النقاب والعقاب:
طرح موضوع النقاب في برنامج حواري في راديو استرالي بعد حادثة سطو على بنك استخدم اللص النقاب في التستر مما دعا نائب برلماني الى منعه نهائيا بحجة مخالفته لقيم الحرية! وهي الدعوة التي رفضها الجميع!.
المشاركتان في الحوار سيدة مصرية لبسته عندما كانت في الثانوية في استراليا وكانت تبرر لبسه لها بطريقة سليمة وتحدثت عن تجربتها الشخصية مع المجتمع والخالية تقريبا من اي ازعاج بالنسبة لها،بينما كانت المتحدثة الاخرى موظفة في مركز خدمات المرأة المسلمة،وقد توقعت ان تكون وجهتا النظر مختلفتين الا انه حصل العكس تماما في تأييد حرية لبسه من قبل الموظفة التي تستقبل من ضمن عملها ايضا طالبات البعثات الجامعية من السعودية يلبسنه غالبا بغية تسهيل الاقامة والعيش في البلاد،وكان عرض وجهة نظر الموظفة العربية تم وفق براهين وادلة متينة ومستمدة من قيم الحرية والعدالة السائدة في المجتمع المتعدد الحضارات والثقافات...
انحدار وتناقض التفكير والسلوك الحديث:
شاعت في السنوات الاخيرة النقاشات الحادة على كافة المستويات حول النقاب نتيجة ازدياد حالات لبسه وايضا حول الحجاب في الكثير من الدول الاوروبية واحيانا ايضا في الدول الاسلامية! وانشغل الرأي العام به وكأن البشرية خالية من المشاكل حتى تتوجه لتلك المواضيع التي تعتبر من المهازل في التفكير في مجرد الخوض بها لتبيان وجهة النظر حولها... فقضية اللبس هي من البديهيات في الحرية الشخصية وكل من يحاول ان يصور العكس في ذلك هو متناقض في تفكيره وسلوكه لانه يجوز للاخر وهنا في الغالب المرأة ان تطالب ايضا بأحقية رأيها في لبس من يرفض طريقة لبسها!وبالتالي سوف نخضع لمنطق العدالة في قبول الاراء مهما كانت!.
ان القضية لاتتعلق بالغرب فقط،وهنا ينبغي التفريق بين الدول الاوروبية ودول العالم الجديد المتعددة الثقافات،لكون الاولى مكونة من شعوب اصلية لها تاريخ طويل وهوية احادية في الغالب بينما الاخرى مكونة من خليط بشري متنوع يرفض في الغالب طريقة الطرح واصدار القوانين المتعلقة بها والدالة على تحجر في العقول وهزلية في التفكير وتناقض في السلوك كما حدث في بعض بلدان اوروبا...بل ايضا حدث في بعض البلاد المسلمة ومنها العربية!واذا كانت الدول الاوروبية قد بدأت مؤخرا في تلك الاجراءات العقابية او البحث فيها،فأن الدول المسلمة قد قامت به قبل ذلك وبطريقة همجية ليس فيها اي احترام لدينها وتاريخها او حتى لتراثها على اعتبار ان ذلك اللبس هو من التراث الشعبي هذا اذا استبعدنا نهائيا تقييمها لحقوق الانسان ضمن تطبيقاتها العملية لانها لا تحترمها او تلتزم بها نهائيا!.
ان من يجادل ان اوروبا بدأت في العقاب هو خلاف للحقيقة والعدالة،فالدول الاسلامية كانت سباقة حتى في منع الحجاب!فتركيا في زمن اتاتورك حاربته بشدة ومازالت مستمرة في منعها ولكن خف بعض الشيء،وشاه ايران الاسبق رضا بهلوي منعه في عقد الثلاثينات،وكذلك تونس منذ زمن بورقيبة والحكم البعثي في سوريا والعراق في عقدي السبعينات والثمانينات،وكذلك بلدان اخرى وكان المنع بطريقة علنية او مغطاة باساليب وطرق ليست خافية على احد!...ولكن تعرض الدول الاوروبية للنقد الشديد بالمقارنة مع الدول المسلمة،يعود الى تقييد الاولى لنفسها بقيم الحرية والعدالة والمساواة وهذا العمل ينافي الادعاء جملة وتفصيلا !بينما تنفي الثانية اي علاقة بتلك القيم السامية وكأنها تهمة خطيرة! وبالتالي خفت نوعا ما درجة المعارضة والنقد لاساليبها القمعية في تلك الظاهرة.
مهما كانت ادعاءات المعارضين للنقاب وايضا الحجاب فأنه لا يحق لهم نهائيا ان يقرروا طريقة لبس الاخرين خاصة اذا كان النقاب، لكونه اقرب للتراث الشعبي الموروث منه الى الدين مهما كانت ادلة المؤيدين الدينية له لانها تعبير عن طريقة فهمهم له حسب اتجاههم الفقهي بعكس حالة الحجاب السائدة في العالم الاسلامي المتفق عليها تقريبا ولذلك نرى محدودية انتشار النقاب الا في بعض المجتمعات التقليدية مثل الجزيرة العربية،كما وان رفض المنع ليس معناه بالضرورة تأييده بل تأييد حق اساسي للانسان في اختيار طريقة اللبس بغض النظر عن اسباب ذلك الاختيار وظروفه.
انتشار النقاب اخذ بالازدياد منذ بداية الالفية الجديدة في الغرب نتيجة للجوء عدد كبير من المعارضين الاسلاميين اليه،كذلك انتشار الافكار السلفية المتشددة نتيجة لدعم بعض الدول لها وايضا بعض الحركات السياسية مثل طالبان والقاعدة وغيرها...
اذا تفهمنا مثلا محاربة ومعارضة القوميين في العالم الاسلامي له نتيجة لاساليبهم البوليسية في الحكم ومعارضتهم العلنية للدين ودوره في المجتمع وضعف حقوق الانسان وحريته ومكانته ضمن طروحاتهم التنظيرية ذات البنية الضعيفة!...فلا نستطيع اذا تفهم معارضة الليبراليين او المستغربين لها لكونه خاضعا ضمن دائرة الحقوق الشخصية وحريتها المقدسة في نظرهم،ومعاداة الحجاب او النقاب هو تناقض فكري وسلوكي مفضوح دال على معاداة عمياء للدين وليس للنقاب او الحجاب ويجعلهم معرضون للنقد والتجريح من خلال مخالفتهم لابسط ادعاءاتهم في ضرورة سيادة الحريات والحقوق على ماعداها فأذا هم انفسهم مخالفون لها وهم في دوائر المعارضة فكيف يكون سلوكهم بعد ذلك في دوائر الحكم والنفوذ؟!...
ان امثال تلك القضايا هي دلالة واضحة على انحدار التفكير والسلوك في هذا العصر،فأذا كان الادعاء بأنه عصر الحرية فلماذا يمنع اناس لمجرد ان طريقة لبسهم مختلفة، من التعبير عن حريتهم الشخصية بينما يسمح لاخرون ومنهم العراة في التعبير الحر؟!...
والادعاء ان ذلك هو فرض اجباري على المرأة هو لا يخلو من ضعف لان هذا الموضوع هو بحث اخر لا يمت للاول بصلة! لان هنالك الكثير من السلوكيات الاجبارية التي يخضع لها البشر من جانب المجموعات الثلاث: الاسرة والمجتمع والدولة،واذا اردنا الجمع بين الحالتين سوف يؤدي بنا ايضا الى الجمع بين حالات اخرى وبذلك يكون خروجا عن الموضوع او حتى تناقض اذا بحثنا موضوعا دون اخر!... المشاكل الراهنة في العالم هي من الاتساع بحيث لا يوجد اي فراغ لمناقشة تلك القضايا التافهة التي لا تؤثر على السلم والتقدم الحضاري،بل هي احدى الوسائل الخبيثة لاشغال المجتمعات بها مستغلة حالة الانقسام في الاراء والمعتقدات،وابعادها عن المشاكل المصيرية مثل البيئة والحروب والقمع والفقر والجهل والتخلف والفصل العنصري الخ...
التناقض في تلك القضية اذا موجود لدى كلا الجانبين:المعارضين في اوروبا ومؤيديهم في العالم الاسلامي من الليبراليين واصحاب الحداثة والتجديد في سلب حرية جزء صغير من المجتمع!...
التعليقات (0)