النمو الحضارى لشعب من الشعوب يتوقف على درجة الأهتمام بالتعليم والبحث العلمى من جهة وعلى طبيعة الحالة السياسية التى يعيشها ذلك المجتمع.
دراستنا للتاريخ تعطينا أفكار تساعدنا على فهم الكيفية التى تقدمت بها شعوب وتأخر آخرى ، الأتحاد السوفيتى والصين خير مثال على أن السلطة السياسية الحاكمة هى سلطة دكتاتورية لكن لديها من القيم والمبادئ ما يجعلها تقف على طريق التقدم بخطى ثابتة جنباً إلى جنب مع الفارق مع دولاً ديموقراطية مثل الولايات المتحدة ودول أوربا ، فالذى يربط تلك الدول وغيرها من الدول المتقدمة هو وجود إلتزام حقيقى متبادل بالقيم والمبادئ الإنسانية تخضع له السلطة السياسية وتلتزم به أمام مجتمعها الذى بدوره يقدم تطبيق عملى جاد لها .
فالأهتمام بالبحث العلمى وتوفير الصدق والموضوعية والجدية والشفافية فى مراحل إجراءاته المختلفة كان التقدم والنمو الحضارى للدول المتقدمة المعرفة لنا هو النتاج الطبيعى لذلك النشاط الإنسانى الذى تتضافر فيه كل القوى المجتمعية والسياسية فى إحترام وإيمان متبادل بالقيم الإنسانية التى تدفع إلى الأمام الفكر الحضارى لدولة أو شعب ما .
إذا نظرنا إلى الحالة المصرية سنجد التخبط والعشوائية وتجهيل المجتمع والفكر الإنسانى المصرى ، وما من مرحلة سياسية عاشها المصريين إلا وكان الإفقار والتشويه المتعمد لصورة الأمة المصرية والمواطن المصرى وكأن الطبقة السياسية والقيادية فى كل مرحلة كانت تعمل على تنمية الفقر والتخلف الثقافى أو تنمية النفاق والكراهية وغيرها من الأمراض والتشوهات التى كانت مقصودة إحداثها فى طبيعة المجتمع المصرى حتى يكتب للنظام السياسى الحياة وسط المتناقضات الغريبة التى عمل على تنميتها فى المجتمع .
ليس بغريب إذن إذا رأي المواطن المصرى رموز الفساد تستمر فى فسادها ولا يوجد قضاء قادر على تطبيق العدالة فى رؤوس الفساد وذلك لأن القضاء ذاته لا يؤمن بالقيم والمبادئ الإنسانية البسيطة ، بل يؤمن بقيم ومبادئ آخرى تجعله يسقط فى دائرة الفساد ، ليس بغريب أن هذا المواطن يندفع هو أيضاً إلى الكذب والنفاق والتملق وإفساد مجتمعه وصب جام غضبه على غيره من المواطنين لتعويض فشله وعجز السلطة السياسية عن تقديم النموذج المثالى فى إحترام القوانين وإلتزام الصدق والجدية والشفافية مع جميع أبناء الوطن المصرى على حد سواء .
كان يمكن لمصر أن تصبح فى مصاف الدول المتقدمة لو كانت الأنطمة السياسية المتعاقبة قد رسخت وأسست للقيم الإنسانية الفعلية التى تبنى عقل الإنسان ولا تهدر حريته أو حقوقه الإنسانية ، القيم التى كانت لازمة وملزمة لقيام البحوث العلمية الجادة القادرة على تشخيص الواقع المجتمعى حتى يتسنى وصف العلاج الناجع ، لكن المشكلة الكبرى التى عملت النظم السياسية على تنميتها فى مؤسساتها وفى أفراد مجتمعها هى عدم الأعتراف بالمشاكل والتهرب منها وعدم وضعها فى مكانها المناسب ، لذلك كان الفشل السياسى والإجتماعى والأقتصادى والثقافى هو الوضع الطبيعى لعدم وجود أسس وقواعد علمية يقوم عليها البحث العلمى والذى بدوره يؤثر سلباً أو إيجاباً على درجة النمو الحضارى .
من هنا نجد أن مصر لا تعيش مرحلة النمو الحضارى المرتقب منها بل تعيش تنمية التخلف والجهل الحضارى الذى يعمل على خلط القيم الجيدة بالخبيثة ، الأستمرار فى سياسة فرق تسد التى يستثمرها الوضع السياسى لإطالة وجوده وسيطرته على الحكم .
إن الخلل الموجود فى المجتمع يمكن علاجه وفق منظومة قيمية هدفها الأول والأخير هو الإنسان صانع التقدم أو التخلف لو أعطيناه الأدوات الصالحة والمناسبة لتحقيق إما التقدم أو التخلف ، وبأيدينا العمل بجدية لإصلاح القصور فى أفكارنا لنلحق بمسيرة التقدم الحضارى.
التعليقات (0)