كتب جبران خليل جبران عن الطربوش والإستقلال في كتابه "البدائع والطرائف"، وسرد لنا ما اطلع عليه يوما في مقال لأديب قام يعترض و يحتج فيه على ربان باخرة فرنسية أقلته من سورية إلى مصر، وذلك لأن الربان قد أجبره على خلع طربوشه أثناء جلوسه إلى مائدة الطعام. وقد أعجب جبران بهذا الإحتجاج الذي أظهره هذا الأديب السوري الذي رفض فيه تعرية رأسه فقال :
"يعجبني أن أرى الشرقي متمسكا ببعض مزاعمه قابضا ولو على ظل من ظلال عادته القومية..".
لكن جبران استدرك قائلا: "لو فكر صاحبنا بأن الاستقلال الشخصي في الأمور الصغيرة يكون دوما رهن الإستقلال الفني والصناعي،
وهما كبيران، لخلع طربوشه ممتثلا صامتا. ولو فكر لتيقن بأن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها وعاداتها..". كم يشبه صاحب الطربوش هذا هيئة الدفاع عن النقاب في بلاد الغرب.. ففي الأمس القريب كان العرب يحتجون على خلع الطربوش والكوفية واليوم يحتجون على خلع النقاب. يحدث هذا حاليا في بلاد الغرب حتى كاد المرء يتصور بأن هنالك عقد صفقات سرية مع تجار الأقمشة إلى درجة أصبح لا حديث لهم فيها سوى عن البرقع.. إذ يقود الكثير من شيوخ الدين حملات ضد حظر النقاب بينما لم يكن من أولوياتهم الاحتجاج على تعرية الرجال و النساء سواء بسواء على شاشات "السكانر" و إظهار سوءاتهم أمام أعوان الأمن، ولا يأبهون بكون كل واحد منا إذا أراد أو اضطر لدخول بلاد الغرب لابد عليه أن يقف على عتبة المطار و يقول "اللهم كما خلقتني!"، وهذا يدفعني لطرح أسئلة مؤداها: لماذا الإحتجاج على تعرية الوجه بينما لا نحتج على تعرية أجسادنا كاملة؟؟ هل انقلبت العورة رأسا على عقب؟.
ولكن بالمقابل من هم هؤلاء الذين يحتجون على كشف الوجه ولا يحتجون على كشف الفروج؟
إنهم ببساطة أولئك الذين عروا فينا السوءات بالخناجر والسواطير وبفتاويهم التكفيرية. إنهم أولئك السفهاء الذين عملوا تحت عباءة الدين على تشويهنا حتى أصبح المسلم مرادفا للإرهابي. فاليوم لابد علينا أن نواجه حقيقة مرة، ألا وهي أن كل ما يفعله الغرب هو الإمتثال لفتاوى أصدرها تجار الدين.. والحق أن بعض الشيوخ يفعلون أي شيء من أجل الدولار، فما يحدث للمسلمين من تعرية في المطار هو نتاج تفكير متطرف لبعض شيوخ أطلقوا لحاهم و شموا جباههم ليلقنوا أحفادهم الذين ينعمون بخيرات الغرب بأن هذا الغرب بلاد القردة والخنازير!
لقد صار الكثير يلقي اللوم على الغرب في تصرفاته إزاء المسلمين بينما لا يوجه انتقادات لنفسه، ولا ينتبه إلى كون تجار الدين قد أقاموا فضائياتهم لحث الجالية المسلمة لنشر لعمل على المد الإسلامي من خلال عيادات التوليد وورشات الخياطة، ولكنهم عجزوا عن القيام بمناظرات علمية ومحاضرات على جميع الاصعدة. هؤلاء الذين لم يتمكنوا من تعريف الغرب بجوهر الإسلام بل انحصروا في ثنائية المرأة و القماش وجعلوا منها القضية الجوهرية، ويفتون في فضائياتهم بأن المرأة المثالية هي التي تمكث في البيت.. إيديولوجية لا تحفز المرأة المسلمة لتكون من أمثال العالمة ماري كوري، و رائدة الفضاء الروسية فلانتينا تريشكوفا التي جعلت النازا في وقت مبكر جدا تخيط لها بذلة على مقاسها تجاري بها مقاسات بذلة يوري غاغارين، ولا يريدون أن يفهموا بأن ما جعل الإنسانية تحفظ ذكرى جميلة للأم تيريزا ليس الجلباب الذي ترتديه.. بل قلبها الذي وجهته لخدمة الفقراء والإنسانية.
نحن أيضا كنا سنكسب احترام الغرب، وما كان ليتجرأ لمناقشة مظهر المرأة المسلمة لو أنه يستفيد من خدماتها بشكل مكثف في مجال الخدمات الإنسانية وكذا الأبحاث العلمية المختلفة. ولو كان الأمر كذلك لقبل بمظهرها حتى لو قررت لف جسدها في بذلة نحاسية، لأن حينها سينظر إليها على أساس أنها امرأة منتجة لا امرأة مستهلكة.. وما أشبهها بأديبنا صاحب الطربوش!
ولو تأملنا قليلا سنجد بأننا رغم كون أغلب الدول العربية تهتم باللباس الديني لم تستطع فرض احترامها على الغرب، بينما تركيا مرغت أنف إسرائيل في الحضيض بمجرد اعتدائها لفظيا على سفيرها، و هذا ليس بفضل العجار ولا الطربوش بل القوة الإقتصادية والإتقان الباهر الذي أورثه كمال أتاتورك لجمهوريته. وما جعل أردوغان رئيس وزراء دولة علمانية يغادر مؤتمر دافوس ليس اللباس الديني بل هو القوة التي باتت أوروبا تخشى بسببها انضمام أحفاد بربروس إلى الإتحاد الأوروبي.
وقد يكون إذلال المسلمين في الخارج قد حصل بناء على حالهم في الداخل، فالكثير من الدول الإسلامية تتجه بشكل كبير نحو تمجيد الحقد المذهبي، فأصبح قصير القميص يكفر طويل القميص، وصاحبة الجلباب الأفغاني تكفر المتحجبة العادية وهكذا. وأخذ التكفير منحى الاقتتال بين المسلمين فانجر عن هذا إن أغفلنا القضايا الجوهرية الكبرى، وبغفلتنا هذه منحنا الفرصة أكثر لجنود شواذ يطيلون التأمل والعبث بسوءات الرجال والنساء على حد سواء. هذه حقيقة مرة لا يعقلها الذين سكتوا عن تعرية الفروج تماما، مثلما سكتوا عن تعرية سجناء أبي غريب الذين لاط بهم جند بلير، وتداولت وسائل الإعلام العالمية أعضائهم التناسلية.. لذا نقول إنه قد يكون الغرب قد هام حبا بسوءات المسلمين منذ أن سكت معظم شيوخنا الأجلاء إثر فضيحة أبي غريب، ففهم الغرب بأن السكوت علامة الرضا وأنّ المسلمين يخجلون من تعرية الوجوه ولا يخجلون من تعرية الفروج؟!.
جيجيكة إبراهيمي
جامعة بوزريعة
التعليقات (0)