مواضيع اليوم

الهجرة معانى واسرار

رهن المحيس

2011-12-18 12:01:25

0

 الهجرة معاني وأسرار

انشغل بالي بأمر هذه الهجرة العظيمة والنعمة الكريمة التي أكرم بها الله حبيبه ومصطفاه وأكرم الله بها المهاجرين والأنصار المعاصرين لسيدنا ومولانا رسول الله ونحن لم نحضرها رغماً عنا لأننا لم نكن ولدنا ولا خلقنا في ذلك الزمان وفي هذا العصر والمكان ولكن ما ذنبنا؟نحن نريد أن نهاجر ونريد أن نحصل ونحصل على ثواب المهاجرة وعلى ثواب المناصرة ماذا نفعل؟ ترى باب الهجرة قفل أم لا زال مفتوحاً؟فوجدت بفضل الله أن باب الهجرة مفتوح لكل عبد من عباد الله يؤمن بالله ويتبع سيدنا ومولانا رسول الله سواء كان العبد متعلماً أو جاهلاً، موظفاً أو فلاحاً رجلاً أو امرأة فالكل مطالب ليس بهجرة واحدة وإنما بهجرات كثيرة لكن ليست كما حصرها البعض أن تكون من مكان لمكان لا النبي قال هجرة المكان انتهت{لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}[1]يعني هجرة معنوية وهجرة روحانية وهجرة بالمعاني الإيمانية وليس بالحركات والجوارح الجسمانية مثل ما بعض الناس فسروها وأولوها وخالفوا بذلك كلام رسول الله وهذه الهجرة من أين؟ وإلى أين؟كل واحد فينا مطالب أن يهاجر من النواهي التي نهى عنها الله إلى الأوامر التي أمر بها الله. هذه هجرة لابد منها وبصيغة أخرى نحن مطالبون أن نهاجر من المعاصي وأماكن المعاصي وكل ما يقرب من المعاصي إلى الطاعات وأماكن الطاعات وكل ما يقرب إلى الله من أعمال صالحات كل مؤمن مطالب بهذه الهجرة سواء كان جاهلاً أو عالماً رجلاً أو أمرأة أو شاباً فالكل مطالب أن يهاجر من المعاصي إلى الطاعات. ومن الأماكن التي بها المعاصي إلى الأماكن التي بها الطاعات وهذا ما وضحه الرسول وبين طريقه وسبيله وقال فيه{المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه }[2] هذا هو المهاجر وكلنا نريد أن نحصل على هذا اللقب ونسمى عند الله مهاجرين فالمهاجر عند الله في زماننا هذا من هجر(أي ترك)ما نهى الله عنه قلنا أن الهجرة للمؤمنين والمؤمنات قائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها لكنها هجرة معنوية بعد أن كانت في عصر سيدنا رسول الله هجرة مكانية من مكة إلى المدينة وأنواعها كثيرة لكن أصولها ثلاث: هجرة بأمر الله من المعاصي والمخالفات إلى الطاعات.
وهجرة بفضل الله من الدنيا إلى الآخرة وهجرة بتوفيق الله من الدنيا والآخرة إلى وجه الله فالهجرة الأولى هي ترك المعاصي خوفاً من عذاب الجحيم والهجرة الثانية فعل الطاعات طمعاً في ثواب الله في جنات النعيم والهجرة الثالثة هي التقرب إلى الله بالتخلق بأخلاق الله رغبة في مزيد فضل الله وجميل عطاياه لعباده المؤمنين الموحدين فالذي لا يزال جالساً في المعاصي وهو في المعاصي لا يكون في الدنيا في حالة تلبسه بالمعاصي بل يكون في الجحيم لأن العمل الذي هو فيه باب مفتوح إلى الجحيم قال تعالى{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}كيف تراها؟ أنت عندما تعلم علم اليقين أن هذه المعاصي هي الطريق والباب للجحيم تكون نفس المعصية هي النار والجحيم ولأجل ذلك قال النبى{ لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ }[3] وهو في هذا العمل يكون عاصياً ويكون من أهل الجحيم والعياذ بالله فهو إذا في هذا العمل يكون متلبِّساً ومجرماً وعليه فصريح أمر الله له أنه عندما يخرج من هنا وينهي مدته وهو داخل من جمرك الدنيا إلى الدار الآخرة أول ما يصل إلى الدار الآخرة يقبضون عليه ويقولون له: تعال فيقول إلى أين؟إلى دار المجرمين هذا مثل الذي فعل شيئاً وظن أنه هرب لكن أين يهرب من الله؟إذا الهجرة من المعاصي هي الهجرة الأولى التي يقول رسول الله في صاحبها{المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}[4] فقد هاجر إلى الآخرة لأنه ترك الدنيا وترك المعاصي والهجرة الثانية من الدنيا إلى الآخرة فالدنيا هي الأعمال الدنيئة التي لا تليق بالمؤمن سميت الدنيا من الدنو والدناءة فكل عمل دنئ لا يليق بالمؤمن عمله يهاجر منه إلى الطاعات فيصير إلى الآخرة ومن أهل الآخرة؟ هم الملائكة. وما أعمال الملائكة؟{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }فالذي يراهم يجد منهم الذي يسبح الله والذي يقف يذكر الله والذي يقف يقدس الله والذي يتلو كتاب الله والذي يستغفر الله ليس لأنفسهم لكن لنا{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا} يا سبحان الله ربنا وظفهم يستغفرون لنا فكأنهم موظفون عندنا ومن هم؟ حملة العرش وليس الملائكة العاديين وحملة العرش الرسول يقول في الواحد منهم { أُذِنَ لِي أَنْ أحَدِّثَ عن مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ الله تَعَالَى مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمَائَةِ عَامٍ }[5]ومع ذلك فالله سخرهم لكي يستغفروا لي ولك لكي تظهر مكانتك أنت عند الله وتعلم أنها ليست مكانة هينة أو عادية وإنما هي مكانة عظيمة جداً جداً فلأجل أني مهاجر إلى الآخرة مثله فأترك الأعمال الدنيئة التي ذكرناها كاللعب واللهو وأكون ليس لي بها شأن فأما غيري الذي يلعب إذا كان يلعب على نقود يكون من أهل الجحيم لأن هذا هو القمار وإذا كان يلعب على غير نقود فهو من أهل الغفلة ومن أهل الذنوب ومن أهل الدنيا لأن هذا يقول فيه رسول الله{اللاَّعِبُ بالنِّرْدِ كَوَاضِعِ يَدِهِ في لحْمِ الخِنْزِيرِ وَالنَّاظِرُ إِلَيْها[الكوتشينة الطاولة الدومينو] كَواضِعِ يَده في دَم الخِنْزير }[6]ودم الخنزير طاهر أم نجس؟إنه أنجس النجاسة فالذي يلعب ويقول: الكلب راح الكلب جاء أو شيش بيش كل هذا كغامس يده في دم خنزير لأن هذا في اللعب والمؤمن ليس لديه وقت لهذا الكلام ليس لديه وقت للعب ولا للزينة ولا للتفاخر والتكاثر إذا أين يكون المؤمن؟نجده مع كتاب الله أو نجده يذكر الله أو نجده ينصح عبداً من عباد الله أو يزور مريضاً طلباً لمرضاة الله أو يشيع جنازة ابتغاء وجه الله هذا هو عمل المؤمن يتقلب في الطاعات{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}أي يتقلب مع الساجدين دائماً وبهذا يكون في عمل الآخرة ومثل هذا من أهل الآخرة.
الهجرة الثالثة : وهي لرجل ثانٍ قال ماذا أفعل بالآخرة؟سوف أذهب إلى هناك والذي حرمت منه هنا أجده هناك لكن أنا يعجبني شئ ثانٍ فليست تعجبني الجنة والذي فيها أنا يعجبني الأخلاق العظيمة الكريمة التي يعاملنا بها الله انظر كيف نعصي ونغفل ونجهل وهو حليم علينا وتاركنا؟ وما يفتأ يرزقنا وينعم علينا ويستر علينا فيقول أنا أريد أن أكون حليماً مثل الحليم الواحد يبعد عنه سنين ويلطخ نفسه بالمعاصي والطين ويرجع يقول له: أنا تبت فيقول وأنا قبلت ما هذا العفو العظيم؟أنا أريد أن أكون عفواً مثل عفوه لا أركب رأسي ويقولون لي فلان جاء يعتذر إليك وأقول له يدفع خمسة عشر أو عشرين ألف يا أخي إن رسول الله قال{ مَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصلاً [معتذراً] فَلْيَقْبَلْ ذٰلِكَ مِنْهُ مُحِقّاً أَوْ مُبْطِلاً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الْحَوْضَ }[7]، يقول أنا ليس لي شأن بهذا الكلام يا أخي ما دام جاء إليك ويقول لك أنا أعتذر لك، ألا ترى أن الذي خلقه ورباه وكلأه بنعماه ويعصاه وهو يراه لكن أنت لم تره أو تسمعه وإنما أحد أبلغك أنه قال في حقك كذا. لكن هو سامعه ويراه وعندما يقول له تبت، يقول له وأنا قبلت ولما ينشط العبد ويصطلح مع مولاه يفرح به الله وهو الغنى عنه فرحا يقول فيه الحبيب يقول الله للملائكة اعملوا له فرح عندكم{لله أَفَرْحُ بِتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ قَدَ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ فِي أَرْضٍ مُهْلِكَةٍ، يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَهُ الْجُوعْ }[8]وهل ربنا يحتاج من العبد شيئاً؟هل ينفعه العبد أو يقدم له شيئاً ؟ لكن هو يعلمنا نحن أن نقول{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}حتى لو لم أكن أنا فى ظاهر الأمر أو فى تقديرى الشخصى الدنيوى ورؤيتى القاصرة والمحدودة محتاجٌ إلى من جاء ليصالحنى .. أو لو كنت غنياُ عنه فيجب علىَّ أن أفرح بالصلح عندما يأتي أحد يصالحني علىَّ أن أفرح له تعالَ ياأخى قال لنا النبى{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ[طفل يشد لجام الجمل فيمشي وراءه مع أن الجمل لو هاج لا يقف أمامه سبعة رجال لكنه سبحانه وتعالى حليم] وإن استنيخ على صخرة أناخ }[9]لا يطلب شيئاً ليناً ينيخ عليه والمؤمن نفس النظام إذا قيل له اصطلح فإنه يقول على بركة الله لايطلب شروطاً أو غيرها ويريد أن يقيم الدنيا أو يقعدها ليقبل أن يصطلح مع أخيه فالشروط ليست مع المؤمنين وهو يريد أن يتخلق بخلق العفو و خلق الجود يبحث عن الأشياء التي فيه فيجد أن الله جبله عليها كيف ذلك{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}في أصل خلقته كان ظالماً وجاهلاً ماذا يفعل؟يغير الظلم ويغير الجهل كان ظلوماً جهولاً إذا لم يحافظ على الأمانة كما طلب الله وكما أراد الله وحملها الإنسان أي حملها باختياره ولم يقل حملناها وإنما هو الذي حملها وهو الذي طلب وما دام طلب حملها فإذا لم يقدر أن يقوم بها يصير جاهلاً ما الأمانة؟أعظم أمانة أنت وأنا حملناها هى(لا إله إلا الله محمد رسول الله) أخذناها رغماً عنَّا أم باختيارنا؟ باختيارنا أنا قلتها إذاً لابد أن أقوم بحقها قال رسول الله{مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله مُخْلِصَاً دَخَلَ الجنَّة، قِيلَ: وَمَا إِخْلاَصُها؟قال: أَنْ تَحْجزَهُ عَنْ مَحَارِمِ الله}[10]ما معنى هذا ؟أي أن يحرم ما حرمه الله ويعمل بما أمره الله به فأنت عندما اخترت لا إله إلا الله، واخترت الإسلام، لم يعد لك عذر في أن تترك خردلة من تعاليم الإسلام ولم يعد لك عذر في أن تقع في أي بند من بنود المحرمات التي حرمها الإسلام بعد نطق هذه الكلمة لست حراً ولذا هذه قائمة بالمحرمات وهذه قائمة ثانية بالمستحبات وهذه قائمة ثالثة بالفرائض التي إن لم تفعلها نسجنك، أنت اخترت لا إله إلا الله محمد رسول الله انتهى الأمر فالإنسان من أي صفات يا ربَّ خلقته يقول{وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } أي يحب أن يجادل دائماً وماذا يفعل يا رب؟ مع المؤمنين لا جدال ومع الآخرين يكون بالحسنى{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}لا بالشدة ولا بالسيف وإنما بالتي هي أحسن الحجة بالحجة افرض مع الشدة قال لا إله إلا الله هل يريد الله هذا الإيمان؟ لا إنه قال {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}إن لم يدخل عن اقتناع فالله لا يريده والاقتناع يكون الحجة بالحجة أما المؤمنون فقد قال رسول الله{أَنَا الزَّعِيمُ بِبَيْتٍ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلاَهَا، وَبِبَيْتٍ فِي أَسْفَلِهَا لِمَنْ تَرَكَ الْجِدَالَ وَهُوَ مُحِقٌّ وَتَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ لاَعِبٌ وَحَسُنَ خُلُقُهُ لِلنَّاسِ }[11] إذاً لماذا نهى الله عن الجدال؟قال النبى{ مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ }[12] فالجدل دليل على غضب الله ولذا فالمؤمنون لا يتجادلون أبداً وإنما يتناقشون ويتناظرون والمناظرة التي يقول فيها سيدنا الإمام الشافعي{ما ناظرت أحداً وأحببت أن يخطئ بل أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من اللّه رعاية وحفظ وما كلمت أحداً قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه }[13]تريد أن تصل للحق لكن المجادل يريد أن يكون هو الذي غلب بالباطل أو الحق وهذا الأمر لا ينفع لأننا سوف نخرج أعداء لذلك نهى الله عن الجدال وطلب أن يتخلص المؤمن من الجدال{وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً}قتوراً يعني بخيلاً وربنا اسمه الكريم. إذاً يهاجر فوراً من البخيل إلى الكريم إذاً الهجرة الثالثة كيف يهاجر العبد فيها؟ يترك أخلاقه ويتخلق بأخلاق الله قال النبى{ إن الله يحب من خَلقِهِ من كان على خُلُقِه }[14] فهذا يحبه وهو غير الذي يكافئه على الطاعات والصالحات فيعطي لهم مكافئة وهي قصور وحور في الجنة، لكن الذي يحبه له وضع آخر إذا من الذي يحبه؟ الذي يتخلق بأخلاقه وما المراد بأخلاقه؟قال النبى{إِنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً غَير وَاحِدٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنَّةَ }[15]فأنت إذا هاجرت الهجرة العالية الكبيرة فالله تعالى يبدل صفاتك بصفات من عنده وأخلاقك بأخلاق من لدنه والذي يصير على هذه الشاكلة.. ماذا له من مكافأة عند الله؟لهم مكافأة يقول فيها الله: { أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىٰ قَلْبِ بَشْرٍ }[16] للجماعة المؤمنين الذين يأخذون المكافأة على عملهم الصالح لكن الجماعة المقربون لهم عند ربهم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فهؤلاء لا يجالسون إلا ملك الملوك وهناك فرق كبير بين الذي يجلس مع جارية أو خدم أو حشم أو فى النعيم الذى أنت تريده وبين الذي هو جالس مع الملك نفسه فرق كبير بين الذي ينزل ضيفاً على رئيس الجمهورية فيقول أنزلوه قصر الطاهرة وانظروا ماذا يريد من طعام وشراب لكن أنا ليس عندي وقت لكي أقابله فهل يتلذذ هذا بأكل أو شرب؟لكن الثاني يقول أنا أقابله الساعة كذا أو الثالث يقول أنا لا أستغنى عنه اجعلوه معي ليلاً ونهاراً فالذي يدخل الجنة ويتمتع بالحور والقصور والولدان لكنه لا يحظى ولا يتمكن من رؤية الحنَّان المنَّان يبقى في عذاب كأنه عذاب أهل النار عذاب اسمه عذاب الحجاب وعذاب الصدود وعذاب الإعراض {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}فهو نوع من أنواع العذاب المعنوي إذا فالذي لا ينظر الله إليه في نوع من أنواع العذاب لذلك الجماعة المؤمنون مثلما يقول النبي يأتون لهم بالحور والمتع فيقولون لا نريد هذا ماذا تريدون؟ والذي يكلمهم الله من علياءه مع تنزهه عن المكان والزمان والحيطة والإمكان فيقولون تركناها أحوج ما نكون إليها في الدنيا أي كنا نريد الطعام والشراب في الدنيا ولماذا كنا نصوم ولماذا كنا نزهد؟ فيقول لهم وماذا تريدون؟يقولون وعزتك وجلالك لا نريد إلا وجهك أنت متعتنا !وأنت مسرتنا وأنت هناؤنا وأنت حبورنا لأن هؤلاء الجماعة الذي هاجروا من أخلاقهم إلى أخلاق الله فكانوا متصفين بصفات الله على قدرهم وليس بصفات الله على قدر كمالات الله وعلى قدر جمال الله ولكن على قدرهم وعلى قدر اتساع ما عونهم وعلى قدر معرفتهم بأخلاق الله فلذلك عندما ننظر المقام العالي الذي مدح الله به النبي نجده قال له مخاطبا{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}أي أنت على خلق الله لأن العظيم هو الله وأنت على خلقه إن المؤمنين في هجرتهم إلى الله على ثلاثة منازل: إما واحد يجاهد نفسه لكي لا يقع في الذنوب والعيوب وهذا يجاهد ليهاجر من المعاصي إلى الطاعات وهذا يوم القيامة من أهل{أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}أي ليس لهم شأن بجهنم ولا طريقها ولا عملها والمؤمن الثاني نفسه لا تحدثه بالمعاصي لكن تحدثه بالغفلة أو باللهو أو باللعب أو بالراحة فيقول لها أنا لا أضيع وقت لأن الدنيا عمرها قصير وكل نفس يحاسبني عليه العلي الكبير أنا أريد أن تكون أوقاتي كلها في الطاعات والقربات{وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً }هذا يوم القيامة مثل ما يقول الله{لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ}لهم ما يشاءون عند ربهم في الآخرة الجماعة المقربين يريدون أن يكونوا في مقعد صدق عند مليك مقتدر فتقول لهم نفوسهم نريد أن نأخذ لنا مقعداً من مقاعد الصدق أو نجلس على كرسي من الذهب أو نجلس على منبر من نور أو نجلس على كرسي المجد المهم نكون في المكان الذي يقول فيه النبي العدنان{أهل الكثيب في جنة عدن يتراءون ربهم كما تتراءون القمر في ليلة التمام}[17]فالجماعة الذين يجلسون على الكثيب يرونه والذين يجلسون على الأرض أيضاً يرون والذي على كرسي ينظر لكن كل واحد على حسب منزلته وهؤلاء هم المعنيون بقوله {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}فالذين أمر الله نبيه أن يصبر نفسه معهم يقول فيهم: هؤلاء الذين معك هناك هم أصحابك هنا عندنا{لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } لهم الذي يريدونه وزيادة وما الزيادة؟قال: الزيادة اجعلوها عندي لأنكم لا تعرفونها{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ولمن الزيادة؟ للذي على مثل أخلاقه حتى نحن في البشر أنت تجالس من؟ الذي مثلك مع الفارق الكبير بين تشبه العبد بصفات العلي الكبير وبين ظهور هذه الصفات في العلي العظيم عز شأنه لكن كونك أنك تتشبه بصفاته فهذه تستوجب محبة الله ورضاه عنك لأنك تحاول أن تكون على نهج صفات الله وأخلاقه ها هو موقف المؤمنين الصادقين والمقتصدين والمقصرين وكلهم كما قال الله ورثة لكتاب الله{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [وهم أنتم جماعة المؤمنين]{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} 


[1] متفق عليه والحديث برواية مسلم عن عائشة رضي الله عنها وقد رواه احمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس 

[2] متفق عليه من حيدث ابن عمر 


[3] أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه.


[4] متفق عليه من حديث ابن عمر 


[5] رواه الطبراني عن أنس وأبو داود والضياء عن جابر.


[6] رواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبي موسى رضي الله عنه,


[7] أخرجه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه.


[8] سنن النسائى الكبرى عن أبى هريرة، وررد فى روايات عديدة باختلاف ألفاظ.


[9] أخرجه البيهقي والقضاعي والعسكري عن ابن عمر 


[10] رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم.


[11] للطبراني في الكبير عن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما 



[12] أخرجه الترمذي وابن ماجة عن حديث أبي أمامة 


[13] فيض القدير للمناوى


[14] رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه.


[15] رواه البخاري مسلم والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة.


[16] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول الله فيما حكاه عن ربه 


[17] رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة
.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !