مواضيع اليوم

النظام العالمي "النووي" الجديد!

ممدوح الشيخ

2009-12-10 16:38:35

0



بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com
بانهيار الاتحاد السوفيتي انهار نظام دولي أعقبته حالة سيولة ربما كانت مستمرة للآن، لكن النظام المختفي حلت محله أوضاع مؤقتة، فيما ترك وراءه قضية معلقة هي "النظام النووي العالمي". فقد كان الصراع النووي بين حلفي الناتو ووارسو صفحة مثيرة من تاريخ العالم، وكانت "الحقيبة النووية" رمزا للرعب المتبادل عبر الأطلسي. والانتشار النووي الذي أعقب الموجة الأولى من التفجيرات النووية رسم خريطة أخرى للانتشار النووي وبالتالي أصبح هناك نظام نووي عالمي جديد. ومع تغير النظام العالمي بقي الوضع النووي من ذيول حقبة مضت لم ترحل برحيل حالة المواجهة النووية الأمريكية الروسية.
قد أطلت المشكلة برأسها مع تصاعد القلق الدولي من المشروع النووي الإيراني، لكن الخريطة النووية وكذلك ثوابت النظام النووي تشهدان مهمة. أهم التغيرات موقع الرادع النووي في العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا. فهذه العقيدة تحتفظ بالبند الذي تضمنته سابقتها حول حق روسيا في توجيه ضربة نووية وقائية كرد على أي "تهديد حرج" لأمن روسيا.
ولا توجد اختلافات مبدئية في العقيدة الجديدة مقارنة بالعقيدة العسكرية التي تم تبنيها عام 2000. إذ بقيت الأسلحة النووية الوسيلة الرئيسة للدفاع عن أمن البلاد. لكن الغريب أن العقيدة العسكرية السوفيتية كانت تنظر لاستخدام السلاح النووي كرد على ضربة نووية معادية فقط، بينما إمكانية الضربة النووية الاستباقية ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أسس العقيدة العسكرية الروسية عام 1993، من ثم في العقيدة الصادرة عام 2000. ما يعني أن النظام السوفيتي الأيديولوجي الشمولي الذي كان يملك ثاني أكبر ترسانة نووية في العالم كان أكثر تحفظا في التعامل مع الخيار النووي من النظام الروسي (القومي) الذي يجتهد في تصوير نفسه كنظام ديموقراطي رشيد!
ويكاد يتزامن إقرار الاستراتيجية الجديدة مع توقيع معاهدة أمريكية روسية حول تقليص الأسلحة الإستراتيجية الهجومية، أي أن روسيا تتجه لإغلاق باب الصراع النووي مع الغرب نهائيا، فيما تفتح الباب لاستخدامه إقليميا. والمعاهدة الجديدة ستحل محل معاهدة الأسلحة الاستراتيجية السارية حاليا (ستارت ـ 1)، التي وقعها الاتحاد السوفيتي وأمريكا عام 1991 لمدة 15 سنة. والمعاهدة القديمة دخلت حيز التنفيذ عام 1994، وتنتهي فترة سريانها في ديسمبر 2009. وهي تلزم كلا من موسكو وواشنطن بتقليص الرؤوس النووية إلى 6000، ووسائل حملها الإستراتيجية إلى 1600.
والتوجه الأمريكي الروسي لتحييد الخيار النووي يترافق مع توتر نووي متصاعد في ملفي كوريا الشمالية وإيران، إلى جانب مخاوف حقيقية بشأن أمن الترسانة النووية الباكستانية في بلد يشهد صراعا ضاريا مع جماعات أصولية مسلحة يخشى كثيرون من وصولها للترسانة النووية الباكستانية. لكن القلق على ما هو أمني وفني ليس البعد الوحيد للملف النووي الباكستاني فقد أعلن مؤخرا – فجأة – تخلي الرئيس الباكستاني آصف زرداري عن "الزر النووي" لرئيس الوزراء. وهو متغير سياسي مهم في باكستان، فتخلي رئيس الدولة بهذه الصورة، عن الزر النووي معناه تخليه عن إحدى الآليات الأساسية للسلطة، ما يعني أن كل نظام السلطة العليا سيتغير حتما. والمشهد يشبه، إلى حد ما، إرغام الرئيس السابق برفيز مشرف على التخلي عن منصب رئيس الأركان!.
القرار تم "تجميله" ديموقراطيا وأعلن السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية بشكل مهيب، أن زرداري يرفض بشكل نهائي بهذه الصورة التسلط الفردي الذي كان من صفات الرئيس السابق برويز مشرف، وهو ما يعززه تصريح الرئيس زرداري بأنه يعتزم التخلي عن حقه في حل البرلمان وعزل رئيس الوزراء. وكان الإشراف على سلاح باكستان النووي كان على الدوام من اختصاص قيادة البلد العليا، وفريق من العسكريين والمخابرات. وبعد انتهاء فترة رئاسة برويز مشرف أصبح وضع الترسانة النووية غامضا!
"النظام العالمي النووي الجديد" لن يكون واضح المعالم قبل حسم الملفات العالقة وفي مقدمتها الملفان النوويان لكوريا الشمالية وإيران. ويؤكد الموقف الدولي الإيجابي إزاء الملف النووي الهندي أن الديموقراطية "صمام أمان" يجب توفره في النظم السياسية التي يقبل المجتمع الدولي امتلاكها سلاحا نوويا.
من ناحية أخرى فإن "الثنائيات النووية" يمكن أن تشكل كابوسا يهدد أمن العالم بشكل جسيم، فالأمريكيون يلوحون للصينيين مهددين بأنه في حال توسع انتشار الأسلحة النووية فليس من المستبعد أن تنزل اليابان الحلبة، ورغم أن التلويح مستبعد حدوثه إلا أن تخيله كفيل بإثارة حالة من القلق غير مسبوقة.
فخريطة انتشار الأسلحة النووية يمكن أن تتغير جذريا، فمثلا، في حال قررت كوريا الجنوبية الرد على التهديد النووي الكوري الشمالي بامتلاك الخيار النووي، أو قررت اليابان موازنة الورقة النووية الصينية بنزول المعترك النووي، فإن العالم كله يمكن أن يصبح رقعة شطرنج نووية.
وليس من شك في أن إسرائيل تمثل "الثقب الأسود" الأكثر خطرا في النظام النووي العالمي، فهي تناور في الاعتراف بامتلاكها السلاح النووي، ولا تحقق المعايير الدولية في الإفصاح والشفافية، وترسانتها النووية في واحدة من أخطر نقاط التوتر في العالم.
وبينما يمتد نطاق المشكلات النووية جنوبا وشرقا (كوريا الشمالية – إيران – باكستان) تصبح موسكو في دائرة النار أكثر، وهي بقدر ما تخشى المتغير الجديد فإنها تحاول الاستفادة من "الورطة"، وقد طرحت موسكو مؤخرا مسودة اتفاقية جديدة للأمن في الساحتين الأوراطلسية والأوراسية كاشفة عن طموحها لأن تكون كبير مهندسي "النظام الأمني العالمي الجديد"، وهو ما اعتبره البعض يشبه مشهد إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون (1918) خطة لترتيب البيت العالمي عقب الحرب العالمية الأولى.
فهل تشهد السنوات القليلة القادمة ميلاد واستقرار نظام أمن عالمي جديد، وفي القلب منه نظام نووي عالمي جديد؟




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !