الهولوكوست جريمة العصر
بقلم: المحامي والكاتب السياسي
سركوت كمال علي
جلبت بداية الحرب العالمية الثانية الاضطهاد والترحيل المتسارع ثم القتل الجماعي لليهود في ألمانيا. وعمومًا ، قتل الألمان والمتعاونون معهم ما بين 160،000 و 180،000 يهودي ألماني في الهولوكوست ، بما في ذلك معظم هؤلاء اليهود الذين تم ترحيلهم إلى خارج ألمانيا.
1- مع بداية الحرب العالمية الثانية في سبتمبر من عام 1939 ، انتقل أكثر من نصف اليهود الألمان إلى بلدان أخرى. حوالي 304،000 يهودي ، هاجروا خلال السنوات الست الأولى من الديكتاتورية النازية.
2- بين عامي 1939 و 1941 ، تم حرمان اليهود بشكل منهجي من ممتلكاتهم والعمل. وبحلول أوائل عام 1939 ، كان حوالي 16٪ فقط من اليهود يملكون عملا من أي نوع. أصبحت الحياة في ألمانيا صعبة بشكل متزايد نتيجة للعديد من القوانين المقيدة.
3- في عام 1941 ، أصبحت السياسة النازية المعادية لليهود أكثر راديكالية. تم تمييز اليهود بشارة نجمة داود. وبدأت عمليات الترحيل الأولى لليهود من ألمانيا إلى الغيتو والمعسكرات في الشرق.
الهولوكوست (من اليونانية ὁλόκαυστος holókaustos: حيث hólos تعني "الكل" وkaustós تعني "محروق")، تعرف أيضاً باسم شواه (عبرية: השואה تلفظ هاشواه وتعني "الكارثة")، هي إبادة جماعية وقعت خلال الحرب العالمية الثانية قٌتِل فيها ما يقرب من ستة ملايين يهودي أوروبي على يد النظام النازي لأدولف هتلر والمتعاونين معه. يستخدم بعض المؤرخين تعريف الهولوكوست الذي يضم الخمس ملايين إنسان الإضافيين من غير اليهود الذين كانوا أيضاً من ضحايا القتل الجماعي للنظام النازي، ليصبح المجموع الكلي إلى ما يقرب الأحد عشر مليون إنسان. جرت عمليات القتل في جميع أنحاء ألمانيا النازية والمناطق المحتلة من قبل ألمانيا في أوروبا.
استهدف النظام النازي والمتواطئين معه اليهود وجرى قتلهم بطريقة منهجية في خضم الحرب العالمية الثانية خلال الفترة الممتدة من عام 1941 حتى 1945، في إحدى أكبر الإبادات الجماعية في التاريخ البشري، وكان اضطهاد وقتل اليهود جزءاً من مجموعة أوسع نطاقاً لأعمال الاضطهاد والقتل الممنهجة التي نفذها نظام هتلر والمتعاونون معه بحق العديد من المجموعات العرقية والسياسية المختلفة وتحديداً الإبادة الجماعية لشعب الغجر الروم والمعاقين والمعارضين السياسيين وغيرهم الكثير.
في 1933؛ بلغ تعداد اليهود في أوروبا أكثر من تسعة ملايين. وكان يعيش معظم اليهود الأوروبيون في الدول التي كانت الدولة النازية ستحتلها خلال الحرب العالمية الثانية. قبل عام 1945، قتل الألمان والمتعاونون معهم حوالي اثنين من كل ثلاثة يهودي أوروبي كجزء من 'الحل النهائي' وهو السياسة النازية لقتل 'يهود أوروبا'.ورغم أن اليهود كانوا هم المقصودين من العنصرية النازية؛ إلا أن أعداد الضحايا بلغت 200.000 من الغجر. كما قتل 200.000 معاق ذهنيًا أو جسديًا في برنامج "القتل الرحيم".
بدءا من عام 1933 بدأ النازيون بتشكيل العديد من معسكرات الاعتقال التي كانت تحتوي على عدد كبير من البشر في رقعة صغيرة من الأرض فسمّيت بمعسكرات التركيز أو معسكرات التكثيف معسكر اعتقال، وكانت لغرض سجن المعارضيين السياسيين وغير المرغوب فيهم، وفي نهاية عام 1939 كانت هناك 6 من هذه المعتقلات في ألمانيا، وتم أثناء الحرب العالمية الثانية بناء أعداد أخرى في الدول الأوروبية التي خضعت لسيطرة ألمانيا.
معسكرات التكثيف كانت تضم اليهود والشيوعيين والبولنديين وأسرى الحرب والغجر وشهود يهوه وممن اعتبروا مثليين جنسيا، وكان المعتقلون يقومون بصورة قسرية بإنجاز أعمال موزعة عليهم، وتم كذلك إجراء تجارب علمية وطبية على المعتقلين. بعد بداية الحرب العالمية الثانية وبالتحديد عام 1941 تم إنشاء أنواع أخرى من المعسكرات وسميت بمعسكرات الإبادة أو الموت وكانت متخصصة في القضاء على المعتقلين بواسطة الغاز السام أو القتل الجماعي بوسائل أخرى وحرق الجثث بعد ذلك.
بالإضافة إلى هذه المعتقلات أنشأ النازيون ماسميت بالكيتو وهي منطقة سكنية كبيرة وتم إجبار اليهود على العيش فيها، وكانت مداخل ومخارج المنطقة تحت سيطرة النازيين ومن أشهرها گيتو وارسو الذي كان يقطنها 380000 يهودي، وكانت نسبة الساكنين فيها مقارنة بالغرف في ذلك المنطقة هي غرفة واحدة لتسعة أشخاص، وتوفي الآلاف في هذه المناطق نتيجة المجاعة ومرض التيفوئيد، وفي 19 يوليو 1942 أصدر هينريك هيملر أمرا بنقل اليهود من هذه المناطق إلى معسكرات القتل .
كان السجناء في هذه المعتقلات يرتدون شارة على شكل مثلث مقلوب بالوان مختلفة لتمييزهم من ناحية العرق وسبب اعتقالهم، وكانت الشارات مصنوعة من القماش ومثبتة على ملابس المعتقلين، ومن الأمثلة على هذه الشارات:
الشارة السوداء: للمتشردين ومجاميع ماسمي الکولي الذين يرجع أصولهم إلى الهند وباكستان والغجر، والمعوقين والنساء التي تم اعتقالهن لأسباب أخلاقية أو لأسباب الشذوذ الجنسي.
الشارة الخضراء: للمجرمين.
الشارة الوردية: لمن وصفوا بالمثليين جنسيا من الذكور.
الشارة البنفسجية: لجماعة شهود يهوه.
الشارة الحمراء: للسجناء السياسيين والشيوعيين.
شارتين من اللون الأصفر: لليهود.
شارة من اللون الأصفر على شارة من اللون الأسود: للسجناء من العرق الآري الذين كانت لديهم صفة قرابة الدم مع الأعراق أو الجماعات الغير مرغوبة فيها .
وصل مجموع هذه المعسكرات 47 معسكرا 17 منها في ألمانيا و9 في بولندا و4 في النرويج و2 في كل من هولندا، إستونيا، إيطاليا، فرنسا، 1 في كل من تشيكوسلوفاكيا، لاتفيا، النمسا، بيلاروس، أوكرانيا، لثوانيا، بلجيكا، وجزر الشانيل بين فرنسا والمملكة المتحدة. وأكبر معسكرات التركيز أو معسكرات التكثيف معسكر اعتقال على الإطلاق كان معسكر أوشفيتز في بولندا حيث اعتبر المعسكر خليطا بين معسكرات العمل القسري ومعسكرات التصفية الجسدية، استمر هذا المعسكر من أبريل 1940 إلى يناير 1945 وقدر عدد المعتقلين فيها 400،000، وتم تصفية ما يقارب المليون ونصف من غير المرغوب فيهم .
بدأت فكرة الإبادة الجماعية وأمكانيتها مع إبادة المعوقين في برنامج أكسيون تي 4 حيث أن النازيين بعد أن بدأوا بالأطفال المعوقين والمشوهين قرروا إبادة المعوقين كلهم فبدأوا بالحقن القاتلة والتجويع وتطور الأمر إلي إطلاق النار الجماعي، ثم غرف الغاز للقتل بغاز أول أكسيد الكربون وقد كانت تلك الغرف هي التي أوحت للنازيين بفكرة الإبادة الجماعية لإعداد كبيرة من اليهود فيما بعد.
معسكرات الإبادة أو الموت هي مصطلحات استخدمت لوصف مجموعة خاصة من المعتقلات تختلف عن معسكرات التكثيف أو المعتقلات الجماعية التي تم ذكرها في السابق. المعتقلون في هذا النوع من المعسكرات لم يكن من المتوقع أن يعيشوا لأكثر من 24 ساعة بعد وصولهم المعسكر، ويعتقد أن معظم المساجين في معسكرات التكثيف قد تم نقلهم إلى معسكرات الإبادة بعد عام 1942.
كانت هناك 6 معسكرات من هذا النوع وجميعها في بولندا وهي:
معسكر أوشفيتز II: حيث كانت يختلف عن معسكر أوشوتز I ومعسكر أوشوتز III اللذان كانا معسكرات تكثيف وأعمال شاقة. كان معسكر أوشفيتز II من أكبر معسكرات الإبادة، وكان يقع في منطقة برزيزنكا على بعد 3 كم من مدينة أوشوتز، وتم بناؤه عام 1941 ضمن خطة الحل النهائي، كان طول المعسكر 2.5 كم وعرضه 2 كم. كان في المعسكر 4 محارق وماسمي مستودعات الغاز، وكان كل مستودع يتسع لحوالي 2،500 شخص، كان السجناء يصلون إلى المعسكر عن طريق القطار وكانت هناك سكك حديد مؤدية إلى داخل المعسكر، وبعد وصولهم كانت هناك عملية فرز وغربلة أولية لفصل البعض منهم لغرض إجراء التجارب عليهم من قبل الطبيب النازي جوزف منجيل، كان هناك قسم للنساء في المعسكر لتقليل مخاوف السجناء، كان النازيون يقولون لهم أنهم ذاهبون إلى الاستحمام، وحسب بعض المصادر التي وكما سنرى لاحقا كانت مثيرة للجدل أن النازيين قد ربطوا أنابيب الاستحمام بمصادر قناني الغاز من نوع زيلكون بي وهي عبارة عن السيانيد المستعمل كمبيد للحشرات والآفات الزراعية، وبعد موت السجناء بهذه الطريقة أو طرق مشابهة كان استعمال الغاز فيه وسيلة رئيسية كانت الجثث تساق إلى المحارق لحرقها في نفس المبنى، وهناك أرقام مثيرة للجدل منها أنه في هذا المعسكر وحده تم إبادة 300000 يهودي من بولندا و69000 يهودي من فرنسا و60000 يهودي من هولندا و55000 يهودي من اليونان و46000 يهودي من مورافيا و25000 يهودي من بلجيكا، ووصل العدد الإجمالي للأشخاص الذين تم إبادتهم في هذا المعسكر إلى مليون ونصف من الضحايا.
معسكر بلزاك: وتم إبادة 434508 يهودي في هذا المعسكر الذي يعتبر أول وأقدم معسكرات الإبادة، وكان يقع على بعد نصف ميل من بلدة بلزاك الواقعة في منطقة لوبلن لوبلين في بولندا .
معسكر جيلمنو: كان على بعد 70 كم من لودز وودج ثاني أكبر مدينة في بولندا، وتم إبادة 152،000 سجين في هذا المعسكر .
معسكر ماجدانيك: وهناك تضارب على العدد الإجمالي للأشخاص الذين تمت إبادتهم حيث قدرت المصادر السوفيتية التي دخلت المعسكر أول مرة أعداد الضحايا بحوالي 400000 ولكن فيما بعد وفي عام 1961 تم تقدير العدد بحوالى 50000، وتشير آخر التقديرات أن الأعداد كانت حوالي 78000 .
معسكر سوبيبور: لقى معظم الغجر حتفهم في هذا المعسكر، وبلغ العدد الإجمالي للضحايا في هذا المعسكر 250000 منهم 150000 يهودي من بولندا و31000 من تشيكوسلوفاكيا .
معسكر تريبلنكا: استمر هذا المعسكر من يوليو 1942 إلى أكتوبر 1943 وتم إبادة 80000 شخص في هذا المعسكر، مما يجعله بالمرتبة الثانية بعد معسكر أوشوتز .
ولقد اشترك قطاع واسعا من الجيش الالماني والمدنيين الألمان ووحدات من الشرطة الألمانية والجيستابو وميليشيات القوات الخاصة النازية الـ"اس اس" التي كان يقودها هينريك هيملر ومسؤولون كبار في وزارات الداخلية والعدل والنقل والمواصلات والخارجية بالإضافة إلى بعض الأطباء الألمان الذين شاركوا في التجارب وعمليات القتل الرحيم T-4 قد شاركوا بطريقة أو بأخرى في الهولوكوست، ولايمكن وضع اليد على جهة واحدة مسؤولة عن عمليات الهولوكوست، ولكن الاعتقاد الشائع أن ميليشيات القوات النازية الخاصة الـ"إس إس" كان لها الدور الأكبر في تنظيم الحملات حيث انبعثت من هذه الميليشيات حراس المعتقلات الجماعية ومعتقلات الإبادة، وكان التنظيم يسمى Totenkopfverbände ومصدر الكلمة هي Totenkopf والتي تعني بالألمانية "رأس الموت"، وكان شعارهم عبارة عن جمجمة على عظمين متقاطعين، وانبعثت من ميليشيا الـإس إس أيضا فرق القتل التي سميت إنساتزكروبن ومعناه بالألمانية "مجاميع المهمات"، وقامت هذه المجموعة حسب سجلاتهم بقتل أكثر من مليون شخص من غير المرغوبين فيهم .
بالإضافة إلى الألمان شارك في تنظيم عمليات الهولوكوست دول في مجموعة دول المحور وخاصة إيطاليا وكرواتيا وهنغاريا وبلغاريا الذين ساهموا بإرسال من كان على أراضيهم من اليهود إلى معسكرات التكثيف ومعسكرات الإبادة ، وقامت رومانيا وحدها بقتل 380،000 يهودي بصورة مباشرة ، وقام بينيتو موسوليني بإرسال 8،369 يهودي إلى معسكرات الإبادة. يبقى الشخص الرئيسي المسؤول عن إصدار الأمر الرئيسي للبدأ بعمليات الهولوكوست في نظر التاريخ هو هتلر على الرغم من عدم وجود أية وثيقة رسمية تربط اسمه بصورة مباشرة بالعمليات ولكن هناك الكثير من الخطابات التي ألقاها هتلر في مناسبات مختلفة كانت تدعو إلى إبادة اليهود وغير المرغوبين فيهم، ومعظم هذه التسجيلات احتفظ بها جوزيف غوبلز وزير الدعاية النازية في عهد أدولف هتلر.
بعد الحرب العالمية الثانية تم إجراء العديد من التجارب والأبحاث النفسية لإيجاد أجوبة مقنعة عن كيفية اتباع الإنسان لأوامر قد تعتبر غير أخلاقية أو إنسانية، ومن أشهر هذه التجارب تجربة العالم النفسي الأمريكي ستانلي ملغرام في يوليو 1961 وفيه قام بتجنيد متطوعين مقبولين من الناحية الثقافية والاجتماعية وقام بتوزيع الأدوار عليهم دون أن يدري المتطوعون الغرض الرئيسي من التجربة. قام ملغرام بوضع أحد الأشخاص في غرفة مغلقة لايمكن لأحد رؤيته وأعطي لهذا الشخص تعليمات أن يقوم بصورة متعمدة بالخطأ في هجاء بعض الكلمات، على الجانب الثاني من الغرفة كان هناك شخص مزود بقائمة من الكلمات التي طلب منه أن يلقيها على الشخص الموجود في الغرفة ليقوم بهجاءها بالصورة الصحيحة وإذا أخطأ الشخص فإن على السائل أن يضغط على زر يؤدي إلى صعق الشخص بجرعة كهربائية مع ازدياد الجرعة كل مرة يرتكب في الشخص خطأ آخر، ولم يكن هناك في الحقيقة أي جرعة كهربائية ولكن السائل لم يعرف هذه الحقيقة والشخص الموجود في الغرفة كان يتصنع الصراخ من الألم كل مرة يضغط فيها على الزر. لم يكن لكل المشتركين أي مانع من تنفيذ هذا الأمر مما أدى إلى الاستنتاج بأن للإنسان نزعة باتباع الأوامر إذا مااعتقد بأنها صادرة من أشخاص مسؤولة حتى إذا كانت هذه الأوامر منافية للمنطق.
ما بعد الهولوكوست:-
اكتشفت قوات الحلفاء في عام 1945 عند دخولها محتشدات الاعتقال ومحتشدات الإبادة أكواماً من الجثث والعظام والرماد كدليل دامغ على ارتكاب النظام النازي جرائم إبادة جماعية. كما وجد الجنود آلاف الناجين, يهود وغير يهود, يعانون من المجاعة والمرض. بالنسبة للناجين كانت إعادة بناء حياتهم أمراً شبه مستحيل.
بعد التحرير، خشي العديد من الناجين اليهود من العودة إلى أوطانهم السابقة بسبب انتشار معاداة السامية في أوروبا والإرهاق الذي عانوا منه. وهؤلاء الذين عادوا كانوا يخافون على حياتهم. ففي بولندا على سبيل المثال حدث عدد من المذابح وكانت أسوأها هي مذبحة "كيلسي" في عام 1946 حيث تم قتل 42 يهودياً من قبل متظاهرين بولنديين.
وهاجر العديد من الناجين من الهولوكوست المشردين باتجاه الغرب في المناطق التي يتم تحريرها بواسطة الحلفاء الغربية وكان يتم وضعهم في محتشدات للمشردين داخليًا كما في "بيرجين-بيلسين" في ألمانيا. وقد كانت إدارة الأمم المتحدة للإغاثة والتأهيل (UNRRA)وجيوش الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا يقومون على إدارة هذه المحتشدات.
وقد قام عدد من الوكالات اليهودية بمساعدة اليهود المشردين داخليًا. وقد قامت لجنة التّوزيع المشترك اليهوديّة الأمريكيّة بتوفير الطعام والملابس للاجئين كما وفرت منظمة إعادة التأهيل عن طريق التدريب (ORT) التدريب المهني. قام اللاجئون بتأسيس المنظمات كما عمل العديد على إقامة دولة مستقلة يهودية في فلسطين.
ضغطت منظمة الناجين الكبرى (البقية الناجية)(Sh'erit ha Pletah) للحصول على فرص أكبر للهجرة. ولكن في الولايات المتحدة كانت إمكانيات الهجرة الشرعية فوق النسبة الموجودة المحددة لا تزال محددة. كما قيدت الحكومة البريطانية الهجرة إلى فلسطين وكانت العديد من الحدود الأوروبية مغلقة لهؤلاء الشردين.
تم تكوين جماعة الفرقة اليهودية (وحدة يهودية فلسطينية في الجيش البريطاني) في نهاية عام 1944. قامت جماعة الفرقة اليهودية مع المناصرين السابقين الذين رُحلوا ألى أوروبا الوسطى بتنظيم "البريهاه", منظمة تهدف إلى تسهيل الخروج الجماعي لللاجئين اليهود من أوروبا إلى فلسطين. كما نظم اليهود المقيمون في فلسطين هجرات "غير شرعية" بواسطة البحر (تعرف باسم Aliyah Bet). إلاّ أنّ السلطات البريطانية أوقفت أغلب هذه البواخر وأرجعتهم. ففي عام 1947 تمت إعادة السفينة "إكسودس 1947" إلى ألمانيا والتي كان على متنها 4,500 من الناجين من الهولوكوست والمتجهة إلى فلسطين بواسطة القوات البريطانية. وفي 1948 احتجز البريطانيون أكثر من 50 ألف لاجئ يهودي في محتشدات جماعية بجزيرة قبرص بالبحر الأبيض المتوسط.
ومع إقامة دولة إسرائيل في أيار/مايو 1948 بدأ اليهود المرحلون واللاجؤون في التوافد على الدولة الجديدة المستقلة . وهاجر حوالي 170 ألف مرحل يهودي ولاجئ إلى إسرائيل سنة 1953.
في ديسمبر/كانون الأول 1945 أصدر الرئيس هاري ترومان أمراً لتخفيف الإجراءات المحددة لنسبة الهجرة للولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للأشخاص المرحلين من قبل النظام النازي. بموجب هذا القرار هاجر أكثر من 41 ألف مرحل إلى الولايات المتحدة وكان حوالي 28 ألف منهم من اليهود. في 1948 أصدر الكونجرس الأمريكي قرار الأشخاص المرحلين الذي وفّر حوالي 400 ألف تأشيرة هجرة إلى الأشخاص المرحلين بين 1 يناير/كانون الثاني 1949 و31 ديسمبر/كانون الأول 1952. ومن ضمن 400 ألف مرحل الذي دخل الولايات المتحدة الأمريكية تحت هذا القرار (DP Act) كان حوالي 68 ألف منهم من اليهود.
وهاجر لاجؤون يهود آخرون كأشخاص مرحلين أو لاجئين إلى كندا وأستراليا ونيوزيلندا وغرب أوروبا والمكسيس وأمريكا الجنوبية وإفريقيا الجنوبية.
توثيق أعداد ضحايا الهولوكوست والاضطهاد النازي
الوقائع الاختصاصية
1- في نهاية الحرب، حاول النازيون والمتعاونون معهم تدمير الكثير من الوثائق الموجودة وغيرها من الأدلة المادية.
2- لتقدير مدى الخسائر البشرية بدقة، اعتمد الباحثون والوكالات الحكومية والمنظمات اليهودية منذ الأربعينيات على مجموعة متنوعة من السجلات المختلفة، بما في ذلك تقارير التعداد، والأرشيفات الألمانية وأرشيفات قوات المحور، والتحقيقات التي تلت الحرب.
3- قد تتغير التقديرات الحالية عند اكتشاف وثائق جديدة أو عندما يصل المؤرخون إلى فهم الأحداث التاريخية بأكثر دقة.
إن حساب أعداد الأفراد الذين قُتلوا كنتيجة للسياسات النازية مهمة صعبة. لا توجد وثيقة فردية في زمن الحرب أنشأها المسؤولون النازيون توضح عدد القتلى في المحرقة أو الحرب العالمية الثانية.
لتقدير مدى الخسائر البشرية بدقة، اعتمد الباحثون والمنظمات اليهودية والوكالات الحكومية منذ الأربعينيات على مجموعة متنوعة من السجلات المختلفة، مثل تقارير التعداد, والأرشيف الألماني وأرشيف المحور، والتحقيقات التي تلت الحرب، لتجميع هذه الإحصائيات. ومع ظهور المزيد من الوثائق أو عندما يصل العلماء إلى فهم أكثر دقة للهولوكوست ، قد تتغير تقديرات الخسائر البشرية.
أهم شيء يجب أخذه بعين الاعتبار عند محاولة توثيق أعداد ضحايا الهولوكوست هو عدم وجود قائمة رئيسية بأولئك الذين قضوا نحبهم في أي مكان في العالم.
توثيق الهلولوكوست: أمثلة للوثائق
التقديرات التالية هي من أفضل التقديرات الحالية للمدنيين والجنود الذين قتلوا على يد النظام النازي والمتعاونين معه.
يتم حساب هذه التقديرات من تقارير وقت الحرب التي تم إنشاؤها من قبل أولئك الذين نفذوا سياسة النازيين، ومن قبل الدراسات الديموغرافية بعد الحرب على فقدان السكان خلال الحرب العالمية الثانية.
عدد الوفيات
المجموعة عدد الوفيات
اليهود 6 ملايين
المدنيون السوفييت حوالي 7 ملايين (بما في ذلك 1.3 من المدنيين اليهود السوفييت، الذين تم تضمينهم في عدد 6 مليون لليهود)
أسرى الحرب السوفيت حوالي 3 ملايين (بما في ذلك حوالي 50.000 جندي يهودي)
المدنيون البولنديون الغير يهود حوالي 1.8 مليون (بما في ذلك بين 50.000 و100.000 من أعضاء النخب البولندية)
المدنيون الصرب (في إقليم كرواتيا والبوسنة والهرسك) 312,000
الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعيشون في المؤسسات حولي 250,000
الغجر (الروما) 196,000–220,000
شهود يهوه حولي 1,900
المجرمون وما يسمى بالمعادين على الأقل 70,000
المعارضون السياسيون الألمان وأعضاء المقاومة في الأراضي المحتلة من المحور غير محدد
المثليون المئات ، وربما الآلاف (ربما يمكن حسب جزء أيضا من الـ 70,000 مجرمين وما يسمى بالمعادين اجتماعيا المذكورين أعلاه)
موت اليهود حسب المكان
فيما يتعلق بعدد اليهود الذين ماتوا في الهولوكوست، فإن أحسن التقديرات لتعطل الخسائر اليهودية وفقا لموقع الوفاة هي:
مكان الموت عدد الضحايا اليهود
معسكر أوشفيتز (بما في ذلك بيركيناو، مونوفيتز، والمحتشدات الفرعية) تقريبا مليون
تريبلنكا تقريبا 925,000
بيلزيك 434,508
سوبيبور على الأقل 167,000
خيلمنو 156,000–172,000
عمليات إطلاق النار في مواقع مختلفة في بولندا الوسطى والجنوبية التي تحتلها ألمانيا (الحكومة العامة) على الأقل 200,000
عمليات إطلاق النار في غرب بولندا المُدرج في ألمانيا (إقليم وارثلاند) على الأقل 20,000
الوفيات في المرافق الأخرى التي حددها الألمان كمعسكرات اعتقال على الأقل 150,000
عمليات إطلاق النار وعربات الغاز في مئات المواقع في الاتحاد السوفيتي التي تحتلها ألمانيا على الأقل 1.3 مليون
عمليات إطلاق النار في الاتحاد السوفيتي (تم ترحيل اليهود الألمان والنمساويين والتشيكيين إلى الاتحاد السوفيتي) تقريبا 55,000
عمليات إطلاق النار وعربات الغاز في صربيا على الأقل 15,088
الموت رميا بالرصاص أو كنتيجة العذاب في كرواتيا في ظل نظام أوستاشي 23,000–25,000
الموت في الأحياء اليهودية على الأقل 800,000
1غير ذلك على الأقل 500,000
ملاحظات على التوثيق
لا توجد وثيقة واحدة من زمن الحرب تحتوي على التقديرات المذكورة أعلاه عن الوفيات اليهودية.
هناك ثلاثة أسباب واضحة ومترابطة لعدم وجود وثيقة واحدة:
بدأ تجميع الإحصاءات الشاملة لليهود الذين قتلتهم السلطات الألمانية وغيرها من دول المحور في عامي 1942 و1943. وقد انهارت خلال العام ونصف الأخير من الحرب.
وابتداءً من عام 1943، عندما تبين لهم أنهم سيخسرون الحرب، قام الألمان وشركاؤهم في المحور بتدمير الكثير من الوثائق الموجودة. كما دمروا الأدلة المادية على القتل الجماعي.
لم يكن هناك أي موظفون موجودون لإحصاء الوفيات اليهودية إلا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية والنظام النازي. ومن ثم، لا تُحسب التقديرات الإجمالية إلا بعد انتهاء الحرب وتستند إلى بيانات الخسارة الديمغرافية ووثائق الجناة. على الرغم من أن هذه المصادر مجزأة، فإنها توفر أرقامًا أساسية يمكن من خلالها إجراء الحسابات.
نجت إحدى الدراسات الإحصائية لليهود الذين قتلتهم السلطات الألمانية من الحرب. كانت نسخة من السجلات التي استولى عليها الجيش الأمريكي في عام 1945. وعلى سبيل المثال، كانت العديد من التصنيفات الإقليمية لمثل هذه البيانات البشعة من بين السجلات التي استولت عليها القوات الأمريكية والبريطانية والسوفيتية بعد الحرب العالمية الثانية. استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي معظم هذه الوثائق في وقت أو آخر كمعارض في الإجراءات الجنائية أو المدنية ضد المجرمين النازيين.
أعداد المدنيين البولنديين والسوفيت
فيما يتعلق بأعداد المدنيين البولنديين والسوفيت، فلا توجد في هذا الوقت أدوات ديموغرافية كافية لتمكين المؤرخين من التمييز بين:
أفراد مستهدفين عرقيا
الأشخاص الذين هم فعلا أو يُعتقد أنهم كانوا أعضاء نشيطين في حركات مقاومة سرية
الأشخاص الذين قُتلوا انتقامًا لبعض أنشطة المقاومة الفعلية أو المتصورة التي قام بها شخص آخر
خسائر بسبب ما تسمى بالأضرار الجانبية خلال العمليات العسكرية الفعلية
ولكن بشكل عام, كان في جميع الوفيات في صفوف المدنيين السوفييت والبولنديين والصرب خلال العمليات العسكرية والعمليات ضد حركات المعارضة عامل عنصري. أجرت الوحدات الألمانية هذه العمليات بعدم مراعاة نابعة عن الأيديولوجية مقصودة لحياة المدنيين.
خلاصة:-
عدّ الضحايا أمر مهم للبحث ولفهم القدر الواضح للجرائم. يوجد خلف كل رقم شخص الذي دمرت آماله وأحلامه. والجهود المبذولة لتسمية الضحايا مهمة لاستعادة فردانيتهم وكرامتهم التي سعى القاتلون إلى تدميرها.
ملاحظة [1] "غير ذلك" يشمل، على سبيل المثال، الأشخاص الذين قتلوا في عمليات إطلاق النار في بولندا في 1939-1940؛ كأنصار في يوغوسلافيا، اليونان، إيطاليا، فرنسا أو بلجيكا؛ في كتائب العمال في المجر؛ خلال أعمال لا سامية في ألمانيا والنمسا قبل الحرب؛ الحرس الحديدي في رومانيا، 1940-1941، وفي مسيرات الإجلاء من معسكرات الاعتقال ومعسكرات العمل في الأشهر الستة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، كما يعني أيضًا الأشخاص الذين تم إخفاءهم وقتلهم في بولندا وصربيا وأماكن أخرى في الدول الأوروبية المحتلة من قبل ألمانيا.
التعليقات (0)