تقديــــــــــــــــــم:-1
عرفت الهجرة من الجنوب إلى الشمال في العشر سنوات الأخيرة ارتفاعاً مهولاً أدى بأغلب دول الشمال المتحضر إلى إغلاق الأبواب أمام جحافل المهاجرين, والذين يزداد عددهم بأضعاف مضاعفة, هذا وتختلف الهجرة وتتنوع طرقها بين القانونية والغير الشرعية, فالحروب, والحروب الأهلية, والتمردات العسكرية, وانعدام الأمن, والتذبذب السياسي, والصراعات القبلية, والجوع, والأمراض والأوبئة, والكوارث الطبيعية, هي من بين الأسباب الرئيسية, لكن تنضاف إليها أسباب أقل خطورة تؤدي إلى الهجرة كذلك, مثل البطالة والفقر والحاجة...
يخوض الكثير من الشباب المغربي كل يوم تجربة الهجرة إلى الشمال, في كل مكان, وبكل الطرق, وهذه الحالة هي حالة هجرة من "المغرب" إلى "اليونان" عبر "تركيا" براً في الحدود "التركية" "اليونانية" في أقصى الشمال الغربي "لتركيا".
"محمد" شاب في الرابعة والعشرين من العمر, سيحكي لنا قصته مع "الهجرة
" الحياة مُرة ويزيد مرارتها فراق أهلي, ووجودي في وطن غير وطني, ليس فيه من يُنصت إلي أو من يقبل شكواي, أو من يمسح دموعي كلما تحرك في أعماقي الشوق والحنين.."
الحيــــــــــاة:- 2
"كنت دائماً وإلى وقت قريب, ضد الهجرة, كنت أؤمن بأن أي شاب مهما كانت إمكانياته منعدمة كانت أو قليلة, يمكن أن يدرس وَيُكَون نفسه ويصنع مستقبله, ويمكن أن يجد فرصاً كثيرة في بلده أكثر من أي مكان آخر, لكن, وفيما بعد أدركت أنني على شفا الضياع والهزيمة...
حصلت على "دبلوم" وأخذت أتجول في المدن باحثاً عن شغل وأنا صاحب التجربة المتواضعة, لأنقذ به نفسي من شبح البطالة, لكن دون جدوى, وبعد مدة طويلة من البحث المضني, حصلت على عمل, والحقيقة أنني كنت سعيداً لإيجادي لعمل في "مراكش", رغم بُعد المسافة عن الأهل والبيت والعائلة.
أقضي اليوم كله وأنا أحضر أكلات خفيفة للمغاربة والسياح في إحدى أحياء "مراكش السياحية. وكنت أعمل لساعات طويلة, بحيث لا أجد لنفسي الوقت حتى للراحة والنوم, أمضي أكثر من أربعة عشر ساعة في العمل يومياً, ونادراً ما أستفيد من يوم راحة, حياتي أصبحت لا شيء, لقد رأيت كل شيء تقريباً, رأيت الحزن, والغضب, رأيت "الحكرة", رأيت "الإستغلال", وليس هناك من يأخذ بيدك ويرشدك أو حتى يقول عنك كلاماً طيباً, رأيت أنواعاً كثيرة من البشر, الجميع هنا يسعى للمصلحة الشخصية فقط, رأيت كل شيء تقريباً إلا نفسي, لم أتجرأ أبداً أن أنظر إليها في المرآة لأرى كيف كنت وكيف أنا وكيف سأكون؟.
فكرت ملياً وكان الخيار والإختيار والقرار هو الخروج إلى بلد بعيد, في الوهلة الأولى فكرت في "ليبيا" على أمل الهجرة إلى إيطاليا, لكن سرعان ما غيرت رأيي وتجاوزت هذه الفكرة, وبعدما تحدثت مطولاً مع أحد الأصدقاء في "اليونان" قررت أن أهاجر إلى هذا الوطن الذي لا أعرف عنه شيئاً غير الإسم, ورغم أني كنت على معرفة مسبقة أنني سأغامر بحياتي التي هي أغلى ما أملك.
قدمت إلى رئيسي في العمل استقالتي, فرفضها جملة وتفصيلاً, وعزا الأمر إلى حاجتهم إلى خدماتي, لكني كنت أكثر حاجة إلى الرحيل, وبعد أيام, غادرت العمل بدون أي سبب ودون أن أحظى بتعويض على المدة التي قضيتها معهم, كنت أريد الرحيل فقط, لا غير...
ودٌعْتُ صديقي "أحمد" أو بالأحرى أخي الذي لم تلده أمي, وذهبت إلى بيت والدي في الجنوب.
ليس لدي جواز سفر, والواقع أني أمقت أن أملك واحداً, ولا أؤمن بشيء اسمه "الهجرة" ولا أحب أن أرى نفسي في وطن غير وطني "المغرب", إني لا أحقد على هذا الوطن, بل بالعكس أنا أحبه كثيراً ومستعد للتضحية بالغالي والنفيس من أجله... أمضيت مدة طويلة وأنا أتفاوض مع "الحراك" ليساعدني على المرور إلى اليونان, أتفاوض معه على السعر أو الثمن المناسب لذلك, كي لا يكون فوق استطاعتي وميزانيتي الهزيلة, أخذت جواز سفري بعد أسبوعين أو ثلاثة من مقامي ببيت والداي, وحددت اليوم المناسب لسفري إلى "الدار البيضاء", كانت الأيام الأخيرة أسرع أيام في حياتي, حيث تمضي بسرعة, ولا تترك لي المجال من أجل أن أقضي كل أغراضي, فأمضيت أغلبها مع والداي اللذان صارحتهما بفكرتي وخطوتي المستقبلية, حتى وإنهما لها لمن الرافضين, لكنني راشد بما فيه الكفاية لأعرف كيف أقنع نفسي بالإستمرار في ما أقدمت عليه, وبدأت فيه.
الرحيـــــــــــــــــل:-3
ودعتُ والداي, وأنا لا أدري إن كنت سأقابلهم مرة أخرى, ودعتُ أعز أصدقائي الذين أتوا إلي لتوديعي وللتخفيف عني في آخر اللحظات التي قضيتها معهم, لقد حاولوا فعلاً التخفيف عني لكنهم لم يستطيعوا ذلك, عانقتهم الواحد تلو الآخر, وكل واحد منهم حاول أن ينزع مني ابتسامة أو ضحكة, لكن يبقى المجهول هو من يحكم أفكاري في تلك اللحظات, فكانت ابتساماتي كلها بعيدة عنهم وبعيدة عن شعوري تلك اللحظة.
كنت آخر شخص يصعد الحافلة, وطول الطريق وأنا أفكر, أشعر, أتصور, وعيناي ترفضان أن تستسلما لطول الطريق ولا للتعب, دخلت إلى محطة القطار في "مراكش", التقيت بالصدفة مع صديقين, سبق لهما الإشتغال معي, وهما الآن يشتغلان في إحدى مقاهي محطة القطار هناك, لم نتحدث كثيراً فودعاني ورجعا إلى العمل, كانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحاً, وانتظرت لأقل من ساعة قطاري الذي سيأخذني لمطار "محمد الخامس" والأفكار السيئة والسيناريوهات المزعجة لا تفارق ذهني, حاولت أن أنسى وأنام لكنني فشلت, دخلت المطار في الساعة التاسعة صباحاً, وطائرتي ستقلني في الساعة الخامسة مساءً, كان علي أن أمضي الساعات الأخرى منتظراً في المطار, ولكم أن تتصوروا كم أكره الإنتظار, فلا النوم أتاني,ولا ذهني أراحني, ولا صورة أمي أُزِيلَتْ من عيناي, رأيت بعض المسافرين وأهلهم وعائلاتهم يستقبلونهم بالعناق والقبل, وكنت مؤمناً أنه سيأتي يوم إن شاء الله, سيكون لي ذلك, وسيفعلون هذا يوماً.
هاتفي الخلوي لا يتوقف عن الرنين, والداي, أصدقائي, الشخص الذي سيساعدني على الهجرة, الكل يسأل عني, فوالداي يريدان أن يتأكدا أنني بخير, وأصدقائي يسألون عني وعن مكاني, و"الحراك" ليتأكد أنني قادم إليه في "تركيا", قال أنه سيكون لي صحبة, شاب وفتاة, في نفس الوقت ونفس الطائرة ونفس الرحلة, ومع أني كنت أول الواصلين إلى المطار, وَجَبَ علَي أن أعرف مكان كل واحد منهم وأن نكون مجتمعين.
الساعة تشير إلى الثانية عشرة, لا جديد حتى اللحظة, كلما هناك أن معدتي بدأت بالصراخ, كانت والدتي "أطال الله في عمرها" قد جهزت لي بعض الأكل, التهمته التهاماً, ولم أترك منه شيئاً, اتصلت بالشاب الذي سيكون برفقتي, فوجدته قريباً من المطار, وسيكون معي في عدة دقائق, بالنسبة للفتاة لم أكن أعرف رقمها, وهي من ستتصل بي, لكنها لم تفعل, كانت الخطة مُعَدّةَ بشكل جيد من طرف الشخص الذي سيساعدني على الهجرة, بعد دقائق معدودة, ها هو ذا رفيق الرحلة قد وصل, اتفقنا على الإلتقاء قرب تمثال في الطابق العلوي للمطار, تعرفنا على بعضنا البعض, واستغلينا وقت انتظار الفتاة التي سترافقنا "لتركيا" في الكلام, وشرح دوافع الهجرة بهذه الطريقة.
ركبنا الطائرة, وصار كل شيء وفق ما خططنا له وخطط له "الحراك", وكنا متأكدين أن الفتاة التي كانت ستلتقي بنا في المطار, على متن الطائرة, لكننا لم نجدها, ربما لا تريد أن تتواصل معنا في المطار أو في "المغرب".
يــــ تـــ بــــــــــــ ع ...
عبــــد الله بولحيارا
الولايات المتحدة الأمريكية
deelyara@gmail.com
التعليقات (0)