مجلة بوتقة تترجم قصتها »الحافلة الليلية«
النيجيرية أوديتشوكوو: تعلمت حرفة الكتابة من السوداني الطيب صالح
هالة صلاح الدين حسين
منخت الكاتبة النيجيرية أدا أوديتشوكوو مجلة البوتقة الحق في ترجمة قصتها الحافلة الليلية ونشرها في عددها القادم (أكتوبر). وأدا أوبي أوديتشوكوو شاعرة ورسامة نيجيرية وُلدت في مدينة إينوجو النيجيرية عام 1960 لأب ينتمي إلى قبيلة الإيبو النيجيرية وأم أمريكية بيضاء. بدأت تكتب الشعر في الرابعة عشرة، وعلَّمت نفسها الفنون البصرية. نالت أوديتشوكوو ليسانس الآداب في الأدب الإنجليزي والأفريقي من جامعة نيجيريا في بلدة نسوكا عام 1981 وحصلت على ماجستير الفنون الجميلة في الكتابة الإبداعية من كلية بينينجتِن بولاية فيرمونت الأمريكية عام .2005
عندما التحقت أوديتشوكوو بجامعة نيجيريا كان العديد من المحاضرين البارزين يعيدون اكتشاف الشكل الفني التقليدي لقبيلة الإيبو المسمى باليولي. اليولي في التراث النيجيري هو منهج تجريدي شحيح الخطوط مارسته النساء في الأغلب ليرسمن على الحيطان والأجساد منذ ألف سنة، ويشدد اليولي على إيجاز الرسالة الفنية. بعد عدة سنوات من حصولها على ليسانس الآداب، طفقت ترسم التصاميم على الفساتين والقمصان والسراويل والأوشحة والملبوسات الأخرى مستعينة برموز اليولي. تميز فنها بضربات جريئة موجزة على الأقمشة العريضة، خطوط تنقلب نسوة راقصات ووجوهاً تشي بالانفعال وعائلات يلتئم شملها.
جعلت أوديتشوكوو عام 1988 ترسم بالحبر والألوان المائية على الورق لإخراج عدد صغير من الأعمال الأنيقة ذات خطوط تجمع بين الجمال والبساطة، إذ استعانت بجماليات أسلوب اليولي فيما يخص المساحة والخط. وبينما تتصف تصاميمها على القماش بالبهجة والإيجابية، تعكس رسومات الورق حالاتها المزاجية الشخصية ومحاولاتها المضنية للموازنة بين دوريّ الزوجة والأم لولدين من جهة وارتباطاتها المهنية كفنانة وشاعرة من جهة أخرى. كما تُبرز تلك الرسومات وعياً عميقاً بإرثها متعدد الثقافات، وعياً بولائها لنيجيريا وثقافة الإيبو وإحساسها بهويتها الأمريكية.
قالت ذات مرة هذا الإنصات إلى الذات هو بالنسبة لي جوهر فني. فهو يثيره ويعززه، سواء كان أدبياً أو بصرياً. أوديتشوكوو واحدة من الفنانات القليلات المنتميات إلى جماعة نسوكا الفنية التابعة لجامعة نيجيريا في بلدة نسوكا. تَعتبر أوديتشوكوو نفسها رسامة أولاً وكاتبة ثانياً. نشرت أوديتشوكوو كتاباً يحوي مجموعة من القصائد والرسومات يحمل عنوان امرأة، أنا عام .1993 وصف الناقد تي. ندوكا المجموعة بأنها ترحال لا نهاية له. يتسم صوت أوديتشوكوو بالهدوء والوقار، ينقب، يسعى لكنه ذو دوي... يحفل الهواء بأسئلة بلا أجوبة بيد أن معرفة تسود بأن الخير لا يزال في الطريق. إنه شعر التناقضات، معتزِل يمد يده إلى الآخرين، يمسنا ومع ذلك نجده مكبوحاً كبحاً.
في ذروة الحكم العسكري الديكتاتوري في نيجيريا عام ,1997 قَبَل زوج أوديتشوكوو أوبيورا أوديتشوكوو وظيفة في جامعة سانت لورانس شمال ولاية نيويورك، فانتقل الاثنان ومعهما ابنتهما إيجينولي وابنهما نوورا من نيجيريا إلى أمريكا، ولا يزالون يقيمون هناك حتى الآن. وتقول أوديتشوكوو عن الحكم العسكري، لا أحد منيع... بمقدوره أن يطول أي فرد لكني لا أظنه حال دون أن يُعبر الفنانون والكُتاب عن أنفسهم.
فن يتأمل الصمت وقصص تصم الآذان
كثيراً ما نشرت أوديتشوكوو الشعر ليصاحب لوحاتها إلا أنها تأخرت نوعاً ما في كتابة القصة. إذ بدأت تكتبها عندما التحقت عام 2003 ببرنامج ماجستير الفنون الجميلة بكلية بينينجتِن الأمريكية وتخصصت في الكتابة والأدب. تدين لأعمال الشاعرة جين كينيِن بالفضل في اكتشاف قلمها القادر على كتابة القصة القصيرة. وعلى العكس من أعمالها الفنية التي تُدمج قطعاً من الإرث النيجيري العتيق، تصطبغ قصصها بصبغة معاصرة تماماً. إذ تصور كفاح النيجيريين في العصر الحالي وتسلط الضوء على موضوعيّ الاغتراب والخيانة. ولو أن فنها يتأمل المساحات وحالات الصمت، فقصصها تُرسل ضجيجاً يصم الآذان ويَحجب أصوات العلاقات الإنسانية ويقوض أركان أمم بأكملها. تدور أغلب قصصها في نيجيريا، كما تتناول تجربة هجرة النيجيريين إلى أمريكا. وعلى الرغم من اعترافها بأن الحياة في أمريكا ساهمت بشكل كبير في تطوير مسيرتها الفنية، تنوي العودة للإقامة في نيجيريا في المستقبل.
أصدرت أوديتشوكوو قصة الحافلة الليلية في صيف 2006 بمجلة ذا أتلانتيك مانثلي. رشحت القصة لجائزة كين للكُتاب الأفارقة عام .2007 عدها كتاب المختارات القصصية أفضل القصص القصيرة الأمريكية 2007 واحدة من أفضل مائة قصة ظهرت في المجلات الأمريكية والكندية عام .2006 قد ينتاب المطلعين على فن أوديتشوكوو البصري قدر من الصدمة عند قراءة هذه القصة. إذ تخلو الحكاية من أقواس رقيقة وحالات صمت مدوية. فمع السطور الأولى يرتطم القارئ بجو قاس ثقيل الوطأة بل وباعث على الاختناق في بعض الأحيان. يتتبع السرد شابة نيجيرية تدعى أولوما في طريقها من جنوب شرق نيجيريا إلى مدينة لاجوس. وفي خلال رحلتها، يحيق بها رجال يرغبون في السخرية منها وسرقتها وانتهاكها. تكابد أولوما كل هذا من أجل حبيبها موناي الذي أقنعها بالانضمام إليه في رحلة عمل. تقضي أولوما النصف الأول من القصة قلقة في انتظار مجيئه، وعندما يَحضر أخيراً، سوف تُقَدم الوقائع التالية لأولوما -- وكذا للقراء -- سبباً جوهرياً للشك ليس فقط في موناي بل في إنسانية البشر.
إنها قصة سوداء غاية في السواد، بطلتها في حالة من القلق الشديد منذ البداية وحتى النهاية، كل مَن حولها إما لا مبال وإما مهدِّد بالخطر. حين سألت الصحفية جيني روثينبرج جريتس إن كانت القصة تعليقاً على حالة نيجيريا المعاصرة، أجابت أوديتشوكوو بمعنى ما، أجل. ففي السنوات العديدة الماضية -- منذ بدأ الحكام العسكريون يهيمنون على البلد -- ساء مناخ الشك المحيط بالنيجيري العادي وما يجابهه في حياته اليومية سوءاً مستفحلاً.
فرغم أن القصة لا تعالج الاضطرابات السياسية في نيجيريا معالجة مباشرة، تنفض أحداثها في جو من الفوضى والخوف لتعكس شيئاً من تجربة المؤلفة في طفولتها.
عندما اندلعت الحرب الأهلية النيجيرية في منطقة شرق نيجيريا عام 1967 وسط أنهار من الدماء وتم إعلان جمهورية بيافرا، لجأت أوديتشوكوو وإخوتها وأمها إلى ولاية ميشيجان الأمريكية على حين بقى أبوها في نيجيريا.
كانت هناك جالية صغيرة من بيافرا في أمريكا، وأتذكر أن أمي اعتادت إرسالنا لجمع التبرعات من أجل بيافرا، تصرح أوديتشوكوو. وفي سياق آخر تقول إن قصصها تهتم اهتماماً خاصاً بما لا يسمعه المرء دوماً عن جوانب الحرب وضحاياها: ما هو تأثير الحرب على العائلات؟ ماذا تفعله الحرب حقاً بالفرد العادي، بالإنسان؟ مكثت أسرتها في أمريكا حتى عام ,1971 أي بعد سنة من انهيار جمهورية بيافرا.
اكتسبت أوديتشوكوو بعد عودتها إلى وطنها اهتماماً متنامياً بثقافة قبيلة والدها ومعالمها الجمالية، قبيلة الإيبو النيجيرية.
وعند سؤال أوديتشوكوو عن الصلة بين استخدامها للغة في قصة الحافلة الليلية وسبرها لفن اليولي، ذلك الفن المجرَّد المعتمد على الأشكال والرموز مقتصدة الخطوط، ردت قائلة، قد يتضح تأثير فن اليولي بقوة في الطريقة التي اخترت بها إنهاء القصة. فقد خلقتُ صورة بدون أن أشرح بالضرورة مـــاذا يحـــدث ومـــاذا سيحدث.
وحين سألتها الصحافية مارجريت هِب إن كانت تود لقاء أي فنان إفريقي: كاتب أو رسام أو نحات أو موسيقي أو شاعر أو مغنٍ أو مصمم؟ فمن هو؟ ولماذا؟ أجابت القائمة طويلة... لكن ها هو واحد منهم... طالعتُ منذ سنوات عديدة خلال أعوام الجامعة قصة الكاتب السوداني الطيب صالح حفنة تمر. اكتشفتُ قصة صالح مجدداً منذ ثلاث سنوات، وقرأتُها على نحو دوري لأتلقى دروساً في حرفة الكتابة. لكن على الرغم من اعتيادي عليها، وسعني دوماً أن أفطن إلى شيء جديد. متى أمسك قصته، لا يتخلف في نفسي إلا استدعاء مقتضَب لا يمكن نسيانه لطبيعة إنسانية يأسرها صالح في قصة من أربع صفحات.
❊ محررة مجلة البوتقة
نقلا عن صحيفة الوطن البحرينية
التعليقات (0)