مواضيع اليوم

النص والمدرسة ....

علاَّل سنـﭭوﭭـة

2009-01-22 11:48:51

0

النص والمدرسة

الدكتور : علاَّل سنـﭭوﭭـة   

 

 

ما النص الذي يكرسه خطاب التربية والتعليم ؟وما الذي يمكن أن يؤول إليه النص الخارج عن حدود المدرسة كما رسمها سدنتها من الأسرة التربوية ؟هل الوعي الأدبي والجمالي والأخلاقي الذي تبثه نصوص المدرسة له فاعلية على المستوى الفردي والجماعي أم يسهم –بطريق أو بآخر- في تزييف الوعي وإبادة ما تبقى من قدرة على التفكير والنقد ؟

النص الأول الذي تكرسه المدرسة هو النص المقدس/القرآن ،وقد قامت فرق الزوايا والكتاب بتحفيظ القرآن للأطفال والفتيان والفتيات حتى يقوموا بقراءته في الصلوات وترديده على الأموات يوم دفنهم في المقابر .

وعلى الرغم من الدور الذي أدته هذه الزوايا على ما تذكر كتب التاريخ إلا أنها أفرغت القرآن الكريم من مدلوله الجمالي والحياتي والرسالي وصيرته مجرد نص للترديد والقراءة لا غير هذا بالرغم من أن هناك خطابا جاريا في الوعي الديني لدى المسلمين يزعم أن لفظ القرآن مأخوذ من القراءة وهو أمر لا يقف عليه دليل من القرآن نفسه فالله تعالى خاطب عبده بلفظ اقرأ وهو يعلم أنه لا يقرا .
إذن ليس المقصود هنا القراءة المعروفة وإنما لدلالة الفعل اقرأ في اللغة العربية عن معنى آخر وهو البلاغ ولذلك جاء في أساس البلاغة  للزمخْشري قوله :"أقرأته السلام "بمعنى بلغه السلام وليس أن يقرا عليه التحية .

هذا الوعي –مع الأسف- الذي كرسته المدرسة بمفاهيمها غير الواعية شمل كل أقطار العالم الإسلامي وهو الذي أنتج خلائف من المتعلمين الدينيين المتزمتين يكفرون العالم المجتهد ويثنون على الجامد الساكن ويرضون بالمماة عوض المحيا فقد امتد هذا الوعي إلى اللحظة الراهنة ليقف على كل تأويل للنص القرآني أو المقدس بصورة عامة .وإلا من أين خرجت فتاوى التكفير في الجزائر ومصر مثلا ؟ومن أين لبعض أشباه الأميين قدرة استقطاب ملايين البشر إليهم بخطاب وهم هو نتاج وعي المدرسة الهار وتعبير بليغ عن الجهل والظلامية ونتاج كل ذلك آلاف الأنفس والأرواح تذهب إلى الجحيم والمتاه .

أما النص الثاني الذي تكرسه المدرسة فهو النص الأدبي في أشكاله المتباينة كالشعر والنثر في صوره الفنية المتعددة .

النصوص التي اشتهرت والشعراء والكتاب الذين يعرفهم المتعلمون من العامة هي النصوص التي أرادتها المدرسة وهم الشعراء والكتاب الذين احتفلت بهم وأرادتهم أما الذين لا يعجبونها تبرزهم في شكل لا أخلاقي بل حتى الكتاب الذين ترضى عنهم لا تبرز صورهم الحقيقية وإلا لماذا –مثلا- يحتفل المتعلمون بالمتنبي في معانيه السامية ويغضون الطرف –كما تريد ذلك المدرسة – عن كفره البواح في بعض شعره وتكبره عن خلق الله بشكل لا يلتقي وطبيعة إيمان المؤمن ؟ولماذا يهمش شعر أبي نواس وعمر بن أبي ربيعة لا لشيء سوى لأنه يتنافى مع مبادئ المدرسة التقليدية ؟ وهكذا فإن نصوص الشعر التي تفرض على طلبة التعليم الثانوي هي نصوص الجمود الفني والفكري لا النصوص التي تثيرهم وتحرك خواطرهم وتشغل عواطفهم

إنها نصوص توثيقية أكثر منها نصوص للجمال وتربية الذوق ترهن الشعور بالأدبية جراء الهوى المدرسي ( الأيديولوجي).مئات العناوين التي رسختها المدرسة في عقولنا بماذا أفادتنا ؟هل عمقت شعورنا بالجمالية أم أنها عمقت الفجوة بيننا وبين النص وهويته؟ إن نص الفضيلة والمثل العليا الوطنياتية والقومية هو النص الأثير لدى سدنة التربية والتعليم وما عداه نصوص الهامش ،أي نصوص غير مفيدة تربويا لأنها تفسد الناشئة وتحطم وعيهم المدرسي ومن هنا يأتي خطر هذا الانتقاء الذي يؤدي بالمتعلم إلى التطفل على السكوت عنه والجرأة على المقدسات وإذاك تتحطم كل القيم المدرسية المكتسبة خاصة إذا كان واقعه القيمي مختلفا عما تلقاه في المدرسة هذا ما يسميه علماء النفس بالصدمة بالواقع ولنستحضر هنا قيم العولمة السائدة : التجارة بالجسد والجنس والقيم والحياة  ملايين الناس تحت الحصار وملايين آخرون يتنعمون بالثروة وملايين لا يجدون الطعام والماء والكساء ؛ خطاب عالمي يدعو إلى المساواة والعدل والحرية الإنسانية والحيوانية وفي بعض اللحظات يبدو هذا الخطاب مجرد خطاب استعماري آخر.

حقا ما الذي يشاهده المتعلم خارج المدرسة ؟وما الذي يسمعه ويتعلمه ؟في كل الأحوال لا يشاهد مظاهر الفضيلة والعدل والإخاء إنه يرتطم بمشاهد الظلم والفساد والانحلال والتفسخ الفظيع للمجتمع : العري والجوع والاستبداد الطبقي الرهيب وهو شكل من الحياة بدأ يبرز في بلادنا العربية وقد زادته الأزمة السياسية الأمنية بلة .هنا تتراجع القيم المدرسية في وعي المتعلم وتصبح المدرسة بلا فاعلية تماما كأنها غير موجودة فلماذا  كل هذه الميزانيات الضخمة وما قيمة مجهودات الموارد البشرية المسخرة لذلك ؟

النص الآخر الذي تكرسه المدرسة وتعمل على تثبيته في خواطر الناشئة هو النص التاريخي ونجده على العموم والخصوص بطوليا حافلا بالانتصارات والإنجازات التعميرية العظيمة إنها سلسلة أخرى من القيم المثالية التي لا يكتشف المتعلم حقيقتها إلا بعد فوات الأوان ويصبح مجبرا على القراءة لتصحيح مفهومه للتاريخ ووعيه به في الآن نفسه وهنا قد لا يستطيع تقبل حقيقة صارخة مفادها أن القيم المدرسية كانت زائفة وغير مؤسسة  بالمرة وهي المفاجأة التي كثيرا ما تنتهي إليها تجارب التعلم في العالم العربي بوجه الخصوص .

نتساءل بعد كل ذلك : هل هذه المظاهر المختلفة للعنف في العالم المتخلف – ومنه العالم العربي طبعا-ألا تجد مسوغاتها في كل هذه الانحرافات المدرسية ؛ذلك لأن المدرسة تتوفر على سلطة الإقناع التي لا يمكن أن يتطرق إليها الشك من قريب أو بعيد وكل شك قد يقابل بالعنف والقمع وهو ما يمكن قوله عن مدرستنا مع الأسف .

هكذا أصبحت القيم المدرسية بلا فائدة ترتجى بل هي هلامية فارغة بعيدة عن الواقع العملي الحقيقي الذي يعيشه الإنسان ،لأنها لا تثبت للمتعلم قيمتها الواقعية ،فالنص المقرر لا يدل على الحقيقة العلمية والمعرفية والدينية بقدر ما يكشف عن التقنع المدرسي من أجل حجب الحقيقة عن  الناشئة ،قد لا نستطيع عزل المدرسة عن بعدها الوطنياتي الإيديولوجي ولكن ما هي النتائج الوخيمة التي يمكن انتظارها في الآجال البعيدة ؟

اليوم يجب إعادة قراءة الواقع التربوي بتعرية نقائصه بكل موضوعية وجرأة ومسؤولية وإعادة ترتيب بيته انطلاقا من الفعالية الإيجابية واستبعاد كل الهوامش الماضوية ما الذي يفيدنا وينفعنا أمام عجلة التطور المتسارعة خاصة في ميادين المعلوماتية والتكنولوجيات المعاصرة التي لم تعد تنتظر أحدا غير الاجتهاد والمبادرة للاكتشاف والبحث ،يجب غربلة النصوص وتقديم الجديد منها القادر على تغذية التأمل والتفكير حتى يصل مستوى الوعي التربوي إلى مستوى الحرية والإبداع ،المدرسة في واقعنا الجزائري رسخت قيم الشخصية الوطنية والهوية ولكن بصورة هشة غير نقدية تعلم التسليم بدل النقد والإيمان بدل الشك والجمود بدل البحث والتقصي والخطابة بدل الحوار ؛الآن ، هي اللحظة التي يجب أن ننزع فيها بردة المدرسة الثقيلة لننتقل إلى مدرسة غير حريصة على القمع والتهميش واعية بطاقات المتعلم .



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !