مواضيع اليوم

الهولوكوست بين إنكار... واتجار!

ممدوح الشيخ

2010-04-03 20:09:42

0


الهولوكوست بين إنكار... واتجار!

بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com

 

أصبحت قصة إنكار الهولوكوست قصة سخيفة لا معنى للاستمرار في اجترارها من منظور إنساني وأخلاقي أولا، وهي لا تقل سخفا عن عملية تسييس التي يقوم بها الصهاينة مستخدمين الهولوكوست مبررا لاغتصاب فلسطين. وعندما يقف مثقفون عرب موقف المنكر لمعاناة اليهود تحت الحكم النازي فإن اختلالا قيميا كبيرا يجب البحث عن جذوره.
والتلاعب بملف في حجم الهولوكوست متوقع لكن "الخطأ لا يبرر الخطأ"، والوقائع لها الأولوية على وجهات النظر، فلا يجوز لأحد أن يبرر "ثقافة الإنكار" التي تحكم موقف كثيرين من هذا الملف المزعج بمبرر سياسي، فالهولوكوست جريمة والجرائم لا يجوز أن يختلف الموقف منها باختلاف الجاني أو الضحية.
وخلال السنوات القليلة الماضية أصبح الموقف من الهولوكوست موضوع سجالات لا تكاد تنتهي وعلى هامش السجالات بدات تتكون صورة جديدة للهولوكوست من الكشف عن ضحايا عرب سقطوا في معسكرات النازي إلى دور لمسلمين في المغرب العربي والبلقان في حماية بعض ضحايا الهولوكوست. وقبل أيام أفتتح بالمتحف اليهودي ببولونيا معرض عن المسلمين الألبان الذين أنقذوا حوالي ألفين من اليهود من الاضطهاد النازي.
المعرض أقيم تحت رعاية سفارة إسرائيل بروما وإتحاد الجاليات اليهودية بإيطاليا ومجلس مدينة بولونيا وعرض مجموعة صور التقطها المصور الأميركي نورمان جريشمان تحت رعاية متحف ياد فاشيم بالقدس. وقد ألقي ممثل الجالية الإسلامية بالإقليم كلمة في حفل الافتتاح قال فيها إن المعرض يتيح التعرف علي التعاليم الدينية والحضارية للألبان المسلمين الذين أنقذوا "بكل الفخر والكرم اليهود من الاضطهاد النازي". وهو اعتبر ذلك "مثالا للأخوة التي سمحت لاثنين من المجتمعات الدينية التي تشترك في إله واحد وأصل واحد هو النبي إبراهيم عليه السلام باعتراف كلا منها بالآخر وتقديره للروح والكرامة وقدسية حياة كل مخلوق".
هذا المسعى لتنمية مشتركات إنسانية عامة لا يختلف الموقف منها بحسب هوية ضحاياها جدي بالتقدير في ظل تنامي ثقافة كراهية دينية وقومية ومذهبية في الكثير من أنحاء العالم شمالا وجنوبا. وفيما يتبادل الفاتيكان وعديد من الرموز الدينية اليهودية هجمات بسبب ما اعتبره اليهود معاداة للسامية بسبب اعتزام الفاتيكان تطويب اثنين من رجال الكنيسة الكاثوليكية كان البرلمان الألماني يوجه الدعوة للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ليلقي خطابا أمامه بمناسبة يوم الهولوكوست، الذي يوافق ذكرى تحرير معسكر آوشفيتز عام 1945 على أيدي الجنود السوفييت.
وفي العاصمة النرويجية أوسلو افتتح مركز للهولوكوست يقع في فيلا فخمة كان فيدكوم كويسلين الذي حكم النرويج خلال الحرب العالمية الثانية وتحالف مع هتلر قبل أن يعتقل عام 1945 ويعدم، يتخذها محلا لإقامته خلال الحرب العالمية الثانية. والاسم الرسمي الذي أطلق على هذا المركز هو "مركز دراسة الهولوكوست والأقليات الدينية"، ما يعني أن الهدف منه يتعدى مجرد الاهتمام بمصير اليهود، وهو اختراق مهم لأسوار الاحتكار اليهودي للهولوكوست، فالمركز يحاول إيجاد أسس مشتركة لتوضيح أي ظاهرة كظاهرة "الإبادة الجماعية" يجب أن يكون مفتوحا أمام نظريات أخرى غير تلك المهيمنة حاليا في مراكز الهولوكوست. والقائمة إذ تتسع لتشمل الضحايا الحقيقيين ستضم غجر وسلاف ومعارضين سياسيين للنازي وبولنديين وإيطاليين وعرب، فضلا اليهود.
ومن الحقائق التي يجب التوقف أمامها أن النرويج لم تكن من الدول التي شهدت إبادة واسعة لليهود إذ اقتيد 700 يهودي نرويجي إلى مخيمات الإبادة النازية، فيما استطاع 1100 أن يفروا, وهذا هو البعد الغائب في موقف المثقفين العرب والمسلمين الذين يبذلون مجهودا كبيرا – هو للأسف مجهود ضائع – لتفنيد معطيات الهولوكوست، وصولا إلى أقلية تنكره.
والتحولات في الموقف من الهولوكوست وإنكاره يشهد تحولا له أهمية خاصة هو التحول في الموقف في روسيا، فمن ناحية ناشدت منظمة تمثل يهود أوروبا روسيا إحياء الهولوكوست الذي حددت الأمم المتحدة له يوم 27 يناير/ كانون الثاني سنويا، وقد قدم رئيس المجلس اليهودي الأوروبي مقترحا للرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بذلك، وفي تصريح معبر قال رئيس المجلس اليهودي "مهمٌ أن يعرف الناس أن معاداة الأجانب شيء رهيب"، وكان فلاديمير بوتين قد صرح عام 2005 خلال زيارة إلى أوشفيتز ومدينة كراكوف وكان حينها رئيسا لروسيا بأنه يشعر بـ "الخجل" لتصاعد موجة معاداة السامية في بلاده.
وفي محادثات إسرائيلية روسية في أغسطس 2009 جاء في البيان الختامي أن "محاولات نفي الهولوكوست تعتبر إهانة مباشرة لجميع ضحايا الحرب العالمية الثانية" ما يعني أن نفي الهولوكوست، لكن الأهم أن الرئيس الروسي وصف محاولات إكساب النازية صفة بطولية بأنها "إجرامية".
ورغم أن توجها ملموسا يحدث باتجاه التوافق على إدانة الهولوكوست فإن أصواتا لها وزنها لا تزال تثير العواصف، وقد اتهم أسقف بولندي متقاعد اليهود باستغلال المحرقة اليهودية لأغراض دعائية في تصريحات نشرت على موقع الكنيسة الكاثوليكية على الانترنت، وقال الأسقف تادوش بيرونيك المتحدث السابق باسم مجلس الأساقفة البولنديين إن من غير القبول تخصيص هذه المأساة لأغراض دعائية"، مضيفا أن "المحرقة في شكلها هذا هي اختراع يهودي (...) وتستخدم كسلاح دعائي للحصول على مزايا غالبا ما تكون غير مبررة". واتهم القس اليهود بـ "الغطرسة التي لا تحتمل" قائلا إنهم "يملكون صحافة جيدة لأنهم يحظون بدعم مالي قوي وسلطة هائلة ودعم غير مشروط من أمريكا". لكن القس قال بعد كل هذه القنابل: "بالطبع، كل هذا لا يقلل من عار معسكرات الاعتقال".
فمتى يصبح هناك إجماع عربي حقيقي على أن رفض "الاستثمار الصهيوني" للهولوكوست لا يتعارض مع إدانة "عار الهولوكوست"!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !