آفاق جديدة ... وهم قديم
-----------------------------
أصبحت الشبكة الدولية للإنترنت أمرا واقعا يلقى بخيوطه العنكبوتية وظلاله فى كل بقعة من بقاع العالم الوسيع ، ولم يعد من المجدى ولا من المفيد إنكارها أو تجاهلها ، واتجه إليها الكثير من الكتاب والشعراء والمثقفون بل والهواة والمبتدئون لكى تكون متنفسا أساسيا للتعبير عنهم ونقل وتوصيل إبداعاتهم وكتاباتهم وأحلامهم ورؤاهم للعالم كله وقناة لتوصيل رسائل خاصة لمن يهمه الأمر أو هى قناة إضافية ورئة زائدة بالنسبة للكتاب الكبار والمبدعين النجوم وأصحاب السيطرة الكاملة والاستحواذ الإعلامى الطاغى فيتحقق لهم بعض ما أرادوا ، وتفلت الشبكة من ورطة احتكار احد لها أو مؤسسة أو دولة لها فالأنترنت هى ملك للجميع ولا يصح أن تدعى إمبراطورية من الإمبراطوريات الغاشمة امتلاكها لها ، أو أن يدعى مستبد من المستبدين فرض نفوذه عليها ... لذا كان من الطبيعى أن يلجأ إليه الأدباء والمبدعون كقناة حرة للتعبير والإبداع خاصة المبدعين الهامشيين أو المهمشين أو الذين لا يعرفون كيف تؤكل الكتف المتعفنة فى المؤسسات الرسمية وكذلك لجأ إليها مبدعون كبار يؤمنون بالحرية وأهمية الاختلاف لبناء مجتمع فاضل ومستقبل بناء ! وفى هذا التحقيق محاولة لاستطلاع آراء المبدعين والأدباء فى مصر من قرى ومراكز وأقاليم متنوعة ومتعددة حول ظاهرة النشر الإلكترونى وفوائده وإيجابياته وسلبياته بالنسبة لهم وسلبياته ومخاطره كما يرونها وتجاربهم الشخصية فى هذا المجال ... ومحاولة للإجابة عن سؤال مستتر : وهو هل يمكن أن يحل النشر الالكترونى إشكالية الفساد فى النشر الورقى خاصة فى المؤسسات الثقافية الرسمية ؟ وهل يمكن أن يذيب جبل الكبت والكتمان وعدم القدرة على البوح المتربع فى وجدان المواطن المصرى الكادح أزلا ، الصابر دوما ، المنتظر ضوء الفجر على مر الأزمان !!!
فى البداية تقول القاصة الشابة سها زكى - القاهرة - : النشر الألكترونى أصبح فى غاية الأهمية نظرا لاهتمام القراء بالاطلاع على أحدث الكتابات عبر الانترنت كما أنه يساهم بشكل كبير فى زيادة العلاقات بين الكتاب بعضهم ببعض فى جميع دول العالم فأنت تجد أحد الكتاب أو أحد القراء يدخل على موقع به قصة نشرتها أو كتاب أو حتى مدونة كتبتها ليقرأها ويعلق عليها مما يزيد من جماهيرية المبدع خاصة إذا كان موهوبا ومتميزا ، وهو أحد قنوات النشر التى توفر الانتشار بدون تكاليف مادية مرهقة للمبدع المبتدىء خاصة الذى يعانى فى بداية حياته من عدم وجود ناشر لعماله ولابد من مواكبة العصر !!1 ويتفق الشاعر الكبير أحمد تمساح - قوص - فى جزء كبير مع رأى سها فيقول : انا مؤمن بالنشر الألكترونى ، والله العظيم مؤمن ، ولكن المهم ان يكون سهل الاستخدام ومتاحا فأنا لا أملك جهاز كمبيوتر ، وثانيا يجب أن يكون النشر الرقمى مقننا وبعيدا عن السرقات الأدبية فيجب قبل أن ننساق مع النشر فى الإنترنت أن نفعل قوانين المحافظة على الملكية الفكرية ورغم أهمية النشر الألكترونى - كما يقول تمساح - إلا انه يؤكد أن للكتب سطوة غريبة فى الشهرة والمجد والخلود ، والكاتب المصرى باحث عن الخلود دوما ، ورغم ان لى كتابين فى الشبكة إلا أننى لم اصبح مشهورا ولا غنيا ، ويرى أحمد تمساح أنه لم يستفد أحد من المبدعين المصريين من النشر الألكترونى سوى فاطمة ناعوت فقد فازت بجائزة فى الصين .!!!
:ويقول الأديب الكبير السعيد قنديل - كفر الشيخ
ما أراه وأثق فيه أن الإبداع يمكن أن يتحقق بأى لغة وبأى مفهوم أو مدلول معرفى عندما يتواجد الإخلاص والصدق وعندما تشف الروح وتسمو ويتوحد المبدع مع التجربة الإبداعية ، والعم سعيد قنديل رغم اقتناعه بأهمية النشر الإلكترونى إلا أنه لم يقدم عليه ويقول : أنا لم أقم بهذه التجربة ولو جاءت فسوف أقوم بها !
ويرى الشاعر الشاب - عربى كمال - - دشنا - : أن النشر الألكترونى ظاهرة إيجابية وفعالة لنشر الإبداع عبر كل القنوات وأعظم مكافأة للمبدع هى نشر أعماله وأن يقرأها جمهور كبير وخاصة إذا كان هذا الجمهور واعيا من أمثال الذين يتجولون عبر أثير الانترنت ، لقد أصبح الإبداع حرا طليقا غير حبيس الأدراج كما كان من قبل والسلبية الوحيدة للنشر الالكترونى - كما يراها عربى - هى فقد الجزء الرائع من متعة قراءة الفن فى كتاب مطبوع ويا لها من متعة تعلو متعة تفتتت الشيخ الصوفى فى توهج المقام والحضور السماوى الجميل .!!
ويرى الأستاذ / محمد الديب - أحد رواد الانترنت قرية المرابعين - إن الانترنت تعتبر حلا لمشكلة النشر ولكن لابد من اهتمام السادة القائمين على أمور الثقافة والمعرفة ؟! وأمام هذه النظرة المتحفظة يندفع القاص الشاب على سعيد - كفر الشيخ - خطوات واسعة للأمام فيقول : إن الانترنت أصبح هو الشىء الأساسى فى حياتنا - كما قال - ولكن ليس حلا بالنسبة للجميع ، إنه حل بالنسبة لمن يعرف كيف يستخدم التقنية الحديثة والمشكلة الأكبر أن المسئولين عن الثقافة فى مصر لا يهتمون إلا بفئة قليلة من الشعراء ذوى النفوذ فليس هناك اهتمام بإبداع ورؤية الشاعر أو القاص ولكن الاهتمام ينصب على شخصية الأديب وعلاقاته وأقربائه وصلاته الشخصية بالمسئولين عن النشر فلابد من وقفة من المسئولين عن وزارة الثقافة والمعرفة ووقفة معهم أيضا .!!!
ويقول الشاعر / عبد العزيز أبو طالب - قرية القناوية - : الأرض اتسعت والعالم لابد أن تتسع مساحة الفكر فيه ، والنشر الألكترونى من الممكن أن يجعل العلم كله أسرة واحدة وهو شىء جميل للغاية يجعل الإنسان على اتصال دائم بأخيه الانسان فى كل مكان على ظهر الكرة الأرضية .
ويقول الشاعر / مصطفى جوهر - قنا - : بعد أن ضاقت – على سعتها وكثرتها – حدائقُ النشر الورقى بكلمات المبدعين ، وجدت زهور الإبداع متنفساً فى الصفحات الإلكترونية التى تتزايد وتتنوع باتساع الشبكة العنكبوتية . كما صارت الضغطة على زر أيسر وأفضل بكثير من أن ترسل إبداعك عبر البريد التقليدى . إن أحد مزايا النشر الإلكترونى أن الرحلة التى تعبرها الكلمات حتى تصير مقروءة أسرع بكثير . ويلفت مصطفى جوهر الانتباه إلى زوايا جديدة تعد فارقة فى النشر الورقى والنشر الإلكترونى فيقول : ورغم أن الجميع ينظر إلى العمل الإلكترونى عامة على أنه الوسيلة المستقبلية للمعرفة ، إلا أن النشر الورقى يظل يحتفظ برونقه ؛ فهو الصورة التقليدية المعترف بها بين الناس ، كما أن مكافآت النشر ما زالت تجذب أصحاب الكلمة . ورغم أن مكاتب الخدمة(cyber) انتشرت وتضج يوميا بمرتاديها إلا أن كثيرا إن لم يكن جميع مستخدمى الشبكة يبحثون عن أشياء بعيدة كل البعد عن تصفح مواقع الإبداع الأدبى أو أى نوع من الفنون . إن إطلالة سريعة على عدد المتصفحين ، والذى تهتم المواقع نفسها برصده ، لكافية لفضح ضحالة الاهتمام بكل ما هو فنى أو إبداعى . ولعلنا نعرف هذا مسبقاً لأن النسبة فى توزيع الصحف الورقية المتخصصة فى الإبداع تتراجع وتتوارى مختبئة حرجاً قياسا بتوزيع الصحف الأخرى ، فمقارنة بسيطة بين توزيع أخبار الرياضة والحوادث والنجوم مقارنة بأخبار الأدب ( وكلها تصدر عن مؤسسة واحدة ) تكفى لقياس حجم اهتمام الناس فى مصر . وما ينسحب على الصحف الورقية ينسحب بالتالى على النشر الإلكترونى ، إذ أن نوعية المستهلك تكاد تكون واحدة ، بل إن عدد المستخدمين لخدمة الشبكة يقل كثيراً ، وتقول الروائية والقاصة د / هيام عبد الهادى صالح - أسوان -
مواقع الإنترنت تمتلأ بالمواد الأدبية والمدونات الأدبية ويكفي ان تكتب في المحرك البحثي الشهير جوجول كلمة مواقع أدبية لتجد عشرات الصفحات ومئات المواقع وفي مؤتمر جنوب الصعيد الأخير فوجئنا بأحد أدبائنا بدلا من أن يوزع علي الأصدقاء ديوانه الجديد الذي صدر حديثا يوزع أوراقا بها موقعه علي الإنترنت متضمنا كل دواوينه وكان مثارا لبعض التعليقات. وفي معرض الكتاب قبل الماضي جاء بعض الأدباء فرحين حاملين في يدهم عقد موقع لنشر أعمالهم الأدبية علي شبكة الإنترنت بمقابل مادي للأديب وبكروت سابقة الدفع لمن يريد أن يقرأ. ولم أفكر في إبرام عقد مثلهم فالقارئ يدفع غالبا ليقرأ لأديب شهير أو كتاب أثار ضجة لكنه لا يدفع لقراءة أعمال الأدباء الشبان إلا قليلا. وترى د / هيام ان النشر الالكترونى لا يمثل حلا ولا بديلا عن النشر الورقى فتقول: والنشر الإلكتروني لا يغني عن النشر الورقي ولن يحل محله فعلي سبيل المثال عند توقيع عقد روايتي السابقة مع الناشر سألته عن موقفه من نشرها إلكترونيا لم يعترض بينما ناشر روايتي التي تحت الطبع رفض بشدة قائلا انه يمكنني نشر عدة فصول منها فقط وانا اقتنعت بوجهة نظره فلم أنشر في مدونتي الجديدة ( أنت وحدك السماء سوي فصول من رواياتي الثلاث بينما نشرت بعض القصص الجيدة من المجموعتين القصصيتين. وأعتقد انها خطوة جيدة لأي أديب عمل مدونة أو موقع له يتولي التعريف به ونشر كثير من أعماله مع صورته وسيرته الذاتية وبعض الدراسات النقدية التي تناوات أعماله بالنقد، ويطر ح القاص فتحى سعد - قنا - رؤية متشائمة بالنسبة للنشر الألكترونى فيقول : : القضية بالنسبة لى تتلخّص فى أمرين ، والأمران يتلخّصان فى سؤالين كبيرين : أولهما : إلى أى مدى سيوفّر مثل هذا النَّشر على الأدباء - ومعظمهم موظّفو حكومة أو عاطلون عن العمل !! - عناء التّكاليف الماديّة التى يتجشمونها عادة فى الطباعة الورقية ؟ وثانيهما : كيف سيشعر النَّاس - وأقصد العاديين منهم ممّن لهم اهتمام بالقراءة الأدبية - بذلك الطرح القابع وراء زجاج ساحر أكثرهم لايتعاملون معه ولايعرفون السبيل إليه ؟؟ ويواصل فتحى قائلا : فى الحقيقة لدىّ أكثر وربّما أهم من مجرد هذين السُّؤالين ؛ ويمكننى - إجمالا - أن أقول : إن تلك القضية هى بالنسبة لى قضية الأسئلة ؛ ولاأرى ذلك غريبا بل أراه منطقيًّا والتجربة ماتزال فى بداياتها عندنا ويقدم الشاعر القنائى عبد الرحيم طايع
رؤية متفائلة ومشجعة للنشر اللكترونى مع رومانسية حالمة للنشر الورقى فيقول : : لدىّ كتاب جاهز للنَّشر ولاأنكر تفكيرى فى طرحه الكترونيا ( وقد جاز التَّعبير !! ) لكن مسألة النَّشر بهذه الطَّريقة ( الجديدة ) تحرمنى إحساسا أصيلا اعتدت عليه ( وقد نشرت كتابين ورقيين من قبل ) ؛ هو أن أشمّ الكتاب خصوصا ونار الطِّباعة ماتزال سارية فيه .. ( !! ) .. وأنتشى برائحة حبره اللَّيِّن ( بعد أن أتحقَّق طبعا من خُلُوِّه من الأغلاط المتَّصلة بالحروف وعلامات التَّرقيم وترتيب الصفحات وتنظيمها وتنسيق العناوين والفهرست والهوامش جميعا ) وأضمه إلى صدرى ( مع علمى بأن القضية ليست رومانسية إلى هذه الدَّرجة ) كما تُضَمُّ الحبيبة بالضبط . ثم إن موضوع النَّشر الالكترونى غامض بعض الشيئ ويحتاج إلى إيضاح كثير ؛ وأنا مازلت - بالرَّغم من اطِّلاعى على بعض الأفكار حوله - لاأعرف معنى أن يكون لى كتاب الكترونى ولاأعرف حقوقى بذلك النشر ولاواجباتى إزاءه ، وأرجو اعتبارى لاأعرف شيئا هناك البتَّة ! إنَّما أعرف معرفة تامَّة أنها ستكون موضة الأعوام القادمة فى الأوساط الأدبية والثقافية .. وعلى كلِّ حال لاأرى مانعا ( وقد عوَّدت نفسى أن أرتدى مالم أكن أحب أن أرتديه ! ) من الإيمان بها والدِّفاع عن حقِّها فى الوجود واستغلالها - بإيجابية - أيضا ...!!!
ويقول الشاعر القنائى الشاب / حسن أبو بكر :
يمكنني النظر للنشر الالكتروني- ككاتب- من زاويتين الأولى من كونه قد يكون بديلا عن النشر الطباعي الورقي فيعطي الفرصة لمن لا يستطيع إليه سبيلا -أيا كان نوع العائق- ان ينشر فكره أو ابداعه ويطلّع عليه الناس وارى أن هذا الجانب تعترضه كثيرمن السلبيا ت منها انه من الناحية التوثيقية لم يزل هامشيا لا يعترف به ألا في أضيق الحدود ومنها أيضا ان الاتساع الهائل لخريطة النشر الألكتوني والذي قد ينظر اليه على انه ميزة هو في الوقت نفسه سلبية حيث يضع كل مادة تنشر في مقارنة مع كل المستويات بغض النظر عن بيئتها المحلية وعمر كاتبها الأبداعي مما يجحف حق هذه الكتابة ومن ناحية أخرى فأن هذا الأتساع يجعلك وكأنك تبحث عن أبرة في كومة قش كما يقولون ويكون الأعتماد الأكثر على الصدفة .أما الزاوية الثانية :فكون النشر الألكتروني طريقا موازيا للنشر الورقي مكملا له ففي هذه الحالة لايؤدي النشر الألكتروني خدمة بارزة تساعد الكاتب على الاستغناء عن النشر الورقي.أما القاريء فهو الكاسب في كل الأحوال ولكن يبقى عائق التعامل مع الألة وامكانية ذلك ماديا وتقنيا .
أما الشاعر / عادل متولى - مدير دار أجياد للنشر والتوزيع - : فيرى أن النشر الالكترونى يمثل خطورة على اللغة العربية لأن الذين ينشرون عبر شبكة الانترنت تضيع منهم حروف كثيرة ولا يتمنون من ضبط كلماتهم ، المر الذى ينتج عنه قراءة النصوص بطريقة خاطئة أو فقد هذه النصوص لجماليات التشكيل اللغوى العربى ومع ذلك فيجب أن نخوض فى غمار هذا العالم لأنهم فى الغرب يسيطرون على عقول الشباب ويقدمون لهم أكاذيب عن الغسلام والعالم العربى وقضايانا الهامة ، وهم يتلقونها كحقائق مسلم بها غير قايلة للنقاش فمتى نستيقيظ ؟ إننا يقع علينا عبء مضاعف : فيجب علنا اولا أن نقوم بتقديم انفسنا والتعريف بهويتنا ويجب علينا ثانيا : الرد على المغالطات والاكاذيب خاصة ما ينشره اليهود فى الغرب ، وهناك مشكلة اخرى فى النشر اللكترونى وتتمثل فى نشر اعمال لها مسمى أدبى ولكنها خالية من الأدب ولا تراعى أخلاق المجتمع وقيمه وتقاليده لأنهم تربوا على قيم مجتمع مفتوح أما نحن فلا وألف لا ؟!!!
ويطرح الكاتب الكبير الروائى والقاص المبدع / قاسم مسعد عليوة - بورسعيد - رؤيته حول النشر الألكترونى قائلا :
شئنا أم أبينا أصبح النشر الإلكترونى أمراً واقعاً
لا كتابة بدون وسائط ، ولا اتصال بين الكاتب ومتلقيه بدون هده السائط
.. لاأظن أحداً يمارى فى التسليم بهذه الحقيقة . وياله من تطور هائل ذلك الذى اعترى وسائط الكتابة ، منذ ابتكار الرمز والحرف حتى الآن ، تطور عظيم ومسار طويل ومنجزات متعددة . هل من منكر لهذه الحقائق ؟ هل من مهون من دور الإصبع فى حفر الرموز والحروف على الرمال ، أو اللون فى الرسم على أسقف وجدران الكهوف ، أو المسمار فى النقش على الأحجار ، أو الحبر فى تسطير أوراق البردى .. أو الآلة فى تجهيز الكتاب الورقى المطبوع؟ .. فلماذا إذن نتخوف من الوسيط الالكترونى الرقمى ؟
ولا تقف خدمة الإلكترون الرقمى عند حدود الكتابة وإنما تتعداها إلى خدمة النشر ، ويقدم الإلكترون الرقمى فى هذا الميدان رخصاً للكاتب أقل ما يمكن وصفها به أنها رخص مذهلة بما أزاحته من خطوات وعقبات وحواجز لطالما حالت بين الكاتب ومتلقيه ، وبما وفرته من تكاليف وأتاحته من آفاق غاية فى الاتساع أمام النص المكتوب ، سواء بتوفير المصادر والمراجع اللازمة لكتابة هذا النص ، أو بتوسيع دوائر المتلقين إلى آماد ـ أكاد أقول ـ غير محدودة ، أو بتمديد خطوط التغذية العكسية من هؤلاء المتلقين ـ سواء كانوا نقاداً متخصصين أو قراءً عاديين ـ باتجاه الكاتب ، او بضغطها أماكن التخزين إلى أضيق حيز ممكن ، أو بتسييرها عمليات الاسترجاع .. إلى آخر هذه الخدمات . وجميعها ـ وغيرها ـ خدمات ما كان يمكن أن تتوفر لولا الإلكترون الرقمى.
بالقطع أحدث الوسيط الإلكترونى الرقمى مجموعة من التأثيرات غير الهينة فى مجال نشر الكتاب . وهى تأثيرات إيجابية وسلبية فى نفس الآن . وربما اتصفت هذه التأثيرات بالتوازن . أقول ربما لأنه لا تتوافر الاحصاءات الموثوق بها عن أرقام ونسب التوزيع قبل استخدام الإلكترون الرقمى وبعده . لكن مما لاشك فيه أن النشر الإلكترونى سحب بعضاً من القراء القائمين والمحتملين إلى الشاشة الإلكترونية ، مما حرم سوق الكتاب الورقى المطبوع من قطاع غير هين من مستهلكيه ، لكنه فى المقابل قدم لهذا السوق خدمات ذات إفادة كبيرة ليس فقط بإثارته التوق المعرفى لدى المتعاملين مع الأجهزة الإلكترونية الرقمية ، وإنما أيضاً باتاحته فرص الترويج التجارى للكتاب الورقى . والشواهد تثبت أن الحاجة إلى الكتب الورقية ما زالت قائمة ، وما زال هناك من يفضلون الانفراد بكتبهم فى خلواتهم ، وهناك من يقول إنها فى اضطراد مستمر ويُرجع جانباً كبيراً من هذا الرواج إلى الإلكترون الرقمى والمساعدات التى تقدمها للكتاب الرقمى المواقع التى أنشئت على شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت ) .
التعليقات (0)