مواضيع اليوم

الوجود بين حدود الممكن

فارس ماجدي

2010-01-21 05:37:39

0

هُوَّتَي الوجود، واللتين تلتقيان لتشكِّلا دائرة، ينغلق فيهما الوجود على ذاته، تبدأ من سلسلة الوجود الكبرى، وترتقي أدنى الظاهرات أو المعالم إلى أعلاها. وفي ارتقائها هذا تتدرَّج، بتماسك حقيقي واتصال لا يعرف الانفصال، بحيث تعبِّر، من خلالها، كلُّ ظاهرة عن وجودها بنقيضها. إلا أن هذا التعبير لا يكون متماهيا مع أنساقه الدلالية بحيث أن المعنى يحيل الى معنى أكثر وضوحا، ولكن أكثر إشكالا ، الصعوبة هنا تكمن في إيجاد الحلول للوعي بحقيقة الوجود وبالتالي لاستبطان الوجود في الوعي على نحو لا يمكن تلمسه بدالة المعرفة والتي هي جزء من هذا الوجود وهنا تتصاعد المشكلة وتتعقد . كيف يمكن أن يفهم الإنسان حقيقة وجوده وارتباطه بهذا الكون ؟ إن هناك ضلال قاتمة تحد من الرؤية الواضحة للقبض على إجابة يمكن الركون إليها ، ذلك ان الخبرة البشرية الى غاية هذه اللحظة لا تزال تنؤ بثقل هذا السؤال المدمر .
فعلى سبيل المثال كيف لنا أن نعلم إن كانت الحياة الأرضية قد بدأت بالتمايز أو أنها كانت لاتمايزاً متجانساً؟ هل انطلقت الاشياء من حالة لاتمايز متجانسة عُرِفَت بأنها عجين، أو دقائق أو حبيبات متناهية في الصغر، أتت منها الخمائر المتنوعة لتشكل الأنواع المختلفة والمتعددة. فكلُّ ما نراه في الكون، ليس إلا عجيناً واحداً، أو خلية واحدة، مادة أولية تمايزت إلى عدد كبير جداً من الموجودات عُرِفَت بالأنواع.او انواع الوجود ؟
وإذا كانت هذه التمايزات الظاهرية العديدة قد انبثقت من حالة لامتمايزة، لكنها متجانسة، لتعود وتلتقي في الإنسان بعد مرورها عبر التمايزات العديدة، فإنها تُتَضمَّن في حقيقة واحدة تُعرَف بالكثرة في الواحد. فلانسان هو الكون الصغير . إذا كان الوجود، في لانهايته الكبرى، يشتمل على ذاته في لانهاية صغرى فكلُّ ما نراه في الكون الأكبر نراه أيضاً في الكون الأصغر: لا شيء في النظام الكوني إلا ويوجد في الكلِّ الصغير. والنظام الأرضي هو كل صغير بالنسبة الى مجرة درب التبانة . وهذه الأخرى كل صغير بالنسبة الى غيرها وغيرها من السدم والمجرات كل صغير الى غيرها وهذا التسلسل الذي يؤدي الى عدم القدرة على التصور للكل الكبير . هنا نتساءل: ما هو الكون الأصغر ؟ هل هو جزء من هذا الكل؟ أم هو الكلُّ المنغلق أو المنطوي على ذاته في حركة داخلية، كالنقطة التي هي تصغير الدائرة، أو انغلاقها على ذاتها؟بحيث تتماهي الى أن تكون لا شيء . لا يُعَدُّ أصغر ما في الكون جزءاً، بل اختصار لما هو أكبر وتكثيف له، وذلك لكي تتم عملية التصور الخلاّق والحق أن هذه العملية لا تنقسم، بل تتقلص إلى حدودها الدنيا. فكلُّ ما يقع بين هذا الحدِّ الأدنى من الوجود – الكون الصغير، عالم الصغير – وبين الحدِّ الأكبر والأعلى – الكون الكبير، عالم الكبير – هو سلسلة الوجود الكبرى التي تنتظم في مراتب متلاحقة ومتماسكة ومتجانسة، تتنوع ضمن حقيقة واحدة. هكذا نشاهد الكون، في اتساعه وامتداده إلى ما لا نهاية له، يعبِّر عن وحدة متماسكة بين أنماط النظام الواحد، بين ما هو أكبر وما هو أصغر، بين النظام الواحد الكلِّي والأنظمة العديدة المتضمَّنة فيه، ليكون التعبير عن أحدية تفيض في تعدد كثير وتنبثُّ فيه، يتشعب بدوره، حتى يعود ويلتقي في أحدية، تعبِّر الأولى عن ألف الوجود وتعبِّر الثانية عن يائه. هل هذا الكلام صحيح أو على الأقل مفهوم نوعا ما . اعتقد لا . ولعلَّ نظرية التطور ترينا مسيرة الكون، على مستوى الكرة الأرضية على الأقل، انطلاقاً من حالة اللاتمايز المتجانسة، إلى حالة تمايز هائل، تتفرَّع، وتتفرع، سائرة في ترتيباتها العديدة، وفي تشعُّباتها، حتى تلتقي أخيراً في الإنسان. في المادة الأولى، أو الخلية الأولى، ينطوي الكون على ذاته كما ينطوي الإنسان في خلية داخل رحم أمه، وكما تنطوي الشجرة في بذرتها. ومن بعدُ تنتقل هذه الخلية إلى حالة التمايز إلى شتى الأنواع. عند هذا الحد يبدو الوجود وكأنه تنوع أو تشتت غير محدود؛ لكنه، بعد مسيرة طويلة، تبدأ الأنواع في عملية جديدة، هي سيرورة لقاء أو تلاقٍ، أو عملية تضييق على تمايزاتها، فتسير باتجاه المزيد من التلاقي، لتجتمع أخيراً في الإنسان. هكذا يعود الكون، مرة أخرى، ليلتقي في الإنسان بعد أن عرف حالة التمايز والتنوع. وبظهور الإنسان وهو الملتقى الجديد لتمايز كبير تبدأ حركة جديدة من التمايز، ذلك لأن الجنس البشري يتذرَّى، فتتشكل الأنواع. ويبدو الأمر وكأن الحياة، في المادة وفي الإنسان، لا تلتقي عند نقطة، ولا تعرف الوحدة بظاهرها. لا أتحدث هنا عن وحدة الوجود بالمفهوم الغنوصي أرجو أن لا يفهم ذلك ولكنني احاول البرهنة على مكانة التداخل بين المنطوق الوجودي والمنطوق الفعلي لكائن يحيا داخل وسط منظور وغير منظور مفهوم وغير مفهوم معلوم وغير معلوم . لكن هذه العملية التمايزية التطورية التي تجسدت أخيرا في الانسان يعتورها كثير من النقص المعرفي وتثار مئات الأسئلة التي التي لا يمكن الاجابة عليها . استدعي سؤالا واحدا هنا ماذا عن انسجام الكون هل هو حقيقة كونية أم هو انسجام مثالي اسقطته معارف الإنسان عليه من حركة وسكون وغاية ..الخ .
قال فيثاغورس: إن العالم نغم ورقم ، نغم هو موسيقى، ورقم هو عدد. تشير هذه الحقيقة إلى مبدأ الانسجام والتناغم والتوافق والتناسق. فالكون، عند فيثاغورس، موسيقى تنسجم أنغامها وتتوافق. لذا لا يخرج هذا الكون عن إطار معقولية الوحدة المنسجمة . فهو، في تعدده، وحدة قائمة بذاتها؛ وليست أجزاء الكون الظاهرية غير أنغام الموسيقى التي تتساوق في انسجام. وهكذا يكون الكون نغماً. لكن فيثاغورس وتلامذته تكلَّموا على الكون من حيث كونه رقماً. فكما تتسلسل الأرقام وتتعدد انطلاقاً من الواحد، لتعبِّر عن وحدة متماسكة تعود فتجد ذاتها في الواحد، كذلك تتصل في أحجامها الكبرى واتساقاتها، لتشير إلى حقيقة واحدة تُحِلُّ حقيقةَ الكون فيها، وتتماسك أجزاؤه أو تتداخل. ويحاول العالِم وضع قانون واحد للكون تُتَضمَّن فيه جميع القوانين. فالكون، لمن يستطيع الاستماع إليه لو أتيحت له نقطة خارج نظامه لاسمع موسيقى ناشأة عن النِسَب الرياضية القائمة بين الواحدات وهي تدور بعضها حول بعض. وهكذا يكون الكون اهتزازاً، وتكون المادة درجة من درجات هذا الاهتزاز لاغير .
والمادة المهتزة، كما يشير إليها العلم، بصفاتها العددية الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية تعبِّر عن وحدة شاملة. فما الظاهرات إلا تناسقات وأنساق ضمن الوحدة الأصلية. فكأن الكون لوحة من الفسيفساء تشغل فيه كلُّ قطعة مكانها في نظام واتساق. هكذا تعبِّر الظاهرات عن تضادٍّ ظاهري ووحدة داخلية. الكون امتداد، وليس تناقضاً؛ وثنائياته وأضداده لا توجد إلا من حيث الظاهر وحسب. وهنا يستعيد العلم المعاصر هذه النظرية ليعيد بلورتها من جديد وفق تماثلات النسبية الخاصة والنسبية العامة التي راحت تؤكد على الأنسجام التحديدي في تصور نمط محدد من أنماط الفوضى التي صاغاها الوجود الكوني وهو يتحرك حركته الدائربة تلك أي الحركة المنحنية بنحناء الكون ثم مع بلانك الذي حدد نوع الثابت الوحيد لم تعد تلك الحركة تبرهن على الوعي بقصد المعرفة بقدر ما تعبر عن عدم وجود الوعي من الأساس وكأنها استعادة من طرف خفي الى النسبية ووضعها داخل اطار العلم او هكذا يبدو .
وهكذا لن يستطيع العلم أن يتلمَّس الحقيقة الواحدة، الشاملة من خلال الظاهرات العديدة التي تبدو امامه . فهو، في كل عملية استقراء،يجد أن ثمة بعدا مهما غائبا . قال أرسطو: "لا علم إلا من خلال الكلِّيات. لذا نستطيع أن نضع ضمن قائمة المتميزين أفذاذاً اسطاعوا أن يتلمسوا المعنى بتجرد كأرسطو وفيثاغورس، وأفلاطون، والمعرّي والنفرّي والجعد بن درهم ، وبرونو، ونيتشة ، وأينشتاين، إلخ. أولئك جميعاً تكلموا بلغة صعبة عندما درسوا القوانين الكونية بلغة لا يفهمها الا اصحاب الدربة ،اي من أرادوا البحث عن السر الخفي الذي انتظم هذا الكون في ثناياه. فمزقوا الحجب واستطالت قاماتهم الكونية .
نما اتجاه فلسفي يقول بأنه يوجد كون ممكن بالإضافة الى عالمنا الواقعي. في أحدث اتجاه فلسفي ظهر الى الوجود . والحجة وراء ذلك هي أنه فقط من خلال الكون الممكن ننجح في تحليل المفاهيم التي أشكلت على الفلاسفة كمفهومي الممكن والمستحيل. قال بهذا الموقف الفيلسوف ديفيد لويس ودافع عنه بشراسة. يقول : بما أننا ننجح في تحليل مفهومي الممكن والمستحيل من خلال الأكوان الممكنة، هذا يستدعي إذن أن نقبل فكرة أن الأكوان الممكنة حقاً موجودة. ثمة أكوان ممكنة، وهي مفيدة في تحليل المفاهيم.
الأكوان الممكنة تختلف عن بعضها البعض في قوانينها الطبيعية وفي حقائقها، وهي منفصلة عن بعضها البعض، كما أنها تختلف عن عالمنا الواقعي. فكل عالم ممكن له قوانينه الطبيعية وحقائقه المختلفة عن قوانين وحقائق الأكوان الأخرى. لكن إذا أردنا أن نعرّف الممكن والمستحيل بطرق مختلفة فسنقع في مشاكل عديدة منها: إذا عرّفنا الممكن من خلال العبارة المنسجمة كأن نقول إنه من الممكن أن يطير الإنسان من دون آلة إذا كانت العبارة «يطير الإنسان من دون آلة» هي عبارة منسجمة ذاتياً، فحينها نقع في الدور المرفوض منطقياً ألا وهو تعريف المفهوم بالمفهوم نفسه . هذا لأن العبارة المنسجمة ذاتياً هي التي من الممكن أن تكون صادقة، وبذلك تعريف الانسجام يتم من خلال مفهوم الممكن. من هنا، إذا عرّفنا الممكن من خلال مفهوم الانسجام، وبما أن تعريف الانسجام يتم من خلال مفهوم الممكن، نكون قد عرّفنا الممكن من خلال الممكن، وهذا دور مرفوض. على هذا الأساس، يستنتج لويس أن من الأفضل الاعتراف بوجود أكوان ممكنة وعلى ضوئها نحلل المفاهيم كمفهومي الممكن والمستحيل
من المنطلق ذاته، لا يسع العلم المعاصر إلا أن يعترف بوجود الأكوان الممكنة اعتماداً على نظرياته الفيزيائية المختلفة. وبذلك يتفق العلم والفلسفة في طرح فرضية وجود الأكوان الممكنة، ما يشير بقوة الى تزاوجهما غير القابل للفصل والتفريق.
تتنوع النظريات العلمية التي تؤدي الى أنه توجد أكوان ممكنة عديدة ومختلفة منها:
أولاً، بالنسبة الى الفيزيائي آلن غوث يولد الكون من العدم من جراء التقلبات الكمية. فالعدم يتكوّن من طاقات متعارضة يختزل بعضها البعض فيحدث العدم. ولكن لأن التقلب الكمي يصيب العدم فمن الممكن أن لا تختزل طاقة معينة فيه وبذلك ينمو الكون بفضلها الآن، بما أن الكون ينشأ من نقطة ما من العدم، وبما أن العدم يتشكل من نقاط عدة لامتناهية، من الممكن إذن أن تنشأ أكوان ممكنة عديدة غيرمتناهية في نقاط مختلفة من العدم. هكذا تؤكد هذه النظرية على وجود الأكوان الممكنة. والتي تحدثت عنها بإسهاب الرسالة الجامعة لإخوان الصفا ....
ثانياً، بالنسبة الى ميكانيكا الكم، من غير الممكن تحديد سرعة الجسيم ومكانه في آن واحد ، كما من غيرالممكن تحديد ما إذا كان الجسيم جسيماً أم مويجة. هكذا تصر ميكانيكا الكم على وجود الأكوان الممكنة. من خلال مفهوم اللايقين العلمي .
ثالثاً، تعتبر نظرية الأوتار العلمية أن الكون يتكوّن من أوتار وأنغامها، ومع اختلاف ذبذبات الأوتار تختلف المواد والطاقات في الكون. لكن ثمة حلول لمعادلات نظرية الأوتار، وكلها حلول مقبولة رغم اختلافها وتعارضها. من هنا، كل حلّ من حلول معادلات نظرية الأوتار يصف عالماً ممكناً مختلفاً عن العوالم الممكنة التي تصفها الحلول الأخرى لنظرية الأوتار. وبذلك تشير نظرية الأوتار بقوة الى وجود الأكوان الممكنة المختلفة. كل هذا يدل على اتفاق العلم والفلسفة في قبول وجود الأكوان الممكنة، وبذلك يتم الربط بين العلم والفلسفة.
من جهة أخرى، تميّز الفلسفة التقليدية بين الأقوال التحليلية والأقوال التركيبية.
لكن الفلسفة المعاصرة نقضت هذا التقليد وأظهرت أنه لا يوجد فرق جذري بين الأقوال التحليلية والأقوال التركيبية. وسعى كل الفيلسوف كوين في إثبات ذلك في رائعته الكون الممكن بين حدود الحدس والعقل . اذ اصر على عدم التمييز الجذري بين الأقوال التحليلية والتركيبية , الأمر الذي يطابق عدم التمييز الحاسم بين الممكنات والمستحيلات كما جاء لدى الفيزيائي آلن. لأن القول التحليلي، بالنسبة الى الفلسفة التقليدية، هو الذي من المستحيل أن يكون كاذباً بينما القول التركيبي هو الذي من الممكن أن يكون كاذباً. وبذلك إذا رفضنا التمييز بين القول التحليلي والقول التركيبي نرفض التمييز بين المستحيل والممكن ما يدل على تطابق الموقف الفلسفي الرافض للتمييز بين القول التحليلي والتركيبي والموقف العلمي الرافض للتمييز بين المستحيل والممكن. هكذا تتزاوج الفلسفة والعلم وتنجب السوبر فلسفة التي تعني تحوّل الفلسفة تدريجياً الى علوم. فمثلاً، الجدل الفلسفي حول التفريق أو عدم التفريق بين الأقوال التحليلية والتركيبية تحوّل الى جدل علمي حول التفريق أو عدم التفريق بين المستحيلات والممكنات. كما أن الفرضية الفلسفية القائلة بوجود الأكوان الممكنة تحوّلت الى فرضية علمية تعترف بوجود الأكوان الممكنة.
هكذا أظهر الفلاسفة المعاصرون أنه لا يوجد فرق جذري بين القول التحليلي والتركيبي. كما أكد الفيزيائي آلن على أن المستحيل والممكن مفهومان نسبيان؛ فما هو ممكن أو مستحيل هو كذلك بالنسبة الى حضارتنا، لكن بالنسبة الى حضارة أخرى أكثر تطوراً من حضارتنا يغدو المستحيل لدينا ممكناً بالنسبة إليها. من هنا لا يوجد تمييز جذري بين المستحيل والممكن. يوضح نظريته من خلال بعض الأمثلة على النحو الآتي: ثمة مستحيلات من الممكن أن تصبح ممكنات، فوقائع في هذا القرن أو الذي يليه، مثل ذلك الانتقال عن بُعد من نقطة الى أخرى من دون المرور بالمسافة الفاصلة بين النقطتين. كما ثمة مستحيلات أخرى من الممكن أن تمسي ممكنات وتتحقق بعد آلاف أو ملايين من السنين كآلة الزمن التي تمكننا من السفر الى الماضي والمستقبل......
بالإضافة الى ذلك، تحوّل السؤال الفلسفي «لماذا يوجد الوجود بل لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟ الى سؤال علمي بعد أن كان مجرد سؤال فلسفي لآلاف من السنين. هكذا تتحوّل الفسلفة ببعض أسئلتها وأجوبتها الى علوم مقبولة ما يدل على نمو السوبر فلسفة التي تزاوج بين الفلسفة والعلوم. ولقد طرح الفيزيائيون المعاصرون هذا السؤال، وأجاب عليه الفيزيائي آلن غوث بجواب شبيه بجواب الفلسفة التقليدية. ، الوجود موجود لأنه ضروري الوجود. وهو ضروري الوجود لأن من غير الممكن تصوّر عدم وجوده. فمن المستحيل أن نتصور العدم لأننا كلما حاولنا ذلك تصوّرنا وجوده في مكان أو تصوّرناه محاطاً بوجود. من المنطلق ذاته، يقول آلن غوث إن الوجود موجود لأنه عدم. وبذلك إذا وجد العدم بدلاً من الوجود، لا بد من وجود الوجود لأنه عدم، وبذلك الوجود ضروري الوجود ولذا يوجد. هكذا تتطابق الإجابة الفلسفية مع الإجابة العلمية كما يتطابق السؤال الفلسفي مع السؤال العلمي . وتفصيل ذلك أننا إذا جمعنا طاقات الكون مع بعضها البعض فسوف تساوي صفراً، لأن الطاقة السالبة للكون متساوية مع الطاقة الإيجابية فيه. وبما أن طاقة الكون صفر، يستنتج آلن غوث أن الكون موجود لأنه عدم. وبذلك من الضروري وجود الوجود. من الضروري أن يوجد لأن العدم أيضاً يتكوّن من طاقات مختلفة ومتعارضة كما يؤكد غوث: على تحوّل الخلاف الفلسفي حول ماهية العلم الى خلاف علمي حول مقبولية ميكانيكا الكم و عدم مقبوليتها. فبالنسبة الى ميكانيكا الكم، الكون غير حتمي، اذ من غير المحدد ما إذا كان الجسيم جسيماً أم لا, ومن غير المحدد ما إذا كان الذي نشاهده حتمي اي محكوم بقوانين حتمية على نقيض مما تقول ميكانيكا الكم. هذا أدى الى خلاف جوهري بين العلماء فمنهم من رفض ميكانيكا الكم كأينشتاين ومنهم من قبل ميكانيكا الكم كالفيزيائي بوهر. فمثلاً، رفض أينشتاين ميكانيكا الكم قائلاً إن الله لا يلعب بالنرد؛ فالكون حتمي بالنسبة الى أينشتاين. لكن لماذا اختلف العلماء حول ميكانيكا الكم؟ السبب في رأي أنهم اختلفوا أصلاً حول ماهية العلم.
بالنسبة الى أينشتاين ، لا بد أن تكون النظريات العلمية صادقة أي مطابقة للواقع، والواقع الذي نراه حتمياً، وبذلك لا بد من رفض ميكانيكا الكم التي تصور الكون على أنه غير حتمي. أما بالنسبة الى بوهر، ليس من الضروري أن تكون النظريات العلمية صادقة، أي مطابقة للواقع، لأن النظريات العلمية بالنسبة إليهما مجرد أدوات لتفسير الظواهر الطبيعية والتنبؤ بها، وبذلك لا يستدعي عدم تطابق ميكانيكا الكم مع ما نراه في الواقع. من هنا قبل بوهر ميكانيكا. وهنا نرى ان الخلاف حول ماهية العلم خلاف فلسفي بينما الخلاف حول قبول أو عدم قبول ميكانيكا الكم خلاف علمي. من هنا تحوّل الخلاف الفلسفي الى خلاف علمي. وهنا تحدث النقلة النوعية في الفكر الفلسفي برمته .

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !