المهاجرون الغير شرعيون ، أو[الحرّاقة] كما يحلوا للكثيرين تسميتهم ، هم نموذج للرغبة الملحة لدى الإنسان ، للسعي في حياته نحو الأفضل ، والبحث عن مستوى معيشي أحسن ، رغم أن الرغبة وحدها لاتكفي لتغيير مصير هذا الإنسان ..لأن المصير في حد ذاته (إشكالية جدلية) لاتتمخض عنها نتيجة حتمية وملزمة ، سوى ماتعلق منها بحقيقة (الموت) ، على اعتبار أنه (المصير المحتوم) الوحيد المتفق عليه ، إلا أنه يبقى - أي المصير ـ المنحنى الذي تسير وفقه (حَيَوَات) البشر جميعا ، والجدول الزمني الذي يمتلأ بيومياتهم ، والمتماشية كذلك وحظوظهم من (الحياة الدنيا) ..
فالهجرة الغير شرعية - ومع كل ما تراكم في تاريخها من أحداث تراجيدية ، وكل مارُوي ، وما لايزال يُروى عنها من حكايات مأساوية - تظل لوحة حياتية ، ورحلة لا مناص منها ، لأشخاص يقومون بها وهم على ثقة بأنهم هاربون من جحيم أوطانهم بالجنوب ، ومن إقتصادياتها المتهالكة ، وواقعهم المر ، وأوضاعهم المزرية ، وفقرهم المدقع ، إلى نعيم الشمال الذي يعتبرونه جنة الحياة الدنيا .. و لسان الحال يقول إنهم ما يقومون بها إلا لأنها (قدرهم) ، وأنهم هاربون [من] و[إلى] مصيرهم .. لأن الإنسان ماكان له أن يأخذ أكثر من نصيبه ، وماكان له أن يختار المكان الذي تقبض فيه روحه ، أو الطريقة التي يموت بها ، أو الأرض التي يدفن فيها جسده ، وكل ذلك مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى : (( ..وَلاَتدْرِي نفسٌ بأيّ أرضٍ تمُوتْ ..))..
إحتمالات نهاية الرحلة كثيرة ، ومصائر المهاجرين الغير شرعيين أيضا تتعدد وتختلف ، إذ أن منهم من ينجو ويعبر الحدود بتذكرته المجانية - التي رهن روحه ليحصل عليها - وهنا أيضا طرق العيش كثيرة ، ومصائر الناس أيضا تختلف .. ومنهم من تزهق روحه في عرض البحر ليكون بذلك قد وافى أجله في النقطة المحددة لذلك ، ومنهم من يُرحّل إلى وطنه عائدا من رحلته المكوكية مابين الحياة والموت ؟!..
بعد كل هذا ينبغي أن نغير نظرتنا إلى أولئك الذين يتملكهم الهوس للتحليق بآمالهم إلى أوطان أخرى ، وأولئك المجازفون بأرواحهم لعبور البحار والمحيطات وتلاطمات أمواجها ، فقط لملامسة رمال شطآن يعتبرونها أغلى أمانيهم .. وينبغي أن ننصف إراداتهم في مواجهة مصائرهم مهما كانت .. والأهم من كل ذلك ينبغي أن نغير مسمى الهجرة الغير شرعية إلى مسمى الهجرة الشرعية .
ـــــــــــــــــــــ
التعليقات (0)