مواضيع اليوم

النظام السوري دبر امره بليل

سلام الهدى

2011-05-09 21:16:20

0

 

نظرة واحدة الى تصرفات النظام السوري في سورية (ومن وقف في صفه كحزب الله وايران ) تظهر انه قد دبر امره بليل وبدا واثقا من امره في التجهيز (بغباء)  للثوب الذي سيسرق فيه المأذنة على قول المثل القائل (الذي سيسرق المئذنة سيحضر لها الثوب الذي سينقله بها). فهو اولا جهز اجهزته القمعية لقمع المتظاهرين وبعدها جهز لحربه الاعلامية بتحضير السحره المفترين الذين يعرفون مقدما انهم لن ينجحوا في مهمتهم لانهم مأجورون اولا ولانهم يدافعون عن باطل زاهق سيجمعه الله (الذي عنده مكرهم )  جميعاعلى بعضه ويركمه ويجعله في جهنم وسيكونون من الخاسرين. ولذلك فالمحتجون (حسب النظام) هم سلفية ومتامرون والضباط الذين يرفضون رمي المتظاهرين بالرصاص يقتلون على ايدي زبانيتهم و تقوم السلطات باتهام  المحتجون او العصابات بقتلهم وهكذا دواليك الى ان يصل الحل الامني الى نهايته كما قال الفرعون بشار انه مستعد للقتال ولو ادى ذلك الى فقد ثلث الشعب السوري.

وهنا لابد من النظرة التحليلية الى الاساس الطائفي  لهذه الحالة اليائسة للنظام السوري  او (المجتمعات العربية) الذي بدأ يتخبط في في خطيئته والتي يعلم ضمنا انه لن يخرج منها بسلام بعد ان اريقت الدماء وتوسعت الثورة الى اكثر من ثلثي المدن السورية وكما لابد من الملاحظة الى ان النظام السوري يريد جعل المواطن مخير بين "الاستبداد" أو "الطائفية " وبالتالي "الحرب الأهلية"، وهو خيار تفرضه السلطة دون أن يتمكن المواطن حتى من "حقّ الاختيار" بين السيّئ والأسوأ

 عندما انتقلت شعلة الأحداث إلى درعا السورية، عقب خطأ في التعامل الأمني أعقبته سلسلة أخطاء  حدثت بقصد او بغير قصد على المستوى الإعلامي أدت إلى تجيش الفئات الموالية للنظام في مسيرات استفزازية ساهمت بشكل أو بآخر في تحريض عوامل الانتفاض -الموجودة أصلاً- في عدة محافظات، كانت شرائح كبيرة من سكانها قد هُمشت واضطهدت لفترة طويلة فرُفع سقف المطالب من إصلاح النظام إلى إسقاطه.

بعدها تلت موجة الاحتجاجات تضمينات وتلميحات حول طائفية الاحتجاجات بعد الإقرار والتأكيد على مشروعيتها على لسان المسؤولين أنفسهم، تلتها حملة منظمة في وسائل الإعلام الحكومية و"شبه" الحكومية وتعليق بوسترات وشعارات في كافة الشوارع، بحيث لا يمكن للعين أن تتفادها "كطائفتي سوري" و"لا للطائفية" و"لا للفتنة" وهي حقٌ يراد به باطل، فهي تُسهم بصرياً في التأثير على الدماغ وتسريب الفكرة الطائفية وجعلها أكثر من فكرة لتتحول إلى"أمرٍ واقع.

 جذور و تأصل العنصرية في المجتمعات العربية

ان السلاح الذي يحاول ان يضغط به منطق الفكر الطائفي و الذي يتحرك من خلاله النظام لا يسمح في الحقيقة سوى بواحدٍ من اثنين: إما الإبقاء على القائم، بتأبيد النظام وتأبيد أزمته، وإما الذهاب في منطق نظام القائم حتى نهايته، ونهايته تفجير النظام في مجتمعات طائفية متعددة…

 

ان هذا المنطق  ليس وليد اللحظة، وإنما نتيجة طبيعية لمجتمعٍ محكومٍ وحاكمٍ في آنٍ واحد وفق عقلية السلطة الأبوية الهرمية، وهي خاصية تشترك فيها معظم المجتمعات العربية والشرقية بشكلٍ عام، فالأب هوالحاكم ويُمثل السلطة المطلقة، وهو مصدر القوانين والتشريعات، والناظم للعلاقات داخل البيت وخارجه وحاكم الزمان والمكان.

  ان شبح الطائفية أو الحرب الأهلية الذي يلوّح به النظام في جانبٍ منه ليس إلا أحد الإفرازات المتأصلة  للتربية الاجتماعية (الدينية أو الإثنية او الطبقية) التي تبدأ في المنزل لتتجذر في المدرسة وتنمو في إطار التحزبات الدينية أو السياسية أو القبلية، منتجةُ عنصرا اجتماعيا مهيئاً في أي لحظة للانخراط مع "مثيله" الذي هو بالضرورة "صورة" تكاد تكون طبق الأصل عن أفكاره ومعتقداته، وهنا بعيدا عن ثقافة المواطنة والعيش المشترك لا مكان للثقافة الفرديةالتي تتعامل مع الإنسان كفرد بل يتم الخلط المتعمد ما بين الفردية والأنانية، وتنحصر تصرفات الفرد والإبداع الفردي والهوية الفردية  ضمن الجماعة، سواء أكانت هذه الجماعة إثنية الطابع (كرد، عرب، أرمن، سريان، آشور، بدو…) أو دينية (إسلامية، مسيحية، يهودية، يزيدية…) أو طائفية (سنية، علوية، إسماعيلية، درزية، مرشدية، كاثوليكية، أورثوذكسية، بروتستانتية…) أو مزيجاً بين الإثنية والدينية أوالإثنية والطائفية (أرمن، سريان)

وعلينا ان لاننسى ان التربية في البلاد العربية ذات التعددية الثقافية، تتسم بتوريث ذاكرة انتقامية وعقلية ثأرية وكراهية لأفراد الجماعات الأخرى، رغم غياب تفسير سبب الكراهية أو دافع الانتقام المزعوم؛ ومن ثم يتحول "العيش المشترك" إلى حالة من "التعايش المشترك" تختلف ديمومتها بحسب استقرار البلاد من الناحيتين السياسية والاقتصادية. ويتحول التاريخ من مجموعة من الأحداث التي تمت في "الماضي" إلى "سيرة ذاتية" تستقي منها كل جماعة ما تراه "دافعاً ومبرراً" للاقتصاص من إخفاقٍ أو إهانةٍ أو مجزرة أو نكوصٍ في الماضي، ومحاولة ردّه في "الحاضر"على ورثة "المتسبّب" الذين ولدوا بالصدفة تحت اسمه، الأمر الذي يُجذّر من "ثقافة الطائفية" في المجتمع على حساب "ثقافة المواطنة"، ويجعل منها كتلة سرطانية مهيئة في أية لحظة -بحسب مناعة جسد الوطن- للتحول إلى كتلة سرطانية خبيثة، كما يجعل العلاقة بين الجماعات سادية الطابع في حلقة دائرية مغلقة!

ولا يمكن وصف النظام السوري بأنه نظام "علوي"  ولكن اختلطت فيه جذور العنصرية و استفاد منه "فاسدون" من كافة الطوائف دون استثناء مثلما تضرّر منه "مواطنون" من كافة الطوائف، وهذا التوصيف بحدّ ذاته يحمل مضامين طائفية، وينهل متبنّي  الخطاب الطائفي من ثقافة الانتقام التي أشرنا إليها والتي تتعامل مع التاريخ كسيرة ذاتية لتبرير نياتها الانتقامية، ويتجلى ذلك أيضاً في بعض الشعارات والهتافات والدعوات الجهادية التي أطلقت في عدة مناطق سورية (ان صدق النظام). الأمر الذي حرّك أكثر الغرائز بدائية وهي غريزة "الخوف" التي تدفع الفرد الذي يظن نفسه مستهدفاً إلى التقوقع مع جماعته التي تمثل قطيعاً يخشى زوال ما تبقى من سلطة القانون - الفاسد - وسيطرة شريعة الغاب.

ان على الجميع ان يدرك ان واقعاً جديداً قد ولد وهو "اللاعودة إلى ما قبل درعا"؛ فانتصار الخيار الأمني للنظام سيجلب كارثة دموية على السوريين، في حين أنّ انتصار الخطاب الطائفي سيترافق لا محالة مع كارثة الحرب الأهلية.

وهنا لابد من الاشارة الى خطر اكبروهو اعتباربعض الفئات المنتمية إلى الطائفة الأكبر "عدداً" أنّ مسألة "استعادة السلطة المسلوبة" حقٌ مشروع،  وبذلك يتم تضخيم مشكلة التمايز الثقافي (الإثني أو الديني) لدى الأقليات لتتحول إلى مشكلة وجودية ومشكلة تأكيد للهوية والاستقلالية بدلاً من الاندماج والتعبير عن غنى المجتمع ووحدته، مما يؤجج عناصر الصراع والتفتيت والانقسام ضمن النظام الاجتماعي نفسه ليعبر بشكلٍ أو بآخر عن الصراع بين طبقات اجتماعية (أهل المدينة وأهل الريف والجبل)

 لذا ينبغي على الحركة  الثورية الشعبية الالتزام الصارم باللاعنف الذي ما زال غريباً عن المجتمعات العربية التي تتغزل ثقافتها بالموت والشهادة والانتقام وصليل السيوف، رغم أنّ المقاومة اللاعنفية قد أثبتت نجاعتها عبر التاريخ (غاندي، مارتن لوثر كينغ، مانديلا، الدالاي لاما، مبارك عوض…)، وعلى الحراك الشعبي أن يعزل ويحاصر أصحاب الدعوات الطائفية والدينية والاثنية والانتهازيين الراغبين بالتزلج فوق أمواج الحرية مهما بلغت ضآلة تأثيرهم أو وجودهم على أرض الواقع، كي لا تُمنح السلطة ذريعةً لإجهاض حلمٍ كان ممنوعاً زهاء نصف قرنٍ تقريباً، لانريد ان  نستيقظ بعده وهراوة رقيبٍ أمنيٍ يرتدي جسدنا ويجعل منه كابوساً..!

كما انه ليس أمام السوريين "سلطة" و"شعبا" سوى تبني سياسةُ عقلانية واضحة وفورية، بدلاً من إحلال ثقافة الطائفية التي تعكس أمّية في الموطنة، وتكريس الكراهية واستحالة الحلّ عبر تراشق الاتهامات ورفع شعارات فضفاضة لن تبني وطناً بقدر ما ستخلق أرضاً بوراً تغطي سطحها قطعانٌ من السلاحف المتقوقعة.
بالاضافة الى انه لابد من توسيع الخطاب السياسي لهذه الحركة الشعبية ليشمل كافة الاطياف ويحتويها ويمثل مطالب عريضة تتحد عليها كافة الفئات الشعب.
واخيرا علينا ان نعلم ان مخاض التخلص من الطائفية التي نعاني منها قد ياخذ منا زمنا طويلا ووعيا لكي تكون حركة المجتمع نحو السلامة هي وليدة الافعال وليست ردة افعال لعوامل  قد نقف مكتوفي الايدي  امامها ولن نستطيع السيطرة عليها وتحويلها الى مصدر قوة للمجتمعات العربية. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !