النهاية الطبيعية!
لم تكن نهاية الطاغية المعتوه معمر القذافي في 20 تشرين اول(اكتوبر)2011 غريبة الطابع او مستبعدة الحدوث!...فأي حاكم يكون له سجل حافل بالاعمال السيئة،عليه ان يتوقع ذلك المصير الحتمي الذي هو النهاية الطبيعية للعدالة الالهية والانسانية على وجه الارض،ولكن استبعاد هذا الاحتمال يكون بسبب الانغماس الكلي بملذات التسلط واستعباد الاخرين مع التأقلم والانسجام على طرق الابادة والقمع بدم بارد دون وجود ادوات فعالة تحد من ذلك!.
لم يكن هذا المعتوه مقلا في اعماله الاجرامية بل ان عدد الضحايا قياسا الى حجم الشعب الليبي هو كبير ومؤثر بشكل فظيع!...ففي الثورة الليبية سقط اكثر من 30 الف ضحية على اقل تقدير بالاضافة الى عشرات الالاف من الضحايا الاخرين خلال تاريخ حكمه الطويل هذا غير حوالي 50 الف مفقود لان لديه سجلا مثاليا في خطف الضحايا بمعونة انظمة اخرى تستفيد من عطاياه المسروقة حتى وان كانوا يتبعون بلادا اخرى او مواطنيه كالكيخيا الذي اشترك معه في جريمة الخطف نظام حسني مبارك البائد! وغيره بل وحتى بعض اجهزة الغرب الاستخبارية ايام العلاقة الحميمة!...
لم ينتبه العالم الفاقد للضمير الانساني الحي الى خطورة الطاغية القذافي ونظامه الاجرامي بالرغم من خطف الامام موسى الصدر عام 1978 في ظاهرة مثيرة للاشمئزاز من خلال استدراج ضيف وتصفيته مع رفيقيه بطريقة خالية من اية اعتبار ادبي وديني وبدون اسباب توجب ذلك الانتقام الغادر والرهيب!كما لم ينتبه الى تدخله في لبنان وبعض الدول الافريقية الاخرى او دعمه للمنظمات الارهابية المختلفة،لقد كانت تلك الحوادث بداية التعرف على طبيعة هذا المعتوه ونظامه الفاقد لكل القواعد الاخلاقية في التعامل فضلا عن الدينية والانسانية ولكنه لم يتحرك لوقف هذا الجنون المدعم برائحة النفط الفواحة!...
كان القذافي قبل ذلك سائرا في طريق تثبيت نظام حكمه من خلال تصفية زملائه في الانقلاب وخصومه الاخرين بطرق وحشية...وفي العادة فأن العالم يتجاهل التدخل بحجة الشؤون الداخلية السيئة الصيت ولذلك استمر الكثير من الطغاة بطغيانهم دون الخوف من المسائلة والعدالة!.
دروس الثورة الليبية هي كثيرة ومقاربة لدروس الثورات الاخرى ولكن المثال الواضح فيها انه برغم التاريخ الطويل للقمع وفرض ثقافة الفكر الهزيل والسلوك الشاذ الخالي من الاعتراف بالانسان الحر،الا ان الاجيال الجديدة بقيت عصية على المسخ الكلي ولو من جانب التقية المستترة من العقاب الوحشي الذي ينتظرها في حالة ابداء الرفض العلني!.
طول الفترة الزمنية التي حكم بها ليبيا،زادت القذافي واسرته طغيانا وتجاهلا لكل التطورات الحاصلة على الصعيد العالمي،بل وكان تحويل البلاد الغنية بأسرها الى مزرعة خاصة بتلك العائلة الفاسدة امرا يثير الرغبة في الثورة عليهم حتى من جانب الطبقات المنشغلة بتحصيلها اليومي،وكانت أخبار الفساد والفضائح واستعداء الاخرين لاجل ذلك تتزايد ولم تكن سرا منسيا بل وقطعت علاقات دولية لاجلها!.
آثار التدمير الوحشي في البنية الفوقية والتحتية للشعب الليبي هي مروعة ولا يمكن حسابها بدقة كما لا يتم تجاهلها بأي سبب كان،وعليه فأن امر المعالجة لها سوف يكون طويلا وان كان ثراء الارض الليبية وحيوية شعبها اللاهث للحرية والحياة الحرة دون الاستغناء عن المعونة الدولية،سوف تختزل الكثير من المراحل وتطويها في مرحلة البناء واعادة التوازن الطبيعي للشعب المنهك!.
لقد ارعب سقوط الطاغية القذافي غيره من الطغاة حتى وان كانوا على عداء معه،ولكنه اسعد الاحرار في كل مكان حتى وان كانوا على خلاف!...وطريقة الانتقام التي يعارضها البعض حتى وان كانت عفوية هي سمة بارزة في تاريخ الثورات عندما ينتقم الشعب من جلاديه،ويوم المظلوم اشد واقسى على الظالم!.
لم يكن القاذفي ونظامه جامعا للتناقضات فحسب! بل وحتى بعض اعدائه خارج ليبيا وبخاصة اثناء الثورة!.. فقد اشتركت بعض النظم الاستبدادية في اسقاطه كما بقيت تتفرج على جرائمه بعض النظم الديمقراطية! بل والاكثر هزلية من ذلك هو عداء وشماتة ولعن وعاظ السلاطين في البلاد العربية الاخرى له متناسين استمرارية دعمهم لانظمتهم القمعية التي لا تختلف عنه وايضا متجاهلين انه احد ولاة الامر الواجب طاعتهم وفق تفسيراتهم المنحرفة! وهو مقياس يؤدي الى فضح السلوك والمنهج الداعم له!.
صحيح ان الثمن المدفوع كان باهضا في اسقاط الطاغية المعتوه ونظامه،ولكن طعم النصر والحرية بعد طول انتظار كان رائعا ولذيذا وسوف يبقى عطرا على مدار التاريخ!..
التعليقات (0)