أضع بين ايديكم مقالا تناولتُ فيه ظاهرة الشبكات الاجتماعية الافتراضية خاصة "الفايس بوك". انوّه الى انّه لا يمكن اعتبار المقال مبنيا بطريقة علمية لانّه فقط مجرّد رأي شخصي مفاده ان التواجد على شبكة "الفايس بوك" اصبح من مقتضيات العصر بل من السمات المميزة له. فعدم ظهور الواحد منّا على "الفايس بوك" يمكن ان ينجرّ عنه نعته بعدم مواكبة العصر او حتى التخلف التكنلوجي.
حيث اصبح كل شيئ يمر عبر او من خلال "الفايس بوك" كالتعارف و تكوين المجموعات و حتى الكذب و التشهير و تقمّص الادوار.
ان عدد التونسيين المنخرطين على شبكة "الفايس بوك" في تزايد مطّرد و ذلك على اختلاف اجناسهم و اعمارهم و مهنهم : طلبة و موظفون و قادة رأي... الكل يسعى الى الانضمام الى المجموعة فقد اصبحت ظاهرة "الفايس بوك" حديث الساعة.
هذا و يمكن اعتبار "الفايس بوك" مساحة للتواصل مفتوحة امام كلّ الناس و حيث يمكن طرح كلّ او ايّ موضوع.
ان التجمّعات تنشأ هاهنا حول قضيّة ما او فيديو او حتى حول مجموعة ما تم بعثها للتعبير عن انتماء ما.
و بذلك نحن نشهد نشأة ما يمكن تسميته بالعلاقات الجديدة من حيث الكيفية و الكمية عبر الشبكات الاجتماعية الرقمية التي تزخر بها الشبكة بصفة عامّة و على صفحات "الفايس بوك" بصفة خاصّة حيث تدور لعبة اجتماعية من نوع جديد فالمجال مفتوح للجميع و كلّ كفيل نفسه لاختيار طريقة التعبير و ذلك حسب ميولاته الخاصّة.
فمنّا من اختار خلع القناع عن وجهه فأفصح عن هويته الحقيقية اسما و لقبا و صورة و منا من تشبّث بالتقنّع او التخفي وراء اسم مستعار و صور فضفاضة. هذا بغضّ النظر عن الاسباب التي قد تكون قهريّة في بعض الاحيان.
في كلتا الحالتين تنشأ هويّة جديدة و ينجرّ عنها طريقة تعبير جديدة.
فمن اراد ان يبقى مجهولا فله ذلك و من اراد ان ينتحل شخصيّة احد اخر فله ذلك حتى و ان كان هذا الاخر شخصا لطالما كرهناه او احببناه او تمنيّنا لو كنا مكانه.
انّه تقمّس جديد للادوار أفضت اليه لعبة اجتماعية جديدة بقدرما اصبحت سخيفة بقدر ما اوغلت في التعقيد من حيث الفهم و التفكيك.
لقد غدت الشبكات الاجتماعية رفاهية حكرا على النخبة القادرة- تقنيا و ماديا و معرفيا- على الولوج الى الشبكة العنكبوتية. بما يقتضيه ذلك من بنية أساسية و معارف مكتسبة غير متاحة للكلّ.
ادركنا ظاهريا على الاقلّ ان الفايس بوك لا يعترف لا بالديانات و لا بالاديولوجيات و لا حتى الاعراق حيث يُعتبر الكل سواسية و متاح للكل الادّعاء اوالتصريح بما يحلو لهم في كنف الحرية و المساواة دون الرجوع الى جهة او شخص ما للحصول على اذن مسبق.
اضف الى ذلك انه قد يتلاشى عامل الوقت او الزمن على مثل هذه المساحات الافتراضية التي يصحّ لنا تسميتها اصطلاحا منابر للتعبير او منبر من لا منبر له.
تختلف مدّة الحضور و طريقة التعبير عبر منبر الفايس بوك من شخص الى اخر و يمكن للواحد منا ان يقضي الساعات الطوال امام جهاز الحاسوب المرتبط بالشبكة و المتواجد اما في المنزل او مكان العمل او الدّراسة.
فالموظّفون مثلا بصفة عامّة ينعمون في الادارات بالربط المتواصل و هم يستغلّون هذه الفرصة. اما الطّلبة فالانترنات نظريا متوفّرة باغلب الجامعات و الكليات او بالفضاءات العمومية المخصّصة لهذا الغرض و يبقى الأوفر حظّا أولائك الذين تتوفر ليديهم الشبكة في منازلهم.
على كلّ فانّ التكلفة تبقى منخفضة مقارنة بتكلفة المكالمات الهاتفيّة او حتى تكلفة الزيارات العينية لاحد المعارف.
هكذا ابتدعنا طريقة جديدة نتخطّى بها بعض تداعيات الأزمة الاقتصادية و التي ترتفع وطأتها ما إن تُصرف الماهيّة و ذلك بفضل الفايس بوك مثلا او الmsn او الmessenger او ال Skype ... و التى مكّنتنا في مجملها من الضغط على تكلفة "العلاقات الاجتماعية" في مفهومها الواقعي فأنشأنا لذواتنا نظما جديدة تسمح لنا بالتواصل مع ابناء جنسنا حتى و لو لم تسمح لنا ساعات الدّوام او الدّراسة الطويلة و مشاغلنا الأخرى بتخصيص وقت للزيارات الاجتماعية التى تنفّس عنّا لكوننا نخرج عن الاطار للقاء بعض الاحباب و تجاذب اطراف الحديث معهم.
هكذا تطوّر الفايس بوك حسب اعتقادي ليصبح امتدادا رقميا/ افتراضيّا/ الكترونيّا لمجتمعاتنا الحقيقية في معنى المعاشة.
من هنا تساءلتُ هل يحق لنا اعتبار هذه الشبكات الافتراضية بصمة فعلية تعبّر عن هويّاتنا الملموسة ام هي مجرّد ظلّ و سراب رقمي نستكين اليه هروبا من واقعنا؟
مفروغ منه ان الفايس بوك مجتمع رقمي حيث نتعايش و نتفاعل مع الاخرين "الرقميين" كما هو الشأن في واقعنا المعيش غير ان ما يميّز المجتمعات الرّقمية هي توفّرها على امكانية اختيار من تعيش معهم و ذلك طبقا لرغباتنا فقد اصبح بامكاننا اختيار المواطنين الافتراضيين الذين يتقاسمون معنا مساحات اللّقاء.
يمكن للوجود الرقمي ان يكون مجرّد ظلّ للوجود الملموس. أظن ان من ابتدعوا الفايس بوك كانوا يطمحون الى جعله امتدادا رقميا لمجتمعاتنا من خلال تدوين الكتروني لاكبر عدد ممكن من الهَويّات الحقيقية المتواصلة فيما بينها. هل نجحوا في ذلك؟ اغلب الضنّ انّهم فشلوا حيث برهن الانسان- و مرّة اخرى بوصفه كائنا اجتماعيا- برهن على تفنّنه في تجاوز الاهداف الاولى التي تُصمم من اجلها تكنلوجيا ما و تطويعها حسب مقاييس جديدة مخالفة تماما لما أراده مبتدع التقنية.
هذا كلّه لأخلص الى القول بانّ "الفايس بوك" او كما يحلو لي ترجمته الى العربيّة "سجلّ الملامح" تقنية صُنّعت اساسا لتجميع الملامح الحقيقية فاختلطت عبر صفحاته الهويات بالاقنعة.
أدرك انّ ما اسلفت به ليس ضربا من التجديد و لكنني اردت فقط الافصاح عنه و اقتسامه معكم. فقد سبقتكم و قلته و انا من هنا ادعوكم للتفكير معي في هذه الظاهرة : الهويّة الرقمية حقيقة ام قناع؟
كتبتُ هذا المقال في 25 فيفري 2009 و باللغة الفرنسية غير ان صديقنا سعيف اصرّ عليّ لأُترجمه الى العربيّة و ذلك قصد رصد ارائكم في الموضوع ففعلت نزولا عند رغبته و أرجو أن أكون قد وُفّقتّ في عمليّة التعريب. لست من هوّاة الترجمة و قد وقفتُ على صعوبة المهمّة.
التعليقات (0)