مواضيع اليوم

النيجيرية أوديتشوكوو‮: ‬تعلمت حرفة الكتابة من السوداني‮ ‬الطيب صالح

ابراهيم أرقي

2009-09-19 09:23:17

0

مجلة بوتقة تترجم قصتها‮ »‬الحافلة الليلية‮«‬
النيجيرية أوديتشوكوو‮: ‬تعلمت حرفة الكتابة من السوداني‮ ‬الطيب صالح
‬هالة صلاح الدين حسين
منخت الكاتبة النيجيرية أدا أوديتشوكوو مجلة البوتقة الحق في‮ ‬ترجمة قصتها‮ ‬الحافلة الليلية‮ ‬ونشرها في‮ ‬عددها القادم‮ (‬أكتوبر‮). ‬وأدا أوبي‮ ‬أوديتشوكوو شاعرة ورسامة نيجيرية وُلدت في‮ ‬مدينة إينوجو النيجيرية عام‮ ‬1960‮ ‬لأب‮ ‬ينتمي‮ ‬إلى قبيلة الإيبو النيجيرية وأم أمريكية بيضاء‮. ‬بدأت تكتب الشعر في‮ ‬الرابعة عشرة،‮ ‬وعلَّمت نفسها الفنون البصرية‮. ‬نالت أوديتشوكوو ليسانس الآداب في‮ ‬الأدب الإنجليزي‮ ‬والأفريقي‮ ‬من جامعة نيجيريا في‮ ‬بلدة نسوكا عام‮ ‬1981‮ ‬وحصلت على ماجستير الفنون الجميلة في‮ ‬الكتابة الإبداعية من كلية بينينجتِن بولاية فيرمونت الأمريكية عام‮ ‬‭.‬2005

عندما التحقت أوديتشوكوو بجامعة نيجيريا كان العديد من المحاضرين البارزين‮ ‬يعيدون اكتشاف الشكل الفني‮ ‬التقليدي‮ ‬لقبيلة الإيبو المسمى باليولي‮. ‬اليولي‮ ‬في‮ ‬التراث النيجيري‮ ‬هو منهج تجريدي‮ ‬شحيح الخطوط مارسته النساء في‮ ‬الأغلب ليرسمن على الحيطان والأجساد منذ ألف سنة،‮ ‬ويشدد اليولي‮ ‬على إيجاز الرسالة الفنية‮. ‬بعد عدة سنوات من حصولها على ليسانس الآداب،‮ ‬طفقت ترسم التصاميم على الفساتين والقمصان والسراويل والأوشحة والملبوسات الأخرى مستعينة برموز اليولي‮. ‬تميز فنها بضربات جريئة موجزة على الأقمشة العريضة،‮ ‬خطوط تنقلب نسوة راقصات ووجوهاً‮ ‬تشي‮ ‬بالانفعال وعائلات‮ ‬يلتئم شملها‮.‬
جعلت أوديتشوكوو عام‮ ‬1988‮ ‬ترسم بالحبر والألوان المائية على الورق لإخراج عدد صغير من الأعمال الأنيقة ذات خطوط تجمع بين الجمال والبساطة،‮ ‬إذ استعانت بجماليات أسلوب اليولي‮ ‬فيما‮ ‬يخص المساحة والخط‮. ‬وبينما تتصف تصاميمها على القماش بالبهجة والإيجابية،‮ ‬تعكس رسومات الورق حالاتها المزاجية الشخصية ومحاولاتها المضنية للموازنة بين دوريّ‮ ‬الزوجة والأم لولدين من جهة وارتباطاتها المهنية كفنانة وشاعرة من جهة أخرى‮. ‬كما تُبرز تلك الرسومات وعياً‮ ‬عميقاً‮ ‬بإرثها متعدد الثقافات،‮ ‬وعياً‮ ‬بولائها لنيجيريا وثقافة الإيبو وإحساسها بهويتها الأمريكية‮. ‬
قالت ذات مرة‮ ‬هذا الإنصات إلى الذات هو بالنسبة لي‮ ‬جوهر فني‮. ‬فهو‮ ‬يثيره ويعززه،‮ ‬سواء كان أدبياً‮ ‬أو بصرياً‮. ‬أوديتشوكوو واحدة من الفنانات القليلات المنتميات إلى جماعة نسوكا الفنية التابعة لجامعة نيجيريا في‮ ‬بلدة نسوكا‮. ‬تَعتبر أوديتشوكوو نفسها رسامة أولاً‮ ‬وكاتبة ثانياً‮. ‬نشرت أوديتشوكوو كتاباً‮ ‬يحوي‮ ‬مجموعة من القصائد والرسومات‮ ‬يحمل عنوان امرأة،‮ ‬أنا عام‮ ‬‭.‬1993‮ ‬وصف الناقد تي‮. ‬ندوكا المجموعة بأنها‮ ‬ترحال لا نهاية له‮. ‬يتسم صوت أوديتشوكوو بالهدوء والوقار،‮ ‬ينقب،‮ ‬يسعى لكنه ذو دوي‮... ‬يحفل الهواء بأسئلة بلا أجوبة بيد أن معرفة تسود بأن الخير لا‮ ‬يزال في‮ ‬الطريق‮. ‬إنه شعر التناقضات،‮ ‬معتزِل‮ ‬يمد‮ ‬يده إلى الآخرين،‮ ‬يمسنا ومع ذلك نجده مكبوحاً‮ ‬كبحاً‮.‬
في‮ ‬ذروة الحكم العسكري‮ ‬الديكتاتوري‮ ‬في‮ ‬نيجيريا عام‮ ‬‭,‬1997‮ ‬قَبَل زوج أوديتشوكوو أوبيورا أوديتشوكوو وظيفة في‮ ‬جامعة سانت لورانس شمال ولاية نيويورك،‮ ‬فانتقل الاثنان ومعهما ابنتهما إيجينولي‮ ‬وابنهما نوورا من نيجيريا إلى أمريكا،‮ ‬ولا‮ ‬يزالون‮ ‬يقيمون هناك حتى الآن‮. ‬وتقول أوديتشوكوو عن الحكم العسكري،‮ ‬لا أحد منيع‮... ‬بمقدوره أن‮ ‬يطول أي‮ ‬فرد لكني‮ ‬لا أظنه حال دون أن‮ ‬يُعبر الفنانون والكُتاب عن أنفسهم‮.‬
‮ ‬فن‮ ‬يتأمل الصمت وقصص تصم الآذان
كثيراً‮ ‬ما نشرت أوديتشوكوو الشعر ليصاحب لوحاتها إلا أنها تأخرت نوعاً‮ ‬ما في‮ ‬كتابة القصة‮. ‬إذ بدأت تكتبها عندما التحقت عام‮ ‬2003‮ ‬ببرنامج ماجستير الفنون الجميلة بكلية بينينجتِن الأمريكية وتخصصت في‮ ‬الكتابة والأدب‮. ‬تدين لأعمال الشاعرة جين كينيِن بالفضل في‮ ‬اكتشاف قلمها القادر على كتابة القصة القصيرة‮. ‬وعلى العكس من أعمالها الفنية التي‮ ‬تُدمج قطعاً‮ ‬من الإرث النيجيري‮ ‬العتيق،‮ ‬تصطبغ‮ ‬قصصها بصبغة معاصرة تماماً‮. ‬إذ تصور كفاح النيجيريين في‮ ‬العصر الحالي‮ ‬وتسلط الضوء على موضوعيّ‮ ‬الاغتراب والخيانة‮. ‬ولو أن فنها‮ ‬يتأمل المساحات وحالات الصمت،‮ ‬فقصصها تُرسل ضجيجاً‮ ‬يصم الآذان ويَحجب أصوات العلاقات الإنسانية ويقوض أركان أمم بأكملها‮. ‬تدور أغلب قصصها في‮ ‬نيجيريا،‮ ‬كما تتناول تجربة هجرة النيجيريين إلى أمريكا‮. ‬وعلى الرغم من اعترافها بأن الحياة في‮ ‬أمريكا ساهمت بشكل كبير في‮ ‬تطوير مسيرتها الفنية،‮ ‬تنوي‮ ‬العودة للإقامة في‮ ‬نيجيريا في‮ ‬المستقبل‮.‬
أصدرت أوديتشوكوو قصة‮ ‬الحافلة الليلية‮ ‬في‮ ‬صيف‮ ‬2006‮ ‬بمجلة ذا أتلانتيك مانثلي‮. ‬رشحت القصة لجائزة كين للكُتاب الأفارقة عام‮ ‬‭.‬2007‮ ‬عدها كتاب المختارات القصصية أفضل القصص القصيرة الأمريكية‮ ‬2007‮ ‬واحدة من أفضل مائة قصة ظهرت في‮ ‬المجلات الأمريكية والكندية عام‮ ‬‭.‬2006‮ ‬قد‮ ‬ينتاب المطلعين على فن أوديتشوكوو البصري‮ ‬قدر من الصدمة عند قراءة هذه القصة‮. ‬إذ تخلو الحكاية من أقواس رقيقة وحالات صمت مدوية‮. ‬فمع السطور الأولى‮ ‬يرتطم القارئ بجو قاس ثقيل الوطأة بل وباعث على الاختناق في‮ ‬بعض الأحيان‮. ‬يتتبع السرد شابة نيجيرية تدعى أولوما في‮ ‬طريقها من جنوب شرق نيجيريا إلى مدينة لاجوس‮. ‬وفي‮ ‬خلال رحلتها،‮ ‬يحيق بها رجال‮ ‬يرغبون في‮ ‬السخرية منها وسرقتها وانتهاكها‮. ‬تكابد أولوما كل هذا من أجل حبيبها موناي‮ ‬الذي‮ ‬أقنعها بالانضمام إليه في‮ ‬رحلة عمل‮. ‬تقضي‮ ‬أولوما النصف الأول من القصة قلقة في‮ ‬انتظار مجيئه،‮ ‬وعندما‮ ‬يَحضر أخيراً،‮ ‬سوف تُقَدم الوقائع التالية لأولوما‮ -- ‬وكذا للقراء‮ -- ‬سبباً‮ ‬جوهرياً‮ ‬للشك ليس فقط في‮ ‬موناي‮ ‬بل في‮ ‬إنسانية البشر‮.‬
إنها قصة سوداء‮ ‬غاية في‮ ‬السواد،‮ ‬بطلتها في‮ ‬حالة من القلق الشديد منذ البداية وحتى النهاية،‮ ‬كل مَن حولها إما لا مبال وإما مهدِّد بالخطر‮. ‬حين سألت الصحفية جيني‮ ‬روثينبرج جريتس إن كانت القصة تعليقاً‮ ‬على حالة نيجيريا المعاصرة،‮ ‬أجابت أوديتشوكوو‮ ‬بمعنى ما،‮ ‬أجل‮. ‬ففي‮ ‬السنوات العديدة الماضية‮ -- ‬منذ بدأ الحكام العسكريون‮ ‬يهيمنون على البلد‮ -- ‬ساء مناخ الشك المحيط بالنيجيري‮ ‬العادي‮ ‬وما‮ ‬يجابهه في‮ ‬حياته اليومية سوءاً‮ ‬مستفحلاً‮. ‬
فرغم أن القصة لا تعالج الاضطرابات السياسية في‮ ‬نيجيريا معالجة مباشرة،‮ ‬تنفض أحداثها في‮ ‬جو من الفوضى والخوف لتعكس شيئاً‮ ‬من تجربة المؤلفة في‮ ‬طفولتها‮. ‬
عندما اندلعت الحرب الأهلية النيجيرية في‮ ‬منطقة شرق نيجيريا عام‮ ‬1967‮ ‬وسط أنهار من الدماء وتم إعلان جمهورية بيافرا،‮ ‬لجأت أوديتشوكوو وإخوتها وأمها إلى ولاية ميشيجان الأمريكية على حين بقى أبوها في‮ ‬نيجيريا‮. ‬
‮‬كانت هناك جالية صغيرة من بيافرا في‮ ‬أمريكا،‮ ‬وأتذكر أن أمي‮ ‬اعتادت إرسالنا لجمع التبرعات من أجل بيافرا،‮ ‬تصرح أوديتشوكوو‮. ‬وفي‮ ‬سياق آخر تقول إن قصصها‮ ‬تهتم اهتماماً‮ ‬خاصاً‮ ‬بما لا‮ ‬يسمعه المرء دوماً‮ ‬عن جوانب الحرب وضحاياها‮: ‬ما هو تأثير الحرب على العائلات؟ ماذا تفعله الحرب حقاً‮ ‬بالفرد العادي،‮ ‬بالإنسان؟‮ ‬مكثت أسرتها في‮ ‬أمريكا حتى عام‮ ‬‭,‬1971‮ ‬أي‮ ‬بعد سنة من انهيار جمهورية بيافرا‮. ‬
اكتسبت أوديتشوكوو بعد عودتها إلى وطنها اهتماماً‮ ‬متنامياً‮ ‬بثقافة قبيلة والدها ومعالمها الجمالية،‮ ‬قبيلة الإيبو النيجيرية‮.‬
وعند سؤال أوديتشوكوو عن الصلة بين استخدامها للغة في‮ ‬قصة‮ ‬الحافلة الليلية‮ ‬وسبرها لفن اليولي،‮ ‬ذلك الفن المجرَّد المعتمد على الأشكال والرموز مقتصدة الخطوط،‮ ‬ردت قائلة،‮ ‬قد‮ ‬يتضح تأثير فن اليولي‮ ‬بقوة في‮ ‬الطريقة التي‮ ‬اخترت بها إنهاء القصة‮. ‬فقد خلقتُ‮ ‬صورة بدون أن أشرح بالضرورة مـــاذا‮ ‬يحـــدث ومـــاذا سيحدث‮.‬
وحين سألتها الصحافية مارجريت هِب إن كانت تود لقاء أي‮ ‬فنان إفريقي‮: ‬كاتب أو رسام أو نحات أو موسيقي‮ ‬أو شاعر أو مغنٍ‮ ‬أو مصمم؟ فمن هو؟ ولماذا؟ أجابت‮ ‬القائمة طويلة‮... ‬لكن ها هو واحد منهم‮... ‬طالعتُ‮ ‬منذ سنوات عديدة خلال أعوام الجامعة قصة الكاتب السوداني‮ ‬الطيب صالح‮ ‬حفنة تمر‮. ‬اكتشفتُ‮ ‬قصة صالح مجدداً‮ ‬منذ ثلاث سنوات،‮ ‬وقرأتُها على نحو دوري‮ ‬لأتلقى دروساً‮ ‬في‮ ‬حرفة الكتابة‮. ‬لكن على الرغم من اعتيادي‮ ‬عليها،‮ ‬وسعني‮ ‬دوماً‮ ‬أن أفطن إلى شيء جديد‮. ‬متى أمسك قصته،‮ ‬لا‮ ‬يتخلف في‮ ‬نفسي‮ ‬إلا استدعاء مقتضَب لا‮ ‬يمكن نسيانه لطبيعة إنسانية‮ ‬يأسرها صالح في‮ ‬قصة من أربع صفحات‮.‬
‮❊ ‬محررة مجلة البوتقة

نقلا عن صحيفة الوطن البحرينية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !