احمد علي عولقي
النفس الدنيئة بين القدح والمدح
سلوك الإنسان الاختياري في حياته هي الترجمة الحقيقية والانعكاس الطبيعي لتركيبته النفسية وثقافته وأخلاقه ووازعه الديني ..لان مجموعة حصيلة المعارف والمعلومات والتربية التي يتلقاها ويكتسبها الإنسان خلال مراحل تكوينه المختلفة ، يضاف الى ذلك خبرته الذاتية المكتسبة من واقع الحياة وما يصاحبها من ظروف معيشية ونفسية ومعاناة , تشكل في مجموعها كيانه الفكري وأخلاقه وضميره الاجتماعي الذي يلعب الدور الأساسي في تحديد معالم شخصيته وسلوكه وتصرفاته ـ
تركيبة النفس الإنسانية تحمل في أعماقها نوازع متداخلة ومتناقضة بين الخير والشر وهي فطرة متأصلة في داخله منذ ان خلق الله الإنسان .. كل الناس يدَعون الفضيلة والأخلاق الحميدة وحب الناس وحب الوطن , الكن الذي يفعل ذلك بإماتة وصدق وإخلاص قلائل .. لأن الادعاء شئ والممارسة على ارض الواقع شئ آخر .
أصناف من ذوي النفوس الدنيئة لا تخفق قلوبهم إلا بالكراهية والحقد والحسد , ولا يتكلمون إلا بالغيبة والنميمة لا يعرفون طريقاً للصواب والفضيلة اشرأبت نفوسهم وامتلأت قلوبهم حقد وكرها على كل ما هو ناصع وجميل يعذبهم الصمت تطرب نفوسهم للقدح والمدح المذموم , لهم ألسنة حداد كالكلاب المسعورة وأقلامهم مسمومة فطاحله في الكذب والتزوير يمدحون من لا يستحق ويصفونهم بما ليس فيهم يجعلون من الأشرار أخيار . يحملون نفوس خبيثة , يطلقون لألسنتهم العنان في بذاءة القول حسب ما تستهويهم نفوسهم الشريرة لم يسلم منهم الكرام ولا اللئام على حدً سواء .. يمدحون الأشرار, أهل الظلم والبهتان , الحاكم والسلطان وحاشية الشيطان ..
لم نسمع لهم قولا في من ينهب الأوطان من اللصوص من الجنرالات والشائخ وأصحاب النفوذ وذيول السلطان ومن يغتال أحلام الشبان.
إن سقط الحاكم .. بلا خجل ولا حياء يتسابقون في قدحه وشتمه وإظهار مساوئه وجرائمه ويتزلفون لمن جاء بعده ويظهرون محاسنه ويستعرضون انجازاته وهو لا زال في بداية أمره لم يثبًت نفسه بعد .. على الكرسي الذي يجلس عليه .. وإنما يحجزون لأنفسهم أماكن في العهد الجديد فولائهم دائماً لذلك الكائن الصنم على هيئة إنسان من يجلس على كرسي السلطان ـ لا يهمهم ان سار على خطى السلف أم على وتيرة الشيطان.
المدح المذموم وباء فتاك يغتال الفضيلة ويهلك الشعوب عند ما يكون موجها للحاكم لأنه يؤدي به إلى الغرور والاستعلاء وغياب وعيه عن معرفة ذاته وحقيقة نفسه .. يرى انه خير من أنجبت بلاده , وأنه عليم في كل ما يدور, فهيم في جميع الأمور .. يخطب ويحاضر العلماء والفقهاء في القضاء والفضاء والعلم والتعليم , وانه دائما على الصواب , حينها يصبح الحاكم مدمنا للثناء والإطراء كل من حوله والمقربون منه هم تلك الفئة المنافقة الذي يقلبون له الحق باطل والباطل حق ونفخوه حتى صار كالطبل الأجوف .
دناءة النفس نابعة من قلت الإيمان , وانعدام الأخلاق وموت الضمير وخسة الطبع وحقارة النفس وانحطاط السلوك وقذارة اللسان فقدان الحياء والشعور بالنقص ومجالسة الأشرار.. دنيء النفس جبان لا يُرَى إلاّ طعَّانًا لعانا فاحشا بذيئا كالذباب لا يقع إلا على القاذورات وعيناه لا ترى إلا مساوئ الناس و لا تسمع إذناه إلا فحش القول ينتهك الإعراض يتتبع العورات , يستمتع بأذية الناس .
هناك في الجانب الآخر النفوس الطيبة المشرقة .. صفوة من الرجال يتوارث مكارم الأخلاق وقيم الفضيلة وسمو النفوس وعلو الهمة وطهارة القلوب وصدق المواقف ومحاسن الأفعال والأقوال رجال كالنجوم الوضاءة في السماء , يناضلون بإخلاص ووفاء , قاماتهم شامخة لا تنحني رؤوسهم عالية لا تطئطئ يرفضون الظلم .
رموز قدوة لغيرها تناضل وتقاسي في سبيل مبادئها وتعاني اشد المعاناة في بسالة عجيبة وتمضي الحياة بهم وبغيرهم لكن ملامح الإشعاع في واقعهم والأصالة في طباعهم النبيلة تبقى مضيئة .. يستعيد بها اليائسون ثقتهم , وان الرجال الأوفياء والأبطال الصامدون لا زالوا على تراب الوطن لم ينقرضوا
... وتبقى حصيلة ذلك كله رضاء الضمير وسكينة القلوب واطمئنان النفوس.. للأوفياء والمخلصين رغم شدة معاناتهم وقسوة واقعهم .
دموع القلم : صدق الشاعر حين قال
إن الكريم إذا تمكن من أذى... جاءته أخلاق الكرام فاقلعا
وترى اللئيم إذا تمكن من أذى.. يطغى فلا يبقى لصالح موضعا
التعليقات (0)