النظام الرسمي : كيف نجح حزب الله في تطويعه , وفشل الآخرون في محاورته ,
إشكالية الحوار بين الأنظمة الرسمية وأحزاب المعارضة .
من المنطقي أن النجاح والفشل مقرونا بأسبابه حكما , والمنطقي أيضا أن النجاح والفشل هما نسبيان لامطلقان , وإذا تبين أن أحدهما يسير بشكل مطلق ,سواء الى النجاح أو االفشل وبشكل دائم, فلابد أن هناك شئ ما . ياترى مالذي جعل حزب الله ينجح في كل شئ وعلى كل المستويات والأصعدة دون توقف عند حد معين , ودون إستثناء , حتما , النتائج مرتبطة بالمقدمات , المعروف من سيرة هذا الحزب, أنه ترعرع على أرض رخوة , وبيئة مليئة بالتناقضات ,إذن كيف صنع هذا الحزب كي يحرث هذه الأرض, ومن ثم يدق الركائز الخرسانية فيها , وبالتالي يبني صرحه الشامخ والصلب عليها ؟, من المؤكد أنه عمل على إمتلاك الأدوات والآلات التي مكنته مما وصل إليه .
في علم النفس التربوي الإسلامي ( وليس خزعبلات الغربيين ) هناك قاعدة تقول :: إذا أراد أي من المشتغلين في سلك التعليم النجاح عليه أولا, ان يدخل الى قلوب الدارسين, من أجل إشغالهم بشخصيته , ثم يعمل على كسب ودهم , وهو الطريقة الناجحة, في أن يجعل منهم آذان صاغية لما يقوله, وبهذا يمكنه أن يحقق نسبة نجاح جيدة يكافأ عليها أولا , وبالتالي هو ادى رسالته التعليمية بشكل مرض , يبدو أن حزب الله إشتغل بموجب هذه القاعدة, ويبدو أيضا أنه حقق نجاحات باهرة ومتسارعة وبدرجات متصاعدة , وهذا مما تبين لنا لاحقا , ياترى ماهذه الأدوات والآلات التي حرث بها تلك الأرض, وكيف غرس أسنانها من أجل قلبها, وإحداث تلك الفجوات الكبيرة والعميقة كي يدق تلك الركائز الشامخة فيها .
هل المشروع الذي طرحه الحزب, هو السبب, أم أن الناس آنذاك كانت بحاجة الى ماهو جديد , أم شخصيات سياسية ظهرت على الساحة, فإلتف الناس حولها , أو أن هذه الأسباب مجتمعة ؟, من المعروف ان الساحة اللبنانية السياسية كانت تعج بالأحزاب العتيدة وقتذاك , والتي تعبر عن الكثير من الأفكار , الدينية والقومية والإجتماعية والأممية والتحررية ........الخ , وكل هذه كانت تمثل طيفا معينا من الشعب اللبناني , وهي بنفس الوقت دائمة الصراع فيما بينها, وكل يدعي أنه الممثل الوحيد لتطلعات ذلك الشعب , عليه لابد أن يكون هو الحاكم من اجل تنفيذ برامجه المختلفة , وخلال تلك الحقبة الزمنية, لم يحصل الشعب على الحد الأدنى مما كان يطرح من قبل تلك الأحزاب , فضلا عن أن من ضمن هذا الشعب, كانت بعض الفئات المهمشة والمهضوم حقها, وليس هناك من يدافع عنها , إذن الوضع السياسي كان مرتبكا وليس مستقرا , هذا عن الداخل , أما الخارج , فعلا أبواب لبنان, يقف العدو اللدود للإنسان والإنسانية , وهو حر في الدخول في أي لحظة يقررها, وليس هناك من يمنعه أو يقول له إبتعد أو على الأقل يوقفه, ألا وهو الكيان الصهيوني, فالحزب ولد من هذا المخاض .
لقد ركز الحزب على أخطر بقعة من أرض لبنان وهو الجنوب , ونشوئه كان عقائديا , أي أنه إتجه الى الإتجاه العقائدي في نشر عقيدته السياسية , ولذلك عمد الى بلورة مفردات الوعي العام لسكان الجنوب على هذا الأساس , وأعاد صياغة الوعي الجمعي لدى العامة من الناس, على أساس أن كل هذه المعاناة الحياتية وتداعياتها , هي بسبب هذا العدو الصهيوني الجاثم على صدر الجنوب أولا , وحالة التهميش المفروضة عليهم قسرا من قبل من لايؤمن بوجودهم أصلا , فماذا يريد هؤلاء الناس , تصور أنه يأتي من ينقذهم ويحررهم من قيود داخلية وخارجية , هل من المعقول يتركوه وحده في الميدان , قطعا لا , فكان الإلتفاف حول هذا المشروع المقاوم ورجالاته المضحين بأنفسهم وأبنائهم وزوجاتهم قبل الآخرين , فضلا عن زهدهم وترفعهم بتفاصيل الحياة ومغرياتها , إلا ماهو ضروري لديمومة جهادهم .
تأريخيا لم يعرف أن حزبا سياسيا قد ولد من هذا الرحم الضيق , وهو يحقق كل هذا النجاح الخارق , إنما من خلال معرفتنا المتواضعة , كل الأحزاب كانت اما بعلم الأنظمة الرسمية أو هي المؤسسه له , كي توهم الناس بوجود معارضة أو ماشابه ذلك , أبدا لم يكن هذا التقدم الى الأمام من قبل الحزب خال من التضحيات. بل أنه قدم أغلى مايملك من آباء وأمهات وأبناء وبنات , وهؤلاء هم اللبنات الأساسية في هذا الصرح العظيم , فكانت هذه التضحيات, هي أولى المفردات في المشروع الحزبي الذي تقدم به , ألا وهو الدم, من اجل إرواء تلك الأرض والأجساد لإعلاء البناء .
إذن ,لم تكن الولادة سهله بل عسيرة جدا, والمشروع لم يكن نظريا بحتا, بل ذيل بالتضحيات المرئية الجسام التي قدمها الحزب , وعلى كافة الأصعدة , فهو على الحدود الملتهبة عنوان التضحية والجود بالنفس , وهو في العمق , يدعم ويبني ويحرث ويزرع ويرعى ويغرس ويحصد ويجني ويعلم ويعالج , مامن جانب حيوي له علاقة بذلك الجنوبي إلا وسبر غوره, للوقوف على حاجاته ومتطلباته اليومية , يقاوم بيد ويبني بيد , ينزف دما للدفاع عن وطنه وينضح العرق في بنائه , كل هذا على مرأى ومسمع من العالم كله دون إستثناء .
مسلسل الإنتصارات التي حققها الحزب , في الحقيقة هي من النوع الخارق إذا ماعرفنا حجمه , عددا وعدة , وإذا ما وقورن بما يملكه العدو , مستذكرين من حيث إنصاف هذا الحزب , أن كل الطيف الإسلامي العربي, لم يكن يحقق أي إنتصار على هذا العدو, منذ زرعه على أرض فلسطين ولحد الساعة , فكيف لايلتف الناس حوله ! , بعد هذه الإنتصارات المتلاحقة , والمصحوبة بالتضحيات بالغالي والنفيس , وبعد إتساع رقعة عمل المقاومة , طالبت الناس بتمثيلها في الفريق الحكومي , وهذا بحد ذاته مفاجئة كبيرة وضع الحزب أمامها , كما قلنا المشروع المعمول به سياسي مقاوم , ولم يكن يوما من بين مفرداته العمل الحكومي , لكن بما أن الحزب مادته الأولى هم الناس, وما وجد إلا من اجلهم , كان لزاما عليه أن يرضخ لمطالبهم , رغم علمه بعدم وجود الظروف المهيئة لذلك , لكنه وقف عاجزا أمام إرادة الشرفاء من أبناء الوطن , وأمام التحديات المحدقة بالوطن في الداخل والخارج , وبروز البعض الذي يريد أن يجعل من لبنان ساحة متقدمة لمرور المشاريع المعادية لشعبه وجيرانه , إضطر الحزب الى تقديم مشروعا حكوميا يكون فيه أحد الأطراف المشاركة فعليا من أجل تمثيل من وضعوا فيه الثقة وعلقوا عليه الامال .
هنا مرحلة جديدة من حياة الحزب , هل يمكنه النجاح والإستمرار فيها؟ , إذن لابد من الثبات والإصرار على المضي قدما بهذا الإتجاه , من أجل تحقيق الموازنة في التمثيل السكاني , وتهذيب المكاسب , ودعم الخدمات , هنا وصل الحزب الى أربعة عناوين من القوة , القوة العقائدية , وقوة وشدة المقاومة , والقوة السياسية , والقوة الحكومية , المهم في الأمر, أن الحزب رغم الإسم الذي يحمله , أصبح قبلة للأحرار والشرفاء في العالم أولا , ووهجا يعم سناه العالم الإسلامي , ومنارا يضئ درب السالكين ذات الشوكة عابرين الى الجنان والخلد , مما تقدم نلحط أن كل عناوين القوى التي توفر عليها الحزب, هي التي مكنته من تطويع النظام الرسمي في لبنان , الى مشروعه المقاوم , السياسي , الحكومي , بل قد يجوز لنا أن نعترف أنه الركيزة الوسطى التي تبنى عليها خيمة لبنان , لأنه يمتلك العقيدة والسلوك والهدف.
لماذا فشلت الأحزاب الموجودة ضمن الطيف الإسلامي العربي من الوصول الى ولو بنسبة 1% مما وصل إليه حزب الله في لبنان ؟! على الرغم من قدم تأسيسها ,أين يكمن العيب , هل هذه الأحزاب شكلية , هل فعلا بقيت محافظة على وجودها , هل لها من القواعد الشعبية مايدعمها , وقبل ذلك هل لها مشروع سياسي معروف , هل تمتلك تشكيلات هرمية مثلا , لو كانت تمتلك مشروعا سياسيا هل هذا المشروع بنظر شعوبهم أفضل مما تطرحه الأنظمة القائمة عندهم , وإذا كان هذا الحال , لماذا لم تقوم هذه الأحزاب بتحريض قواعدها ومناصريها الى على الأقل التظاهر إن لم نقل الإجهاض على تلك الأنظمة , هل لهذه الأحزاب تواجد بين العسكر , هل لهم عيون داخل مؤسسات النظام , هل تمتلك أدوات ضغط على النظام من أجل تلبية مطالبها , هل نزلت الى الشارع وقدمت مايمكنه ان يلتفت الناس إليه كي يتسائلوا من هؤلاء , هل قدموا أوراق إصلاحية لبعض مناحي الحياة الى النظام من اجل دراستها ووضع الحلول , هل أضائت بعض الزوايا المظلمة من مؤسسات النظام من أجل توعية الناس عليها , هل قامت بعقد ندوات جماهيرية من أجل النهوض بحالة الوعي المتردية لدى الشارع على الأقل الذي يمثلونه , هل هل هل هل هل هل ........ برأي المتواضع لم يحصل كل هذا .
كل الأحزاب الموجودة الآن على الساحة , هي ذات نوعين , الأول , هو الذي قلنا عنه في البداية أن الدولة هي التي أوجدته وقدمت له الدعم, من اجل أن تتماها من النظام العام للعالم, فيما يخص الديمقراطية , على إعتبار أن هذه الدولة فيها معارضة , وخصوصا إذا ماعرفنا أن بعض الرؤساء والملوك والسلاطين , قالوا , لو لم تكن هناك معارضة, لابد لنا العمل على خلقها , وهذه هي خطوة سياسية ذكية للسيطرة على عمل الحزب الذي يعمل كمعارض , النوع الثاني ومع الأسف الشديد, تواجد على أرض ليست خصبة, لزرع بذور الوعي إتجاه التغيير ,ولا يمكن ان يبني له قواعد تعمل في الداخل , وإرتمى بأحضان الأجنبي, الذي بدوره يدعم تلك الأنظمة التي تعارضها هذه الأحزاب , (( المعارضة العراقية , السعودية , الصومالية , اليمنية , البحرينية , المصرية,السودانية , التونسية , المغربية , الجزائرية , الأرتيرية , الموريتانية , الليبية , الأردنية , )) , نموذجا صارخا ومعيبا في عالم السياسة والعمل السياسي .
حتى في العالم الغربي, الذي يفتقر الى الجانب الأخلاقي في العمل السياسي, نجد ان المعارضة فاعلة ومؤثرة, ولها أتباع ومناصرين ومؤيدين بل وداعمين , ياترى هل توفرت تلك المعارضة ولوعلى الحد الأدنى مما ذكرناه , مقارعة النظام لم تكن يوما عبارة عن نزهة أو سفرة , والذي يدخل العمل السياسي يعرف تماما ,( خصوصا إذا كانت الساحة محكومة من زمرة دكتاتورية متسلطة ), يعرف أن السجن والتعذيب وأحيانا الإعدام هو مصيره , والطريق الذي هو سالكه غير معبد بالورود والياسمين , ثمنه باهض , الدم والولد والأب والأم والبنت والمال والحلال , وإذا تيقن أنه يسير في الطريق الصحيح ويقوم بتكليفه الشرعي الذي من اجله خلق , حتما لايبالي بما تقدم من تضحية , وإلا ينبغي عليه أن يسأل نفسه ( لماذا أنا هنا ) من اجل من ولاجل من , هل للأكل والشرب ووووو....الخ , أم ان هناك مهمة وتكليفا شرعيا علي أن أقوم بتأديته ,فإذا كان الرد بالإيجاب حتما ستتكسر كل القيود امامك وتزول كل العقبات من طريقك كي تبلغ مناك , والتغيير له عدة طرق , المشاركة الفعلية في صناعة القرار , إن فشل الإنقلاب بشقيه المدني والعسكري , وإن لم تتوفر الآلية له , الثورة , وهي أرقى حالة تجسد المعارضة فيها سمو ورقي التضحية, من أجل خلق مستقبل أفضل للاجيال القادمة , ياترى هل تلك الأحزاب لديها القدرة على ذلك , قطعا لا , الحزب الذي لايمكنه أن يحاور النظام كيف يمكنه ان يقنع حتى مناصريه بهذا المسار .
المعارضة , هي الند السياسي التي تمتلك مشروعا سياسيا لايتفق مع سياسة النظام الحالية , أي أن النظام ومؤسساته بعيدة كل البعد عن كل ما من شانه ان يلبي طموحات الناس, وبمجمل قنواته بدءا من القرار السياسي الى تنظيم السير في الشوارع , هل تمكنت أي من كل هذه الفصائل المعارضة على محاورة الحكومات , هل قامت بمد الجسور بينها وبين الناس , كخطوة الى الأمام من أجل الوقوف معها ومشروعها الذي تقدمه , هل تمكنت يوما من تجييش الناس الى التظاهر, حتى الى التصادم مع أجهزة النظام وإعطاء التضحيات من أجل تعريته , هل عملت على شراء السلاح , ويمكنها إستخدامه عند الضرورة, هل غابت عنها روح التضحية , هل بأدبياتها توجد ثقافة التضحية والإيثار , هل في نشرياتها الدورية تعمل على إيجاد ارضية من الوعي العام لتعريف الناس بواجباتها تجاه بلدها, وبالتالي الحقوق التي تستحق , هل تمتلك ممثلين أو مندوبين لدى دول العالم , هل لها مجلس سياسي , هل لها ذراع عسكري مسلح مدرب على مهنة الميدان والقتال المتنوع حسب الظروف , , يمكننا القول أن كل الأحزاب التي ذكرنا هي فاشلة وإنتهازية وعميلة وشوفينية وعنصرية ومذهبية وطائفية ونفعية ووصولية ,( حركة الإصلاح الإسلامي في لندن والمتحدثة بإسم الإصلاحيين في نجد والحجاز نموذجا صارخا للعنصرية والطائفية ) كل هذه الصفات أفقدتها معاني أسمائها , وأبعدتها عن الجماهير , وألغت مصداقيتها , وصارت في خبر كان , هذا إضافة الى إحتقار الأنظمة الرسمية لها من خلال تملق البعض منها الى تلك الانظمة .( الإنفصاليين في الصحراء الغربية أو المغربية فهما فصيلين ندين لبعضهما فصيل مع النظام في المغرب وضد الإنفصال , وفصيل ضد النظام ومع الإنفصال ) ناهيك عن هرمها وشيخوختها , لإفتقارها الى دماء جديدة ترفدها بالفكر والعمل .
علي المطيري
30 /5 /2008
مواضيع اليوم
التعليقات (0)