بسم الله الرحمن الرحيم
مجدى داود
المصدر/ شبكة الألوكة
http://alukah.net/Culture/0/22315/
أقْدَمَت قوَّات الإرهاب الصِّهْيَوْنِيِّ فجْرَ اليوم على اقتحام أسطول الحرِّية، وقتْلِ أكثرَ مِن تسعة عشر من أفراد القافلة، وجرْح العشرات الآخرين، مِن بينهم الشيخُ المجاهد "رائد صلاح" رئيسُ الحركة الإسلامية في الأرض الصِّهيونية المحتلَّة عام 1948م، ثم بعد ذلك قامت بتوجيه الأسطول إلى ميناء "أسدود" الصهيوني، ومن ثَم اعتقال أفراد الأسطول في سجون الكيان الصهيوني.
إنَّ هذه الجريمة الصِّهيونية النَّكْراء إنما تَحمل في طَيَّاتها كثيرًا من المعاني والرسائل الضِّمْنية، ليس لأفراد الأسطول والقائمين عليه فقط، لكنْ لكلِّ الأطراف المعنِيَّة بالقضية الفلسطينية مِن قريب أو من بعيد، وفي نفس الوقت فيها الكثير من الدوافع والمبشِّرات.
فأوَّلاً: هذه الجريمة رسالة إلى أفراد القافلة، مَفادُها أنَّ الكِيان الصهيونيَّ لن يَسمح بكسْر الحصار عن غزة بهذه البساطة؛ لأنَّ غزَّة بالنسبة للكيان الصهيوني سبَبٌ مِن أسباب القلق، خاصَّةً في ظل وجودِ وسيطرةِ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركاتِ المقاومة الفلسطينية الأخرى، ومواصلتها التسلُّح بكل ما تستطيع تهريبَه والتسلُّح به، وفي ظل رفْضها القاطع الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني.
أما الرسالة الثانية فهي إلى سُكَّان قِطاع غزَّة، ومفادها أنَّ الكيان الصهيوني لن يَسمح بأنْ يتمَّ كسْرُ الحصار، إلا إذا ضغَطوا على حماسَ لتَقْبل بشروط الرُّباعية الدَّولية، أو بمعنى أصحَّ: أن تَخون شعْبَها، وتَبيع أرضَها، وتقتل نفسَها بيدِها، حتى ولو كان الذين يقومون على هذه المحاولات هم بَرْلمانيُّون دوليُّون، وأُناسٌ لهم مكانةٌ في دولهم التي تهتَمُّ بحياة مواطنيها.
لكنَّ ما حدث هو بكلِّ المقاييس شيءٌ يَفوق التوقُّعات؛ فما كنا نتوقَّعه هو أن تَقوم قوَّات الكِيان الصِّهيوني بالتشْويش على السُّفن، ثُم إجبارِها على التوجُّه إلى أحد المَوانئ الإسرائيلية، والسيطرةِ على ما بهذه السفن مِن بضائع، ثُم ترحيلِ هؤلاء المتضَامنين إلى بلادهم مرَّةً أخرى.
لكنْ أنْ يتِمَّ الهجومُ على الأسطول، وقتْلُ تسعة عشر شخصًا - هذا أمر لم يكن متوقَّعًا بحال، وهذا الأمر سيُحْدِث - إن أُحْسِن استغلالُه - أثرًا طيِّبًا في تخفيض الدَّعْم الغربي اللامحدود للكِيان الصهيوني، في مقابل اتهام الشعب الفلسطيني الأعْزَل أنه هو الذي يوَتِّر الأوضاع ويختلق الحروب.
إنَّ مهاجمة الأسطول البحْري على بُعد ستِّين مِيلاً عن الساحل الواقع تحت سيطرة الكيان الصهيوني - لَهِيَ جريمة نَكْراء، وقعَتْ ضدَّ سفن غير عسكريَّة في المياه الدولية، وهذا يَعني اعتداءً على الشرعية الدولية، وهذا أمر لا يَعني إسرائيل كثيرًا.
لكن إذا كان الأمرُ يرتبط بدولٍ مثل تركيا، فإنَّ هذا يعني أن تركيا لن تسكُتَ على هذه الجريمة، فتركيا التي أقامَتِ الدُّنيا قبل شهور لمجرَّد إهانة سَفيرها، ولم يعُدْ سفيرُها إلا بعد وصول اعتذارٍ رسميٍّ مكتوب مِن القيادة الصهيونية، وبالتالي فليس مِن المستغرَب أن تَقوم تركيا بتصعيدٍ غيرِ مَسبوقٍ مع الكيان الصهيوني؛ خاصَّةً وأنَّ معظم القتلى هم أتراك، وأن السفينة الأكثرَ ضررًا مِن بين سفن الأسطول هي السفينة التركية "مرمرة".
ولأنَّ إسرائيل تَخشى مِن رَدِّ الفِعل الذي قد تقوم به هذه الدول، فهي عمَدَت منذُ الصباحِ على عقْدِ المؤتمرات الصّحفية التي تَكذِب فيها على العالَم في حينِ تَحتجز المتضامنين حتى تنتهِيَ مِن ترويج كَذِبِها، وفي نفس الوقت تدَّعي أنها لا تخشى شيئًا.
كمَا أن قيام الكيان الصهيوني باعتقال هؤلاء البرلمانيِّين والمتضامنين هُو أمر سيعود بالنفع الكثير - إن شاء الله - حيث سيقوم هؤلاء بعمل دعايَةٍ حقيقيَّةٍ عن تجرِبة واقعيةٍ عايَشوها بأنفسهم، دعايةٍ سيئِّةٍ للغاية عن الكيان الصهيوني.
هؤلاء الشرفاء سيعودون إلى بلادهم، يحدِّثون أهلهم بلسانِهم الذي يفهمونه، يحدثونهم عن تجرِبتهم القاسية، وكيف اقتادَتْهم القواتُ الصهيونية بغير رحمة ولا شفَقة، وحجزَتْهم بغير جُرْم اقترفوه، إلا أنَّهم حاولوا كسْر الحِصار عن بلد يَعيش بلا أيَّة مقومات للحياة.
سيعود البرلمانيُّون عاجِلاً أو آجلاً، قد نَنسى نحن هذه الجريمة، وبعد يوم أو يومين سيتوقف إعلامُنا عن ذِكْر هذه الجريمة، وسيعود أَذناب السُّلطة يُذيقون قُوى المقاومة مِن ويلات أقلامهم ويتَّهمونهم بأبشع التُّهَم، ويعاملونهم كما لو كانوا هم الصهاينةَ، بل أكثر من الصهاينة.
لكنْ هؤلاء البرلمانيُّون لن ينسَوْا؛ لأنَّهم قوم لا تحرِّكهم العواطف، بل هم أقوام يؤمنون بأفكار، ومستعدُّون للتضحية بأرواحهم في سبيل هذه الأفكار التي يعتنقونها، ولهذا كان إصرارهم على دخول غزة رغم التهديد الصهيوني المتواصل بمنعهم ولو بالقوة، فهؤلاء البرلمانيون سيستخدمون كل َّما بأيديهم مِن إمكانيات في سبيل فضْح الكيان الصهيوني دوليًّا بالطريقة التي يعرفون أنها ستكون مؤثِّرةً ومُجْديةً في تغيير الرأي العام الغربي، وحشْدِه ضد الكيان الصهيوني.
إنَّ إصرارَ الكيان الصهيوني على منْع الأسطول مِن الوصول لقطاع غزة، وقتْلَ هذا العدد مِن المتضامنين - يجب أن يكون محلَّ اهتمام كبيرٍ مِن السَّاسة المهتمِّين بكَسْر الحصار عن غزة.
فإمَّا أنَّ الكيان الصهيوني يتحكم في حدود قطاع غزة كدولة احتلال، وبالتالي فالشعب الفلسطيني في غزة مسؤول منه، وهو ملْزَم بتلبية احتياجاته الطبيعية.
وإما أنَّ الكيان الصهيوني قد خَرج مِن غزة، وبالتالي عليه أنْ يرفع يدَه عن حدود قطاع غزة، وخاصَّةً الحدود البحرية، فلقد خرج المتحدِّث باسم الحكومة الصهيونية على قناة الجزيرة الفضائية؛ ليتكلَّم بوقاحة وبَجَاحة شديدتين لم أر لهما مثيلاً مِن قَبل، ويدَّعيَ أن المتضامنين هم الذين رفعوا السِّلاح الأبيض والناري في وجه الجنود الصهاينة، وكأنَّه مِن حقِّ الصهاينة أن يفعلوا ما يشاؤون، حتى في المياه الإقليمية، وليس مِن حقِّ المعتدَى عليهم الدفاعُ عن أنفسهم.
كنت أتمنى - كغيري من المسلمين - أن يصِل الأسطولُ إلى قطاع غزة، لكنَّ قضاء الله كله خير، ولعلَّ هذا الضَّررَ وهذا الألَمَ يكون فاتحةَ خيرٍ - إن شاء الله تعالى - ويكونُ الأسطول الذي جاء ليَكْسِر الحصار المفروض على غزة، يفرِضُ حصارًا سياسيًّا مِن قِبَل بعض الدول التي تقف مواقفَ مشرِّفةً مثل تركيا، وحصارًا علميًّا وأكاديميًّا، يقوم به هؤلاء المفكِّرون والبرلمانيُّون الغربيون عندما يعودون إلى بلادهم، فرُبَّ ضارَّةٍ نافعةٌ.
وفي النهاية أُبْرِق بتحيَّة عامَّة لكلِّ الذين خاضوا الآلام ليكسِروا الحصارَ الغاشم، المفروضَ على قطاع غزة الحبيب، وتحيةٍ أخرى خاصَّةٍ إلى شيخِنا الأسد المجاهد "رائد صلاح" الذي لا نعرفُ عنه شيئًا حتى اللحظة، وأسأل الله العليَّ العظيم أن يرزقه إحدى الحُسْنَيَين؛ إما حياةً تَسُرُّ الصديق (النصر)، وإما مَمات يَغيظ العِدَا (الشهادة).
التعليقات (0)