مواضيع اليوم

الهزيمة والنصر ليسا في المنافسة

nasser damaj

2009-11-24 08:16:04

0

الهزيمة والنصر ليسا في المنافسة!

بقلم: خليل الفزيع

 

في العالم كله تتحمس الجماهير لمنتخباتها القومية، وفي مباراة مصر والجزائر كنا أمام منتخبين عربيين، ولم يظن أحد أن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه من صدامات، لسبب معروف هو أن للشعبين المصري والجزائري تاريخ حافل بالتضحيات الوطنية والمنجزات القومية، والنضال ضد الاستعمار، شعبان التقيا على طريق الفداء والتضحية، حتى تم الجلاء الإنجليزي من مصر والجلاء الفرنسي من الجزائر، وفي سبيل هذا النصر قدم الشعبان مئات الآلاف من الشهداء في حروب أكلت الأخضر واليابس، وقد رددت الجماهير من الشعبين على مسامع الدهر أنشودة النصر، وهي تحكي ملحمة النضال العربي ضد الاستعمار في قمة المد القومي المجيد مع أم كلثوم وهي تشدو بحماسة المنتصر ونشوته:
وحد الله على النور خطانا
والتقت في موكب النصر يدانا
هذا هو السجل الذهبي لتاريخ البلدين الذي لا يمكن أن تشوهه أو تسيء إليه مثل أحداث عابرة يرتكبها من غاب عنهم الحس الوطني والقومي، وأسَرَتهم شهوة التشفي، وأعماهم الحقد المجنون عن الرؤية الواضحة لحقائق الأمور، فالفوز عربي، وليس مصريا أو جزائريا.
قال لي صديق: إن التفكير بالأقدام أصبح ماركة عربية دون منافس، وفكرت في هذا الحكم القاسي الذي كان مبعثه هذه المباراة بين مصر والجزائر.. بعد أن خلفت ما خلفت من آثار سلبية في النفوس، نتيجة الحساسية المفرطة التي تعاملت بها جماهير المنتخبين المصري والجزائري، ليس تجاه منتخبها بالتشجيع، وهذا أمر طبيعي ومطلوب، ولكن بالعداء السافر للمنتخب المنافس، مع أن أي مباراة رياضية أو غير رياضية لا بد أن يكون فيها غالب ومغلوب، وهو أمر لم يعترف به مشجعو المنتخبين من خلال الإصرار وبعنف على الفوز مهما كان الثمن، وظلت حالة عدم الاعتراف بالواقع راسخة في بعض الأذهان، مع أن الخروج من المنافسة على المونديال لا يسمى انهزاما، لأن الهزائم والانتصارات تتم في ميادين الحروب والمعارك، وليس في ميادين المنافسة الرياضية الشريفة، للوصول إلى المونديال، وهذه المنافسة أولا وأخيرا ليست سوى بين فريقين عربيين، بمعنى أن التواجد العربي لتحقيق مركز متقدم، هو المطلوب سواء تحقق على أيدي المنتخب المصري أو المنتخب الجزائري، فكلاهما عربي، والفائز لا يمثل بلده فقط بل ويمثل أيضا العرب جميعا.
لكن هذه النظرة الشمولية لم ترد على أذهان المصريين الذين استقبلوا الفريق الجزائري بالحجارة بدل الورود، كما لم ترد أيضا على أذهان الجزائريين الذين اعتدوا على بعض المنشآت المصرية في الجزائر، وكأن مباراة في كرة القدم هي التي يمكن أن تنسيهم كل قضاياهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ليفكروا في مباراة القاهرة، ثم مباراة الخرطوم، ولو فكروا في تلك القضايا بنفس الحماسة.. لوجدت طريقها للحل، دون عراقيل.
ما هو سر هذه الحالة التي يمكن تسميتها انتكاسة عربية؟ هل هي حالة اليأس التي تمر بها الجماهير العربية؟ أم هي حالة القمع التي تمر بها هذه الجماهير؟ فلم تجد وسيلة لتعبر عن يأسها ورفض للقمع غير مثل هذه المناسبات الكروية، ومن خلال هذه الموجات من الانفعالات السلبية؟ لتندفع دون حكمة أو روية، في ارتكاب محاذير الإساءة للبلاد التي تنتمي إليها، قبل أن تسيء للبلد الآخر، ولتسهم في القضاء على البقية الباقية من حلم كان يلوح في الأفق العربي البالغ الحلكة منذ كنا صغارا نردد: (بلاد العرب أوطاني). وهاهي عاصمة عربية ثالثة تقحم في الصراع، وهي التي أرادت الوفاق بين طرفين متنازعين، وللجرائد الصفراء وفضائيات الفتنة قدرة لا تجارى في ابتكار المواقف التي تفرق ولا تجمع، والرياضة للشباب عنوان وحدة وتكاتف وتآلف، وليس فرقة وتناحر وعداء، وهي مواقف تمتد لتشمل كل شرائح وفئات المجتمع.
لكن وما أقسى (لكن) هنا متى كان العرب في تاريخهم المعاصر على وفاق وانسجام وتآلف؟.. لو كانوا على وفاق وانسجام وتآلف لما وصل بهم الحال إلى هذا التأخر والضعف، وعدم القدرة على مواجهة أبسط التحديات.

جريدة الشرق القطرية. 22/11/2009




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات