الحلقة (4)
حــامــل اللواء
المـلـــك إمرئ القيس بن حُجْر الكندي
(500 م – 544م) / (124 ق.هـ - 80 ق.هـ)
شيء من السيرة الذاتية:
وأمرؤالقيس هو إبن شقيقة الشاعر المهلهل (أمرؤالقيس بن ربيعة) المعروف .. وكان المهلهل من أبرز شعراء العزل في زمانه وله قصائد رائعة كثيرة وهو من بني تغلب وكان أمرؤالقيس يحبه كثيرا . وقيل أنه نشـأ على يده وكان متأثرا به وبنهجه البوهيمي في حياته . بل ويبدو أسلوبهما الإنفعالي مطابق لبعضهما وكل منهما يخوض حروب الثأر الخاصة به .. الملك المهلهل طالباً لثأر أخيه الملك كُـلَيْب في حرب البسوس من بني شيبان .. والملك امرئ القيس بن حُجر طالبا لثأر ابيه الملك (حجر بن الحارث بن حجر آكل المرار) في حربه ضـد بني أسد.
.. وقد أفرط وأسرف الشاعر الماجن في الحرب والإنتقام والقتل كعادة الشعراء ووفق تركيبتهم النفسية المهيمنة على كل تصرفاتهم وهم ينتقلون من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار في ردود أفعالهم بين الفرح والحزن والحلم والانتقام والتديّن والإلحاد والمجون والزهد وهَلُمّ جَـرّا .
وحين سئمت العرب وملّ الأشقاء والأهل والأخوال والحلفاء من طول الحرب وما أحدثـته من دمار وفقر وتمزق للنسيج الاجتماعي ، رفضوا الانقياد إلى أمرؤالقيس نحو المزيد طالبين منه التوقف عند هذا الحد وقالوا له أنه أدرك ثاره وبما فيه الكفاية من بني اسد . فكان قرار الملك بانه لن يشفي غليله إلا بإبادتهم عن بكرة ابيهم فلم يعد أحد يطيعه وتفرق الحلفاء من حوله . فذهب أمرؤالقيس إلى بلاط القيصر "يوستينيانوس" في القسطنطينية يطلب منه المدد لتحقيق هدفه بإبادة بني اســد .... فأكرمه القيصر واستضافه لديه فترة من الزمن ثم منحه في النهاية ما أراد من الجند والتمويل .. ولكنه في طريق عودته وعند وصوله إلى جبل يقال له عسيب قرب مدينة انقرة التركية توفي بعد إصابته بمرض الجدري على أغلب الظن ..... وهناك من يرى ان سبب وفاته هو تسميم القيصر له بإهدائه جُـبـّةً مسمومة بعد خروجه من القسطنطينية وكانت رسالة القيصر إلى إمريء القيس تلح عليه ان يبادر بارتدائها فوراً ... الأمر الذي عَزّزَ الشكّ .
وحدث هذا التغير المفاجيء لدى القيصر بعد أن أصغى لنصيحة بعض مستشاريه لجهة عدم توريط القسطنطينية في حروب عربية أهلية غير موضوعية الأسباب . وخوفا من أن يجدها الفُرْسُ فرصة سانحة لتكريس المزيد من الإحتواء لجزء من العرب داخل شبه الجزيرة العربية وإنشاء أكثر من مخلب قط على نسق دولة المناذرة في الحيرة على الجانب الشرقي فتصبح حرب استنزاف لا طائل من ورائها وتهدد من استقرار دولة الغساسنة العربية (حليف الروم) في الجانب الشمالي الغربي من ديار العرب ..... فمات أمرؤالقيس مسموما ودفن على سفح جبل عسيب جوار قبر إمرأة مجهولة غريبة عن المكان.
تأثير الملك على غيره من الشعراء:
لمحة خاطفة لإفتتاحيات معظم المعلقات (السبع / العـشـر) توضح مدى تأثير الملـك حامل اللواء على بقية الشعراء :
(1) مُعلّقَة المَـلـِـكْ : (توفى 544م)
قِـفا نـَبـْكِ من ذِكْرَى حبيبٍ ومنزلِ ...
بسِقط الـلِّـوَىَ بـَيْن الدّخـُول فـَحَوْمـَل ِ
(2) معلّقة عُبَيد بن الأبْرَصْ (توفي 555م)
أقـْـفَـر مِـنْ أهْـلِـهِ مَلْحُـوبُ .... فالقُطّبــِيـّاتُ فـالـذَّنـُوبُ
(3) معلّقة طرفة بن العبد البكري (توفي 564م)
لِخَوْلَةَ أطْلالٌ بــِبـُرْقــَةِ ثـَهْـمَـدِ ...
تـَلُوحُ كَبـَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِر اليـَـدِ
(4) معلّقة الحارث بن حلِّزة (من بني كنانة) (توفي 580م)
آذَنـتْـنَا بـبـَيـْنـِهَـا أسْمـَاءُ ...
رُبّ ثــَاوٍ يـُمـلُّ مِنــهُ الثـّواءُ
(5) معلقة زيد بن معاوية – [النابغة الذبياني] (توفي 604م)
يا دَارَ مَيّةَ بالعلياء فالسّنَدِ ...
أقوَتْ وطالَ عليها سالِفُ الأبــَدِ
(6) معلقة عنترة بن عمرو بن شــداد – من بني عبس - (توفي 615م)
هلْ غادَر الشعراءُ من متردّمِ ...
أمْ هلْ عرفْت الدّار بعدْ توهُّمِ
وهو مطلع اختلف على صحته العديد من الرواة والنقاد في العصر القديم وعلى رأسهم الأصمعي .... ويرى الأصمعي على سبيل المثال أن افتتاحية المعلقة الحقيقية هي البيت الثاني منها والذي يقول:
أعياك رسم الدار لم يتكلم ...
حتى تكلم كالأصم الأعجم
أما البيت الأول فهو منحول .....
ولكن من وجهة نظري المتواضعة أن معنى البيت الأول متوافق مع كون عنترة قد تأخر كثيرا في قول الشعر .. فهو لم يبدأ النظم في شَرخ صِبَاهْ أوْ رَوْضَ شَبابه كالآخرين من الفطاحِلة والمَطبوعين بل تفجرت فيه هذه الملكة فجأة بعد بلوغه سن الأربعين ولأجل ذلك استدرك ما فاته بقوله هل غادر الشعراء من متردّم .. ومختصر شرح هذا البيت هو : أنّ الشعراء لم يتركوا مجالا وغرضا إلاّ وطرقوه وبحيث لم يجد لنفسه مجالا وسطهم لإبداع الجديد.
كذلك لا أرى لعنترة ميل ودافع للتواضع للمحبوب ليس لأسباب تتعلق بتركيبته النفسية الموروثة . وإنما لأسباب خارجية فرضت عليه ، فسبّبت معاناته وجرحه النفسي البالغ من تعيير أترابه له في مراتع وعهود الطفولة المبكرة بهجينيته وسواد لونه وأمه السوداء . أو على الأقل إحساسه بأن الآخر وبعد أن شبّ وبلغ مبلغ الرجال يتعامل معه وفق هذا المنظور أيضا وإن لم يفصح عنه صراحة خوفاً من بطشه أو لأسباب تتعلق بالكياسة والدبلوماسية والذوق في التعامل بين الكبار .
وقد ذهبت إلى هذا الظن على الرغم من بروز دراسات تاريخية حديثة تؤكد أن والد عنترة لم يكن يعامله كعبد . وأن عنترة كان عربي السِّمات القَسَمات ولكن لونه فقط هو الذي كان أسودا مثل أمّه ، وأنه كان وحيدها وليس له أخ منها إسمه شيبوب . وأنه قد نشأ وترعرع وسط زوجات ابيه وإخوته منهن داخل مضارب عشيرته والقبيلة صحبة أترابه من أبنائها ، فكان عربي النزعة والشعور والتوجهات ، ولم يكن عبداً منبوذا مطرودا من حمى القبيلة يقضي جلّ وقته رفقة البهائم في الخلاء ، بل كان له مكانه المرموق في مجلس ومنتدى العائلة والقبيلة ... كذلك لم يرفضه والد عبلة بزعم عبوديته ، ولكن طمعا منه في مهر غالي بعد أن رأي عشق إبن أخيه لها ... والذي يؤكد هذه الاستنتاجات أن الفروسية مرتبة عالية من المكانة الاجتماعية ومهارات قتالية لا تاتي لصاحبها هكذا مجانا بل يسبقها تدريب عسكري وتاهيل وإعداد نفسي ... وبالتالي لا يمكن أن يبلغها عبد رقيق ، ولا يسمح له ببلوغها وفق أعراف وقوانين وضغوط العبودية النفسية والاجتماعية ، وحيث كان العبيد مفرغين للخدمة الذليلة الوضيعة في البيوت والأسواق وحمل الأثقال ليس إلاّ .
(7) معلّقة عمرو بن كلثوم (توفي 622م) - 1 هــ
الا هبّي بصحنك فأصبحينا ...
ولا تبقي خمر الأندرينا
ولكنه يعود فـَيَسْتـَوْقِفَ في البيت الثامن ثم التاسع على نهج الملك فيقول:
قفي قبل التفرق يا ظعينا ...
نخبرك اليقين وتخبرينا
قفي نسالك هل احدثت صرما ...
لو شك البين او خنت الأمينا
وقد جاءت هذه الافتتاحية الخمرية من لدن الشاعر مثيرة للجدل بين الرواة ومنهم من ذهب إلى القول أن الافتتاحية الحقيقية كانت قوله :
قفي قبل التفرق يا ظعينا ... نخبرك اليقين وتخبرينا
ولكن معظم المصادر بعد ذلك اتفقت على تـثبيت الافتتاحية الخمرية ..... وربما كان الموقف (مشاعر الانتقام والمفاخرة المغرقة الإنفعال) الذي أنشد فيه الشاعر هذه القصيدة هو الذي حكم عليه بهذه الإثارة كأنّ الدماء (وهي لون الخمر عادة) ..دماء الملك عمرو بن هند (ملك الحيرة) التي سالت تحت سيف عمرو بن كلثوم انتقاما لكرامة أمه (ليلى بنت الملك المهلهل شقيق الملك كليب) هي التي فرضت الموقف... كذلك كانت لشخصية الملك عمرو بن كلثوم الشديد الاعتزاز بالنفس أثرها في احجامه النزول عن (بُرْجِهِ العَاجِي) فيبكي على آثار إمرأة..... وحيث الهَضْم والتواضُع والتوسُّل للمحبُوب يبقى دائما فاكهة العلاقة والمحكّ الرئيسي في تسعير وتاجيج نار العاطفة بين الذكر والأنثى . ومن ثم تهييج النفس بالبكاء عليه وعلى آثاره .. وهو ما تأباه شخصية مثل هذا الملك التغلبي العنيد الذي يأنف على ما يبدو من ان يضع نفسه في موقع الضعف أو يدّعيه على الأقل من أجل تطييب خاطر محبوبته ....
(8) معلقة زهير بن ابي سلمى المُزني (توفي 637م) – 6هـ
أمِنْ أُمِّ أوفَىَ دِمْنَةً لَمْ تَكَلّمِ ..
بحَوْمَانةِ الـدَرّاج فالمُتثلّمِ
(9) معلّقة الأعشى الكبير (ميمون بن قيس بن جندل) توفي 629م (8هـ) :
ودِّعْ هُرَيْرَةَ إنّ الرّكْبَ مُرْتَحِلُ ....
وهَلْ تُطيقُ ودَاعاً أيـُّهَـا الرّجـُـلُ
(10) ملعقة لبيد بن ربيعة العامري (توفي 662م ) 42 هـ
عَفَت الدِّيار محلّها فمُقامُها ....
بــِمِنـِيُ تأبـّد غوْلُها فرجامُها
((((((((((((((((((((((((((((()
المراجع لكافة الحلقات المتعلقة بإمريء القيس:
البداية والنهاية ------------- إبن كثير القرشي
الأغاني ------------ أبو الفرج الأصبهاني
الصحاح في اللغة ------------ الجوهري
الإكليل ------------- الحسن الهمداني
اللزوميات ------------- أبي العلاء المعرِّي
تاريخ الأمم والملوك ------------ الطبري
جمهرة أشعار العرب -------------- أبوزيد القرشي
ديوان إمريء القيس ------------- دار صادر بيروت
سقط الزند ------------- أبي العَلاء المعرِّي
شرح المعلقات السبع ------ الزوزني
طبقات الشعراء ------------- ابن سلام الجمحي
لسان العرب ------------- إبن منظور
التعليقات (0)