النقاب : زنزانة من قماش أسود
بقلم : حنان بكّير
بعد قضية الحجاب التي لم تنته بعد، برزت قضية النقاب، التي تؤشر على رفع وتيرة التوتر بين المسلمين والمجتمعات الغربية التي يقيمون فيها. فإذا كان الحجاب موضوع خلاف وجدل فيما يتعلق بكونه فرضا دينيا أم لا ، فإن النقاب بلا نقاش ليس له أساس ديني. وأغلب الظن أنه إنما جاء كرد فعل متطرف ومبالغ فيه على خلفية معركة الحجاب والرسوم الكاريكاتورية، بالضبط كما انتشرت موضة اللحى المصبوغة بالحناء الحمراء، مع حلق الشوارب.
في دورة لتعلم اللغة النرويجية، التقيت بامرأة من باكستان، كانت ترتدي الزي وشال الرأس الباكستاني، والذي يظهر قسما كبيرا من شعرها. أخبرتني بأنها عاشت قرابة ربع قرن في أفغانستان، ارتدت خلالها، النقاب الأفغاني، الذي طالما شاهدناه على الفضائيات العربية.. العباءة الواسعة مع غطاء الرأس أو البرقع ذي الثقوب الصغيرة على منطقة العينين، وقد خلعته عند وصولها إلى النرويج بطلب من زوجها.
سألتها: وكيف تستطعن السير ورؤية الطريق؟ ألا تتعثرن أو تقعن مثلا؟
أجابتني: لا. هذه الثقوب تسمح لنا برؤية طريقنا!
سألتها: ولكن ماذا عن الألوان في الطبيعة والسماء والبحر…كيف ترين الألوان؟
أجابت على سؤالي باستغراب ، وبادرت هي لتسألني : لماذا؟ هل هذا ضروري؟!
قلت: لا. إنّ هذا من باب الكماليات غير الضرورية، يعني "بطر". ..
تركتها وأنا أفكر: هل يفترض بالمرأة أن تحيا بالضروري الذي يبقيها على قيد الحياة، لتقوم بمهمتها التي تنحصر فقط في"تفقيس" الأطفال والقيام بأعباء المنزل؟ إذن لماذا وهب الله اكا إنسان عينين ما دامت عين واحدة تفي بالغرض؟ ولماذا المنخران ، إذا كنّا نستطيع التنفس بمنخر واحد، كما جاء على لسان ابن الرومي في هجاء أحد البخلاء!
يقتر عيسى على نفسه
وليس بباق ولا خالد
ولو يستطيع لتقتيره
تنفس من منخر واحد
بدأ النقاب بتغطية كامل الوجه، ما عدا منطقة العينين، وربما شعرت المنقّبات بمدى سحر وإغراء العينين، وان لغتهما قد تكون أبلغ من كل الكلمات، فبدأن بتضييق المساحة المسموح بها للرؤية، فتمدد النقاب ولم يسمح إلا بظهور بؤبؤ العينين، ولكن خطر الإغراء ما زال ماثلا. فما كان منهن إلا أن أسدلن ستارا اسود واسترحن، وتحول النقاب إلى زنزانة متنقلة ومفصلة على قياسهن!!
لا أستطيع فهم النقاب سوى انه صرخة تقول "أنا كلّي عورة من رأسي حتى أخمص قدميّ". ولا أستطيع أن أرى امرأة منقّبة في بلد أوروبي أو علماني مثل فرنسا على سبيل المثال، إلا وأتخيل مشهد امرأة فرنسية مثلا تسير في بلد إسلامي بملابس "مفضوحة"! فماذا ستكون ردة فعل الرأي العام؟ ولماذا نرضى لأنفسنا ما نرفض أن يفعله غيرنا ؟
أفتى أحد الأئمة في أستراليا، بأن التعري هو الذي يشجع على الاغتصاب وانتهاك الحياء، لكنا رأينا أن المحجبات لم يقدر لهن النجاة من الاغتصاب في حفلة السعار الجنسي، الذي حدث في مصر بشكل مكشوف وفي عز النهار!
في مصر أثار قرار منع المنقبات من دخول الامتحانات، جدلا واستنكارا كبيرين، وعندما كسبت المنقبات المعركة، رأيناهن يباركنَ بعضهن بعضا "بالنصر"، فقد انتصرن على الفقر والجهل والتخلف، وسادت الديمقراطية وحرية الرأي!
هكذا نحن، نختلق قضايا جانبية ، لننشغل عن القضايا والمستحقات الأساسية التي تتطلب منا الجهد والنضال من أجلها، لمواكبة التطورات العصرية، وهذا ما تخطط له الأنظمة التي ينحصر اهتمامها بالحفاظ على عروشها، فقد جاء على لسان إحدى الشخصيات السياسية في معرض حديثها عن الإسلاميين" اتركهم يذكرون الله، وافعل بهم ما تشاء".
ومن غرائب الأمور،أن هذا الغرب الذي نركب المخاطر من أجل أن تطأ أقدامنا رحاب جنانه، سرعان ما نرفضه بثقافته وديانته، ونرفض الاندماج به. فترى أصحاب العرقيات والجنسيات يتجمعون في مناطق خاصة بهم، وقد لا يختلطون بأبناء البلاد إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وسوف يشكل النقاب عائقا حاسما في الاختلاط بالمجتمع بل حتى مجرد رؤيته. من منا يتحمل الحديث مع مجهول، لا يستطيع قراءة تعبيرات وجهه أو بدون التقاء العيون، وهو ما يساعد على التواصل الإنساني بين البشر!
ثم ما أدرانا، ماذا أو من يتخفى داخل تلك الزنزانة السوداء؟ ألم يستعمل بعض اللصوص من الرجال النقاب، للدخول إلى البيوت للسرقة والاغتصاب؟
المرأة في زمن الرسول عليه السلام، شاركت في المعارك، وفتحت منزلها للقاءات الأدبية، حيث يتناقش النساء ويقلن الشعر مع الرجال، وكان أهم تلك المجالس مجلس سكينة بنت الحسين، فهل هؤلاء النساء كن منقبات؟؟
نعم نحن نرضى بالتخلف والعبودية ، نكاية بمن نعتبرهم أعداء الدين!
albakir8@hotmail.com
التعليقات (0)