مواضيع اليوم

الهجرة إلى داعش .. كفى بك داءٌ أن ترى الموت شافيا

مصـعـب المشـرّف

2015-07-07 20:25:41

0

 الهجرة إلى داعش .. كفى بك داءٌ أن ترى الموت شافيا

 

مصعب المشرّف

7 يوليو 2015م


 

لأن المسألة شائكة ومتعددة الأسباب والجوانب ؛ فإنه ليس من السهل تناول وتحليل ظاهرة فرار النشء من الشباب إلى ما يعتقدون أنها فردوس داعش ؛ طلباً للشهادة في حرب مليشيات شتى شعارها الظاهري إسلامي . وغايتها الحفية خدمة أغراض الصهيونية تكريس ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد . ولا علاقة لها بالجهاد (في سبيل الله) لتحرير بلاد المسلمين من إحتلال أجنبي أو رفع الضيم عن فئة منهم.


ولو كان الجهاد مطلوباً ؛ فلا أقل من أن يهاجر هؤلاء للقتال في ميانمار (بورما) والفلبين ؛ حيث يتعرض المسلمون هناك إلى إبادة جماعية ، وتهجير قسري منظم تحت بصر وسمع العالم أجمع . وصمت المحكمة الجنائية الدولية ، وجماعات حقوق الإنسان المزعومة ... لا بل وحتى المنظمات الإسلامية الرسمية منها خاصة.


على أية حال ؛ فقد ذهبت أقلام عديدة إلى الإقتصار على إيراد سببين من مجموعة أسباب هجرة الشباب إلى داعش والنصرة .. فمنهم من جعل مَـرَدّه إلى التأثر بالأفكار المتطرفة ... ومنهم من حصره في مائدة معاناة الفتيات من ظاهرة العنوسة ؛ والحاجة إلى ممارسة الجنس بحرية شرعية تحت بند "جهاد المناكحة".


وأرى أن الكل قد ذهب إلى التفسير والتحليل المبتسر ، والتعليل وفقا لمزاجه الخاص ومشتهاه ومصلحته السياسية على طريقة كلٌ يغني على ليلاه ......


في كل الأحوال لا ينفك الجهل بجوانب الدين الإسلامي على منهج أهل السنة والجماعة هو القاسم المشترك الأعظم لدى النشء من شباب اليوم.


الجهل بتعاليم الدين يجعل من السهل على كل "داعية من منازلهم" وسيم أنيق ؛ أو جماعة وطائفة ومجموعة أن تفعل فعل السحر في غسل أدمغة أمثال هؤلاء النشء ، وإعادة تشكيلهم حسب رؤاها الخاصة بها ووفق ما تقتضيه مصلحتها.


ونرى الدولة عامة هنا قد قصرت تقصيراً نوعياً في جوانب تأصيل علوم التربية الإسلامية المختلفة من قرآن وسيرة وحديث وفقه وتفسير .... ويجيء إهمالها للغة العربية بمثابة حجر الأساس في فقدان هؤلاء النشء للرابط والجسر المؤدي إلى فهم صحيح لمباديء الشريعة الإسلامية ناهيك عن علومها ؛ ويصعب عليهم أيضاً الإنكباب والإطلاع على علوم الدين من مصادرها الأصلية السمحة المقصد  .... وبما يتيح لهم التفقّه في الدين على أقل تقدير.


أهمية اللغة العربية المبدئية القصوى ؛ تنبع من واقع أنها لغة القرآن الكريم من جهة ، ولسـان رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى ...

ومن ثم فلا مجال لفهم وتفسير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف . والقدرة على دخول "مرحلة" الحوار والأخذ والرد بشأنه ، والإقناع والإقتناع إلا عبر إجادة اللغة العربية بكل فروعها وآدابها ...

ولاغرابة إذن أن وجدنا الأئمة الأربعة ، و كبار المفسرين والدعاة  من ذوي العلم والمصداقية على مدى التاريخ بداية بإبن كثير وإنتهاءاً بالشيخ متولي الشعراوي يلجاؤون في أحيان كثيرة إلى إيراد أبيات وقصائد من الشعر العربي إبتداءاً من ملك الشعراء وإنتهاءاً بأمير الشعراء؛ للإستعانة بها في شرح المعاني لبعض الكلمات التي جاءت في القرآن الكريم. ولايجد جمهور العلماء غضاضة في ذلك....... وربما لولا إتقانه للغة العربية لما قال المشرك الوليد بن المغيرة  "والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يعلى عليه".


الشاهد أن معظم الشباب الذين توجهوا إلى داعش وغيرها إنما هم قطوف وطلاب مؤسسات أكاديمية أسست على ركائز العلمانية المحضة ولا علاقة لها بالدين .. لا بل ويظل المال والقدرة على تكبد مصاريف الدراسة الفلكية فيها هو وحده المؤهل لدخولها والإنتظام في صفوفها.


إن مزاعم بعض الجامعات (الخاصة جداً) بأنها لا تقبل في صفوفها سوى من توفرت في شهاداتهم الثانوية درجات ومجاميع كبيرة ؛ إنما نراها في معظمها وهمية تفتقر إلى المصداقية ..

والسبب أن معظم أولاد الأثرياء إنما يجيء نجاحهم بمجاميع ودرجات عالية في إمتحانات الثانوية العامة ؛ يجيء فقط عبر إستعانتهم بجيش (إسبارطي) من المدرسين الخصوصيين الموهوبين ؛ القادرين على توقع الأسئلة الواردة في الإمتحان .. ومن ثم حشو مخ الطالب ببضع كبسولات على هيئة أسئلة وأجوبة نموذجية يكفي حفظها ومراجعتها للحصول على نسب تفوق ألـ 95% في الإمتحان بمجهود تحصيل قليل لا يتعدى أياماً قليلة.


نعم هناك ظاهرة سلبية عامة لدى الأسر الثرية وذات الدخل فوق المتوسط تتمثل في إصرار أولياء الأمور على إلحاق أطفالهم بمدارس خاصة تتبع مناهج تعليمية وتربوية أجنبية إما بريطانية أو بريطانية فرنسية مختلطة. وعلى زعم أن اللغة الإنجليزية هي المؤهلة للحصول على وظيفة مرموقة .. وأن اللغة الفرنسية تجعل الإنسان ملتصقاً بركب الحضارة والثقافة الإنسانية.


ولم يقتصر الأمر على الرغبة في التأهيل . ولكنها إمتدت لتصبح مجالاً للتفاخر والتباهي . وتحويل الطفل إلى ما يشبه فئران المختبرات البيضاء ؛ خاصة حين تجتمع العائلات وهذه الأسر مع بعضها في مناسبة إجتماعية. فتتبارى الأمهات ويسير في ركبهن الآباء للتحدث بصوت عال مع أطفالهم باللغة الفرنسية والإنجليزية ، والطلب من الطفل ترديد قصيدة باللغة الإنجليزية والفرنسية والتصفيق له في نهاية المطاف.


وينتج عن مثل هذه الحماقات والإختلالات الإجتماعية والأمراض النفسية أن الطفل ينمو ويترعرع وهو عديم الثقة في لغته العربية الأصلية ........... وتتبدى الآثار الجانبية السلبية لمثل هذه القناعة لاحقاً حين يمتد الأثر إلى إنسلاخ هذا المراهق عن مسار المجتمع العريض بلغته وديانته . ويصبح بالتالي ريشة في مهب الريح ، وصيداً سهلاً لكل "داعية" يلعب به وبعقله كما يشاء لتجنيده بما يحقق أغراض جماعة بعينها ؛ لايشترط أن تكون على نهج المجتمع أو تعاليم الدين الحنيف من سماحة ووسطية ، وإبتعاد عن اللجوء إلى العنف الغير مبرر.


إن في داخل كل طفل وصبي ومراهق مسلم بذرة إيمانية بالفطرة تنتظر من يعتني بها ويرعاها بتؤدة حتى تنمو وتكبر مستوفية لمتطلبات النمو الطبيعي وليس القسري ..... ولكن الشاهد اليوم أن وسائل التجنيد للإلتحاق بالتنظيمات والمليشيات المتطرفة تستغل جهل هؤلاء بالدين وتـغـذي بـذرة الإسلام في النشء بجرعات هرمونات متسارعة تحيلها إلى عاهات.

  

من المؤسف أن المال قد أصبح وحده اليوم الفيصل في كافة مفاصل الحياة وجوانبها وحواشيها ..  فلا غرابة إذن أن تأتي على رأس منتجاته أجيالاً حامضة باهتة أخشى أن معظمهم لايحفظ سورة الفاتحة ؛ ناهيك عن الكافرون والإخلاص والمعوذتين.


ولا أفهم كيف يغفل بعض هؤلاء المتفرنجون عن تحفيظ أبنائهم قراءة الفاتحة وبعض سور القرآن الكريم؟

ألا يعتقد هؤلاء الآباء أنه سيأتي يوم يكون مطلوبا فيه من أبنائهم الوقوف وتبادل قراءة الفاتحة مع المعزين في صيوان العزاء "الفاخر" المنصوب بمناسبة وفاتهم أم ماذا؟

ثم ألا يؤمن هؤلاء الآباء والأمهات أن دعاء الولد الصالح لهم يوسع لهم في قبورهم ويخفف من عذابها ، ويطفيء جحيمها أم ماذا؟


إذن فإن أسباب خروج  الشباب اليافع إلى النصرة وداعش لا تقتصر على سبب واحد وجانب واحد بقدر ما أنها تتعدد في كل طبقة من طبقات المجتمع ... وهذه الأسباب محموعة فسيفساء فيها الجانب الكبير والصغير تصب جميعها في لوجة واحدة . ومن ثم فلا مناص سوى من إيراد الأجزاء الأكثر تأثيراً . وذلك على النحو الآتي:


أولاد المصارين الفاسدة:

1)  لقد خرج أبناء المصارين الفاسدة إلى داعش جهلاً بالدين ؛ وأملا في التكفير عن سيئات آبائهم في مجال سرقة المال العام خاصة. ورغبة في أن تصبح لهم قناعاتهم الخاصة بعيداً عن هيمنة الأم والأب...... وكفى بأمثال هؤلاء داء أن يروا الموت شافيا.


نعم في غمرة جمع الغنائم وفرز السبايا .. لم يلتفت هؤلاء إلى ما يمكن أن يجر إليه إستغلال النفوذ وسرقة المال العام من عقد نفسية وتأنيب ضمير لدى أبنائهم من الجنسين  . وإحساس بالخجل والقلق والصَـغـار لديهم ... ؛ وربما حتى لدى ناقصات العقل والدين من نسائهم.

إن سرقة المال العام وممارسة مختلف أشكال النفوذ وإستغلاله للثراء الحرام هو في واقع الأمر جريمة ممتدة الأثـر.

يخطيء الوالدان حين يظنان أن فلذات أكبادهم لايستشعرون حقيقة ومن أي المصادر يتكسبون . وأنهم يستطيعون (يصمت) تقدير حجم وأرقام وعدد أصفار الأموال التي يكسبها آباؤهم من مصادر حلال ؛ وتلك التي يحصلون عليها من أبواب الحرام المتعددة من رشاوي وعمولات ، وأتاوات وجبايات ، وشراكات نائمة وحيازة أراضي .. إلخ. 


أبنــاء المغتربيــن:

ومن جانب آخر يظل أبناء المغتربين والمهاجرين هم الوجبة الثانية التي تلتهمها داعش والنصرة وغيرهم من تنظيمات وحركات تقاتل تحت شعارات إسلامية ...


تنشأ مشكلة هؤلاء الأبناء في ديار إغتراب ذويهم .... ثم وبعد أن يصلوا إلى المرحلة الجامعية ينتقلون للعيش بصفة شبه دائمة في السودان .... وهنا تبدأ المرحلة الثانية من الضياع والتشتت والإغتراب الداخلي.


وهؤلاء وإن لم يكونوا حبيسي معاناة نفسية من سرقات آبائهم وأمهاتهم . فإنهم يعانون الإعتراب الداخلي في كل متر مربع حيث أقاموا أو إرتحلوا ؛ كونهم نشأوا وترعرعوا وسط مجموعات ومجتمعات غريبة عنهم ... ودون إرتباط تعايشي مع مجتمعاتهم الأصلية بمثلها وقيمها في آن واحد.


إذن فإن مشكلة هؤلاء وعدم إحساسهم بالإنتماء لا يتوقف أو ينتهي بنهاية إقامتهم في ديار إغتراب ذويهم .... ذلك أنهم وبعد أن ينهوا المرحلة الثانوية العامة ينتقلون للعيش بصفة شبه دائمة في السودان والإلتحاق بالمرحلة الجامعية .... وهنا يتعرض هؤلاء إلى ما يمكن تسميته بـ "الإغتراب الثاني" جراء ظلم ذوي القربى الذي وصفه الشاعر بأنه أشد مرارة على النفس من وقع الحسام المهند.

يتعرض هؤلاء في السودان الذي يفترض فيه أنه حاضنهم .. يظل هؤلاء يتعرضون للكثير من المعاملة الجائرة لجهة التقليل "الإنطباعي" من شأن ودرجات شهاداتهم الأكاديمية التي حصلوا عليها أثناء دراستهم بالخارج .... ثم التوجه العام لدى إدارة الجامعات بإلحاقهم في صفوفها نظير رسوم دراسية باهظة ....

وبعد ذلك يأتي دور المجتمع في الإساءة إليهم ، وانتقاد تصرفاتهم وعدم تفهمها. وإعتبارها من نوع الدلع والبلاهة وخارجة عن السياق المحلي العام .. ويذهبون للسخرية منهم بأسئلة أقل ما يقال عنها أنها لا تصدر إلاّ عن منحى متخلف في التفكير والقياس والهمجية.

يفاجئهم البعض هناك بأسئلة من قبيل "بتعرف العتود؟" .. "شفت السمبرية؟" .. "بتعرف السلّوكة؟" ، "العنبلوك كلمك؟" .... أو كأن معرفة العتود والسمبرية و"لبلبة" العنبلوك و "السلوكة" هي التي سترفع السودان إلى مصاف الدول الصناعية العظمى أو الزراعية الكبرى..


لأجل ذلك نرى جامعة خاصة جداً مثل جامعة مامون حميدة تصبح حاضنة لتفريخ أولاد المصارين الفاسدة من جهة ، وأولاد المغتربين من جهة ، وأولاد الأثرياء من جهة أخرى ، والطيران بهم إلى داعش والنصرة بكل بساطة.


أولاد العامة والغبش:

2)  خرج جانب من أبناء العامة الغبش إلى داعش جهلاً بالدين ؛ وكفراً بمجتمع ظلمهم كثيرا حين صمَت ورضِيَ وسمَح بأن تتحول موارد وثروات البلاد إلى ما بين سارق ومسروق ... حرام على بلابلة الدوح حلال على الطير من كل جنسِ.


لم تترك ظاهرة الفساد وسرقة المال جانباً من جوانب وقطاعات وطبقات المجتمع إلا وضربته في مقتل . فكان أن ساد الإحساس بالغبن والظلم العظيم لدى القاعدة العريضة .. ونتج عن ذلك حالة فريدة من السلبية واللامبالاة جاءت أبلغ مظاهرها عند مقاطعة الشعب للإنتخابات الأخيرة ..


سرقة المال العام صحبها أيضاً إصرار رسمي غريب على إنكارها ، ومطاردة كل من يتناول الظاهرة بالكتابة أو الحديث ومصادرة الصحف .. وهو ما نرى أنها سياسة قمعية فاشلة سلفاً ، وموقف حكومي رسمي لا مبرر له . لا بل وجعلت وأعطت الإنطباع بأن هذا  الفساد المستشري قد أصبح بذلك وكأنه سياسة دولة  ... و يلتصق بالسلطة الحاكمة إلتصاق الجلد بالجسد ، وأنه تجري ممارسته تحت حمايتها.  


كان من أهم سلبيات الفساد وسرقة المال العام أن تردت الخدمات العامة التي تنفق عليها الدولة وإنعدم معظمها . وفشلت العديد من المشاريع الزراعية .. وأغلقت المصانع القائمة المنتجة أبوابها .. وهذه جميعها كانت في أوج إزدهارها تسهم إسهاماً رئيسياً في خلق فرص التوظيف ، والتقليل من معدلات البطالة..... وكانت الخدمات الأساسية المجانية التي تقدمها الدولة من علاج وتعليم تسهم هي الأخرى في الحفاظ على درجات معقولة من مستوى معيشة الفرد.


والبطالة لها أكثر من جانب سلبي لا يتوقف عند الجانب الإقتصادي وحده بقدر ما يأخذ إمتداداً إحتماعياً يؤثر نفسياً على العاطل عن العمل .. ويجعل منه هو الآخر فريسة سهلة لأوهام أن قيم العدالة والحق والخير والشجاعة والإقدام تتفجر عنفوانا على يد الدواعش والنصرة . 


ثم وبوجه عام فإن الكارثة لم تبدأ بعد .. وإنما الذي نشاهده ونلمسه اليوم هو مجرد النذر بفداحة ماهو آت في المستقبل القريب حين تعود فلول هؤلاء إلى السودان مرة أخرى فيسهمون في تشكيل نواة داعش السودان . والتي لن يقتصر نشاطها على السودان وحده بقدر ما أنها ستصبح نواة لنشاط يشمل كافة الدول المحيطة بنا ..

ولاحقاً ؛ ربما لن تتوانى دول مجاورة قوية مثل مصر وأثيوبيا في التدخل العسكري لحماية أمنها الحيوي ومصالحها. وقضم المزيد من الأراضي المجتمعات السودانية شمالاً وشرقا في طريقهاً.


ستهتز هيبة وسلطة الدولة في الشمال .. وستنشطر دارفور ، والنيل الأزرق ، وجنوب كردفان ، والبحر الأحمر إلى كيانات سياسية وعسكرية مستقلة ..... وهكذا يمضي المشروع الصهيوأمريكي على خطى ثابتة من نجاح إلى نجاح في تنفيذ خطة تكريس الشرق الأوسط الجديد.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات