النقد والإساءة للأديان
حرية تعبير أم خرق لحقوق الإنسان
فبينما يبرر أنصار حرية التعبير الحق في نقد الأديان بمقتضى المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تمّ التصديق عليه من قبل أغلب الدول في العالم بما فيها الدول العربية، وبذلك فهو يعدّ معاهدة إلزامية وذات قوة قضائية لهذه الدول. حيث تنص المادة 19 على الآتي :
لكل إنسان حق في اعتناق أراء دون مضايقة.
لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب أو بأية وسيلة أخرى يختارها). و لا يجوز تقييد هذا الحق، بحسب الفقرة الثالثة من نفس المادة، إلاّ لأسباب محددة بنص القانون، وضرورة احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، لحماية الأمن القومي، النظام العام، الصحة العامة أو الآداب العامة. وبالتالي فان حظر نقد الأديان بمقتضى هذه المادة يمكن أن يشكل خرق لمبدأ حرية التعبير.
أما المعارضون لأنصار التيار السابق فيحرمون نقد الأديان استناداً إلى المادة 20 من نفس العهد التي تنص في فقرتها الثانية على أن " تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف". ويستنتج من نص هذه المادة بأن الدول الموقعة على العهد، تلتزم بوضع قانون داخلي يحظر ما ورد ذكره من إعلان و دعوة إلى الكراهية، وهو ما يمارس عادة بواسطة التعبير عن الرأي.
ومن هنا يتبين لنا الصلة بين المادتين المذكورتين من العهد وبالتالي الصلة بين حرية التعبير ونقد الأديان . ولا يخفى بأن العلاقة غير واضحة وشائكة بين هذين المفهومين ففي حين يرى أنصار المادة 19 المذكورة أعلاه أن حرية التعبير هي مفهوم مطلق لا يمكن تقييده عندما يتعلق الأمر بنقد الأديان، يرى أنصار المادة 20 من ناحية أخرى أن تفسير التقييد المنصوص عليها بالمادة 19 بمفهوم واسع يؤدي إلى الحد من حرية التعبير. في المقابل، يجد أنصار حرية التعبير وهم يفسرون المادة 20 بمفهوم ضيق، أن نقد الأديان لا يمكن أن يدرج تحت بند المادة 20 والمتعلق بالدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف. فالأمران بالنسبة لهم مختلفان تماما حيث أن نقد الأديان بما فيها الرسوم الأخيرة تختلف تماما عن الدعوة إلى الكراهية الدينية. كما أنهم يضيفون بأن حقوق الإنسان تهدف بالأساس إلى حماية الحقوق الأساسية للإنسان، والدين بحد ذاته لا يتمتع بالحماية المنصوص عليه بمقتضى هذه الحقوق، وبالتالي فان حقوق الإنسان لا يمكن أن تشتمل على منع تشويه الأديان أو نقدها، بل يمكن أن تتدخل فقط في حال التمييز ضد أتباع دين معين.
كما أن هذا الالتباس في تفسير مواثيق حقوق الإنسان لم يبقى في حيزه الضيق للمعارضين والمؤيدين لحرية التعبير، فقد امتدّ ليعرض على أبرز المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية التي انقسمت أيضا بين مؤيد ومعارض. فوزارة الخارجية الأميركية، ترى أن تقييد حرية التعبير في هذا المجال لا يؤدي إلى حماية الممارسة الدينية، بل على العكس من ذلك، حيث أن مفهوم التشهير بالأديان هو مفهوم شائب يحدّ من الحرية الدينية ويقيد حقوق جميع الأفراد في الاختلاف مع الدين أو انتقاده.
وقد كان موقف الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان مننددا بنشر الرسوم المسيئة للرسول، فبحسب تعبيرها " إن حرية التعبير قيمة هامة لا يجب المس بها ، ونحن ندعمها إلى أقصى حد، ومن المؤكد أن هذه القيمة بريئة تماما من خطاب الكراهية أو العنصرية الذي تمثله هذه الرسوم" .
أما الاتحاد الإنساني والأخلاقي الدولي، فقد حث الأمم المتحدة بإعادة النظر في قراراتها الداعية لمحاربة التشهير بالأديان لما لها من أثر في تقييد حرية التعبير. فقد عبر الاتحاد عن قلقه الكبير إزاء إمكانية لجوء السلطات الحكومية لمثل هذه القرارات لتبرير قمع الآراء التي لا تتناسب مع سياساتهم و إلغاء الحقوق الأساسية الأخرى.
وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت العديد من القرارات التي تسمح بتقييد حرية التعبير من أجل ضمان احترام الأديان إلى أن رفض مجلس حقوق الإنسان إقرار مفهوم التشهير بالأديان في جلسته المعقودة في 18 سبتمبر 2008. فقد صرح السيد جيثو مويجاي، المقرر الخاص المعني بموضوع الأشكال المعاصرة من العنصرية وإرهاب الأجانب والتعصب، بأن التشريعات الحالية المتعلقة بمنع الحث على الكراهية العرقية والدينية كافية ولذلك فانه ليس من الضروري ترسيخ التشهير بالأديان كمفهوم جديد. ولابدّ من الذكر بأن الجهود المكثفة للمدافعين عن حرية التعبير، وخاصة منظمة المادة 19 و مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الذين قاموا بعقد عدة مؤتمرات نددوا من خلالها بالقرارات المتعلقة بالتشهير بالأديان، كان من شأنه أن يؤثر في رؤية مجلس حقوق الإنسان.
و لذلك فان الحرية الدينية تستتبع حرية التعبير و كلتاهما يشكل صلب حقوق الإنسان كما أكدته ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث جاء فيها أن غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة .
التعليقات (0)