النقاد.. غبار على اللوحة!
قصاصات حرة/ قورينا
منفي
((رسَمَ في ركن من اللوحة
بلاده البعيدة
وفي الركن المقابل
حصاناً
وقال: غداً سأرسمني فوقه
ليحملني إليها
ثم نام
غير أنه
لماً أفاق في الصباح
وجد غباراً يملئ الغرفة))
هذا النص للشاعر سامي بيداني من مدينة قابس، وكان قد أهداه إلى شاعر مازال يحلم بالعودة إلى وطنه، إلا أن الحصان (المتخيل )، جفل وخاف من اتساع حجم الحلم في الواقع.
متأثرة بهذا النص، وبحلم لا أخفيه أن أرى يوما المشهد الثقافي الليبي، لوحة متكاملة متناغمة بين الأجيال كافة، كما رأيت منذ أيام في مدينة (قابس) التي احتضنت مؤتمر الرواية في دورته السابعة عشر، برعاية جمعية الرواية العربية، وعلى مدى السنوات التي مرت انعقد هذا المؤتمر وناقش قضايا الرواية العربية في محاور متعددة، وتم استضافة أكثر الأسماء العربية المعروفة في النقد والرواية.
ساهمت الجمعية التي يتولاها الروائي والناقد الدكتور "محمد الباردي"، في إظهار مواهب نقدية وعملت أيضاً، على تكريس بعض الأسماء في مجال النقد والرواية، والمتابع لخطوات عملها، لابد أن يلاحظ التغير الجديد الذي طرأ، منذ سنتين على نمط الاستضافة والمواضيع المطروحة، وبدوري استرعى انتباهي في الدورة الأخيرة، التي أهديت إلى روح الشاعر أبي القاسم الشابي في مائويته ، وكانت نقطة الانطلاقة المحور والعنوان ( الرواية العربية والشعر)، حيث استغني عن النمط القديم، في تقديم ضيوف الصف الأول من كبار الروائيين والنقاد العرب، واتخاذ خطوة جريئة ودمج جيلين على منصة بقيت حكرا لسنوات طويلة على النجوم. فيما استمر هذا التقليد القديم موجودا في مؤتمر القاهرة للرواية العربية حتى الآن.
أما في ليبيا وعلى امتداد الأعوام الماضية أقيمت ندوات تعد على أصابع اليد الواحدة، ومازلنا نفتقد إلى مؤسسة ثقافية يمكنها أن تؤسس لتقليد واحد في إي من المجالات الإبداعية وليست الرواية فقط، ومع ندرة هذه الندوات والمؤتمرات، كنا نرى أن منصة البحث العلمي تفتقد الأسماء الليبية، وترتكز على ضيوف عرب أصبحت وجوههم مألوفة، وإذا سأل أحدهم لماذا الحركة النقدية في ليبيا غير ظاهرة للعيان أو غير موجودة؟ يكون الجواب بأن النقاد ليسوا سوى غبار على لوحة المشهد الثقافي الليبي .
في واقع الأمر أن الباحث الليبي الشاب يناضل من أجل احتلال مكانته على هذه المنصة، إلا أن المؤسسات الثقافية لاتريد المغامرة والأصح أن هناك من يريد إقصاء الجيل الشاب المجتهد والباحث عن آفاق جديدة ، والذي يعمل بدوره على متابعة المبدعين من أبناء جيله، وملاحقة إنتاجه، وهذا مالايسر كثير من نجوم الإبداع الليبي الذي يطرب لتناول أعماله للمرة الستين، حتى لو قتل نصه نقداً، ومازال الاعتقاد قائماً لدى المنظمين لهذه الندوات أن وجود أبحاث ودراسات نقدية للمبدعين المكرسين يستقطب الاهتمام، فيما نرى أن أصحاب الأعمال أنفسهم غائبين وغير حاضرين لمثل هذه الفعاليات التي تقام على شرفهم.
والسؤال هو لماذا لايتم ردم الفجوة القائمة على اتجاهين وضمن مسار واحد؟ بمعنى اختيار أجيال شابة تمتلك دراية بالنقد، ولها وجهة نظر جديدة في النص الإبداعي القديم ، وبالمقابل دراسة نصوص للمبدعين الشباب من قبل نقاد كبار متمرسين في الحركة النقدية، لتصبح اللوحة أكثر تكاملاً.
الملاحظة الأخرى في مؤتمر الرواية بقابس، التي لفتتني هي أن الأستاذ الأكاديمي عندما يكون مبدعاً، يصبح الأقدر على جذب طلبته في الدراسات العليا إلى تلك الندوات، ويصبح الاحتكاك مباشر بين هؤلاء الباحثين الجدد، مع الحركة الإبداعية القائمة، فيما نرى أن المناهج الليبية في جامعتنا توقفت مواضيع بحثها عند الأدب الجاهلي وفي أحسن الأحوال لم تتجاوز من المعاصر الجيل القديم من المبدعين، وإذا سأل أحد الطلبة عن الحياة الثقافية الليبية ومعرفته بالكتاب والشعراء، نجده متوقفاً عند أربع أو خمس أسماء بعضهم رحل عن عالمنا منذ ما يقارب الخمسين سنة.
الحركة النقدية تتطور في إي بلد عربي بملاحقة المعاصر والجديد، وتبدأ من تحديث المناهج المدرسية وصولاً إلى المناهج الجامعية، وبإتاحة الفرص للوصول إلى المنصة، ودعم الدراسات الجدية من خلال كافة المنابر، وعدم تصغير شأن إي قلم يحاول باجتهاد واضح ملامسة هذا الواقع ، حتى لو كانت الدراسات المقدمة ذات نظرة انطباعية، لأنها تثري المشهد الثقافي وتضيف إليه، فهل هذا الحلم أكبر من اللوحة الثقافية الليبية؟
التعليقات (0)