النظام القمعي والقامات الشامخة

من الطبيعي أن يلجأ النظام القمعي إلى طمس وطمر القامات العالية الشامخة الذكية من الشعب لأنها تشكل عائقا للنظام ومنارة تؤدي في النهاية إلى وفاة النظام وانحلاله ...ولذلك فالتخلص من هؤلاء الأذكياء الشرفاء هو الضمان لبقاء النظام الشمولي القمعي الدكتاتوري....ومما يساعد الحكومة القمعية البوليسية أن هؤلاء الشرفاء عادة ما يكونون مسالمين بطبيعتهم ويبتعدون عن الصدام مع السلطة حرصا على أمنهم وسلامتهم وإيمانا أن الصراع محسوم لصالح النظام لأنه يملك المنع والمنح والتقدير والتعذيب وبسط اليد وتكويرها في شكل قبضة تكيل اللكمات تحت الحزام لكل شريف يعارض أو يشرح أو يفضح........مارست الحكومات المصرية هذا المنهج حتى ظهر من الشرفاء من لا يخاف ولا يهاب سطوة الدولة ويتمتع بقدر من الشجاعة ليقول كلمته في ميدان التحرير ..ولأن الغضب كان شاملا أغلب فئات الشعب فكانت الثورة أعجب ما أنتج التاريخ من ثورات الشعوب...وقد أعجبتني جدا عبارة قالها الشاعر تميم البرغوثي في قصيدة جديدة أن الشعب الذي صنع الفرعون قادر على تحطيمه...وإن من أضخم الإنجازات والتي تكفي بحدها أن تكون شاهدا على نجاح الثورة المصرية أن تحدد فترة الرئاسة في أربع أو خمس سنوات وبصراحة نحن المصريين لم نكن نحلم بهذا الإنجاز في عصرنا الذي عشناه ...وهذا الإنجاز العظيم يكفي وحده لتصحيح المسار كلما اعوج أو تحول وهو مقود الدولة الذي يشبه مقود السيارة والذي يضمن تعديل مسارها في الطريق وبدون هذا المقود لا نستطيع قيادة سيارة ...وبدون هذا التعديل في الدستور لا تستطيع الدولة أن تنجو من الوقوع في الدكتاتورية وإنتاج الفرعون مرات ومرات...بقي أن ينسحب هذا التعديل (تحديد فترة الرئاسة) على مناصب الوزراء والمحافظين والمدراء ورؤساء القرى والمدن...لقد حان وقت جريان الماء في أنهار السلطة لكي لا يتعفن كما تعفن من قبل حين ركد عند السلطة الرئاسية لمدة ثلاثين عاما ...فهل ترى أن الماء إذا ركد في بركة ثلاثين عاما ألا يتحول إلى مزرعة من الميكروبات والجراثيم والثعابين والحشرات من أمثال العادلي وعز وجمال مبارك وسرور وصفوت الشريف وأقرانهم...إنها منتجات طبيعية للركود والعفن السياسي...