استطاعت اللهجة المصرية أن تلج كل البيوت من المحيط إلى الخليج بفضل التلفزيون. فقد احتلت المسلسلات و الأفلام السينمائية مختلف الشاشات في السنوات الأخيرة على الخصوص. لذلك لا يختلف اثنان في الحضور السينمائي الوازن لمصر التي يحتل الممثلون فيها مكانة بارزة، تكاد أسماؤهم تتردد على كل الألسنة نظرا لكثرة تداولها. و الأحداث التي تجري هذه الأيام في القاهرة و غيرها من المدن لا تخلو من بصمة سينمائية.
على سبيل السخرية الهادفة يعلق بعض الظرفاء على ما يجري في أرض الكنانة منذ 25 يناير بالقول: " إنه أول فيلم تونسي يعرض في مصر" . و هي إشارة واضحة إلى استلهام الثورة التونسية من طرف المصريين. و إذا كانت كثير من القصص السينمائية تتشابه فإن نهايتها لا تكون بالضرورة واحدة. و يبدو أن النظام المصري على الأقل لا يريد أن تكون نهاية الثورة المصرية نسخة طبق الأصل لما آلت إليه ثورة الياسمين في تونس. لذلك فإن الفيلم التونسي المعروض الآن في ميدان التحرير وسط القاهرة يتعرض لتشويش شديد من طرف النظام الحاكم في محاولة لتغيير السيناريو و المخرج و الممثلين أيضا. و قد بدأت تفاصيل هذه الخدعة السينمائية منذ جمعة الغضب حينما عمدت الدولة إلى التخلي عن واجبها في حماية الأمن العام عندما انسحبت الشرطة من مواقعها، لتطلق العنان للبلطجية لكي يعيثوا فسادا في الأرض و العباد. و رغم أن المسؤوليات واضحة في ما جرى فإن مسرحية النظام تواصلت بكل فجاجة و بألوان حربائية، حيث عبر عدد من المسؤولين عن اندهاشهم لانسحاب الشرطة و دعوا إلى فتح تحقيق بهذا الشأن. إنه الضحك على الذقون. لكنه ضحك مبكي في مسلسل الأحداث المصرية...
يعرف العالم بأسره أن مطالب المتظاهرين واضحة و لا تحتاج لتأويل. و خلال المسيرات المليونية التي عرفتها مصر يوم الثلاثاء 1 فبراير كانت الرسالة محددة، وبصوت واحد صدحت حناجر المصريين " الشعب يريد إسقاط النظام". و جاء الخطاب الموعود. لكن المطلب الأساسي لم يتحقق. و الشباب المتظاهر يعتبر أن الوعود التي تضمنها خطاب مبارك هي محاولة للإلتفاف على مكاسب الثورة. إنهم يريدون رحيل النظام " الآن الآن، و ليس غدا ". لكن الغد ( الأربعاء 2 فبراير) كان يحمل مفاجأة جديدة في سيناريو الفيلم البديل الذي يخرجه النظام بعنوان: " النظام يريد إسقاط الشعب"، فقد أصبح ميدان التحرير حلبة لمعركة ضارية بين المتظاهرين المرابطين في الساحة و مهاجمين تم تقديمهم في وسائل الإعلام على أنهم موالين لمبارك. طبعا فالصناعة السينمائية تتطلب رؤية ثاقبة لا يمتلكها الجميع. و عندما يعجز أبطال الفيلم عن أداء لقطة ما فإن المخرج يستعين " بالكومبارس". و مرة أخرى كان " البلطجية " في الموعد، مادام رجال الأمن لا يستطيعون هذه المرة التنكيل بالمتظاهرين بالزي الرسمي لأن العالم كله يتابع عبر شاشات التلفزيون ما يجري في الساحة. الممثل البديل إذن كان هو الخيار الأفضل، فالأمر يبدو للمشاهد على أنه مواجهة عادية بين فريقين أحدهما موال للنظام والآخر معارض له. لكن كل التاريخ السينمائي الحافل لمصر لم يمنع المخرج من ارتكاب غلطة العمر عندما ألقى بالكومبارس و هو يمتطي الخيول و الجمال إلى أرض المعركة. و بدا أن النظام نجح بدون أن يدري في ضخ مزيد من الدماء في شرايين الثورة المصرية.
إن كلام الليل الذي يمحوه النهار لم يعد ينطلي على هذه الجموع الغفيرة التي أصبحت على استعداد تام لمتابعة عرض الفيلم التونسي على أرض مصر. أما الفيلم الذي يعرضه النظام فسيكون مصيره هو أرشيف المهملات، وهو في أحسن الأحوال يستحق جائزة أوسكار لأضعف إخراج و إنتاج و بطولة و سيناريو... محمد مغوتي.03/02/2011.
التعليقات (0)