النور ينقضي سريعا
أمنية فهمي
اختار احمد الشريف شخصيات *كأنة نهار* الصادرة عن دار الحضارة للنشر, بشكل يبدو معه أنهم أشخاص حقيقيون يمكن للقاري أن يتعرف عليهم لو زار الأماكن التي تدور بها أحداث ال رواية, رغم أن الرواية نفسها لم تهتم برسم شخصيات ثلاثية الأبعاد لها مستقبل ومصير .. تدور أحداث الرواية في محافظة الفيوم, وتبدأ برحلة يقوم بها عدد من السياح يرافقهم مرشد سياحي مصري..وتبدأ الرحلة "قبيل شروق الشمس** ولعل هذه البداية تشير إلي إن الرواية كلها ماهي إلا رحلة الإنسان الأبدية ما بين ميلاده ومماته... ورغم اختلاف الزمن في الرواية ما بين النهار والليل, فان الليل يبقي هو الزمن البسيط تماما فتبدو للقاري وكان كل الأحداث وقعت ليلأ مما يفسر إلي حد ما العنوان الذي اختاره الكاتب للرواية. "كأنة نهار"
هي قصة الإنسان في كل زمان ومكان, بضعفه وجبروته وانسياقه وراء الأقدار التي تحدد مصيره في النهاية...الإنسان المهمش البسيط هو محور تلك الرواية القصيرة , لذلك تزخر بعدد هائل من الأسماء والأماكن والأحداث والحكايات.. ولا يحتاج القاري إلي جهد كبير كي يدرك مدي اهتمام احمد الشريف بالبشر فالشخصيات مرسومة بدقة ومحددة الأوصاف والأفعال. حتي في وصفة للأماكن يمكننا ان نلمح هذا الاهتمام
"ضوء فضي ناعم تسلل من النافذة الزجاجية, القمر بدرا..الصمت ورائحة الغيطان في الليل.. ونقيق الضفادع وعواء ذئب في قلب الغيطان "
كما أن اهتمام الكاتب بالتناقض الواضح بين الليل والنهار يظهر من خلال السرد..** لقد انقلب كيانه في النهار, عندما رائها تقف مع صبحي مسئول مزرعة الدواجن..الخ** وفي موضع أخر من الرواية** في ليلة عتمة بلا قمر, التصقت به وأمسكت بيده..الخ** وقد تكون الرواية مكتوبة بأسلوب يختلف عن البناء المعروف للرواية من بداية وعقدة أو وسط ونهاية, إلا أنها تعتمد علي حشد هائل من الشخصيات والأحداث الرئيسية والفرعية التي صيغت بمهارة فجاءت الرواية متماسكة ومحكمة من خلال اهتمام الكاتب بالأحداث الثانوية والشخصيات غير الرئيسية التي جاءت مجسمة تنبض بالحياة. أشخاص الرواية عاشوا حياة سابقة, يتعرف عليها القاري من خلال الضوء الذي يلقيه الكاتب علي ماضي الشخصيات من خلال حكاياتهم, وبعض التفاصيل الصغيرة التي تساعد علي رسم صورة دقيقة وواقعية لهذا الماضي. **العينان اللتان فقدتا الأبصار.. القلب الذي لم يعد يدق لأمراه ثانية, الأصدقاء الذين اختصروا في واحد أو اثنين. الابن الوحيد, الزوجة التي لم تعد تعنيه أو يعنيها منذ اكتشافها علاقته بثريا..يتحدث مع ابنة من وقت لأخر يحاسبه علي فلوس مزارع الدواجن ومناحل العسل ومحلات اللبن والبيض.. لكن بداخلة خبا كل شي, انطفأت القناديل كما أنطفا بصرة** وقد صور الكاتب حياة أبطالة السابقة كمغامرة أو رحلة خاضوها وعادوا منها محملين بالأمراض والعاهات وأنواع مختلفة من العجز والفقر والوهن ليواجهوا واقعهم المهدد بالفناء في أي لحظة. كل الأحداث والحكايات القصيرة الكبيرة والتي تمثل عصب الرواية صاغها الكاتب بأسلوب مختصر وبمهارة, وقد يشعر القاري عند البدء بالتشتت والارتباك لكثرة الأسماء والأماكن والأحداث, لكنة مع الاندماج في القراءة والاستمرار فيها, يبدأ في الانفعال والتعايش مع الشخصيات لدرجة الذوبان في عالمها. أسلوب الكاتب يميل إلي السخرية والتهكم وهو يصف عالم ضيق يحمل بذرة فنائه.. حيث الآباء عاشوا حيواتهم ولم يعبئوا بالأبناء الذين وقفوا وكأنهم ,,شهود,, يشاهدون الآباء ينهارون بينما هم لا يملكون شيئا يواجهون به عالمهم المستقبلي ..
“ كأنة نهار,, رواية قصيرة , كما يصفها مؤلفها, لكنها نجحت في نقل القاري إلي عالم ملي بالتفاصيل الصغيرة الضرورية لفهم الحياة.
أمنية فهمي
جريدة التجمع
التعليقات (0)