مواضيع اليوم

الهوية الثقافية

طالبه تخشى الموت

2010-11-30 22:00:06

0

الهوية الثقافية للمجتمعات هى عامل تحرير للأمم فى المقام الأول، ومن ثم تبدو مبرراً لحركات الاستقلال ومقاومة الاستعمار وبالنسبة للدول النامية تظل الهوية الثقافية ضماناً لوجودها كأمة فالتنمية الذاتية للشعوب يجب أن تأخذ فى اعتبارها القيم الثقافية الأصيلة، والمعانى الخاصة لهذه الشعوب، ويجب بأى حال من الأحوال ألا تضيع الهوية الثقافية للأمم على حساب خضوعها للمصالح الأجنبية وتأكيد الهوية الثقافية لكل شعب من الشعوب سواء أكان من الدول الكبرى أو لم يكن وسواء لديه فيض من الموارد والإمكانات التقنينية أو لا يزال من البلاد النامية هو أساس التعدد الثقافى. (1)
ومن هنا تأتى قناعة مؤداها أن ثقافة الأجيال ترتبط بثالوث متماسك ومترابط ومستمر هو:
1- الثقافة، ونقاء الطبيعة الأصيلة للإنسان.
2- المناخ الثقافى، وأثر الوسائل التثقيفية.
3- معنى القيمة، ومضمون وإطار التلاحم الاجتماعى. (2)
وولاء الصفوة المثقفة وقادة الفكر للضمير الوطنى والقومى وإطار الانتماء ومقوماته هو الذى يؤلف معنى التلاحم والتماذج والانتماء تحت معنى الالعزة الوطنية والقومية، والثقافة هى عنصر من عناصر التفاعل البشرى والصراع الحضارى وتمثل الركن الأساسى من أركان الأمن القومى للأمم ومقومات أمن الشعوب بأجيالها ومن هنا تبرز أهمية القالب والمضمون الثقافى والمعنى والقيمة الثقافية لما لهذا من أثر على القيمة والقدرة الوطنية والقومية. (3)
والهوية الثقافية لأية أمة من الأمم هى الشفرة التى يمكن للفرد عن طريقها أن يتعرف عليه بها الآخرون باعتباره منتمياً إلى تلك الجماعة أو أنها القدر الثابت والجوهرى المشترك من السمات والقسمات العامة التى تميز حضارة الأمة عن غيرها من الحضارة والتى تجعل للشخصية الوطنية والقومية طابعاً تتميز به عن الشخصيات الأخرى ويعمل فيها (كلود فابزبزيو) بأنها عدد من خصائص تصرفات مجموعة بشرية متجانسة نسبياً تنعكس على طرائق العيش وسلم القيم وأساليب الإنتاج والعلاقات الاجتماعية وكذلك الإنتاج الثقافى والفنى الخاص بها. (4)
وبقدر وضوح الهوية الثقافية للأمة ورسوخها وجد أن الفرد والجماعة بقدر ما تتميز تلك الأمة وتنفرد بخصائصها الذاتية عن غيرها من المم الأخرى، وترجع أهمية التعرف على الهوية فى أنها حجر الزاوية فى تكوين الأمم باعتبارها تراكم تاريخ طويل من القيم الثابتة التى نشأت عبر عمليات اجتماعية وتاريخية تمثلت فى صورة تجمعات المعنى والقيمة ولذلك فالهوية هى التجمعات التى تتجسد فيها المادة الأساسية للثقافة والهوية ليست حاصل جمع صفات بسيطة لكنها تركيب جديد من الصفات ينتج من تفاعلها وامتزاجها كما ينتج الدم من العناصر والمواد التى يهضمها الجسم ويضيف إليها ويتمثلها فلا تعود كما كانت من قبل بل تتحول إلى أنسجة من نسيجه وخلايا من خلاياه ويتدخل التراث والتكوين الفكرى والروحى والنفسى للشعب وسلوكه وتقاليده وطراز حياته ضمن نتاج وطنى وقومى منبثق من واقع معين وباستيعاب عناصر الثقافة الأخرى وهضمها فى عملية تفاعل طبيعية لا تنفى الأصالة ولا تضعفها. (5)
والتبعية للدول الأخرى تفقد الشعوب هويتها حيث يقول الدكتور "محمد سيد محمد" فى كتابه "الصحافة بين التاريخ والأدب" لقد استوقفنى فى تاريخ الشعر العربى أن الغساسنة والمناذرة دولتان عربيتان لما يقرب من خمسة قرون على اتصال مباشر بالقوتين الأعظم فى الجاهلية وعند ظهور الإسلام وهما الروم والفرس ولم يظهر فى أى منهما شاعر وكان الشعراء ينبغون فى الجزيرة العربية ويذهبون لمدح ملوك الغساسنة والمناذرة برغم أن دولتا الغساسنة والمناذرة كانا من حيث المظهر الحضارى واستخدام الوسائل الحضارية المعاصرة ووسائل الترف أكثر من بقية أهل الجزيرة بأشواط بعيدة ولقد ألح على السؤال لماذا لم يظهر شاعر فى أى من الدولتين على مدار خمسة قرون؟ وكانت الإجابة فى رأيى تتلخص فى فقدان الذات ماذا كان مثلهم الأعلى التبعية وهل التبعية وفقدان الذات الثقافية تجعل قلباً ينبض ؟ أن التبعية لا تنتج فناً، ولا فكراً. (1)
فالهوية مفهوم ذو دلالة لغوية وفلسفية واجتماعية وثقافية ولفظ هوية مشتق من أصل لاتينى sameness ويعنى الشئ نفسه بما يجعله مبنياً لما يمكن أن يكون عليه شئ آخر، ويميزه عنه كما يتضمن مفهوم الهوية الإحساس بالانتماء القومى والدينى وبناء الهوية هو فى واقع الأمر بناء للماهية. (2)
وتعرف الهوية فى الأدبيات المعاصرة بأنها " الامتياز عن الغير والمطابقة للنفس أى خصوصية الذات، وما يتميز به الفرد عن الأغيار من خصائص ومميزات ومن قيم ومقومات أما الهوية عند الهينى فهى عبارة عن "مفهوم اجتماعى نفسى يشير إلى كيفية إدراك مجتمع أو جماعة لذاته وكيفية تمايزه عن الآخرين. (3)
أما الهوية الثقافية فيعرفها (رجب وزملاءه) بأنها الطابع القومى للشخصية ونمط الحياة السائد فى مجتمع معين، والمرتبط أساساً بتراث مشترك من اللغة والتاريخ والدين والتقاليد والمتفاعل مع غيره من الطوابع القومية تأثيراً وتأثراً. (4)وقال البروفيسور "باسكالى" نائب مدير عام اليونسكو سابقاً وهو فنزويلى الجنسية الثقافة القومية ليست مجموعة أحجار أثرية أو أبطال أو قيم فلكلورية يتم عرضها على السائحين ولكن الثقافة القومية هى خلاصة الميراث الروحى للشخصية القومية فهى تضم كل القيم الرمزية والمجسدة التى تتميز بها هذه الشخصية. (5)
وللهوية الثقافية مستويات ثلاث، فردية، جمهورية، وطنية قومية، والعلاقة بين هذه المستويات تحدد أساساً بنوع الآخر الذي نواجهه، ولا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها جماع الوطن والأمة والدولة، الوطن بوصفه الأرض، والأمة بوصفها النسب الروحي الذي تنتجه الثقافة المشتركة، الدولة التي بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة، وكل مس بواحدة من هذه هو مس بالهوية الثقافية، والعكس صحيح. (6)
والهوية الثقافية لأي مجتمع يتم تشكيلها من خلال مؤسسات التنشئة الإجتماعية متمثلة في الأسرة، والمدرسة، ووسائل الإعلام (الصحافة، والإذاهة والتليفزيون، ..... إلخ)، ودور العبادة، والنوادي الرياضية والأدبية، وجماعات الرفاق، وغيرها من المؤسسات الإجتماعية التي لها دور في صياغة الشخصية القومية للمجتمع، ويلاحظ أن هذه المؤسسات تنطلق في عمليات التشكيل منكئة على المرجعية أو الفلسفة التي تحكم هذا المجتمع، ومتخذة من تراثه وتاريخه، وواقعه وطموحاته وآماله، والأهداف التي يسعى إليها نبراساً نهتدي به. (7)
ويذكر "القحطاني" أن الموروث الشعبي أو التراث الشعبي ينقسم إلى قسمين هما(8):
• التراث الثقافي، والذي يعني العادات والتقاليد والأعراف واللهجات والأدب الشعبي.
• الفنون الشعبية، وهي الحرف الشعبية وما تشتمل عليه من أدوات الزراعة والدباغة وصناعة الجلود والحديد والخشب والنسيج وصناعة الفخار والملبوسات، ...... وغيرها.
ويقول بيوكفالاس أن الفنون الشعبية تحمل الثقافة التقليدية للمجتمع، وهذه الثقافة تعتبر إنتاج يتم خارج حدود المؤسسات الرسمية وتمتاز بخصائص محلية تتأثر بالبيئة المحيطة بها جغرافياً وتاريخياً. كما يضيف روسنبلم أن الثقافة الفنية الشعبية للمجتمع تساهم في الإتصال والتأكيد على الثقافات الفرعية داخل المجتمع الواحد. وتضيف ثومبسون أن الفنون الشعبية تخبرنا عن قصة الأجيال الماضية وتعكس الثقافات في كل مكان، وهي أداة رائعة لتقديم الثقافة والتراث للتلاميذ.(1)
إن التمسك بالهوية الثقافية هو محاولة من الشعوب التي عانت من الإستعمار لإيجاد موضع متكافئ على خريطة العالم، والتكافؤ هنا لا يعني المثل بل حق الإختلاف، فبإستعانتها بالتماسك القومي تسعى الشعوب المهمشة إلى تنجاوز الدور الثانوي الذي فرضه عليها الإستعمار قديماً والهيمنة الغربية حديثاً، وتجاوز هذا الدور الثقافي الثانوي- عبر التماسك القومي – يتيح التمثيل الثقافي المتوازن على الساحة العالمية(2). فالهوية ليست مجرد حمل جنسية الدولة التي يعيش فيها الشخص، وإنما هي شعور بالإنتماء والولاء وتقبل القيم والأفكار، وإتباع أساليب الحياة السائدة في المجتمع، ومشاركة وجدانية في أمال وطموحات المجتمع وإندماج فيزيقي وعاطفي وفكري مع بقية السكان والمواطنين. (3)
ويعرف إنكلز وليفسنون الطابع القومي أنه خصال الشخصية الثابتة نسبياً والأنماط المنوالية بين أعضاء المجتمع الراشدين(4).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(1) عدلى سيد رضا، المادة الأجنبية فى التليفزيون والمحافظة على الذاتية الثقافية للمجتمع المصرى (القاهرة – مجلة الفن الإذاعى – عدد 100 – اتحاد الإذاعة والتليفزيون – يناير 19849 ص ص 105، 106.
(2) عابد طه ناصفن مرجع سابقن ص 81.
(3) المرجع السابق، ص ص 81، 83.
(4) محمد منير حجاب، الموسوعة الإعلامية، ج7 (القاهرة – دار الفجر للنشر والتوزيع – 2003) ص 2608.
(5) المرجع السابق، ص ص 2608، 2609.
(1) محمد سيد محمد، الصحافة بين التاريخ والأدب، ط1 (القاهرة: دار الفكر العربى، 1985) ص 143.
(2) جون جوزيف، اللغة والهوية، ترجمة عبد النورخرافى (الصفاة: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، 2007) ص ص 7، 8، 10.
(3) سعيد عبد الرحمن محمد باعباد، الهوية الثقافية فى كتب الدراسات الاجتماعية بمرحلة التعليم الأساسى العليا فى اليمن من خلال تحليل محتواها ووجهة نظر معلميها، رسالة ماجستير (اليمن) جامعة حضر موت، 2007.
(4) المرجع السابق.
(5) عواطف عبد الرحمن، قضايا التبعية الإعلامية والثقافية فى العالم الثالث، ط2 (القاهرة: دار الفكر العربى، 1987) ص 76.
(6) علي عبد الهادي، المرهج، العرب والغرب وأزمة الهوية في زمن العولمة، الموسوعة الإسلامية، wwwbalagh.com/mosoalgrab/rf0659j9.htm، الأحد6/12/2009م، 21:7
(7) حجازي عبد الحميد أحمد، هل من سبيل للحفاظ على الهوية الوطنية، النادي الأدبي بحائل، ww.adabihail.com/inf/articles-actionshow:id-313.htm، الأحد6/12/2009م، 10:58
(8) عبد الله ظافر الشهري، دور التربية الفنية في المحافظة على الموروث الشعبي السعودي، (المملكة العربية السعودية: جامعة الملك سعود، كلية التربية، 1425هـ)، ص 4
(1) المرجع السابق، ص ص 7 ، 8
(2) سليمان إبراهيم العسكري، هويتنا وثقافة الإختلاف (بنيد القار: مجلة العربي، العدد 586، دار السياسة، سبتمبر 2007)، ص 12
(3) أحمد أبو زيد، العولمة وتسيس الثقافة، (بنيد القار: مجلة العربي، العدد 606، دار السياسة، مايو 2009)، ص 32
(4) ماجدة مراد، مرجع سابق، ص 73




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !