الهجرة الى الشمال
بدأت خيوط الشمس الذهبية تدخل من نافذة غرفة سالم الطينية ،التي تحتضن سالم وأحلامه .فتح عينيه وفركهما وخرج مسرعا حتى لاتراه زوجة ابيه
التي مافتئت عن ضربه منذ طفولته الاولى ووفاة والدته .
سار هائما على وجهه يلتمس اتجاها يهديه اليه الله ، فكان قدره الى جنوب حائل ، تارة يسير وتارة يهرول وكان يرى من مسافة رجلا يركب راحلة ويقود
اخرى ، وصار يركض مسرعا وكأنه في سباق مع الزمن ، وعندما اقترب من الرجل صاح بأعلى صوته :ايها الرجل ...أيها الرجل ..ياعم .
التفت الرجل خلفه وإذا بسالم ينكب على وجهه من التعب وشدة العطش ، فنزل الرجل عن راحلته واعطى سالم قربة الماء ، وشرب سالم وبعد أن استراح
قليلا ،
فقال سالم :انا سالم من حائل وأريد الذهاب معك ياعم إلى أي مكان تقصده وأنني أبحث عن عمل .
فقال الرجل :أنا في طريقي إلى بريدة (مدينة تقع في نجد وتعتبر عاصمة اقليم القصيم ).
فقال سالم :أنا معك إنشاء الله .
فصار الرجل يحدث نفسه ،كيف شابا في مقتبل العمر لايتجاوز عمره السابعة عشر يترك اهله ؟ ويسير في الصحراء ولايملك راحلة ولازاد ، ولكن يجوز
الظروف هي التي جبرته ، فرفع صوته يحيي سالم ويبارك برفقته .
وساوروا معا بعد أن ركب سالم الراحلة الاخرى ، وكي لايشعروا بملل صار الرجل ينشد بعض القصائد التي يحفظها على طرق الهجيني ويرد عليه سالم
والارض تطوى ، ووصل الرجل الى منزله الطيني في مدينة بريدة وكان الوقت مساء ونام سالم بدون أن يهتز له مفصل من الارهاق وطول الطريق .
وفي صبيحة اليوم الثاني قال سالم للرجل :اريد ياعم أن اعمل معك واساعدكفي تجارتك .
فقال الرجل : على الرحب والسعة ولكن ستعمل عند صديقي حمود لأن تجارته اوسع ويحتاج إلى صبي يساعده .
وعمل سالم عند حمود ، وبعد فترة تجهز سالم والتاجر حمود مع مجموعة من تجار القصيم -يسمون العقيلات -للذهاب في تجارة إلى بلادالشام ومصر
وفلسطين ، ورحلتهم تكون على ظهور ألابل قبل ظهور السيارات في الجزيرة العربية ، وساروا في رحلتهم التجارية وكانت اول محطة لهم ألاردن ،وبعد اسبوع
من مكوثهم في الاردن ،اراد التاجر حمود أن يكمل رحلته التجارية إلى مصر عن طريق فلسطين ، فأشار على سالم أن يجهز نفسه .
فقال سالم:اريد منك ياعم حمود أن تسمح لي بالبفاء هنا في الاردن لأنني سأبحث عن عمل وأستقر هنا ، فأذن له حمود وتمنى له التوفيق .
ألتحق سالم في الجيش العربي ألاردني وتزوج وأنجب بنينا وبنات وتدرج في الرتب ووصل الى رتبة عميد وتقاعد من الجيش ، وبعد مضي اربعين عاما
عاد سالم إلى وطنه ألأم ومسقط رأسه ووطن أبائه واجداده ، وعندما تم أللقاء ألأول مع أخوته ، سألهم عن زوجة أبيه .
فقالوا :إنها توفيت وقبل وفاتها ، قالت :إذا كتب الله لكم أن تلتقوا بأخيكم سالم ، وكنت متوفية ، فأطلبوا منه أن يسامحني لأنني قد جنيت عليه في صغره
وأنا السبب في هروبه من ألمنزل من قسوتي عليه ، وأذكركم بأن ابوكم قد سامحه قبل وفاته ، وكم كان مشتاقا لرؤيته ولكن القدر سبق ،
فقال سالم : الله يسامحها ويسامح الجميع .
محمد السميران / الرياض
التعليقات (0)