوحدة«؛ وإمامنا الجليل رضوان الله تعالى عليه الذي نادى بالوحدة بين المسلمين دوماً، أبلغ في هذا الأسبوع نداء الوحدة لأسماع جميع المسلمين في العالم بل جميع طلاب الحق في العالم. »أسبوع الوحدة« عنوان مناسب. الوحدة متحققة والحمد لله بين أبناء الشعب الإيراني وشرائح الشعب مهما كانت سبلهم ومناحيهم وأعمالهم. أبناء شعبنا متحدون ويسيرون باتجاه واحد على الرغم من المؤامرات وبذور النفاق التي تنثر بينهم؛ إنهم يتحركون باتجاه الإسلام والقرآن وسيادة الدين من دون تفريق بين الشيعة والسنة والقوميّات المختلفة (فرس، وعرب، وترك، وتركمن، وبلوش، وكرد، وغير ذلك)؛ شعب متلاحم متحد. الشعب الإيراني نموذجي حقاً ببركة الإسلام. إنه نموذج ناجح بين الشعوب المسلمة. رضي الله عنكم أيها الشعب الإيراني لتلبيتكم الصادقة دعوة الدين ونداء إمامكم الكبير. هذا شيء ينبغي المحافظة عليه. الوحدة القيمة التي استطعتم بفضلها تحقيق كل هذه الانتصارات لها أعداؤها. يجب أن تتيقّظوا ولا تسمحوا للخلافات أن تعم وتنتشر. حاذروا أكثر في المواطن التي تتوفر فيها ذرائع الاختلاف ويستطيع العدو التشبث بهذه الذرائع. عليكم الحذر أكثر فيما يتصل بقضايا المذهب والاختلافات المذهبية التي أساء الأعداء استغلالها قروناً طويلة من الزمن. على الشيعة والسنة الحذر سواء بسواء... نحن البلدان الإسلامية ليس ثمة تقاطع مصالح بيننا. الجماعة والكتلة الإسلامية شيء إيجابي للجميع وليس لمجموعة معينة دون غيرها. البلدان الإسلامية الكبرى أيضاً تنتفع من المنظومة الإسلامية الواحدة. وتنتفع منها أيضاً البلدان الضعيفة والصغيرة والفقيرة. هذا شيء لصالح الجميع؛ لصالح كل أطراف القضية. إذن على من يعود ضرره؟ من الذي يضره اجتماع المسلمين؟ القوى التي تروم فرض أغراضها الفاسدة على الشعوب المسلمة؛ أي القوى الكبرى، أمريكا، والسياسات الاستعمارية. دعونا البلدان الإسلامية للوحدة من أول الثورة إلى اليوم. دعونا بلدان المنطقة الإسلامية والمجموعات الأصغر للوحدة. لم نقل لهم تعالوا نتحد لنستفيد نحن من هذه الوحدة. إنْ كنا نسعى دوماً للحفاظ على أخوتنا وصداقتنا مع الحكومات الإسلامية فليس لأن حكومتنا أو شعبنا بحاجة لهذه العلاقة، لا، لأن العالم الإسلامي كله ينتفع من هذه العلاقة.
من كلمته في مدراء البلاد بمناسبة ولادة الرسول الأكرم (ص) والإمام الصادق (ع) 24/6/1371ش (15/9/1992م)

العدو يريد نشوب النـزاع بين الفرق الإسلامية في أسبوع الوحدة؛ الوحدة بين الأمة الإسلامية. خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية أراد العدو الفصل بين إيران الثورة الإسلامية وسائر الشعوب، يتمنى من الله أن يقال في العالم الإسلامي: »هؤلاء شيعة وثورتهم شيعية لا علاقة لها بنا نحن السنة«. قال الشعب الإيراني منذ مطلع الثورة: نعم، نحن شيعة موالون لأهل بيت الرسول؛ لكن هذه الثورة ثورة إسلامية قامت على أساس القرآن، والتوحيد، والإسلام الخالص الأصيل، وعلى أساس الوحدة والأخوة بين كافة المسلمين. هذا ما قاله شعبنا منذ البداية ونادى به إمامنا. لا تدعوا لهذه الوحدة أن تتشوّه. لا تسمح الشعوب المسلمة في البلدان الأخرى للكتّاب المأجورين بالكتابة ضد الشعب الإيراني والثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية وبث التهم والافتراءات. إنهم يفعلون هذا الآن. وعلى الكتّاب أيضاً التحلي باليقظة وعدم توفير الذرائع للعدو كي يعمّق هذا الشرخ. على الإذاعة والتلفزيون ووسائل الإعلام، والصحف، والكتّاب، وعلى الجميع الحذر من توفير الذرائع التي يستغلها العدو ليؤجج الخلافات بين المسلمين. قلنا: ليكن مذهب الإخوة المسلمين ما يكون في أي مكان، ولكن ليكن الجميع إخوة يكافحون في سبيل الإسلام والتوحيد والقرآن، الاستكبار المعادي للإسلام والتوحيد والقرآن.
من خطبتي صلاة الجمعة بطهران 5/7/1370ش (27/9/1991م)

سأذكر اليوم نقطة عن هذه الأيام - أيام أسبوع الوحدة وذكرى الولادة المباركة العظيمة للرسول والإمام الصادق (عليهما السلام) - ونقطة أخرى أذكرها لاحقاً حول قضية مهمة وأساسية في بلادنا. اعلموا أن الاستعمار والاستكبار ينفق الأموال منذ عشرات الأعوام وأكثر ليزرع الخلاف بين المسلمين. وضعوا الكتب والمجلات لبث الخلافات، ونشر الشائعات، وأثاروا العصبيات، وزرعوا الأحقاد والضغائن في أعماق قلوب المسلمين ضد بعضهم. طبعاً كانت هذه العداوات موجودة طوال الأزمنة الماضية أيضاً، لكنها اكتسبت شكلاً جديداً في عهد الاستعمار. كل من له اطلاع على السياسة الحديثة في العالم الإسلامي طوال المائة أو المائة وخمسين عاماً الأخيرة يعرف ما الذي أشير إليه. جاءت الثورة الإسلامية ورفعت رايةً حينما راجع المسلمون من كل المذاهب والبلدان أنفسهم وجدوا أنهم يحبونها وشعروا أنها راية الإسلام والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم). لذلك باءت كثير من مخططات الأعداء بالفشل. الاستكبار لا يختار أن يقعد ويبقى ساكتاً. أعداء الإسلام والمسلمين السفاحون لا يقر لهم قرار. ما إنْ رأوا الثورة والجمهورية الإسلامية أوجدت وحدةً بين الشيعة والسنة في داخل البلاد وخارجها، وقرّبت بينهم وقلّلت من عصبياتهم ضد بعضهم، حتى شرعوا ببث سمومهم من الخارج.. قالت الجمهورية الإسلامية لمسلمي العالم تعالوا نجرِّب الوحدة من الثاني عشر حتى السابع عشر من ربيع الأول. حسب إحدى الروايات - التي غالباً ما يؤيدها أهل السنة ويوافقها بعض الشيعة- فإن الثاني عشر من ربيع الأول هو ذكرى ولادة الرسول (ص). وثمة رواية تقول بالسابع عشر من ربيع الأول يعتقد بها معظم الشيعة وبعض أهل السنة. على كل حال، ينبغي الاهتمام بوحدة العالم الإسلامي أكثر ما بين الثاني عشر والسابع عشر من ربيع الأول أيام ولادة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ الوحدة هي ذلك الحصن والسور المنيع الذي لو قام لما استطاعت أية قوة التطاول على حريم البلدان والشعوب الإسلامية...
على الشيعة والسنة أن لا يسمحوا للأعداء باستغلال اختلافاتهم. الذين يرفعون شعار الاتحاد والوحدة والأخوة بين المسلمين ليسوا أعداء المسلمين، بل هم أصدقاؤهم ويريدون لهم الخير ويطمحون لعزة جميع المسلمين في العالم. ما فائدة أن يقف المسلمون من مختلف المذاهب بوجه بعضهم ويوجهوا الضربات لبعضهم، ويأتي العدو فيحاصر كلا الطرفين ويضرب رأساً برأس ثم يتفرج عليهما وينتفع من خلافاتهما؟ هل هذا حسن؟ إنْ كنا نقول ليكن الشيعة والسنة إلى جانب بعضهم فمعنى ذلك أن يبقى الشيعة شيعة والسنة سنة. متى قلنا لعالم التسنن إننا نقصد من الوحدة أن تدخلوا في التشيع؟! لم نقل هذا. كل من أراد الدخول في التشيع فليدخله بالطريقة العلمية وعبر البحوث والنقاشات العلمية. وهم أحرار في أن يفعلوا ما يشاءون. لا نقول لهم غيّروا مذهبكم، نقول: على الشيعة والسنة التحلي بالعقل والكياسة، وهذا ما لوحظ والحمد لله في بلادنا خلال عهد الثورة الإسلامية. لا تسمحوا للعدو بإساءة استغلال هذه الاختلافات؛ هذا هو الهدف من إقامة أسبوع الوحدة.
اتحاد المسلمين سيُكسِب العالم الإسلامي العزة. هناك مليار إنسان في العالم لهم عقيدة واحدة حول الله، والرسول، والصلاة، والحج، والكعبة، والقرآن، والكثير من الأحكام الدينية؛ وهناك اختلافات قليلة بينهم؛ فهل من المعقول أن يركزوا على هذه الاختلافات القليلة ويتقاتلوا كي يتاح لمن يعارض الله والرسول والدين وكل شيء تمرير مشاريعه؟! منذ إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة والجمهورية الإسلامية تهتف بهذه الفكرة ويتابعها شعبنا الواعي اليقظ. على الشعوب الأخرى أيضاً التنبّه إليها. طلبنا من عدد من العلماء والمفكرين أن يجتمعوا على المستوى العلمي والثقافي ويؤسسوا »مؤسسة التقريب بين المذاهب الإسلامية« بهدف التقريب والوئام. هناك أربعة مذاهب فقهية لدى أهل السنة ومذهب الإمامية، ومذهب الزيدية، ومذاهب إسلامية أخرى؛ ليجتمع هؤلاء ويروا كم يستطعيون التعاون والعمل المشترك في المسائل العلمية والدينية. قمنا بتأسيس هذا المركز، وسيتابع الإخوة المسؤولون فيه أعماله بكل حيوية إن شاء الله. هذا مشروع يُرضي الله تعالى، ومصير الإسلام رهن بمثل هذه المشاريع. إذا وضع المسلمون أيديهم في أيدي بعضهم وتعاطفوا مع بعضهم ولم يتحولوا أداةً بيد الأعداء حتى لو كانت عقائدهم مختلفة، فإن العالم الإسلامي سينال العزة والشموخ؛ وعندئذ هل يا ترى ستجرأ أمريكا وغير أمريكا على دخول العالم الإسلامي وجعل إحدى مناطقه مقراً لهم، وتهديد مصالح البلدان والشعوب المسلمة؟
من كلمته في حشد من الأسرى الأحرار وشرائح الشعب المختلفة بمناسبة أسبوع الوحدة 11/7/1369ش (3/10/1990م)

مؤامرة العدو ضد الوحدة أعظم اليوم من أي وقت آخر. أما بخصوص وحدة المسلمين وأسبوع الوحدة فيجب القول: إذا كانت وحدة الفرق الإسلامية وتقاربها شيئاً لصالح الإسلام، وإذا وافقنا أن اتحاد المسلمين ينفع المسلمين ويصب في عظمة الإسلام، فيجب أن نعتقد يقيناً أن هذه الوحدة والاتحاد يواجه أفظع المساعي وأعقد المؤامرات من قبل أعداء الإسلام. هذان أمران لا يمكن الفصل بينهما. كل شيء ينفع الإسلام أكثر يبغضه أعداء الإسلام أكثر. وكل شيء يصب لصالح عظمة الإسلام أكثر يتعرض لهجوم أعداء الإسلام أكثر. هذه معادلة حاسمة. لاحظوا أية نقطة من العالم الإسلامي تتعرض اليوم لضغوط أكثر من قبل أعداء الإسلام؟ القوى والأعداء الذين يمدون أكف الصداقة والمودة لبعض سلاطين ورؤساء البلدان المسلمة، ويدافعون عنهم بكل قوة، ويمدّونهم بالمال، والسلاح، والمعدات، والإعلام، يبذلون اليوم قصارى جهدهم ضد الجمهورية الإسلامية والنظام الإسلامي في إيران. لماذا؟ لأنهم أدركوا أن عظمة الإسلام أمر يُتابَع ويُكفَل في الجمهورية الإسلامية وفي نظامنا. أي مشروع يخدم الإسلام ينقم عليه أعداء الإسلام؛ والوحدة بين المسلمين من مصاديق هذه القاعدة الكلية. إذا كان من اللازم حقاً اتحاد مسلمي العالم، وإذا كان هذا الاتحاد مفيداً للإسلام والمسلمين - وهذا مما لا شك فيه حسب الظاهر من وجهة نظر العقلاء والمصلحين في العالم الإسلامي - إذن، ينبغي التيقّن من أن مؤامرة العدو ضد هذه الوحدة أشد اليوم من أي وقت آخر. أذكّر كافة الإخوة المسلمين في كل أنحاء العالم بأن يفحصوا ويفسّروا دعايات الاستكبار العالمي ضد الجمهورية الإسلامية والتي تنشر عن طريق وكالات الأنباء، والصحف، والإذاعات، والتصريحات الرسمية لرجال السياسة، يفحصوها ويفسروها بهذا المنطق والقاعدة العامة، إذ تعبّأت كافة الأجهزة الدعائية للاستكبار وعلى رأسه أمريكا ليعرضوا على العالم صورةَ الجمهورية الإسلامية وإيران والأمة الإسلامية خلافاً لما هي عليه في الواقع. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. أموال الأجهزة الاستكبارية وعملائها تنفق اليوم في العالم، وفي العالم الإسلامي خصوصاً، من أجل إفشاء الفُرقة بين المسلمين، عسى أن يستطيعوا -ولن يستطيعوا - زرع الخلاف والتنائي بين إيران الإسلامية ومسلمي العالم. المعركة المفتعلة من قبل الأعداء بين الشيعة والسنة آيلة - والحمد لله - للخمود والانطفاء بفضل الثورة الإسلامية، والإخوة الشيعة والسنة يقفون متكاتفين في الميادين المختلفة يساعدون بعضهم ويتحركون ويعملون كإخوة - وهذا هو الحق - لكن الدعايات العالمية الحالية ما برحت تحاول إذكاء هذه النار من جديد وإحياء هذا الاختلاف الآيل للزوال. لماذا؟ لأنهم يعرفون أن الوحدة الإسلامية اليوم - أي تجمّع المسلمين - تدور حول محور إيران الإسلامية. يعلمون أن قلوب المسلمين اليوم ترنو إلى أمّ قرى الإسلام، أي إيران الإسلامية. يدرون أن الموضع الذي يسوده القرآن رسمياً وعملياً من بين كل أرجاء العالم الإسلامي هو إيران الإسلامية... نحن جادون في قضية الوحدة. وقد أوضحنا معنى الاتحاد بين المسلمين. اتحاد المسلمين لا يعني إعراض المسلمين وفرقهم المتنوّعة عن معتقداتهم الكلامية والفقهية؛ إنما هو بمعنيين آخرين يجب تأمينهما: الأول أن تتعاطف الفرق الإسلامية المتنوعة (السنية والشيعية) - ولكل منهما فرق كلامية وفقهية فرعية مختلفة - وتتعاون وتتعاضد وتتبادل الأفكار بصورة حقيقية في مواجهة أعداء الإسلام. والمعنى الثاني هو أن تحاول الفرق الإسلامية المتنوعة التقارب من بعضها والتفاهم ومقارنة المذاهب الفقهية ومطابقتها. هناك الكثير من فتاوى الفقهاء والعلماء لو نوقشت بطريقة علمية فقهية، فقد تتقارب فتاوى المذهبين بقليل من التغيير. لذا فنحن راغبون جداً في تأسيس »دار التقريب بين المذاهب الإسلامية«، ونود لهذا المشروع أن يتم. وقد انطلق هذا المشروع في الماضي طبعاً وبذلت فيه جهود مخلصة، لكننا لا نلاحظ تحركاً حقيقياً منذ أمد طويل. ونشعر أنه لابد من النهوض بهذا المشروع، وأن يتعاون المخلصون والمؤمنون والشخصيات العلمية في العالم الإسلامي فيما بينهم. نحن على استعداد ورغبة في استضافة هذه المنظومة والاضطلاع بجهود المشروع وخدماته. على علماء الإسلام بذل مساعيهم ومن واجب الفقهاء والمتكلمين والفلاسفة المسلمين مطابقة الآراء مع بعضها وتنظيمها في مجاميع كي تعرض آراء الفرق الإسلامية المختلفة على جميع المسلمين ضمن مجموعة واحدة وبنظرة إيجابية. هذه من المهمات الضرورية جداً ونتمنى على كل أصحاب الهمم النهوض بها.
من كلمته في ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية ورجال الدين السنة والشيعة من محافظات كردستان، وكرمانشاه، وعدد من أهالي مدن قزوين، ومباركة، وسرخه، وخواف 24/7/1368ش (16/10/1989م)

المسألة التي لابد من ذكرها على أعتاب أسبوع الوحدة لكل الشعب الإيراني ولمسلمي العالم كذلك، هي أهمية الوحدة بين المسلمين، والتواصل الأخوي بين الإخوة المسلمين في كل الأماكن والظروف. بدايةً يتعين علينا إجلاء ما نعنيه من الوحدة بين المسلمين؟ هل المراد منها أن يتخلى المسلمون عن مذاهبهم ويعتنقوا مذهباً آخر ويعملوا به؟ لا، ليس هذا المراد. حين ندعو للوحدة، لا نقصد أن الفرق الإسلامية - شيعية وسنية- أو الفرق داخل التشيع والتسنن مرغمة ومضطرة للتخلي عن عقائدها لتنتمي لعقيدة ثالثة أو عقيدة الطرف المقابل. هذا أمر يعود لتحقيق الشخص نفسه وبحثه ودراسته، وهو تكليفه بينه وبين الله. ليس هذا موضوعنا. موضوعنا هو أننا نروم القول لكل المسلمين - من شيعة وسنة - ونذكّرهم بأن لكم نقاط اشتراك ونقاط افتراق. أنتم متشاركون في أمور تفكرون وتعملون فيها بنحو واحد، وثمة أمور أخرى لكل فرقة فيها طريقتها ومنهجها الخاص. المسألة أولاً هي أن نقاط الاشتراك أكثر من نقاط الافتراق. فالمسلمون كلهم يؤمنون بإله واحد، وقبلة واحدة، ونبي واحد، وأحكام، وصلاة، وصوم، وزكاة، وحج. لا تجدون اثنين من المسلمين لا ينهضان للصلاة عند الصباح؛ إلا إذا لم يشأ المسلم العمل بتكليفه، وإلا فجميع مسلمي العالم يعتقدون بوجوب الصلاة عند الصبح والظهر، والعصر، والعشاء، ومن المستحب أداء صلاة الليل عند منتصف الليل. كل المسلمين في العالم يعتقدون أن الصلاة يجب أداؤها باتجاه الكعبة وبلغة القرآن وآيات القرآن. حينما يحل شهر رمضان يصوم جميع المسلمين إذا علموا أنه اليوم الأول من رمضان، إلا من يريد أن يفسق ولا يعمل بواجبه، وإلا فجميع مسلمي العالم يعتقدون بهذه الأمور... نحن نقول: يا مسلمي العالم، أينما كنتم من العالم، إذا عرفتم أعداءكم وأصدقاءكم فسوف يختلف واقع حياتكم عمّا هو عليه اليوم. أنتم اليوم تعانون الشتات والضعف والتخلف. البلدان الإسلامية فقيرة وتابعة وأسيرة غالباً. أعداء الإسلام يريدون إقصاء الإسلام بالقوة عن البلدان الإسلامية. قلوب جميع المسلمين مع الله والإسلام. إنهم يحبون الإسلام. السياسات والقوى العالمية الكبرى تحاول بواسطة الحكومات العميلة إبعاد الجماهير عن الإسلام. إذا كنتم مع بعضكم وتركتم الخلافات والشجار، ولم توظّفوا طاقاتكم - وهي عنصر هائل يمكن استخدامه لتحسين شؤون دينكم ودنياكم - ضد بعضكم، فلن تتحقق أهداف الأعداء القذرة.
ليتحد المسلمون مع بعضهم ولا يعادي أحدهم الآخر. لا نقول ليدخل سنة العالم في التشيع، أو ليتخلى شيعة العالم عن معتقداتهم. طبعاً إذا حقّق السني أو أي شخص آخر وبحث، فيجب عليه العمل وفقاً لعقيدته وتحقيقه مهما أصبحت عقيدته. أمره يعود إلى الله. كلامنا في أسبوع الوحدة وكرسالة للوحدة هو أن يتحد المسلمون ولا يعادوا بعضهم؛ والمحور هو كتاب الله وسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) والشريعة الإسلامية. ليس هذا كلاماً سيئاً. إنه كلام يوافقه كل عاقل منصف حسن النية...
نوصي الجميع باحترام بعضهم. ولا نقول ذلك من طرف واحد فقط. نحن نوصي كل مسلمي العالم - سنةً وشيعةً - بهذه الوصية. شاهدنا ولا نزال الإخوة الشيعة والسنة داخل بلادنا يقفون بجانب بعضهم في صلاة الجماعة وسوح الحرب الدامية، ومضمار الكفاح السياسي، والمشاركة في مختلف ميادين الثورة، وفي الانتخابات، وفي مجلس الشورى الإسلامي، وفي كل مكان. إنهم متعاطفون ولا يعانون مشكلات مع بعضهم. ما نقوله هو الاحترام المتبادل وعدم توجيه الإهانات لمعتقدات البعض ومقدساتهم. إذا أراد شخص إهانة مقدسات الآخرين بذريعة عقيدة من العقائد فهذا غير مقبول إطلاقاً من وجهة نظرنا. المحبة حالة متبادلة بين الطرفين. على الجميع مساعدة بعضهم من أجل بث المحبة وصدّ العدو واستغلاله؛ العدو الذي لا تربطه صلة حسنة بالشيعة ولا بالسُّنة، بل يعارض أساس الإسلام ويكنّ له الحقد والضغينة. أمريكا والرجعيون يبغضون الإسلام الذي يحمله السني والشيعي على السواء. لنترك خلافاتنا الداخلية إلى اليوم الذي لا يهددنا فيه أي عدو عالمي. إذا حلَّ مثل ذلك اليوم ليجلسوا عندئذ إلى بعضهم ويتناقشوا ويتناظروا ويتباروا. ليس اليوم يوم هذا الكلام. لذلك أوصي بإحياء أسبوع الوحدة- ذكرى ميلاد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الثاني عشر حتى السابع عشر من ربيع الأول - من قبل كل الناس لا سيما العلماء، و الفضلاء، والخطباء، والعلماء، وأصحاب النفوذ، وأن يحافظوا على هذه الحالة دائماً كأحد شعارات الجمهورية الإسلامية...
اجعلوا أسبوع الوحدة أسبوعاً زاخراً بالمضامين والمحتوى، وتفهّموا أهمية الوحدة، وليكن أسبوع الوحدة أسبوعاً مليئاً بالمحتوى واللباب بشكل حقيقي. في الشؤون الأخرى أيضاً، نؤيد قضية الوحدة ونعتبرها مبدأً إسلامياً ثورياً نشدد عليه. حين ندعو للاتحاد بين الإخوة الشيعة والسنة والمذاهب الإسلامية المختلفة من أجل الأهداف الإسلامية، إذن سيكون من باب أولى على شتى شرائح الشعب الإيراني المكافح المضحّي، وأهالي كل مدينة ومحافظة، والمتحدثين بأية لغة أو لهجة، أن يحافظوا على الوحدة. حذار أن تتمكن أيادي التفرقة المغرضة أو الساذجة - والتبعات السلبية للسذّج قد لا تقل أحياناً عن تبعات المغرضين - من زرع الخلافات بما تطلقه من كلام وشعارت وخطابات. المغرض والساذج متساويان في نتائج أفعالهما. ليحذر الجميع - خصوصاً المفتّحة ألسنتهم وحناجرهم للكلام والخطابة - من أن يبثوا الخلاف بين الناس بأي فعل أو إشارةٍ منهم. على الجميع المحافظة على الوحدة حول محور أصول الثورة والحركة السليمة للنظام الإسلامي وولاية الفقيه. هذا هو أساس القضية. إذا تم الحفاظ على الوحدة بالانسجام والمتانة التي كانت عليها لحد الآن، فسوف يبلغ هذا الشعب والبلد أهداف الثورة دون أدنى ريب.
من كلمته في حشد من أهالي مدن شاهرود، وخلخال، وبيرجند، وقيدار، وخمسه، وتيران، وجالوس، ورجال الدين، ومعاوني المكاتب العقيدية - السياسية في القوة البرية الإيرانية وعدد من شيعة محافظة سرحد الباكستانية 19/7/1368ش (11/10/1989م)

من المميزات المهمة لهذه المحافظة الإيمان الإسلامي العميق لأهاليها سواء من السنة أو الشيعة. الإيمان الإسلامي العميق إحدى نقاط القوة لدى هؤلاء الناس، لذا فالنظام الإسلامي الذي يرفع اليوم راية عزة الإسلام في العالم ويدافع عن الإسلام والقرآن باقتدار وصوت عالٍ، يستند إلى هذه القلوب المؤمنة. حيثما كان الإيمان الإسلامي تواجد جنود النظام الإسلامي حاملين أرواحهم على الأكف. أينما ذهبتم اليوم في العالم الإسلامي تجدون الراية الخفاقة التي رفعها إمامنا الراحل العظيم في الدفاع عن العزة الإسلامية، مدعاةَ فخر واعتزاز وهوية. المسلمون والبلدان الإسلامية في العالم كثيرة، لكن ثمة فرقاً بين شعوب تسمى مسلمة وتؤمن بالإسلام لكنها تشعر وتعيش بلحمها ودمها وجلدها سيادةَ القوى المعادية للإسلام وهيمنتها، وبين شعب اختار الإسلام ليحكم حياته ورفع راية سيادة الإسلام المقتدرة، ورفض هيمنة أية حكومة أجنبية، ولا يخضع لأية قوة خارجية ودولية، ولا يصدّه عن الدفاع عن الإسلام تهديد أو تطميع القوى المعارضة لأصل الإسلام وأساسه. الجمهورية الإسلامية اليوم هي مظهر مثل هذه الحكومة، والشعب الإيراني مظهر مثل هذا الشعب. الدفاع عن هذا الشعب وعن النظام الإسلامي المقتدر (الذي يرفع عزة الإسلام بقدرته النبوية في العالم، ويفخر به) مهمة العناصر المؤمنة، وأنتم أهالي محافظة سيستان وبلوشستان تتحلّون بالإيمان وتعتقدون بالإسلام من أعماق كيانكم. طبعاً يجب الحذر من أن يفسد أعداء الإسلام هذا التعايش والأخوة بين الشيعة والسنة. من مفاخرنا أن الجماهير تتجنب الخلافات والمشاحنات القومية والمذهبية في المناطق ذات التباين المذهبي والقومي والتي تتوفر فيها إمكانية الخلاف والمشاحنة. الأعداء لا يستسيغون ذلك. حرب الشيعة والسنة لها قيمة كبيرة عند أعداء الإسلام. الاختلاف والتفرقة بين الأمة الإسلامية من شأنها نسف الحالة المعنوية، وحيوية الألفة الوطنية، وقدرتها، وعظمتها، وكما قال القرآن: ﴿ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾. إنني على علم بما يحدث في شتى أنحاء العالم، وأدري أن الأيدي الاستعمارية التي حاولت طوال القرون الماضية بث الخلافات بين الشيعة والسنة، تسعى اليوم أيضاً لزرع الأحقاد والاقتتال والخلاف بين الشيعة والسنة. وعليكم أيها الأهالي الواعون التحلي باليقظة والحذر. قد يتصور البعض أن بث الخلافات ينتهي لصالح مذهبهم، وهذا خطأ. كل شخص مهما كان مذهبه، يحترم عقائده وقيمه، وهذا من حقه. بيد أن الاحترام يجب أن لا يُرفق بإهانة قيم جماعة أخرى تختلف عن جماعته في بعض المعتقدات. نحن نؤمن بإسلام واحد، وكعبة واحدة، ورسول واحد، وصلاة واحدة، وحج واحد، وجهاد واحد، وشريعة واحدة نعمل بها. مواطن الاختلاف أقل بكثير من مواطن الوحدة والاتفاق. أعداء الإسلام يرومون زرع الخلاف بين الشيعة والسنة لا في بعض أنحاء إيران وحسب، بل في كل العالم الإسلامي. أنا على اطلاع بأنهم يحاولون ذلك. توافق الإخوة المسلمين وتواكبهم في الدفاع عن الإسلام والنظام الإسلامي يمنح القوة والاقتدار لهذا الشعب والبلد والنظام. وقد أثبتّم هذا لحد الآن. ثمة بين شهداء هذه المحافظة مئات الشهداء من زاهدان، ومئات الشهداء من زابل، ومئات الشهداء من ايرانشهر، وثمة في المناطق الأخرى شيعة وسنة اختلطت دماؤهم في جبهات القتال. لماذا ساروا للجبهات، ولِمَ قاتلوا، ولِمَ دافعوا عن إيران العزيزة؟ لأن إيران إسلامية ترفع راية عزة الإسلام. إيران العزيزة هي مظهر الإسلام اليوم. لو رفع أي بلد آخر في العالم هذه الراية، لاحترمناه وقدّرناه أينما كنّا من الأرض. لكن إيران الإسلامية هي التي رفعت هذه الراية وصارت هذه المفخرة من نصيب الشعب الإيراني. في الوقت الذي تشن كافة أجهزة القوى الدولية هجماتها على الإسلام، استطاع هذا الشعب بجهاده، ووحدة كلمته، وشجاعته المثالية أن يرفع اسم الإسلام. على الجميع تثمين هذا الشيء. على الجميع معرفة قدر إيران الإسلامية والإسلام العزيز المقتدر.
من كلمته في حشد من أهالي زاهدان 4/12/1381ش (23/2/2003م)

تجري اليوم محاولات عديدة في العالم لبث الخلاف بين الشيعة والسنة.طبعاً أصحاب القدرات الفكرية والتحليلية يعلمون ما الذي يجنيه الاستكبار من فوائد ومنافع من ممارساته هذه. هدفهم فصل إيران عن مجموعة البلدان الإسلامية، ومحاصرة الثورة الإسلامية داخل حدود إيران. والتمهيد للضغط على إيران من قبل البلدان الإسلامية الأخرى والحؤول دون أن تتعلّم الشعوب الأخرى شيئاً من دروس الشعب الإيراني. وواجبنا هو العمل بالاتجاه المعاكس تماماً. كل من يساعد على التعاطف والعلاقات الحسنة الطيبة بين الشيعة والسنة سواء في البيئة السنية أو البيئة الشيعية يكون قد عمل لصالح الثورة والإسلام وأهداف الأمة الإسلامية. وكل من يسعى في الفصل يكون قد تحرك بالاتجاه المعاكس تماماً. لدي معلومات أكيدة أن هناك حسابات في بعض البلدان الإسلامية - لا أريد ذكر اسمها - ترتبط بأهداف الأجانب وميولهم، تودع فيها أموال وتنفق بهدف تأليف الكتب ضد التشيع وعقائده وتاريخه، ونشرها في العالم الإسلامي! هل هؤلاء محبّون للتسنن؟ كلا، هؤلاء يريدون أن لا يكون شيعة ولا سنة. ليسوا أصدقاء الشيعة ولا السنة. ولكن لأن الحكومة الإسلامية وراية الإسلام في إيران اليوم بيد مجموعة من الشيعة ويرون الشعب الإيراني ملتزماً بالتشيع لذلك يصبون كل أحقادهم ضد الثورة، على التشيع أيضاً، ويحاربون الشيعة حتى لا يدعوا سيادة الإسلام السياسية وراية الفخر والعزة هذه تنتشر في أماكن أخرى وتستقطب شباب البلدان الأخرى. لا ينبغي لأي إنسان مساعدة هذه الممارسات الخيانية التي يقوم بها الأعداء، لا في بلدنا، ولا في المحافل الإسلامية، ولا في الأوساط الشيعية، ولا بين الإخوة السنة في بلادنا، لا ينبغي لأي إنسان القيام بما يساعد إرادة الاستكبار وإيجاد الشجار والعداء. نحن بكلامنا هذا لا نريد القول طبعاً إن على الشيعة أن يصبحوا سنة، أو على السنة أن يغدوا شيعة، ولا أن نوصي الشيعة والسنة بالكفّ عن العمل العلمي لتعضيد معتقداتهم في حدود قدراتهم. بل العمل العلمي جيد جداً ولا إشكال فيه. ليؤلفوا الكتب العلمية في المناخات العلمية، وليس المناخات غير العلمية وبأساليب سيئة وخاطئة. إذن، لو استطاع شخص إثبات منطقه فيجب علينا ألا نعرقل عمله. أما الذي يروم إفشاء الخلافات بكلامه وعمله وأساليبه المختلفة فهذا ما نعتقد أنه لصالح الأعداء. وعلى السنة والشيعة سواء بسواء التحلي باليقظة والحذر. »الوحدة الوطنية« التي ذكرناها تشمل هذا أيضاً. طبعاً، أقولها هنا: إن هناك من يمسّون الوحدة الوطنية لا بالشعارات المذهبية بل بالشعارات السياسية. وقد نصحنا هؤلاء سابقاً وننصحهم اليوم أيضاً بأن لا يعملوا على النيل من وحدة هذا الشعب الكبير المتحد. فصل مكوّنات هذا الشعب الكبير عن بعضها خدمة لأعداء هذا الشعب. إذا حافظ هذا الشعب الكبير الرشيد على الوحدة الوطنية في هذا البلد عندئذ ستكون هذه الوحدة نموذجاً ممهداً للوحدة لدى الشعوب الأخرى. إذا اتحدت الأمة الإسلامية في قضاياها الرئيسية، بسكّان يصلون لمليار ونصف المليار نسمة، فلكم أن تلاحظوا أية قوة عظيمة ستظهر في العالم. أما إذا تضعضعت الوحدة الوطنية فسيكون الحديث عن وحدة العالم الإسلامي كلاماً أساطيرياً يضحك منه الجميع. البعض يريدون إشاعة هذه الحالة.
من كلمته في زوار الإمام الرضا (ع) وأهالي مشهد المقدسة 6/1/1979ش (26/3/2000م)

العالم اليوم سائر نحو التكتلات والاتحاد. قضية الوحدة التي أروم في هذا اللقاء الصميمي الودي التشديد عليها أكثر من أي شيء آخر قضية حيوية. لا أقول إنها حيوية للجمهورية الإسلامية - طبعاً أهميتها للجمهورية الإسلامية مما لا شك فيه - لكنها حيوية حقاً بالنسبة للإسلام والعالم الإسلامي. لاحظوا أن الدول تتحرك اليوم صوب التكتل، فتجتمع كل بضعة بلدان في منطقة من العالم وتتحالف وتتفق لأبسط الأسباب والمناسبات. مثال ذلك البلدان الأعضاء في معاهدة آسيان في شرق آسيا، والاتحاد الأوربي، وحلف وارشو (إلى حين كان لأوربا الشرقية هويتها قبل الأحداث الأخيرة)، واتحاد البلدان المحيطة بخليج المكسيك، ومنظمة الأمم المتحدة، ومنظمة عدم الانحياز، وكل هذه الوحدات المتفرقة في العالم تتحول شيئاً فشيئاً إلى وحدات مترابطة. والسبب هو فهمهم أن الوحدة الواحدة لا تستطيع تأمين احتياجاتها بمفردها - بما في ذلك الحاجة للدفاع عن نفسها - وعليهم التعاضد والتكاتف.
جهود الاستكبار منصبة على إيجاد الخلاف بين المسلمين، إلى جانب أن الدول أو القوى ومدراء العالم يتجهون صوب الوحدة لتأمين مصالح حكوماتهم وشؤونهم السياسية. كل مساعي الاستكبار منصبة على تضعيف الشعوب ولا سيما شعوب الأمة الإسلامية وزرع الخلاف بينهم. والتشيع والتسنن ليست قضية اليوم والحاضر. ثمة في الإسلام شيعة وسنة منذ قرون؛ وداخل التسنن هناك الأشاعرة والمعتزلة ومذاهب أخرى. وفي التشيع هناك الإمامية السداسية [الاسماعيلية] والإمامية الإثنى عشرية والإخبارية والأصولية. الفئات الموجودة عند السنة يوجد نظيرها عند الشيعة. تكوّنت شتى صنوف الفرق والمجاميع إما بفعل سوء السياسة، أو سوء الفهم، أو بأيدٍ مغرضة، أو نتيجة الجهل. هذه ليست حالة جديدة؛ ولكن لاحظوا كم من الجهود تبذل اليوم في العالم الإسلامي ضد وحدة المسلمين.
من كلمته في عدد من رجال الدين السنة من محافظة سيستان وبلوشستان، وخراسان ومازندران ، 5/10/1368ش (26/12/1989م)

القواسم المشتركة بين المسلمين أكثر من نقاط الافتراق والاختلاف. النقطة الأخرى هي: إذا تقرر طرح القيم الإسلامية كقيم حاسمة في العالم تجتذب قلوب الناس ويحصل على أساسها تغيير معين في حياة المسلمين، فينبغي الحفاظ على الوحدة بين المسلمين. في ظروف التمزق والعداء والحروب الطائفية لا يمكن للمسلمين أن يتمتعوا بالوحدة. لا نوصي فرق العالم الإسلامي بالتخلي عن عقائدهم الخاصة واعتناق عقائد فرقة أخرى. لكننا نقول لكل المسلمين إن المساحات المشتركة بيننا أكبر وأهم من مساحات الاختلاف. أعداؤنا يشددون على مواطن الاختلاف. ونحن على العكس منهم يجب أن نعزز مواطن الاشتراك ولا ندع للعدو بتفرقنا ذريعةً يجد بموجبها مناطق الضغط في جسد الأمة الإسلامية. لقد عالجنا هذه الأمور في إيران لحسن الحظ. والكثير من إخواننا في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي عالجوا هذه الأمور أو اقتربوا من علاجها. غير أن العدو بطبيعته القديمة لم يكن ليتراجع. منذ نحو مائتي سنة - حين دخل الاستعمار البلدان الإسلامية - وإلى اليوم، ركّزوا جهودهم على تأجيج الخلاف بين فرق المسلمين؛ وعلينا الحذر جداً. على الشيعة والسنة الالتزام بالسعي في طريق تقريب الفرق الإسلامية من بعضها، ودعم وحماية التعامل الأخوي فيما بينهم.
من كلمته في مراسم بيعة عدد كبير من رجال الدين من محافظتي مازندران واصفهان ورجال الدين من البلدان الإسلامية المقيمين في ا يران 4/4/1368ش (25/6/1989م)

مع أن اختلاف الشيعة والسنة من وجهة نظرنا ليس اختلافاً في حقيقته، لأنهم جميعاً متفقون على الأصول الرئيسية في الإسلام - والتي لا يعد الإنسان مسلماً إنْ لم يؤمن بها - أي إن للمذهبين قبلة واحدة، وإله واحد، ورسول واحد، وقرآن واحد، وأحكام وأركان إسلامية واحدة، ولكن لاحظوا كيف صنع الاستعمار على مر الزمن من قضية التشيع والتسنن وسيلةً للاختلاف لا سيما في الأوساط الدنيا الأبعد قليلاً عن العمق المعرفي والتدقيق العلمي. بذلنا جهدنا قبل الثورة في إيران لإزالة هذه الاختلافات، لكنها كانت جهوداً فردية. أما بعد الثورة فكانت سياسة الجمهورية الإسلامية إيجاد الوحدة والتفاهم بين الإخوة ليثبُت لكلا الطرفين الذين يريا اختلافاتهما عميقة جداً وغير قابلة للحل، أنهما على خطأ. وقد نجحنا داخل البلاد والحمد لله على الرغم من كل الضغوط التي مارسها الأعداء. أنتم لا تعرفون التفاصيل غالباً، ولكن إذا قُدّر لها أن تكتب يوماً، عندئذ سيعلم منصفو العالم ما الذي تجرّعناه في غضون هذه الأعوام العشرة من مؤامرات الاستعمار لأجل تحقيق الوحدة، وسيعلمون أيضاً أية الطرق سلكها الأعداء ليضعوا الإخوة المسلمين في وجه بعضهم. قلنا لعلماء الفريقين دوماً: طالما كنتم تعلمون أن الوحدة حق، إذن، يتعين عليكم توعية جماهيركم وعوام الناس بها. المخلصون تقبّلوا هذا الكلام طبعاً، وكان لهم تأثيرهم بنفس الدرجة.
من كلمته في لقائه رئيس جمهورية افغانستان الموقت وقادة المجاهدين الأفغان 11/7/1368ش (3/10/1989م)
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات