تطورات المشهد النقابي و مهام المرحلة
par Mohamed Hamda, samedi 28 août 2010, à 15:03
تطورات المشهد النقابي ومهام المرحلة
يعيش المشهد النقابي التونسي على وقع استراتيجيات الغموض التي تنتهجها مختلف الأطراف المكونة للساحة النقابية حيث تحجم قيادة الاتحاد المنتهي تاريخ صلاحيتها بموجب الفصل 10 من القانون الأساسي عن الإدلاء بدلوها أمام الرأي العام النقابي و الوطني إزاء مختلف القضايا التي ينعقد عليها المشغل النقابي الراهن و في مقدمتها المستقبل النقابي للقيادة الحالية ـ إلا في ما ندرـ إذ صرح السيد رضا بوزريبة عضو المكتب التنفيذي بتاريخ 06/06/2010 لجريدة الشروق و تبعه السيد علي رمضان بتاريخ 13 أوت لجريدة الصباح(هل أنها صدفة في شهر رمضان المعظم؟؟؟) و انطوت تصريحات المسؤولين على التقليل من شأن تداعيات معركة الفصل 10 على المستقبل النقابي للقيادة الحالية في مسعى لطمأنة مكوناتها القطاعية و الجهوية والحد من مخاوف أتباعها و مريديها و توظيف بعض الملفات الاجتماعية الساخنة(أزمة نظام أنظمة الضمان الاجتماعي/المناولة/ الجباية الخ...) ـ وكأنها بريئة من التورط في هذه القضايا ـ بغاية خلق حالة من حجب التناقضات الداخلية و التوحد حول القيادة و ذلك على إثر معاينة الحضور المكثف للسجال الذي أطلقه تيار الاستقلالية و اكتساحه لمساحات واسعة صلب الرأي العام النقابي خاصة بعد الإعلان عن تشكيل "اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل" كما يكتفي هذا الأخير وهو في مراحله الأولى بتقديم نفسه للرأي العام النقابي و الوطني في شكل ومضة أفق إصلاحي لمنظمة تنوء بالمتاعب بسب تعمق المأساة/المفارقة النقابية التونسية بين رفعة المكانة الاجتماعية بموجب التاريخ(حضور بارز في محطات التحرر الوطني) و الجغرافيا(انتشار موازي للتنظيم الإداري للبلاد) و الاجتماع(تأطير لتحالف اجتماعي عريض يتراوح بين الأجر الأدنى و 6 أضعافه) و دور وطني في أدنى درجات التأثير على الاختيارات الاقتصادية(عدم رفض منذ 89/1990 استراتيجية الاعتماد على الطلب الخارجي التي تأكدت محدوديتها) والاجتماعية(القبول بالسلم الاجتماعية عبر التحكم القسري في نمو الأجر باعتباره كلفة تؤثر على القدرة التنافسية للمؤسسة التصديرية من خلال "المفاوضات الاجتماعية") و السياسية في مستوى إحجام قيادة الاتحاد عن الدفاع عن الحريات الفردية و العامة(الصمت على مسار امحاء الطابع العمومي للسلطة) في مقابل الحصول على عديد المغانم الشخصية للقيادات النقابية و أتباعها و مريديها في الجهات و القطاعات ـ لشراء صمتها ـ تتعلق أساسا بالإدارة(تشغيل/تسهيلات إدارية الخ...) وهي محاور الخلاف الجوهرية بين تيار الاستقلالية و البيروقراطية النقابية وامتداداتها القطاعية و الجهوية.
لقد كشفت الجولة الأولى(تشكل اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل و بدايات ردود البيروقراطية مباشرة و غير مباشرة واستقوائها بالسلطة) من الصراع بين تيار الاستقلالية رغم تباين مكوناته و تفاوت فهمها لطبيعة المرحلة وبين البيروقراطية النقابية كشفت عن هشاشة موقف هذه الأخيرة و حجم وهنه وضعف حججها وتهافت حجاجها وارتفاع درجة اهتزازها و تشنجها في التعاطي مع الملف وضيق هامش التحرك لديها(لا تستطيع البيروقراطية النقابية فتح ملف الفصل 10 و النزول للجهات و تنظيم النقاش النقابي العام بدور الاتحادات الجهوية في إطار اجتماعات عامة نقابية) وافتقادها للخبرة العلمية في مجال تسويق مواقفها وصلت حد الاختلاق و الافتعال(انظر تصريح السيد علي رمضان بخصوص مزاعم تكليف مؤتمرالمنستير2006 للمجلس الوطني بالنظر في هيكلة الاتحاد و ردود نواب المؤتمر عليه وهي على ما يبدو الخطة التي ستعتمد في سيناريو الانقلاب) وإدراك خبرتها في معالجة القضايا المتصلة بالرأي العام للدرجة صفر ويمكن تفسير ذلك باعتبار عدم التعود على مباشرة قضايا الرأي العام و الانكفاء في المكاتب و التواصل مع المجال العمومي من خلال الهاتف و المقابلات الشخصية و الصدور عن موقع الدفاع عن المصالح الشخصية و الانقطاع عن مطالب الحركة العمالية و المراهنة على العلاقة بالسلطة في مضمار تهيئة المسرح النقابي للانقلاب على الشرعية و الأهم من ذلك الصدور عن رؤية لا ترى غضاضة في اغتصاب السلطة وتبني مواقف غير إنسانية فيما يتعلق بترتيبات العلاقة بين السياسي و الأخلاقي والمخاطرة بالمجاهرة بعدم التقيد بالشرعية و القانون(لم يحسم السيد علي رمضان أمر ترشحه من عدمه للمكتب التنفيذي رغم علمه بعدم جواز هذا الترشح بمقتضى الفصل 10) الأمر الذي يعكس تصورا سطحيا و مسطحا للمجال العمومي و تعقيداته و خصوصية العلاقة بين الفاعل الاجتماعي و الرأي العام النقابي و الوطني.
كما كشفت الجولة الأولى أن زمام المبادرة فيما يتعلق بمعركة الديمقراطية عموما و الفصل 10 تحديدا ليس بيد البيروقراطية النقابية وحدها على وجه الإطلاق حيث لم تحدد زمن انطلاق المعركة و مكانها و بالتالي أصبحت البيروقراطية تتصرف بمنطق رد الفعل و ليست هي من يبادر بطرح عناصر الصراع و ليست من يحدد مراحله وما من شك في أن أبرز لحظات ضعف حجاج البيروقراطية النقابية مطالبته بمساواة الفصل 10 من القانون الأساسي ببقية الفصول و استدعاء منطق المن باستعراض "الانجازات" وهي نفس آليات التفكير السياسي لنظام الحكم و القائمين على شأن الدفاع عنه و تبرير إطالة أمد بقائه.إن أكثر ما تخشاه البيروقراطية النقابية في الفترة الراهنة هو خروج الصراع لأوسع دوائر العلنية أمام أعين العمال و النقابيين حيثما وجد العمل النقابي واتساعه ليشمل أوسع دوائر الرأي العام النقابي و الوطني الممكنة حيث ليس ثمة نضال من أجل الديمقراطية في غياب الرأي العام و من وراء ظهره.
وكشفت الجولة كذلك حقيقة الأجندا الحزبية الضيقة والانتهازية لبعض الأطراف المحسوبة على اليسار و التي لا يرتفع صوتها إلا في علاقة بالإسلاميين أو الخارج من خلال اعتماد سياسة النعامة و الانتصار للموقع بإمداد البيروقراطية ببعض البقاء و تزويدها بالأكسجين النقابي في العديد من المواقع و ذلك مراهنة على بعض المطامح السياسية الظرفية الأمر الذي سيسقط ورقة التوت التي لا تزال هذه الأطراف تختبئ وراءها و أكد تخندقها مع البيروقراطية النقابية عداءها للديمقراطية النقابية و إيثارها المصالح الأنانية الضيقة على خوض المعارك الحقيقية لصالح الشعب و الوطن و ليس من قبيل الصدفة أن تتطابق مواقفها النقابية بشأن تداول النقابيين على قيادة هياكل المنظمة مع مواقفها السياسية إزاء التمديد و التوريث.
كما كشفت الجولة الأولى عن صلابة و عمق إرادة التغيير التي تحدو أوساطا نقابية متزايدة في العديد من الجهات و القطاعات التي كان بعضها حتى عهد قريب محبط و يائس من العمل النقابي تحت قيادة البيروقراطية النقابية بما يفتح المجال لتيار الاستقلالية للمزيد من التوسع و الانتشار و إقناع النقابيين بضرورة خوض معركة الديمقراطية النقابية من أجل الاستقلالية و ضمن هذا السياق باستطاعة نقابيي التوجه الاستقلالي سواء من المتحملين للمسؤولية النقابية أو من المنخرطين في الاتحاد من ذوي القدرة على العمل و تنظيم الصفوف طرح قضية الديمقراطية في فضاءات الاتحاد و عقد الاجتماعات النقابية العامة و الندوات و تشكيل المنابر النقابية لفتح أوسع دائرة حوار ممكنة مع العمال و النقابيين حول قضايا الديمقراطية النقابية و دورها في الترفيع من استقلالية الاتحاد ومردود الحركة النقابية الديمقراطية المستقلة على الحركة العمالية سواء تعلق الأمر بتطور معادلة الأجور/الأسعار في علاقة بالسياسة الاقتصادية القائمة أو مختلف جوانب الخلل في المدونة الشغلية أو طبيعة المحيط الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي الذي تؤدي ضمنه المنظمة النقابية دورها.
إن أنبل معارك البلاد اليوم هي معركة الديمقراطية النقابية صلب الاتحاد العام التونسي للشغل باعتبارها مدخلا لإعادة صياغة علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل بالحكومة و إعادة صياغة تموضعه ضمن الخارطة الوطنية و إعادة بنائها على أسس الندّيّة و ليست علاقة تابع بمتبوع و بالاحتكام لمصالح العمال حيث ليس للعمال مصلحة في عدم تقنين الحق النقابي و حق المفاوضة الجماعية من خلال تشريعات وطنية ملزمة وفي التخصيص المطلق للمؤسسات العمومية دون أدنى احترام لمعايير الشفافية و ليس للعمال مصلحة في تفشي عدم استقرار الشغل و تعمّم مختلف مظاهر الهشاشة الاجتماعية كما ليس لهم مصلحة في تفاقم العبء الجبائي باعتباره من تداعيات النظام الضريبي السائد منذ 1990 وليس للعمال مصلحة كذلك في تدهور نوعية الخدمات العمومية(التعليم و الصحة والثقافة و السكن و النقل) و ليس لهم مصلحة في معالجة أزمة نظام أنظمة الضمان الاجتماعي عبر الترفيع في معاليم الاشتراكات و إطالة أمد الحياة المهنية و تجميد الجرايات بعدم سحب بعض نسب زيادات الأجور عليها وهي وصفة صندوق النقد الدولي التي تسعى لحل أزمة الصناديق الاجتماعية على حساب العمال و المتقاعدين كما ليس للعمال مصلحة في تعطل الحريات الفردية و العامة و خضوعها للمزاج الرسمي.
إن ميزة و فرادة المعركة الراهنة في الاتحاد العام التونسي للشغل تبدو في أنه لأول مرة في تاريخ الصراعات النقابية تكون قيادة الاتحاد وامتداداتها القطاعية و الجهوية في صف الحكومة و ذلك بالنظر لوجود عديد المصالح المشتركة على المحور السياسي(دعم التمديد و التوريث) و الاقتصادي الاجتماعي(عبر المكتب التنفيذي فقط عن انشغاله حيال ارتفاع الأسعار) بينما تتحمل المعارضة النقابية أعباء المعركة منفردة إلا من إيمانها بعدالة قضية الديمقراطية النقابية.
إن التيار النقابي الديمقراطي يمثل اليوم أمل الحركة النقابية و العمالية التونسية في مسعاها نحو كسر القيد البيروقراطي الذي يلفّها منذ عقود وإن تقارب مكوناته و توحدها خلف رؤية مشتركة لطبيعة وظيفة المؤسسة النقابية و أشكال تسييرها الديمقراطية إنما يجسم عصارة فكر الإصلاح الاجتماعي التونسي المعاصر و إن مختلف التجارب المريرة التي عايشتها الحركة النقابية التونسية عموما و تيارها الديمقراطي الاستقلالي تحديدا إنما تشكل نبراسا لاجتراحها أقوم مسالك تحقيق النصر.
محمد الهادي حمدة
التعليقات (0)