مواضيع اليوم

الوجودية بين الألحاد والوجود .

صفاء الهندي

2013-12-21 14:25:49

0

 

مادنيانا إلا عطشٌ بلا أرتواء وجوعٌ بلا شبع وتعبٌ بلا راحة وحطبٌ يأكلُ نفسه .. وهي بدون أيمان خواءٌ وخرابٌ وظُلمه وتيهٌ وسعيٌ في لاشيء . - د . مصطفى محمود .

عُرِّفَت فكرة الوجودية :
الى انها : تيار فلسفي يميل إلى الحرية التامة في التفكير بدون قيود ويؤكد على تفرد الإنسان ، وأنه صاحب تفكير وحرية وارادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه . وهي جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة , وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم , ونظرا لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والافكار .
و تكرس الوجودية التركيز على مفهوم ان الإنسان كفرد يقوم بتكوين جوهر ومعنى لحياته . ظهرت كحركة ادبية وفلسفية في القرن العشرين , على الرغم من وجود من كتب عنها في حقب سابقه . الوجوديه توضح ان غياب التاثير المباشر لقوه خارجية (الاله) يعني بان الفرد حر بالكامل ولهذا السبب هو مسؤول عن افعاله الحرة . والإنسان هو من يختار ويقوم بتكوين معتقداته والمسؤولية الفردية خارجاً عن اي نظام مسبق . وهذه الطريقه الفرديه للتعبير عن الوجود هي الطريقه الوحيده للنهوض فوق الحالة المفتقرة للمعنى المقنع ( المعاناة والموت وفناء الفرد ) .

رغم تداخل بعض أدوات تعريف الوجودية الظاهرة مع بعض مفاهيم الاسلام في مباديء حرية الفرد الشخصية وقناعاته الخاصة إلا إننا نجد تعريفاً آخر للوجود والوجودية غير هذا التعريف بالاعتماد على حيثيات ( التبادر والتصوُّر ) ، لو أعتمدنا المتبادر في الذهن للتصور البشري في كل الأشياء الماديات والمحسوسات لكلمة الوجود لوجدناها ترتبط أرتباط عضوي يتماها مع المعنيين " اللفضي والمعنوي " ومع نفس اللمحة الصوريّة التي رسمها العقل الأنساني لتنتج وترمز بشكل وكُليَّة طبيعية الى " الخالق " الموجد للوجود ، لأنه بطبيعة الحال ( حتى مع فكرة الوجودية ) وحسب الفطرة – لا وجود بلا موجد للوجود – وهو موجد الوجود – الذي هو حاصل مشترك مع المفهوم الاسلامي بأصل الوجود ، لا يتعدى الفارق بين المعنيين سوى مستويات :
المستوى الأول للوجودية :
هو التلاعب بالألفاض ليكون الوجودية معناً ومتصور آخر للوجود يختلف عن متصور الوجود عند الأصوليين .
المستوى الثاني للوجودية :
أيجاد حالة تمرد وعصيان حتى على الطبيعة وعلى كل ماهو قيم ومثالي – أخلاقي أنساني - أوحته الوجودية تحت عنوان – حرية الأختيار - .
المستوى الثالث للوجودية :
التمرد على – الأله – أنكاره وأنه غير موجد للوجود لأنه غير موجود وعُزِّي َالوجود الى أنهُ : كان نتيجة ضروف وطبيعة " فيزياوية " غير خاضعة لأي تأثير وقانون خارجي - الأله الموجد للوجود - . وقد أشتركوا بهذا الأمر مع باقي الأفكار الألحادية واللادينية في نظرتهم للأله ونشئة الكون .
ومن هنا نستطيع أن نعرف الوجودية بفهم آخر وهي ::
أن الوجودية ليست فكراً أو عقيدة ، بقدر ما هي مجرد أتجاه غير فكري دأبه التمرد على القانون الطبيعي وكل ما يمت الى اللاهوت بصلة ، وترفض الأذعان والتسليم والأقرار والأعتراف العقلي والفطري بالموازين والتجليات الكونية والخلقية وخضوعها لقانون الموجد لهذا الوجود .

إقرار ضمني

رغم أنكار الوجودية للحواس المادية وتجلياتها الصناعية الباهرة التي دلت بهذا التجلي عن عظمة الصانع لهذا الوجود وكائناته ، فهم قد أنكرواً اصلاً بديهياً موجوداً ومستعملاً في أدبيات أتجاههم للوجود ونظرتهم له ، وهو التلاسق الحيثي لمفردة الوجود مع مفردة أتجاه الوجودية التي إن دلت بعد عزلها عن مفردة الوجودية لتصير مفردة دالة على وحدتها - المعنوية والصورية حتى مع حذف ( ال التعريف ) لتصير " وجود " فهي تدل بكل وضوح على تلك الصورة الواضحة التي قد يتخيلها المستمع ماأن يسمع بمفردة – وجود - أو – الوجود - فترتسم في ذهنية المتلقي أو السامع عدة صور وأشكال ومجسمات وألوان تختلف من صورة الى أخرى نظراً للأختلاف الطبيعي والمتباين بين الأذهان لهذا الوجود ، فتشير وتدل صراحة الى – الكينونة – بمعاني وصور ملموسة طبيعية ليست أفتراضية أو خيالية لاموجودة ، وبهذا لايبقى داع لأختلاف أهل الجدل والفلسفة ورؤيتهم الكونية بالقول في تعريف الوجود : ( بأن الشيء يمكن ان يوجد بمجرد حصول صورته في الذهن، أي بدون أن يصبح محسوسا حقيقياً ) بيد أن مجرد حصول صورة الشيء في الذهن هو أكبر دال على وقوعه وأمكانه ... ومجرد أقرارهم بهذا الأمكان وإن كان تعريفاً فهو إقرار بحصوله ، الأمر الذي سبق وعرفتنا السماء بأمكانية حصوله ووقوعه سواء أكانت ذاتية ( علمية ) أو طبيعية ( وجودية ) أو شيئية بشكل عام : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(1) يس 82 .
ولأنهُ أمرٌ يُعد من سابع المستحيلات على الذهن البشري تخيله او تصوُّرَه مالم يكن اصلاً من موجودات هذا الوجود او يقع في أمكانيات صناعته وحصوله .
وبما أنها " الوجودية " متفقون مع باقي الأفكار " اللادينية " الأخرى في أصل الوجود والنشئة لهذا الكون ، وأن وجوده كان نتيجة ضروف وعوامل خَضَعت لطبيعة " فيزياوية " إنفَجَرت فولَّدت هذا الكون السماوي الشاسع وبهذه الكيفية لادخل أو تأثير لأي جهة خارجية أخرى في صناعته أو أيجاده .. وبما انهم لايقولون حسب إدعائهم إلا بالمحسوس أي " التأثير العلمي " - لو جاز التعبير - في الأشياء والماديات ! فإن القانون العلمي الأول ل " نيوتن " الذي يقول أن ( الجسم الساكن يبقى ساكناً والمتحرك بسرعة منتظمة يبقى متحركاً ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تؤثر من وضعه - السكوني او الحركي - ) قد أطاحت بنظرة كل أفكار الألحاد واللادينية حول الكون ووجوده وموجوداته ! لأنه حسب هذه النظرية : لابد من قوة خارجية مؤثرة أجبرت على الأنفجار الكبير أن يحدث .. في تلك اللحظة بالذات ، وأجبرت الكون أن يبدأ وأيضاً في نفس تلك اللحظة بالذات .

يظنون كما يظن الملحدين إنه ليس هناك من خالق لأنه لا دليل على ذلك من عقل ولا حس . ويقول بعض المؤمنين من المسلمين وغير المسلمين : بلى إن للكون خالقاً . ولكنهم يوافقون الملحدين في أنه لا دليل عقلي على وجوده ، وأن التصديق بوجوده أمر يعتمد على الإيمان القلبي فحسب ، لا دليل عقلي ، أو هو أمر يعتمد فحسب على تصديق الرسل فيما أتوا به .
أما كون الإقرار بوجود الخالق أمراً إيمانياً قلبياً فلا شك في ذلك ، وكونه أمراً تعززه رسالات السماء فلا شك في ذلك أيضاً . ولكن من قال إن الإيمان والعلم لا يجتمعان ؟ ومن قال إن القلب يطمئن إلى ما لا يدل عليه عقل ؟ ، ولو كان الأمر كذلك لكان من حق من شاء أن يؤمن بما شاء من غير تثريب علي ! وإذا كان بعض المتدينين من غير المسلمين يلجؤون إلى مثل هذه الأقوال المتهافتة ليستروا بها عيب اعتقاداتهم الفاسدة ! فما ينبغي أن يكون موقف المؤمن المسلم وهو يقرأ في كتاب ربه ؟ :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ﴾ ]محمد : 19[
﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾ الحج : 54 .
فالعلم أولاً ، ثم الإيمان المترتب على هذا العلم ترتيباً تعبر عنه فاء السببية ﴿ فَيُؤْمِنُوا بِهِ ﴾، ثم الإخبات المترتب على الإيمان ﴿ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾ .
ويقرأ في عشرات من آياته تشديد النكير على الذين يتبعون الظن وأهواء النفوس ويتكلمون بغير علم ويدعون في مجال أصول الدين دعاوى لا تسندها الأدلة والبراهين ، ويعدهم من الجاهلين ، بل من غير العاقلين ، ويتوعدهم بأشد أنواع الوعيد :
﴿ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ البقرة : 111 .
﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾ الأنبياء : 24 .
﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ النجم : 23 .
﴿ هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ﴾ آل عمران : 66
بعد هذا وعندما ينحصرون ! يقول لو لك بعضهم : نحن لا ننكر أن يكون على وجود الصانع ! دليل أي دليل .. وإنما نقول إنه لا يوجد دليل من النوع الذي يسمَّى بالدليل العلمي ( بالمصطلح الحديث ) أو الدليل المنطقي البرهاني ، يبقى هذا ليس بالكلام الدقيق إلا إذا فهم هذان الدليلان فهماً ضيقاً يجعلهما خاصين ببعض العلوم ، وإلا فما معنى الدليل العلمي؟ ما الأدلة التي يقبلها العلماء الطبيعيون من فيزيائيين وكيميائيين وأحيائيين وغيرهم؟
إنهم يقبلون الدليل الحسي المباشر ، فكل ما شهد الحس بوجوده شهادة مباشرة فهو موجود لا شك في وجوده ، وهذا دليل مقبول عند كافة العقلاء وله في الدين مكانة كبيرة ، لكن الأدلة العلمية ليست محصورة في هذا الدليل وحده ، فما كل ما يصدق العلماء الطبيعيون ، أو عامة العقلاء بوجوده هو مما شوهد مشاهدة مباشرة بالحواس المجردة أو الآلات المساعدة ! بل إن الإصرار على عدم قبول دليل غير هذا الدليل الحسي المباشر هو نفسه يعتبر في عدم العقلانية ، ولو أن العلماء الطبيعيين وسائر العقلاء لم يقبلوا دليلا ً غير هذا الدليل لما تقدم علم من العلوم بل ولا قامت لعلم قائمة إطلاقاً ولهذا فإن القرآن الكريم حين يستنكر حصر الأدلة في هذا الدليل وينعى على المطالبين به في غير موضعه إنما يقرر حقيقة يسلم بها كل العقلاء من بني البشر .
﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ﴾ النساء : 153 .
﴿ إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ{34} إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ{35} فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{36} ﴾ الدخان : 34 - 36 .
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } فاطر8
{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27 .




صفاء الهندي



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !