منتصف عشرينات القرن الماضي يعتبر الحجر الأساس لفترة بناء الأحزاب والتكتلات القومية في الشرق الأوسط فالمخاض العسير في ولادة الفكرالقومي بدأ بالفعل في الدول العربية وإيران وتركيا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية و الملكية القاجارية في إيران وذلك جرّاء الفراغ الذي تركه هذا السقوط.
لقد تخرّج البعض من القوميين الإيرانيين من مدارس في ألمانيا النازية و أيطاليا الفاشية و فرنسا القومية في تلك الفترة وقاموا بحقن أفكارهم القومية المركّزة في قواعد العداء للعرب بسبب تمثيل الأخير للدين الإسلامي. وكان للأحوازيين في هذا النزاع حصة الأسد بسبب قربهم الجغرافي ونزاعهم التأريخي مع الفرس.
جميع الأحزاب الإيرانية من اليسار الى اليمين تؤمن بوحدة جغرافيا إيران بصورة تصل الى مرحلة التقديس و كأن الحدود الجغرافية الحالية وحي منزل من الله لا يمكن المساس به. و تعارض تلك الأحزاب المساس بالسيادة الوطنية وأي شكل من أشكال الفدرالية والحكم الذاتي و تضع خطاً أحمر على حق تقرير المصير الذي يُفهم على أنه نوع من أنواع الإستقلال .
إنّ من بين أكثر الأحزاب القومية الإيرانية خطراً على الديمقراطية وحق تقرير المصير في جغرافيا إيران هو الحزب العنصري الإيراني " بان إيرانيست" ذو النزعة العنصرية المتطرفة. يعتبر هذا الحزب عرّاب التوجه القومي المتطرّف ضد الأحوازيين . ويدافع بشدة عن حالات القمع والتنكيل بحق عرب الأحواز في عهد الجمهورية الإسلامية خاصة الأربعاء الأسود والتي راح ضحيتها الكثير من الأحوازيين الأبرياء بعد مطالبتم بحقوقهم القومية في مدينة المحمرة عام 1979 .وقام حاكم الأحواز آنذاك الأدميرال أحمد مدني " وهو قومي عنصري ينتمي للأحزاب القومية الفارسية بسحق انتفاضتم دون رحمة.
إنّ الأحزاب القومية الفارسية تختلف مع النظام الإيراني في كل شئ إلا أنها تؤيده فيما يتعلّق بالحقوق القومية لعرب الأحواز .و تقف ضده في حال تساهل أو تسامح مع تلك المطالب القومية و تساند تلك الأحزاب النظام الإيراني في حال اتخذ موقفاً عدائياً و حتى عسكرياً تجاه الأحوازيين وغيرهم من الشعوب غير الفارسية في إيران.
إنّ موقفاً متشنجاً تجاه حقوق الشعوب غير الفارسية في إيران وعلى رأسهم عرب الأحواز من قبل العناصر القومية الفارسية يعطي صورة رمادية لمستقبل الدولة المدنية في إيران وضمانات نجاحها ما بعد سقوط النظام الإيراني الحالي .حيث سيقف هؤلاء وعددهم غير قليل بوجه طموحات الشعب الأحوازي بالحصول على حقوقه القومية حتى في إطار الدولة الإيرانية ناهيك عن موقفهم إزاء الإستقلال.
من هنا لا بدّ لهؤلاء القوميين العنصريين أن يعيدوا مراجعة أفكارهم وأن يعترفوا بأن زمن صهر الشعوب في بوتقة الدولة الواحدة و اللغة والثقافة الواحدة قد ولّى دون رجعة .فاليوم نحن نعيش في قرن جديد يُطلق عليه "قرن الشعوب" والذي سيتكلل بإحقاق الشعوب حقوقها عبر مظاهر مدنية ديمقراطية مهما كان سقف المطالب وحجمها لو كانت تتّسم بالطابع السلمي وهذا لا يستثني إيران طبعاً.رغم أنّ الأحزاب القومية الإيرانية مازالت تعيش في مرحلة منتصف عشرينات القرن الماضي الذي يعتبر التجربة الأولية لتأسيس الأحزاب والتكتلات القومية في الشرق الأوسط إلا أنّ ذلك لا يعني أنهم قادرون على الوقوف بوجه إرادة الشعوب التي لا تقهر.
التعليقات (0)