النيجر.. ..انقلاب أفريقي بنكهة اليورانيوم:
تأييد شعبي.. ..إدانة دولية.. ..ومطالبة بعودة الديموقراطية!
ممدوح الشيخ
فجأة أيقظت النيجر العالم على انقلاب عسكري، في بلد مترامٍ غني باليورانيوم والصراعات والرمال الممتدة إلى ما لا نهاية. والنيجر تبلغ مساحتها أكثر من مليون كيلو متر مربع وبحجم سكاني متواضع قياسا بالمساحة (حوالي 15 مليونا حسب إحصاءات 2008( يتحدثون عدة لغات بينها الفرنسية (اللغة الرسمية) والهاوسا والجارما. وتثير النيجر قلق الجوار الإقليمي والعالم لأسباب في مقدمتها أنها بلد فقير لا يزيد دخله عن 10 مليار دولار بمتوسط يقل عن 800 دولار للفرد سنويا.
ورغم أهميتها كمنجم كبير للعديد من الموارد الطبيعية الهامة فإنها تعد النيجر واحدة من أفقر دول العالم وأقلها نمواً على الإطلاق، ويعتمد اقتصادها بشكل شبه تام على تصدير منتجات زراعية بالإضافة إلى تصدير مواد خام أهمها اليورانيوم. كما النيجر امتثالا لحكم الجغرافيا تعاني كونها دولة حبيسة (لا سواحل لها) وجاء اسمها من النهر الوحيد بها، فهي صحراء قاحلة تغطي أكثر من 80 % من مساحة البلاد وتحيط بها نيجيريا وبنين وبوركينا فاسو ومالي والجزائر وليبيا وتشاد من جهة الشرق.
والنيجر التي استقلت عام 1960 وقعت في براثن الحزب الأوحد والحكم العسكري حتى عام 1991، لكن الانقلابات لم تنقطع فيها وبدأت بانقلاب ساني كونتشيه الذي توفي في 1987 وخلفه رئيس حكومته العقيد علي سايبو الذي دشن انفراجا سياسيا ومع نهاية عام 1990 اضطر لقبول التعددية تحت ضغط الشارع. وفي إبريل 1993 فاز حزب تحالف قوى التغيير (يساري) بأغلبية البرلمان وانتخب ماهامان عثمان (مسلم من الهوسا) رئيسا للجمهورية في أول انتخابات ديموقراطية.
وحتى مطلع 1995 تمتعت النيجر بتجربة ديموقراطية حتى بدأ نزاع بين الرئيس ورئيس وزرائه فقام العقيد إبراهيم باري مناصرة بانقلاب عسكري (1996) وبسبب فشله في اكتساب الشرعية امتنعت دول غربية عديدة عن تقديم معونات للبلد الفقير. وفي 1999 أعلن مقتل الرئيس إبراهيم باري خلال انقلاب جديد بقيادة الرائد داوودا مالام حكم من خلال مجلس عسكري، وفي انتخابات رئاسية فاز تحالف الحركة الوطنية للتنمية والائتلاف الديموقراطي الاشتراكي برئاسة البلاد بزعامة مامادو تانجي. الذي أطاح به انقلاب عسكري جديد تزعمه العقيد سالو جيبو!!!
ويعد اليورانيوم مفتاحا مهما من مفاتيح فهم الواقع السياسي في النيجر، وقد تم إنشاء أول الطرق السريعة الكبرى بالنيجر عام 1970 لنقل اليورانيوم من مدينة أرليت الشمالية إلى حدود بنين حيث يتم تصدير أغلب الصادرات عن طريق موانئ بنين وتوجو ونيجيريا. ورغم وجود صادرات زراعية فإن أهم مقومات النيجر الاقتصادية يظل امتلاكها واحدا من أكبر احتياطات العالم من اليورانيوم الذي يمثل حوالي 70 % من صادراتها، ولذا فإن قلة الطلب العالمي على اليورانيوم تؤثر بقوة في تراجع عجلة التنمية الاقتصادية بالبلاد.
وفي بلد واجه فيه قرابة 2.5 مليون فرد مؤخرا مجاعة قاسية ويعتمد في توفير 50% من ميزانيتها على معونات الدول المانحة فمن الطبيعي أن تلهث وراء كل دولار يمكن أن تنفقه شركة غربية للتنقيب عن البترول والذهب والفحم وقد تم مؤخرا الكشف عن احتياطات من الفوسفات والحديد والفحم والحجر الجيري والجبس.
لكن دولارات التنقيب عن الموارد الطبيعية تجر وراءها غالبا صراعات بين القوى الكبرى، وخلال السنوات القليلة الماضية ظهرت مؤشرات على امتلاك النيجر احتياطات نفطية كبيرة ومنحت رخص تنقيب لشركات أميركية وصينية، وفي عام 2008 أعطت الحكومة النيجرية حق الانتفاع بمنطقة أوجاديم الغنية بالنفط لشركة النفط الوطنية الصينية ويتوقع أن تصبح دولة نفطية 2012 بقدرة إنتاجية تصل إلى 200,000 برميل يوميا.
وبسبب السياسات القمعية للرئيس المخلوع مامادو تانجا حظي الانقلاب العسكري بدعم شعبي كبير وطالبت المعارضة بانتخابات حرة وشفافة بأقرب وقت – وهو ما تعهد به الانقلابيون – واستجابة لنداء أطلقته "تنسيقية القوى الديموقراطية من أجل الجمهورية" التي تضم أحزابا سياسية ومنظمات للدفاع عن حقوق الإنسان ونقابات عارضت منذ اشهر تحركات الرئيس المخلوع للبقاء في الحكم بأي ثمن، تجمع نحو عشرة آلاف شخص أمام البرلمان مطالبين بالديموقراطية.
وأصدرت التنسيقية مذكرة سلمتها للمجلس العسكري أكدت فيها "الاستعداد لتقديم مساهمتها في إنجاح تحول ديموقراطي يرتكز على تبني دستور توافقي وتنظيم انتخابات عامة حرة وشفافة".
وكان "المجلس الأعلى لإقرار الديموقراطية" (وهو الاسم الذي اختاره المجلس العسكري) أطاح بالرئيس إثر معارك في محيط القصر الرئاسي قرر بعدها الانقلابيون حل الحكومة وتعليق العمل بالدستور الذي اعتمد في آب /أغسطس 2009 وأعلنوا قرب إنشاء "مجلس استشاري" للبحث في مستقبل البلاد.
وكشفت مصادر في الرباط عن أن الرئيس المخلوع ربما كان في طريقه إلى المغرب.
ووصلت الأزمة السياسية في النيجر إلى طريق مسدود عندما قرر الرئيس الذي كان يفترض أن تنتهي ولايته الأخيرة منذ 5 سنوات البقاء في السلطة بأي ثمن دافعا باتجاه تبني دستور جديد في آب /أغسطس 2009 يتيح تمديد ولايته. وفي إطار تداعيات هذا القرار قرر تانجا حل البرلمان والمحكمة الدستورية ما أثار انتقادات دولية كبيرة تبعها قرار من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بتعليق عضوية النيجر وآخر من الاتحاد الأوروبي مساعدته للنيجر.
لكن الانقلاب أيضا كان موضع نقد دولي فدعت الأمم المتحدة لاحترام القانون وحقوق الإنسان كما علق الاتحاد الأفريقي عضوية النيجر مطالبا بالعودة للوضع الدستوري.
التعليقات (0)