الهدف من اختبارات القدرات تكشفه معايير " القياس " !
تركي سليم الأكلبي
هل وصلت الحاجة بالجامعة إلى المال لتغطية نفقاتها إلى دفع بعض الطلاب والطالبات للالتحاق بالبرنامج الجامعي بمقابل مادي يتراوح بين 8000 ريال سعودي للفصل الدراسي الواحد و3000 ريال .. أم إن ذلك يأتي في سياق فكرة إلغاء مجانية التعليم على مراحل؟
ولماذا يضطر الطالب أو الطالبة للبحث عن "واسطة" لقبوله في الجامعة من خلال الإصرار على استيفاء النسبة المقررة للجامعة حتى وإن كان النقص لا يتعدى الدرجة الواحدة أو جزء منها ؟
وكأنما أصبحت نسبة القبول بمنزلة الـ ( 2.5 % ) في فقه زكاة الأموال!
ولماذا لا يعتد إلا بنتائج اختبارات "القياس" مع أن المعايير واحدة في اختبارات المدرسة وفي "القياس"؟
ولماذا لا يزال الإصرار قائما على سياسة الغربلة والتصفية والخلخلة من خلال تحديد نسب القبول في الجامعات والكليات الأمر الذي ربما منع طالبا من مواصلة مشواره التعليم أو ألقى به في أحضان التطرف الفكري، كل هذه الأسئلة لم أجد لها إجابات كافية، ولكني أعتقد أن فيما يلي شيئا من لا شيء!
واضح جدا من سياسة الغربلة والخلخلة أن السبب الرئيس لها هو: عدم قدرة مؤسسات التعليم العالي على استيعاب كل مخرجات المرحلة الثانوية في كل عام.
وهذا ما تنص عليه " أهداف اختبارات القياس في مركز القياس الوطني ومن أهم ما ورد فيها:
" المفاضلة بين المتقدمين للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، من حيث أهليتهم العلمية؛ وذلك بسبب الزيادة المطّردة في أعداد الراغبين في الالتحاق بهذا المستوى من التعليم بنسب تفوق الخطط الاستيعابية".
وهو اعتراف صريح بفشل الخطط الاستيعابية على افتراض وجودها. والحقيقة أن هذا الهدف يناقض قول المركز من أن رسالته تتمثل في : السعي لتحقيق العدالة وتساوي الفرص في التعليم العالي.
ليس هذا فقط بل إنه حينما يكون من أهداف المركز أيضا: نشــر ثقافة "القياس والتقويم" وتعميقها على المستويين التعليمي والاجتماعي.
فإنما يناقض بذلك إجراءات اختبارات القبول التي لا تخلق إلا "رهابا" لا ثقافة!
ولعل ما يثير السؤال الأصعب هو: على أي أساس يعتمد للقبول في الجامعة نتائج اختبارات "القياس" ولا ينظر للنسب المرتفعة التي يحصل عليها كثير من الطلاب والطالبات إذا كان المعيار واحدا في المدرسة وفي القياس، وهو قياس مدى قدرة الطالب على التذكر؟
فمن الثابت علميا - وهو ما يعرفه جيدا كثير من مسؤولي مؤسسات التعليم - أن الدرجات والتقديرات لا تعكس القدرات والمهارات الذاتية الحقيقية للطالب وذلك وفقا للأسلوب المتبع في العملية التعليمية.. فما بني على الحفظ من معايير اختبارية.. كما هو متبع في نظام الامتحانات المعمول به عندنا منذ عهد الكتاتيب، وفي اختبارات القبول لا يمكن أن يعطي نتائج حقيقية لعملية عقلية محفزة، فقط هي الذاكرة!
وهذا ما يؤكده حصول بعض الطلاب والطالبات على نسبة 97 و98 % في اختبارات الثانوية العامة وبعدها بأقل من أسبوع يدخل اختبارات القبول فيحصل على أقل من 60 % من درجات القدرات.
ومما يدل عليه ذلك دلالة واضحة اتخاذ قدرة الطالب على الحفظ والاسترجاع والتذكر معايير ومقاييس للاختبارين "المدرسة والقياس"!
فبينما يكون تركيز الطالب على حفظ المعلومات في مقررات الفصل الدراسي الثاني في الصف الثالث الثانوي ليحصد نسبا عالية قد تصل إلى الـ 100 % في أكثر المواد تكون معظم أسئلة "القياس" تدور حول كل المعلومات التي درسها الطالب خلال المرحلة الثانوية من الصف الأول حتى الصف الثالث ومن المؤكد أنه لم يتبق لديه في مخزون الذاكرة منها إلا القليل .. والقليل جدا. ثم يكون القبول على أساس نتائج اختبارات "القياس" ولا ينظر إلى نتائج اختبارات المدرسة مع أن المعايير واحدة على طريقة المثل: أين أذنك يا جحا ؟ فيشير إلى الأذن التي لا تلي يده!
ومن المؤكد أنه لا يمكن أن يكون لأي رصد اختباري لغير معلومات المقررات مثل الذكاء والقدرة على الاستنتاج أي نتائج إيجابية لسببين: أولهما الخوف الذي تثيره أجواء وإجراءات اختبارات "القياس" وثانيهما افتقاد المناهج الدراسية في الأساس لتنمية القدرة على الاستنتاج والاستدلال وتحليل العناصر المترابطة وتوظيف المعلومات.
الأمر الذي يجعل من تفاخر مركز القياس الوطني بانضمامه لقائمة الدول التي تعتمد اختبارات القبول في جامعاتها مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واليابان تفاخراً في غير محله.. فتطابق المسميات لا يعني تماثل المنهج وأساليبه التعليمية وبالتالي معايير اختبارات القبول.
إذن عدم القدرة على استيعاب الزيادة المطّردة في أعداد الراغبين في الالتحاق بالجامعات مبرر ربما كان بالأمس مقبولا! أما اليوم فلم يعد كذلك، ولم يعد ذلك العذر الذي حذر منه خادم الحرمين حفظه الله بقوله "ما لكم عذر".
فما من شك أن الدولة قادرة على إنشاء المزيد من الجامعات وفتح المزيد من التخصصات وبخاصة في مجال تعليم البنات لاستيعاب خريجي المرحلة الثانوية في كل عام مع محدودية عدد السكان مقارنة بسكان دول أخرى فقيرة لكن تعليمها ينال الحظ الأوفر من اهتمامها لإدراكها أهمية الاستثمار في العقول.
ولعل مما يثير الدهشة بعض التبريرات الأخرى للحد من أعداد الراغبين في الالتحاق بالجامعات من خريجي المرحلة الثانوية مثل: تلبية التعليم لحاجة سوق العمل.. وهو مبرر مضلل دون شك.. وذلك للأسباب التالية:
أولا: أن اكتشاف وتصنيف أولويات الميول لدى الطالب وتنمية إمكاناته الذاتية لكل ميول يعبر عنه بحرية تامة لم يكن حتى هذه اللحظة من سياسات التعليم عندنا وأساليبه التعليمية وإن وجد شيء من ذلك فليس أكثر من كونه حبرا على ورق ولم يطبق عمليا.
ثانيا: لا توجد آلية تقنية تربط بين كل مؤسسات التعليم وكل التخصصات التعليمية يتم من خلالها توجيه الطالب تلقائيا إلى القسم والتخصص والمجال التعليمي الذي يتلاءم وشخصيته وقدراته وإمكاناته الذاتية بل ما يحدث هو إغلاق الباب في وجه الطالب غير المقبول فلا يجد أمامه إلا القبول بالأمر الواقع وهو: إما البحث عن تخصص لا يتلاءم مع ميوله وقدراته وشخصيته وإما "الشارع"!
ثالثا: مخرجات التعليم الملائمة لحاجة سوق العمل يبدأ التخطيط والإعداد لها بدأ من التعليم الأساسي من خلال اشتمال المناهج التعليمية ومقرراتها الدراسية على حاجة سوق العمل وحاجة المجتمع وتشجيع وحفز وتنمية الميل الشخصي لدى الطالب ومن ثم توافر التخصصات الملائمة لسوق العمل في التعليم الجامعي والعالي .
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)