جاء عمرو بن العاص أمير جيش المسلمين إلى مصر، ففتَحَها وحرَّر أهلها من الروم، وخلَّصهم من ظلم الروم وغيِّهم وفسادِهم، ولم يفرض عليهم الدخولَ في الإسلام؛ بل خيَّرهم بين الدخول في الإسلام، فيكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، أو أن يدفعوا الجزية ولهم على المسلمين الحمايةُ، وحسن الجيرة، والعدل، وألاَّ يُظلَموا.
وجاء بعد عمرو بن العاص مَن جاء مِن الولاة والحكَّام، وكانوا يستوصون بأهل مصر خيرًا كما وصاهم بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما روى التاريخُ أن أحدًا من حكَّام المسلمين قد ظَلم نصارى مصر، ولا أجبرهم على الدخول في الإسلام، ولا انتقص من كنائسهم؛ بل الكتب تتحدث عن حسن المعاملة، ويشهد بذلك النصارى أنفسُهم.
وفي ذلك تقول موسوعة ويكيبيديا: "لم يكن أهل مصر على وفاق مع السلطة البيزنطية التي كانت تحكم بلادهم قبل مجيء العرب، وكان مما سبَّب ذلك فداحةُ الضرائب التي كانت تفرضها الدولة البيزنطية عليهم، بالإضافة إلى تسلُّطِها وقسوة حكمها، وكانت تلك الممارسات تشكل إرهاصاتٍ متعاقبةً مهَّدتْ لترحيب الأقباط بالفتح الإسلامي لبلادهم؛ لكونه خلَّصهم من ظلم البيزنطيين الرومان، ورغم أن هدف المسلمين الأول من فتح مصر هو نشرُ رسالة الإسلام، إلا أنهم لم يفرضوا الإسلام على الأقباط، وهو ما جعلهم محافظين على دينهم حتى هذه الأيام، وكان الرسول حينما بشَّر أصحابَه بفتحِهم لمصر بعده، قد أوصاهم خيرًا في أهلها".
وتذكُر الموسوعة أيضًا: "ومن فضائل الفتح الإسلامي لمصر على المصريين آنذاك: إعادةُ عمرو بن العاص للبطريرك بنيامين - والذي كان فارًّا من اضطهاد الرومان - لكرسي بابويته، كما أعاد عمرو حفْرَ قناة سيزوستريس، وعُرفت بخليج أمير المؤمنين".
لكن هل حَفِظَ النصارى فعلاً جميلَ عمرو بن العاص وغيرِه من المسلمين؟
قبل أن أجيب على هذا السؤال، سأعرض مختصرًا يسيرًا لما حدث في القرن الأخير، فالنصارى الذين حماهم المسلمون، ولم يجبروهم على الدخول في الإسلام، عملوا منذ بداية القرن العشرين على نشْر الفتنة بين المجتمع المصري؛ من خلال الدعوة إلى دين النصارى المحرَّف، وعقيدتهم الفاسدة.
لقد أقيمت المؤتمراتُ التنصيريَّة في مصر وفي غيرها من بلاد العالم، وقد عمِل النصارى على نشر كتابهم الذي يسمُّونه مقدسًا بين المسلمين، وسخَّروا أموالاً كثيرة لتنصير المسلمين من المصريين، حتى دخل عددٌ من المصريين في النصرانية، لا أعرف عن أي شيء دخلوا في هذا الدين؛ فلا يوجد في النصرانية شيء يقبله عقلٌ ولا منطق؛ بل إن أسس الإيمان عند النصارى لا يفهمها النصارى أنفسُهم، مثل التثليث، وذلك ما اعترف به عددٌ من كبار القساوسة والرهبان.
بالمال إذًا يغري النصارى سفهاءَ المسلمين وجهَّالهم إلى الدخول في النصرانية، وبعد تحوُّلهم إلى النصرانية نجد هؤلاء الجهال يكيدون للإسلام والمسلمين بإيعاز مَن دفعَهم إلى ترْك دينهم، فنجدهم يسبُّون الله ورسوله، ويقولون: لو علِمنا في الإسلام خيرًا ما تركناه، ويقولون: الإسلام ألغى عقولَنا، ولعلهم تركوا الإسلام إلى شيء فيه عقل.
نشط النصارى في مهاجمة الإسلام، وأصدروا الكتب، وكتبوا المقالات التي تهاجم الإسلام ورسوله العظيم - صلى الله عليه وسلم - ظنًّا منهم أن الإسلام دينٌ هزيل سيسقط سريعًا؛ ولكن خابتْ ظنونُهم؛ فليس الذي حُرِّف على مدار ألفي عام، كالذي لم تمسَّه يدٌ بتحريف قطُّ، فليس القرآن ككتابهم المزعوم، فعمد القومُ إلى الكذب، وأوعزوا إلى زعيم الكذب زكريا بطرس؛ كي يبثَّ سمومه، ولكن هيهات هيهات؛ فلقد كشف المسلمون كذبَه، وأفشلوا مخططاتِه وأهدافَه، وفنَّدوا شبهاتِه وافتراءاتِه، وطلبوا مناظرتَه بعدما طلب هو ذلك؛ ولكنه تهرَّب؛ لعِلمه بكذبه وضعفِ حجته.
لم يكتفِ النصارى بالهجوم على الإسلام وتنصير عدد من المسلمين؛ بل راحوا يمنعون فتياتِهم ونساءَهم من الدخول في الإسلام، ومن تُسلِم منهن يأخذونها بالقوة بعد أن يقوموا بتظاهرة أمام أحد أقسام الشرطة، وحينئذٍ يذيقونها شتَّى أنواع العذاب؛ كي ترتدَّ عن الإسلام ثانية، ولعل أشهر مَن فعلوا بها هذا الأمر هي الشهيدة - بإذن الله - وفاء قسطنطين، التي غيبت في الكنيسة منذ أكثر من خمس سنوات، لا نعلم ماذا حدث لها فيها، حتى تواترت الأنباء بقتلها، وعجز النصارى عن إثبات وجودها على قيد الحياة.
النصارى ينفخون في نار الفتنة الطائفية؛ فكلُّ حادث يفسرونه ويروجونه على أنه طائفي، ومن ثم يتجمعون ويتظاهرون، ويرفعون أصواتهم مطالبين بما ليس لهم بحق؛ ظنًّا منهم أنهم بهذا سيستطيعون النَّيل من الإسلام والمسلمين.
هؤلاء هم نصارى مصر، وهذا هو ردُّ الجميل للمسلمين الذين خلَّصوهم من ظلم الروم، ولم يجبروهم على الإسلام؛ بل دافعوا عنهم وأحسَنوا إليهم.
التعليقات (0)